صيحات

حين يلتقي الإرث بالحداثة… فصل جديد في عالم المجوهرات

نوفمبر 14, 2025
إعداد: مايا موسى

إذا كان هناك استثمار واحد يُنظر إليه منذ القدم على أنّه استثمار العمر، فهو بلا شكّ ذاك الكامن في عالم الساعات الفاخرة والمجوهرات الراقية. فوسط عدد لا يُحصى من دور المجوهرات الراقية التي نجحت في الصمود أمام اختبار الزمن، تبرز قلّة منها استطاعت أن تتصدّر المشهد بقدرتها على التكيّف مع تغيّر أذواق المستهلكين ورغباتهم. فبأحجاره الكريمة النادرة وتركيباته غير التقليدية الرائعة وتصاميمه المدهشة وتفاصيله اللافتة، يشكّل عالم المجوهرات عالماً من الفن الخالص الذي لا يبهت مع مرور الوقت، بل يجدّد نفسه باستمرار ليقدّم قطعاً خالدة تُورّث من جيل إلى آخر. إلا أنّ هذا العالم الذي يشهد اليوم تحوّلاً جذرياً في ظلّ التغيّرات السريعة التي تفرضها التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي وتأثيرات الجيل زد، أصبحت فيه القدرة على الجمع بين الإرث والحداثة العامل الأهمّ لنجاح دور المجوهرات الفاخرة الساعية إلى البقاء.

واليوم، باتت الأجيال الشابة تشكّل الفئة الأوسع من المستهلكين، ما دفع العلامات إلى التركيز أكثر على احتياجاتهم ورغباتهم. ومع تزايد اهتمامهم بالشفافية والبساطة والأصالة والتعبير عن الذات، غيّرت العلامات الراقية نهجها من التركيز على التاريخ والتقليد كمصدر وحيد للإلهام، إلى ابتكار مجموعات معاصرة تُجسّد روح الدار وتظلّ وفيّة لهويتها، لكنّها أكثر حداثة وقابلية للارتداء اليومي. ولم تعد المجوهرات الفاخرة تُقتنى للمناسبات الكبرى كالزفاف أو أي ذكرى سنوية أو الاحتفالات الرسمية، بل باتت اليوم مرغوبة لما تحمله من معنى شخصيّ يعكس هوية من يرتديها ويعبّر عن ذاته من خلال أسلوبه الخاص في ارتدائها وتنسيقها.


كما شهدت صناعة المجوهرات في الآونة الأخيرة تحوّلاً ملحوظاً نحو الممارسات الأخلاقية التي تشمل توفير بيئات عمل آمنة وضمان الحصول على الأحجار الكريمة والمعادن من مصادر مسؤولة، ما دفع العديد من الدور الفاخرة إلى تعزيز مبادئ التتبّع والشفافية في مختلف مراحل سلاسل توريدها. وتُعدّ دار Chopard التي تديرها عائلة إحدى أبرز العلامات الرائدة في مجال الاستدامة، إذ لطالما كرّست جهودها لترسيخ هذا المفهوم، مع تركيز خاص على القضايا الاجتماعية والبيئية التي تواجه عالمَي المجوهرات وصناعة الساعات. أما دار Tiffany & Co.، التي تتّخذ من نيويورك مقراً لها، فتعطي أولوية قصوى لتتبّع مصادر الألماس وضمان نزاهة سلاسل التوريد، في حين تشتهر كلّ من Cartier وBvlgariبالتزامهما الراسخ بمبدأ الشفافية وتعزيز أنظمة التتبّع ضمن عملياتهما الإنتاجية.

فتشهد العلامات الفاخرة اليوم تحوّلاً ملحوظاً من مفهوم العلامة التقليدية القائمة على الإرث والمكانة والتاريخ، إلى علامات أكثر ارتباطاً بواقع العصر وانسجاماً مع روح الحداثة التي يبحث عنها الجيل الجديد. وفي ظل هذا التحوّل نحو المعاصرة، بات من الضروري أن تمتلك العلامات الفاخرة رؤية ذات بعد معنوي عميق تجاه المستهلكين الحاليين والمستقبليين، ولا سيّما الأجيال الشابة التي تُعرف اليوم بجيل الرقمنة، أصحاب التأثير الأكبر والأصوات الأوضح في تشكيل اتجاهات السوق. ومن أبرز الخطوات التي تتّخذها دور المجوهرات والساعات الفاخرة لتعزيز حضورها المعاصر، هو تطوير تصاميمها التي باتت تميل أكثر نحو القطع الحديثة والعصرية، بما يواكب أذواق الجيل الجديد، بدون المساس بهوية العلامة وفرادتها.

فمثلاً، أطلقت دار Cartier مؤخراً مجموعة Love Unlimited المنبثقة من عائلة Love الأيقونية، مقدّمة رؤية جديدة أكثر انسيابية وعصرية تحتفي بالإصدار الأصلي. فمنذ إطلاقها عام 1969، سرعان ما أصبحت مجموعة Love رمزاً أيقونياً، وها هي الدار الفاخرة تُدخلها هذا العام في فصل جديد مع سوار أكثر مرونة وانسيابية، يلتفّ برشاقة حول المعصم. ومع تطوّرها المستمر، تُجسّد المجموعة الجديدة انفتاح دار Cartierالدائم على الابتكار والتحديث وتلبية تطلّعات الجيل المعاصر.

ومن جهة أخرى، تُعدّ دار المجوهرات الفاخرة Boucheron أيضاً واحدة من أبرز العلامات التي تخاطب الجيل الجديد الذي يبحث عن تصاميم مبتكرة تعبّر عن تطلّعاته ورغباته. فمجموعاتها تستحضر روحاً جريئة تمزج بانسجام بين الحداثة والعناصر الكلاسيكية، مجسّدةً الهوية العريقة والغنية للدار، مع حفاظها في الوقت نفسه على صلتها الوثيقة بروح العصر. فالمواد غير التقليدية تمتزج بروعة مع التصاميم الجريئة التي تجمع بين الجرأة والأناقة والخلود في آنٍ واحد. وقد أدّى مزج الفنون بالنحت والهندسة إلى صياغة تصاميم أكثر حدّة وابتكاراً، كما يتجلّى ذلك في مجموعة Quatre الأيقونية التي تُنفَّذ اليوم بأحدث التقنيات والأساليب العصرية. فهذه المجموعة الجديدة تتميّز باستخدام الرمل الأسود الممزوج بالذهب الأصفر في أساور ذي خطوط هندسية واضحة تمنحها طابعاً جمالياً ماكسيمالياً يجمع بين الأسلوب والابتكار والإبداع الفني.

وفي المقابل، تبرز دار Tiffany & Co. كواحدة من أكثر العلامات تأثيراً في عالم المجوهرات، إذ لطالما ركّزت على أصلها واستمدّت إلهامها من أرشيفها الغنيّ الذي تعيد ابتكاره بمهارة فائقة في قطع عصرية متجدّدة. ويُترجم تركيز الدار على الأشكال الجريئة وعلى الجيل الصاعد في مجموعة HardWear الأيقونية المستوحاة من الهندسة المعمارية المذهلة لمدينة نيويورك بطابعها الحضريّ والصناعيّ. وبفضل خطوطها القوية وتصميمها العمليّ الأنيق، صُمِّمت هذه المجموعة للمرأة العصرية التي تجمع بين تقديرها للأصالة وشغفها بالتجديد. أما في عالم المجوهرات الراقية، فقد استلهمت دار Tiffany & Co. من أرشيفها العريق لتقدّم مجموعة Blue Book 2025: Sea of Wonder التي تعيد من خلالها تجسيد إبداعات Jean Schlumberger المستوحاة من عالم البحار، بأسلوب معاصر يحوّل تلك التصاميم البحرية الكلاسيكية إلى روائع فنية جديدة تعبّر عن رؤية جمالية متفرّدة.

وفي نفس الإطار، تواصل دار Bvlgari الإيطالية الفاخرة ترسيخ مكانتها كإحدى أبرز العلامات الرائدة في عالم المجوهرات الراقية من خلال مزج إرثها الروماني بالقيم المعاصرة. فيعود سرّ نجاحها إلى روح الابتكار المستمرّ وحرصها على ابتكار أروع القطع الفاخرة، إذ استطاعت اليوم أن تتطوّر بما يتماشى مع تغيّر أذواق المستهلكين واحتياجاتهم، لتصبح علامة عصرية أعادت تخيّل إرثها الغنيّ من منظور جديد وحيويّ. فتُعدّ الألوان الجريئة والتصاميم المعمارية من السمات المميّزة للدار، مع مجموعاتها الأيقونية التي تُعيد ابتكارها باستمرار لتلبية تطلّعات المستهلكين العصريين. ومن بين أبرز هذه المجموعات Serpenti وB.Zero1 وDiva’s Dream، التي اشتهرت بأسلوبها العملي والأنيق المتناغم تماماً مع ذوق الجيل زد الباحث عن أرقى أشكال الفخامة في الأسلوب المينيمالي الذي يحتفظ في الوقت نفسه بعناصر لافتة. وتُعدّ مجموعة Serpentiالأيقونية نموذجاً بارزاً على هذا التطوّر المستمر، إذ شهدنا تحوّلها من ساعات دقيقة ذات تصاميم ملتفّة إلى مجوهرات قابلة للارتداء. أما مجموعة Serpenti Viper، فتمتاز بتصميمها الانسيابي والمركّب، وخطوطها المينيمالية، وتقدَّم بخيارات من المواد النفيسة مثل الذهب الوردي والألماس والمينا الملوّن. وُجدت هذه المجموعات لتخاطب الأشخاص الذين يقدّرون الحرفية الرفيعة والحداثة المعاصرة، وتستحوذ في الوقت نفسه على اهتمام الجيل زد الذي يبحث عن قطعٍ خالدة ومتعدّدة الاستخدام تجمع بين البساطة والجرأة في آنٍ واحد.

فإذاً في عالمنا الذي يتطوّر باستمرار، لم يعد تغيير التصاميم والجماليات كافياً، بل أصبح على علامات المجوهرات التكيّف بنجاح مع التحوّلات السريعة في أذواق المستهلكين وأساليبهم الشخصية. ومع تطوّر العالم الرقمي، برزت الحاجة الملحّة إلى الشفافية وإلى التركيز على الممارسات الأخلاقية والاستدامة، ما أحدث تحوّلاً جذرياً في مفهوم الفخامة ودفع العلامات الراقية إلى إعادة النظر في نماذجها الأساسية لتتمكّن من مواكبة هذا التغيير وتلبية متطلّبات المستهلكين الجدد. ويُعدّ جيل زد اليوم من أكثر الأجيال تأثيراً، إذ يُعرف بكونه جيلاً رقمياً بامتياز، يتمتّع بقدرة لافتة على التأثير والتعبير عن آرائه علناً وتوجيه الرأي العام. وبالنسبة للعلامات الفاخرة، فإن التمسّك بهويتها يبقى أمراً جوهرياً لا يمكن التنازل عنه، غير أنّ الابتكار وإعادة الابتكار أصبحا عنصرين أساسيين للحفاظ على ارتباط العلامة برغبات المستهلكين عبر الأجيال. فإنّ الجمع بين الإرث وأنماط الحياة العصرية يُبقي المستهلكين على تفاعل دائم، خصوصاً المستهلكين الشباب من عشّاق الفخامة الذين يبحثون عن التعبير عن علامات تعبّر عنهم وتُجسّد قيمهم من خلال التصميم والاستدامة والشفافية والحملات الرقمية الحديثة التي تنطلق من قصص واقعية ملهمة. ففي زمن لم يعد فيه الإرث وحده كافياً، أصبحت الحداثة ضرورةً جوهرية لضمان استمرارية علامات المجوهرات الفاخرة.

اقرئي المزيد: أسبوع دبي للساعات 2025 عندما يلتقي بالفن بالثقافة

العلامات: ساعات مجوهرات

المجلات الرقمية

قد يهمك أيضاً

اشترك في صحيفتنا الإخبارية