في وجه كل التغييرات، العلامات التجارية التراثية تعرف كيف تبقى وفيّة لهويتها
جميعنا نحب سماع قصّة جميلة يتم سردها بطريقةٍ مبدعة تأخذ مخيّلتنا في رحلة وتجعلنا نتعلّق بها وتثري معرفتنا، وهذا هو بالضبط ما تقوم به العلامات التجارية التراثية. فهي تسرد لنا قصة تأسيسها وتاريخها الحافل، عندما كانت التقاليد والثقافة والحرفية متجذرة في ابتكاراتها. وفي عالم الأزياء والمجوهرات والساعات الفاخرة، تمتلك العلامات التجارية التراثية التي عمرها عقود قصّة قيمة تجعل المستهلك يتعلّق بها، قصّة تقف كحجر أساس للعلامة التجارية وتؤكّد على وجودها الحالي بشكل أكبر. ولكن التحدي الحقيقي الذي تواجهه هذه العلامات التجارية التراثية الفاخرة هو التغيير السريع الذي يشهده العالم اليوم لمواكبة تفضيلات المستهلكين المتغيّرة باستمرار. فكيف يمكنها البقاء وفيّة لأصولها مع الاستجابة في نفس الوقت لمتطلبات المستهلكين المتغيرة؟ الإجابة واضحة، فيجب على العلامة التجارية أن تظل وفيّة لنفسها وأصالتها وقيمها وتراثها مع تبني الحداثة وإعادة الابتكار.
CHANEL
DIOR
وإنّ تقديم تصاميم حصرية ومواكِبة للسوق وذات أسعار مرتفعة بعض الشيء عناصر رئيسية تلعب دوراً في تشكيل مكانة أي علامة تجارية فاخرة. فعندما لا يكون من السهل الوصول إلى منتج معيّن، يصبح هذا الأخير مرغوباً أكثر في عيون المستهلكين، فسيكولوجية الندرة تؤثر على سلوكيات المستهلكين ويزيد من رغبتهم في الحصول على الأشياء النادرة. ولكن اليوم، تبقى فكرة أن تظل العلامة التجارية وفية لهويّتها، على الرغم من الحاجة إلى مواكبة المستهلك، هي الأساس. فالمستهلكون الناضجون يتعلّقون ببعض العلامات التجارية الفاخرة ليس فقط بسبب المنتجات التي تقدّمها، ولكن أيضاً بسبب قصة تراثها التي تلعب دوراً في ضمان الحرفية التي لا تشوبها شائبة ودراية العلامة.
واليوم، تُعد Dior و Chanel و Louis Vuitton و Gucci من أفخم علامات الأزياء التجارية المرغوبة. فوراء كل علامة تجارية منها قصة تأسيس تاريخية تم استخدامها بنجاح لإنشاء هوية حصرية للعلامة. فلقد نجحت هذه العلامات التجارية بالحفاظ على صورتها والبقاء وفية لهويتها الأساسية من خلال دمج قصص من ماضيها في مجموعاتها. ومن خلال ابتكار منتجات استثنائية ونادرة، زرعت لدى المستهلك رغبة وحلم يمكن تحقيقه من خلال التعلّق بالعلامة التجارية أو بمنتج معين. فلطالما كان هذا النهج استراتيجية ناجحة سمحت للعلامات التجارية التراثية بأن تبقى مواكبة لعالم اليوم المتغير، حيث يبحث المستهلكون عن شيء حقيقي وجدّي يتردد صداه مع التاريخ الغني وتراث الدار الفاخرة.
GUCCI
LOUIS VUITTON
وما يجعل علامة تجارية فريدة من نوعها هو العناصر المرئية والرمزية المتجذرة في جوهرها والتي تتميّز بها. أما استمراريّة نجاحها فيكمن في قدرتها على البقاء وفية لهذا الجوهر مع تحديث رموزها لتظل جذابة لمستهلكي اليوم. فبمرور الوقت، تصبح بعض التفاصيل رموزاً أيقونية لدى العلامة التجارية، نابعة من تراثها وقصة تأسيسها. فمثلاً تشتهر Dior بنمط cannage منذ أربعينيات القرن الماضي، وقد نشأ من افتتان السيد Dior بخياطة القش الذي كان يزيّن الكراسي في أحد عروضه، فأصبح نمط cannage منذ ذلك الحين يرمز لدار Dior ويدلّ على أنّ المنتج من Dior من دون الحاجة إلى شعار. وبالمثل، تشتهر دار Chanel الفاخرة بعناصر مثل زهرة الكاميليا ونسيج التويد واللؤلؤ، ولطالما كانت الكاميليا رمز للعلامة التجارية منذ عام 1913. واليوم، تعيد هذه العلامات التجارية تفسير هذه العناصر الرمزية والتارخيّة والتراثية بشكل إبداعي، لتكون بذلك تقدّم منتجات جديدة لمستهلكي اليوم مع الحفاظ على وفائها لهويتها. فلقد ساهم هذا التوازن بين فهم احتياجات المستهلك الحديث والحفاظ على هوية العلامة التجارية في نجاح العلامات التجارية التراثية بشكل كبير.
LOUIS VUITTON
DIOR
ومع ظهور جيل جديد من العملاء، تواجه العلامات التجارية الفاخرة تحدياً كبيراً إذ إنّها بحاجة إلى تحقيق توازن بين الإبداع والابتكار والارتباط بالتراث، والتكيّف في نفس الوقت مع رغبات العملاء المتغيرة. وإنّ الاعتماد على التراث والقيم الأساسية أمر بالغ الأهمية للحفاظ على هوية العلامة التجارية، ولكن سرد القصص والابتكار ضروريان أيضاً. فالأجيال الصاعدة اليوم تهتم جداً بتعلم أشياء جديدة، وبالتالي، فإنّ الاستعانة بالسرد القصصي أمر بالغ الأهمية للحفاظ على اهتمامهم بالعلامة التجارية التراثية. ونرى اليوم أنّ المعارض الدولية التي تعرض قطع تراثية لعلامات أزياء ومجوهرات وساعات أصبحت شائعة، فهي توفّر للأشخاص فرصة طرح أسئلة حول القطع التراثية التي تقدّمها العلامات التجارية الشهيرة والتعرّف على تاريخها من خلال التفاعل وجهاً لوجه مع هذه القطع القيمة. ومن جهة أخرى، تُعد أيضاً التعاونات بين العلامات التجارية طريقة فعّالة لعرض حرفية أي علامة تجارية وإبداعها. فعند توحيد الجهود لابتكار منتج لم يسبق له مثيل، تكتسب العلامات التجارية المتعاونة اعتراف المستهلكين وخاصةً الأجيال الصاعدة اليوم المهتمة جداً بالتعاونات الفنيّة المحدودة الإصدار والكميّة، ما يؤكّد على سعيهم لكل ما هو فريد من نوعه وحصري.
فإنّ الحفاظ على الدراية الحرفيّة وتصوير التاريخ والتراث بطريقة مبتكرة والاستيحاء من ثقافة الجيل الجديد مهد الطريق للعلامات التجارية الفاخرة لتنجح في الحفاظ على تراثها الغني بوجه التغيّر المستمر لتفضيلات المستهلكين. فالحفاظ على التراث أمر أساسي، واليوم تقوم العلامات التجارية بذلك من خلال تقديم منتجات عالية الجودة فريدة من نوعها وإعادة ابتكار منتجات أيقونيّة باستمرار للتكيّف مع الحداثة وبالاستعانة بجمال وفن الحرفية التقليدية.
GUCCI
CHANEL
DIOR
"بحلول عام 2025، ستصبح المتاجر الإلكترونية والمتاجر التي تقدّم سلع من علامة تجارية واحدة من أهم قنوات بيع السلع الفاخرة، وكل وستمثّل كل واحدة منها نسبة 25٪ من السوق. تعتقد شركة Bain & Company أنّ المتاجر ستستمر في لعب دور حيوي في سوق السلع الفاخرة، وأنّ 75٪ من عمليات الشراء ستتم داخل المتاجر التقليدية بحلول عام 2025. "- Bain & Company
مع دخول العصر الرقمي الذي شهد نمواً هائلاً بسبب تأثير الجيل زد وجيل الألفية، إنّ العلامات التجارية التي نجحت في الاستمرار بالنمو هي تلك التي حافظت بشكل فعّال على هويتها عبر جميع القنوات، من المتاجر التقليديّة إلى البوابات الإلكترونية. وإنّ التراث والخلود والخبرة والتفرد هي عناصر أساسية لعبت دوراً محورياً في ضمان النجاح المستمر للعلامات التجارية، والأهم من ذلك هو أنّ العلامات التجارية الفاخرة التي استطاعت البقاء وفيّة لهويتها الأساسية ودمجها بشكل إبداعي في جميع خطوط الإنتاج والمجموعات الجديدة هي التي كانت رائدة في الصناعة. وليس بالمهمة السهلة أن تبقى علامة تجارية ما حقيقية مع جوهر ما تمثله وأن تحاول في نفس الوقت التكيف مع رغبات المستهلك المتغيرة، ولكن التركيز على تقديم قطع رائعة وخالدة تعكس تراث وقصة العلامة التجارية أثبت أنه مفتاح النجاح.
اقرئي المزيد : فساتين زفاف فخمه لصيف 2024 عُرضت خلال أسبوع الموضة في باريس