“من لا يعرفها يجهلها”… بهذه المقولة يمكن استهلال حديثنا عن مقدّمة البرامج اللبنانيّة ستيفاني صليبا التي دخلت مجال التمثيل من بابه العريض من خلال مسلسل “متل القمر” الذي يختصر تجربتها الأولى في التمثيل. حين تتعرّفين إلى ستيفاني، تلمسين في داخلها تلك الفتاة الطموحة والعصاميّة التي تبحث عن آفاق وتحدّيات جديدة في عصر بات من الصعب جداً تحقيق طموحاتنا فيه من دون المرور بعقبات كثيرة وكبيرة تعترض طريقنا، لكنّها قبلت التحدّي وخاضت مغامرة خطيرة على حدّ وصفها، حين وافقت على تجسيد شخصيّة قمر التي غيّرت نظرتها حول مفاهيم كثيرة.
لمع اسمك في مجال الإعلام كمقدّمة برامج، واليوم نراك تخوضين مجالاً مختلفاً تماماً ألا وهو التمثيل. ما الذي أخذك إلى هذا المجال؟
لطالما اعتبرت أنّني دخلت مجال التمثيل من باب الصدفة وأنّ القدر شاء أن أخوض هذا المجال من بابه الواسع، خصوصاً أنّني لم أطمح يوماً إلى أن أكون ممثلة ولم أسع إلى ذلك، وبالتالي أعتقد أنّ التمثيل هو الذي انجذب إليّ وليس العكس، فأنا لم أدرس التمثيل ولم آت من خلفيّة تمثيليّة. أعتقد أنّ دخولي هذا المجال كان من خلال المنتجين الذين باتوا اليوم يبحثون عن وجوه جديدة شابة وموهوبة.
نتابعك حالياً في مسلسل “متل القمر”، وهو تجربتك التمثيليّة الأولى. كيف تقيّمينها وإلى أي حدّ حقّقت جزءاً من طموحاتك؟
مسلسل “متل القمر” حقّق لي الكثير لا بل أكثر مما توقّعت، فهو نقطة تحوّل في حياتي المهنيّة والشخصيّة على حدّ سواء، إذ إنّ كل مهنة نزاولها، تصبح مرتبطة بحياتنا. هذا العمل أصبح جزءاً لا يتجزأ منّي، وبفضله أصبحت شخصاً آخر منذ اليوم الأول من بدء التصوير.
ما الذي تغيّر فيك بعد هذا العمل؟
بعد أن اختبرتُ الحياة التي تعيشها “قمر”، هذه الفتاة الفقيرة التي عانت الألم والعذاب، تغيّرت نظرتي إلى كل شيء من حولي، وهذا الأمر يعود إلى كون الممثل يعيش خلال تجسيده للدور الكثير من الأحاسيس والتجارب التي ربما لا يختبرها كل يوم في حياته العاديّة.
ما الذي أضافته شخصيّة “قمر” إلى حياتك، خصوصاً أنّك تجسّدين دوراً بعيداً عن حياتك الواقعيّة؟
هي شخصيّة بعيدة كل البعد عنّي وعـــــن بيئــتي وحتى عن عصــــرنا هذا، كــــون أحــــداث العمل تدور في حــــقـــبــــة الستينـــات حيث التكـــنـــــولوجـــــيا كـــــانـــــت غائـــــبــــة إلى حــــــدّ ما. فأنا مدوّنة ناشطــــة على مواقع التـــــواصل الاجتماعي وأحــــب التكنولــــــوجيـــــا، وجاء الدور ليجرّدني من كل هذه الأشياء. “قمر” شخـــــصيّة مركّبة، ولتجــــسيد شخــــصيّتها، يجب التخلّي عن الأمور السطحيّة والدخول إلى عمق طبيعة الإنسان، خصوصاً أنّها فتاة بسيطة جداً، تتميّز بطيبة قلب كبيرة.
إلى أي حدّ كان من الصعب تجسيد شخصيّة مماثلة في زمن بتنا نفتقر فيه إلى أشخاص طيّبي القلب؟
من الصعب جداً أن نعيش براءتها بعد التجارب الكثيرة التي نعيشها في حياتنا اليوميّة، وبالتالي سيكون علينا التجرّد من كل ماضينا لنعيش مثل “قمر”. وعلى الرغم من الانتقادات التي تتعرّض لها، إلا أنّه يوجد “قمر” داخل كل واحد منا، فالإنسان لم يولد مثقّفاً أو كاذباً أو شريراً، فكلها أمور نكتسبها من الحياة.
أفهم من ذلك أنّ قـــمر غيّـــرت نـــظرتك إلى الحياة؟
نعم، وأكثر من ذلك، فأهم ما أضافته إليّ هو تلك الأحاسيس الصادقة والتضحية من أجل من تحب، خصوصاً أنّ قمر على استعداد لفعل أي شيء من أجل أفراد عائلتها وتأمين لقمة العيش لهم.
هل تعتقدين أنّ مجتمعاتنا اليوم باتت تفتقر إلى أشخاص مثل “قمر”؟
قد لا تصادفها في المدن، لكنّها متواجدة في الأرياف وتحديداً في المجتمعات الأكثر فقراً، وهذا الأمر اكتشفته في بعض المناطق التي كنّا نقصدها خلال تصوير مشاهد المسلسل، حيث رأيت “قمر” في أكثر من شخص. قد يعتقد البعض أنّها شخصيّة خياليّة ولم تعد موجودة في عصرنا هذا، لكن إن بحثنا عنها جيداً سنتفاجأ أنّ العكس هو الصحيح.
دخولك عالم التمثيل من بابه العريض ومن خلال بطولة مطلقة، هو مغامرة بحدّ ذاتها، وقد يتردّد كثيرون في خوضها. ألا توافقينني الرأي؟
لا شكّ في أنّ خطوة مماثلة كانت بمثابة تحدّ كبير بالنسبة إليّ، كوني لم آت من خلفيّة تمثيليّة. ولأنّ “قمر” بحدّ ذاتها هي شخصيّة صعبة و”مخيفة”، وقد تردّدت نجمات كبيرات في تجسيدها، لذا أعتقد أنّ قبولي هذا الدور كانت فيه مخاطرة كبيرة، لأنّه كان سيضعني إما على السكّة الصحيحة ويضيف إليّ الكثير، أو “سيحرقني” كممثلة
وما هي النتيجة التي لمستها؟
لا شك في أنّ المسلسل وضعني على السكة الصحيحة خصوصاً أنّ ردود الأفعال كانت إيجابيّة، إذ ترك الدور أثراً إيجابياً لدى الناس، علماً أنّ الحكم الأول والأخير يبقى للجمهور وللأرقام التي تحدّد النتيجة وقد حصد المرتبة الأولى من حيث نسبة المتابعة.
يعرض المسلسل بالتزامن مع عرض مسلسل “سوا” على شاشة LBC اللبنانيّة الذي يلقى أيضاً نصيبه من المتابعة، والمعروف أنّ هناك منافسة كبيرة بين محطّتي MTV وLBC كيف ترين هذا الأمر؟
لا يختلف اثنان على أنّ محطة LBC هي الأقوى درامياً، لكنّ المسلسلين يختلفان من حيث القصّة والحقبة التي تدور الأحداث حولها، وبالتالي من الطبيعي أن تنقسم أذواق الجمهور، لذا أعتقد أنّه لا توجد منافسة بين العملين.
لم ترحمك الانتقادات منذ الحلقة الأولى من المسلسل. هل تعتبرين أنّك ظُلمت، إذ جاء حكم الناس وخصوصاً الصحافة سابقاً لأوانه؟
هناك فرق بين الناقد والمنتقد، فالناقد البنّاء يوجّهك نحو المسار الصحيح لتطوير نفسك أكثر، إذ يبدي رأيه بكل موضوعيّة ويعرض الإيجابي والسلبي على السواء. أما المنتقد، وخصوصاً من يأتي حكمه سابقاً لأوانه، فهو الذي ينتقد بطريقة لا تنم عن احترافيّة ويكون هدفه ربما التجريح أو بسبب كراهية أو حقد، وهذا الأخير لا يأخذه الناس على محمل الجدّ. الناقد المحترف هو الذي يحكم على العمل بعد متابعة معمّقة ومشاهدة أكثر من حلقة. أين الاحترافيّة حين يخرج أحد المنتقدين بخلاصة أنّ “ستيفاني صليبا هي ممثلة فاشلة” وهو في الأصل لم يشاهد سوى خمس دقائق من العمل؟! أحترم كل الصحافيين الذين يدعمون الدارما اللبنانيّة، لا سيما في ظلّ المنافسة التي تواجهها مع الدراما العربيّة، وبالتالي لمَ التجريح بالدراما اللبنانيّة في وقت يستطيع فيه الصحافيون والمنتجون والممثلون العمل يداً بيد لدعم الأعمال المحليّة والوصول بها إلى أعلى المستويات!
بعد “قمر”، ما هي الأدوار التي ترغبين في تجسيدها؟
أديت كل الأدوار من خلال “قمر”، فهي تجمع نسبة تسعين في المئة من الشخصيات التي أرغب في تجسيدها.
هل ترافقك في حياتك اليوميّة؟
(ضاحكة) لن تصدّق إن قلت إنّ اسمي أصبح قمر، وينادون والدتي باسم “أم قمر”.
ارتبط اسمك بالموضة كونك صاحبة إحدى المدوّنات التي تعنى بالموضة والـLife Style كيف تصفين علاقتك بالموضة وكيف تنظرين إليها اليوم؟
برأيي، ترتبط الموضة بشخصيّة الإنسان وبلمسته الخاصة، أي بتعبير أدق، الموضة لا تتعلق بما هو رائج أو غير رائج، فأسلوب كل شخص في الأزياء يجب أن يتناسب مع شخصيّته. الملابس بالنسبة إليّ هي لغة غير ناطقة، أي أنّ الأسلوب الذي نختاره للظهور به يحدّد ما نريد إيصاله للمحيطين بنا، فإذا رغبنا في الظهور بملامح جدّية نختار ملابس تعكس هذه الحالة، وإن رغبنا في أن نترك انطباعاً بأنّنا في غاية الجاذبيّة، فسنختار تلقائياً إطلالة تبرز مفاتننا…
كيف تصفين أسلوبك في اختيار أزيائك، وإلى أي حدّ أنت جريئة في ابتكار إطلالات جديدة؟
خطوة مماثلة لا تتطلّب جرأة، إنما تحتاج إلى أن تكون عاشقاً للموضة. فأنا لا ألجأ دوماً إلى العلامات التجاريّة الشهيرة أو الملابس التي تحمل توقيع أشهر مصمّمي الأزياء، فالأهم بالنسبة إليّ هو اختيار ما هو جميل وما يضفي عليّ لمسة لا تخلو من الرقي والأناقة، ويمكن تحقيق ذلك من خلال إضافة بروش مميّز، أو وضع وشاح أو حمل حقيبة… فاختيار قطعة واحدة أنيقة كفيلة بأن تغيّر الإطلالة بشكل لافت لا يخلو من الرقي.
هل تواكبين أسابيع الموضة العالميّة؟
كنت أتابعها في السابق، لكنّ اليوم لم يعد لديّ الوقت الكافي لذلك بحكم ارتباطي بتصوير المسلسل.
من هو المصمّم المفضّل لديك؟
في الواقع، أنا لا أتبع مصمّماً محدّداً، إنما أختار ما يناسبني.
هل أخذك التمثيل من نشاطك على مدوّنتك الخاصة؟
للأسف الشديد نعم، لكنّني سأستعيد نشاطي كمدوّنة والذي اعتبره شغفي الأول والأساسي فور الانتهاء من التصوير.
حوار: ريشارد ديب، تصوير: طارق مقدم، مدير تنسيقي: نيكولا عازار، مديرة فنية: فرح كريديّة، تنسيق الملابس: سيدريك حداد، تصفيف الشعر: جو قسطنطين، ماكياج: Face Place Beirut ، مكان التصوير: Behind The Green Door – لبنان