حديث حصري مع المصممة سارة بيضون: التغيير الإيجابي هو أكبر محرك لي
لجأت المصمّمة اللبنانيّة سارة بيضون طوال سنوات إلى الموضة لتساعد في تمكين نساء بلدها، فكانت النتيجة علامة Sarah’s Bag الراقية، التي تقدّم من خلال موقعها أجدد التصاميم التي لطالما أرضت المرأة العصريّة الباحثة عن أزياء وإكسسوارات مميّزة وتحمل رسالة إنسانيّة مؤثّرة. وفي خطوة منها نحو العلامية، تعاونت العلامة اللبنانية مع العلامة الفرنسية Chloe تقديراً للحرف اليدوية والتزامًا للنهوض بالمرأة.
وتزامناً مع هذه الشراكة العالمية، نسترجع حديثاً خاصاً مع المصمّمة اللبنانيّة سارة بيضون التي تشاركنا قصّتها ورسالتها.
من علم الاجتماع إلى الأزياء والأكسسوارات، هل تخيّلت أنّ حياتك ستأخذ هذا المنحى؟
بعد تخصّصي في علم الاجتماع اخترت أن يكون موضوع أطروحتي حول النساء المهمّشات وصرت أزور السجون لكي أتعرّف على قصّصهن، وبعد أن تقرّبت منهنّ ونشأت بيننا علاقات إنسانيّة قرّرت مساعدتهن في الحصول على صنعة أو حرفة تساعدهنّ مستقبلاً لضمان حياة كريمة بعد انتهاء مدة حبسهنّ. اخترت تعليمهنّ صنع منتجات يدويّة وحرفية على أن أقوم ببيعها. البداية كانت من 21 سنة وانطلقنا مع أساور وحلي ولكن الفكرة لم تنجح فانتقلنا إلى الحقائب وبدأ المشروع يلقى رواجاً.
كانت الفكرة بمثابة برنامج إعادة تأهيل لبعض السجينات ولكن مع الوقت وحين لاحظت مدى سعادتهنّ بما يقمنَ به وسعادتي أيضاً بمدى تأثيري إيجاباً على حياتهنّ، قرّرت الاستمرار وتطوير العمل ولاسيّما أنّني طوال فترة صباي كنت منجذبة إلى الحرف والأعمال اليدوية فصرت أبيع الحقائب التي يصنعونها وسنحت لي فرصة عرضها في معرض. من هنا بدأت النساء من المجتمع اللبناني وحتى العربي يتعرّفنَ على قصة الحقائب ويجدنَ فيه فكرتها وتنفيذها وجماليّتها وحرفيّتها العالية ما يرضيهنّ.
بدأنا مع 5 نساء ولكن سريعاً ازداد عدد الشابّات والسيّدات المتحمّسات للمشاركة، فالسجينة حين تصنع قطعة إكسسوار، تنسى همومها ومشاكلها وتعطي من قلبها ليكون عملها متقناً. وعملنا مستمر منذ سنوات وهو في تقدّم دائم طالما نحقّق الهدف منه الذي يكمن في تأهيل النساء ليكنّ فاعلات ومؤثّرات من جديد فلا تنتهي حياتهنّ لمجرّد ارتكاب خطأ أو عمل غير قانوني قمنَ به في ماضيهنّ.
كيف يتم توجيه السجينات حول كيفية العمل على التصميم؟ ومن هنّ الشابات اللواتي يستمرين بالعمل معك؟
في بدايات Sarah’s Bag انطلقنا في العمل بتطريزات بسيطة توجّب على السجينات القيام بها وتعلّمها وبعدها تركيبها على المادّة الخام ولكن اليوم لدي فريق عمل كبير يعدّ التصاميم وفق موضوع موحّد لكلّ مجموعة جديدة، ويوجّه النساء حول كيفيّة العمل على المواد الأولية. ننفّذ المساطر في المشغل وبعدها تنتقل إلى السجن فتتلقّاها السجينات ويبدأنَ بالتنفيذ. وهنا أود أن ألفت إلى أنّ السجينات الموهوبات اللواتي خرجنَ من السجن استمرّينَ في العمل معنا بعد أن عدنَ إلى قُراهنّ ومناطقهنّ، فنحن مكّنا امرأة واحدة وهي بدورها تمكّن عشرات الشابّات الصغيرات في قريتها، وبدل أن تكون امرأة سيئة السمعة وخارجة من السجن عاطلة عن العمل ولا شيء لديها لتقدمه، صارت مثالاً أعلى بالإصرار والعزيمة والقوةّ، وبات مجتمعها متقبّلاً بشكل أكبر لها ولدورها، ما انعكس إيجاباً عليها وساعدها لتحسّن حياتها وتتخلّص من مشاكلها السابقة.
أمّا الشابات اللواتي يستمررنَ بالعمل معي، فقد أثبتنَ براعةً والتزاماً كبيراً بالعمل وحسّاً عالياً بالمسؤولية وشغفاً بتطبيق الأفكار واقتراح تصاميم مبتكرة أحياناً. نحنا نسمح لجميع السجينات بالتجربة ونعطي لهنّ شهادات تخوّلهنَ العمل في أيّ مشغل في المستقبل أيّ بعد الخروج من السجن، ولكن نختار عدداً محدّداً منهنّ ليكمل معنا، فالسجن يضمّ نساءً من عدّة مجتمعات وطبقات فهو عبارة عن عالم مصغّر عن حياتنا. لذلك لا يمكن للجميع إيجاد شغفهنّ في مجال واحد لذلك نحن نساعد الجميع ونختار من تنفع مشروعنا أكثر من غيرها.
ما الذي حرّك فيك الرغبة في تقديم المساعدة أثناء مشاهداتك المختلفة في السجون لدى زيارة النساء السجينات؟ وما الذي يوفره لك إحساس العطاء؟
حقّقت الكثير من النجاحات في حياتي المهنية فقد اختارت أهمّ السيّدات والنجمات والملكات تصاميمي سواء محليّاً أو عالميّاً، كما أنّني عرضتها في أهمّ المدن والعواصم وشاركت في مناسبات ومعارض مهمة وهذه الأمور جلبت لي سعادة كبيرة، ولكنّها لا توازي مدى فخري وإحساسي بالبهجة حين ألمس التغيير الذي استطعت تحقيقه في حياة امرأة كانت تظن أنها أخفقت ولن تخرج من ظلمتها مجدداً إلى النور. هذا التغيير الإيجابي الذي ساهمت بإحداثه في حياتهنّ وحياة أسرهنّ ولازلت أساهم به هو أكبر محرك لي وهو ما يعطيني الشغف لتقديم كل جديد برغم الكثير من الظروف الصعبة التي مررنا ونمر بها في لبنان والعالم بأسره.
استخدمت الموضة في خدمة قضايا إنسانية واجتماعية فما الذي تعنيه الموضة بالنسبة إليك وكيف تقيّمين علاقتها اليوم بمختلف نواحي حياتنا؟
الموضة تعبّر عن وقتنا الحالي وهي تعكس ما يحصل في العالم من تغييرات سياسيّة واجتماعيّة وإنسانيّة. الموضة أداة للتعبير عن الذات ولكنّني طوال مسيرتي لم أتبع صيحاتها بحذافيرها وقد ثبتت صحّة توجّهي هذا بعد أزمة كورونا، فكلّ سيّدة اعتمدت على نفسها لإيجاد أسلوب يريحها ويناسب تغييراتها الحياتيّة بعد أن خضعت للحجر أثناء ذروة الجائحة. لقد استخدمت الموضة لأوصل رسالتي إلى العالم فكل سيدة تحمل حقيبة من علامتنا اختارتها أوّلاً لأنّها جميلة وتواكب الصيحات ولكنّها تعرف جيّداً قصّتها والهدف من ورائها وتدرك أنّ هناك سجينة تعبت في تصنيعها وقد ساعدها العائد الذي حصلت عليه لتعيل عائلتها وتضمن لنفسها حياة كريمة.
إلى أي مدى يجب على المصمّم أن يكون على تماس مع تغييرات المجتمع ولا سيّما إثر انتشار كورونا؟
حاولنا في Sarah’s Bag مواكبة التغييرات الحياتية التي فرضتها الجائحة وبدأنا بإنتاج ملابس مريحة مخصصة للمنزل وفساتين بسيطة ومطرزة بشكل ناعم وقد لاقت القبول والانتشار تماماً كما حال الحقائب لأنّها عكست بصمتنا التي اعتادت عليها المرأة التي تختار علامتنا.
ما الذي يعطيك الإلهام للتصاميم الجديدة وكيف تعكسين ثقافتك العربية والشرقية في تصاميم الأزياء والأكسسوارات؟
العمل اليدوي أساسي في هوية علامتي وهو ما ضمن لها الانتشار قبل 20 عاماً ولا يزال يميّزها حتّى اليوم، فأنا حرصت منذ بداياتي على تقديم قطع راقية ومترفة ولا تحمل عيوباً، وتعكس في الوقت ذاته ثقافتنا فتظهر أحياناً التخطيط العربي أو الأنماط الشرقية المعروفة. أنا أؤمن أنّ أيّ قطعة أبتكرها هي لوحة فنّيّة يجب أن تورث بعد سنوات من الأم لابنتها. حرصت على هذا الأمر في أجدد مجموعة قدمتها بعد انفجار بيروت وحملت عنوان "البركة"، فبعد أن تحطم متجري وبيتي، اخترت نشر رسالة أمل من خلال تصاميم تحمل كلّ معاني الإرادة والرغبة بالحياة. فنحن نطلب من العالم بأسره البركة لكي نستمر ونعمل ونقدّم المزيد من المساعدات لكلّ من يحتاج إليها.