الجوّال... مفيد أو مو مفيد؟

أجلس ويّا صديقاتي. أراقبهم. عيونهم في جوّالاتهم. ما حدّ يشوف حدّ. يتكلّمون عن حاجات يقرؤونها على شاشاتهم. ريهام صديقتي الجديدة وحصّة قريبتي يتهامسون وبعد كده عيونهم تغرق كل واحدة في جوّالها. ونجوى وغنى يقرؤون نكات ويهرّجون. وسماح ولميا يتكلّمون عن أنواع الهواتف. وأنا أسمعهم من غير ما أتكلّم. بس أقارن في نفسي بين المواصفات التي يذكرونها ومواصفات جوّالي الـHuawei. آخر إصدار وأحبّه مرّة. شكله نعومة وخدماته مو عاديّة. تقولين كل الجوّالات تتشابه؟ بس ده غير.

اقرئي: دليلك لتطلقي علامة خاصة بك

ومن غير مقدّمات صوتي يخترق هواتفهم وهمساتهم وتهريجهم. أقول: «مو معقول يا بنات كل واحدة عيونها في جوّالها. نريد نتكلّم ونضحك مثل زمان». وريّا تقاطعني: «في جدّ كيف كنّا في أيام زمان نعيش من غير جوّال؟». والبنات يتركون جوّالاتهم على الطاولة. وأنا أحسّ بالحماس عشان النقاش ده. ريهام تتكلّم. هيّ خجولة. البنات يقولون لها تتكلّم بصوت أعلى. عشان كده ترفع صوتها أكثر وتقول: «زمان كان أحلى. من غير الجوّال أحسّ الحياة كانت... كان بيه بين الناس مودّة أكثر. يعني زيارات، لقاءات، أحاديث...». خدودها يصير لونها أحمر وتسكت. وأنا أتابع كلامها: «عندك حقّ. الجوّال هوّ وسيط بين الناس، بس هوّ كمان يفرّق الناس».

المزيد: أتكلّم عن التحدّيات اللي تواجه المرأة

أحسّ كلامي مو مفهوم. أوضّح: «الجوّال يخلّينا نتكلّم حين تفصل بينا المسافات. بس هوّ يفرق بينا حين نكون في المكان نفسه». ريّا تقول: «فلسفة». وأنا أردّ: «مو فلسفة. دحين نجلس وكل واحدة عيونها في جوّالها. مو كده؟ الجوّال يخلّينا نتواصل من بعيد. صحّ. بس أحياناً يقطع التواصل بينا». أشوف الصدمة في عيونهم. عشان كده أقول: «طبعاً الجوّال يقدّم كثير حاجات. هوّ وسيلة تواصل ومكتبة وكتاب خرائط وموسوعة وساعة ومفكّرة... العالم في جهاز واحد صغير. وبعدين خلاص ما بيه غياب. حتى الناس اللي يعيشون في مكان بعيد، الجوّال يخلّيهم كأنّهم هنا». وبعدين أضحك: «مو معقول... معرض الجوّالات على الطاولة!».

اقرئي أيضاً: ثقة العملاء ورضاهم أساس النجاح المهني

وكده كل واحدة تتكلّم عن أكسسوار جوّالها. نجوى تزيّن الغلاف بالترتر. ما يعجبني بس ما أعلّق. وريّا تتركه من غير غلاف ولميا اختارت غلاف زهري. ألاحظ كل ده وأقول: «بس لا تنسون، العالم يدخل لحياتنا في كل مكان وفي كل وقت. العالم اللي في هذا الجهاز الصغير يقتحم أنفاسكم، غرفتكم، أوقات وجباتكم، نومكم وحتى أحلامكم، جلساتكم مع العيلة... هوّ الحريّة اللي تخلّيكم تتخلّصون من حدود الزمان والمكان. بس هو كمان القيد اللي يلاحقكم في كل دقيقة، في كل لحظة. مثل سجن كبير. تحسّون فيه بالراحة بس داخل قضبان ما تشوفونها. والجوّال يخلّيكم تعرفون كل حاجة تصير في كل مكان وفي لحظة حدوثها. بس كمان كده عيونكم مو رايحة تشوف غير جوّالكم... صحّ؟ مو معقول!».

 
شارك