دينا زين الدين-بيروت
تردّد نساء كثيرات عبارة «لا أدري كيف مرّت السنوات العشر الأخيرة سريعاً» أو «تبدو الأيام متشابهة ولا تحمل أيّ تغيير»، ويشعرن بأنّ الإنجازات التي حقّقنها لا تصل إلى ربع ما كنّ يخطّطن له حين كنّ في سنوات المدرسة أو الجامعة، وبأنهنّ فقدن الاندفاع ويحتجن إلى حافز يخرجهنّ من روتين الحياة الزوجيّة أو المهنيّة. وعلى المقلب الآخر، هناك فئة ثانية من النساء الناجحات والمقتنعات بالمسار الذي اتخذته حياتهن، حقّقن غالبيّة الأمور التي أردنها ويخطّطن للمزيد من الإنجازات على الأصعدة الشخصيّة والعمليّة والعائليّة.
طفرة المسؤوليات
الفرق بين هذين النوعين هو أنّ النساء في الفئة الأولى انجرفن وراء جنون الحياة وصخبها وأفرطن في الانسياق خلف العمل فنسين معنى الاستمتاع، بينما النساء في الفئة الثانية وضعن سلسلة أهداف وحدّدن أولوياتهنّ ولم يغفلن عنها فوجدن وقتاً لكلّ شيء، واستطعن العيش برضى وإسعاد أنفسهنّ والمحيطين بهن. وأنتِ سيدتي، هل تنتمين إلى الفئة الأولى أم الثانية؟ هل تمسكين بزمام حياتك أم تشعرين بأنّ الظروف تتغلّب عليك؟ وكيف تسترجعين السيطرة في حال كنت قد فقدتها؟
الحديث في هذا الموضوع لا ينحصر فقط في النساء، فالإنسان المعاصر يعيش طفرة في المسؤوليات فيبقى تفكيره مشغولاً بمجريات يومه واليوم الذي يليه، ولا يجد في نفسه الطاقة أو القدرة على التفكير والتخطيط للمستقبل.
مبرمجة لتنفيذ الأوامر
تقول سلام (28 عاماً): «أحاول التوفيق بين متطلّبات زوجي وأولادي وعملي، أشعر أحياناً بأنّ الأمر ينجح ولكنّني في غالبيّة الأوقات غير سعيدة أو راضية عمّا أقوم به. عقلي لا يهدأ طوال الوقت وكأنّه تحوّل إلى كمبيوتر، وكأنّ كل شيء مبرمج وأنا الآلة التي تنفّذ».
تؤكد سلام أنّها لا تستطيع التخلّي عن نمط حياتها السريع، فحين تأخذ إجازة من العمل تصاب بالملل وترغب في العودة، لكنّها في الوقت نفسه لا تريد الاستمرار في العيش على عجل.
عذاب الضمير
من جهتها، تشعر السيدة رؤى (37 عاماً) أنّها مقصّرة دائماً ولا سيما بحق زوجها وأولادها، لكنّها لا تتمكّن من السيطرة على نفسها والتخفيف من التفكير بالعمل، «صرت مدمنة على العمل حتى أنّني أجلب معي بعض الأمور التي لم أنته منها إلى المنزل. أعرف أنّ أفراد عائلتي أهم وأنّ عليّ قضاء المزيد من الوقت معهم ولكنّني لا أستطيع أن أمنع نفسي من التفكير بالعمل».
تكمل السيدة الثلاثينيّة: «لا أستطيع تقسيم وقتي وتحديد أولوياتي، وعلى الرغم من معرفتي أنّ أسرتي تأتي في المرتبة الأولى، إلا أنّني أبدّي العمل عليهم وأشعر بعد ذلك بتأنيب الضمير».
الحل الذكي
أما السيدة رباب (41 عاماً)، فوجدت طريقة ناجحة لتقسيم وقتها بحيث لا تظلم نفسها أو عائلتها. تقول: «الحياة تحتاج أن نكون مرنين وأذكياء، فليس حجم ما نقوم به هو المهم بل نوعيّته، بمعنى أنّني أستطيع خلال ربع ساعة أقضيها مع ابنتي أن أتواصل معها وأعرف ما الذي تحتاجه، بينما هناك أمهات يقضين نهارهنّ بكامله مع أولادهنّ لكنهنّ لا يعرفن ما الذي يجري في حياتهن. أنا طبّقت هذه النظريّة على مجمل علاقاتي واستطعت النجاح بحيث أحقّق سعادتي وأعرف أنّني أُسعد من حولي وأكون إلى جانبهم في الوقت الذي يحتاجون فيه إلى وجودي».
لا للجمود والثبات
تقول الاختصاصيّة في علم الاجتماع ليلى شعيب إنّ التركيز على نوع محدّد من النشاط يسبّب جموداً وثباتاً، «والمعروف أنّ هذه الحالة تؤدّي مع الوقت إلى تراجع القدرات الفكريّة والذهنيّة، وتحدّ من قدرتك على الإبداع، وبالتالي تطوير ذاتك والتأثير إيجاباً على من حولك»، فالعمل المضني والمستمر على المنوال نفسه لوقت طويل – سواء كنت ربّة منزل أم امرأة عاملة – بحسب الاختصاصيّة، يساهم في تراكم التوتّر والضغط والإحباط ويمنعك من التفكير بأمور أخرى لعلّها أهم من الوظيفة، لذلك عليك أن تسعي إلى إيجاد نشاطات تحبّين القيام بها وتخصّصي وقتاً لأدائها، ومن المفضّل أن تقومي بهذه الهوايات أو الأعمال مع شخص تثقين به وترتاحين للتواجد معه حتى يشجّعك على الاستمرار، فتغيير نمط الحياة الروتيني الذي اعتدته يكون صعباً في بدايته، لأنّ العادة مريحة ولا تتطلّب مجهوداً، لذلك تحتاجين في الفترة الأولى إلى من يحثّك على الاستمرار وهنا يأتي دور الزوج.
دور الشريك
تشرح شعيب: «لأسرتك ولا سيما زوجك وأولادك دور كبير في إحساسك بالسعادة، فإذا شاركت زوجك التغيير الذي يحصل معك سينعكس الأمر على علاقتكما. هذا التقارب سيوطّد الروابط بينكما وسينتج عنه تطوّر في نوعيّة حياتكما وتغيير للأحسن في صفاتكما الشخصيّة».
تلفت الاختصاصيّة إلى أهميّة تخصيص أوقات فراغ يوميّة، «شعورك بالذنب لعدم قدرتك على إتمام كل ما هو مطلوب منك لن يغيّر الواقع، بل سيزيدك عصبيّة، لذلك خصّصي وقتاً للراحة خلال اليوم وحاولي خلاله إبعاد ما يزعجك عن ذهنك وسترين أنّك ستجدين حلاً مبتكراً لما كان يزعجك لم تكوني لتتوصّلي إليه لو بقيت في قوقعتك».
وترى الاختصاصيّة أنّه من المفيد تحديد حدث مميّز لكل يوم يمر، وكتابة هذا الحدث على ورقة والاحتفاظ بهذه الأوراق ومراجعتها نهاية العام. «يمكن أن يكون الحدث تلقّيك هديّة مميّزة في عيد الأم من ابنك، أو كلمة شكر قالتها لك جارتك وأدخلت الفرحة إلى قلبك، أو نكتة مرحة رواها زوجك وضحكت عليها كثيراً. المهم أن يكون حدثاً صنع فرقاً بسيطاً في يومك وجعلك تقدّرين الحياة والأشخاص الموجودين حولك. بهذه الطريقة ستعرفين ما يسعدك فعلاً وستشعرين بأنّك حقّقت الكثير من الأمور التي أحدثت فرقاً».
نصائح لحاضر أفضل وغد أسعد
1 ابحثي عمّا هو مهم بالنسبة إليك وليس ما يراه الآخرون مهماً، فسعادتك تنبع من داخلك ولا تتعلّق أبداًً بما يعتقده الغير.
2 المنافسة الشرسة تخلق مشاعر سلبيّة، لذلك ركّزي في عملك على النجاح لأنّك ترغبين في التطوّر واكتساب مهارات جديدة، وليس لإرضاء المدير أو للتغلّب على زميلة لا تعجبك.
3 لا تحسدي الآخرين على ما لديهم، بل قدّري النعم التي وهبك إياها الله، وتعوّدي أن تفكّري جيداً قبل اتخاذ القرارات المصيريّة، فلا تتعبي تفكيرك بأمور ثانوية وغير مهمّة.
4 لا تغيّري من شخصيّتك الحقيقيّة لإرضاء أحد، فلو أحبّك فعلاً لن يطالبك بالتغيير. أما إذا شعرت بأنّ عليك تعديل بعض تصرّفاتك، فافعلي ذلك بشكل تدريجي ولا تشعري بأنّك ملزمة.
5 كوني أنانيّة أحياناً، فإن أحببت نفسك بالقدر الكافي ستحبّين الآخرين وستعرفين طريق السعادة التي ستقود خطاكِ باتجاه النجاح.