دينازين الدين-بيروت
ثبت بالبرهان العلمي أنّ الحب الجارف لا يدوم لأكثر من ثلاث سنوات، إذ أكّدت دراسة ظهرت نتائجها خلال شهر فبراير الماضي أنّ الحب ينتج من إفراز هرمونات عصبيّة تعزّز الشعور بالسعادة وهي pheromone وDopamine وEndorphin وOxytocin ويؤدّي إفرازها إلى حصول أعراض جسديّة منها شعورنا بتسارع في دقات القلب لدى رؤية الحبيب وبالسعادة لدى تواجدنا بقربه. يخفّ إفراز هذه الهرمونات مع مرور الوقت، فتتقلّص العوارض تدريجياً بعد حوالى ثلاث سنوات ويبدأ الروتين والفتور بالتسلسل إلى العلاقة. فهل لاحظت أنّ مشاعرك خفتت بعد سنوات على الزواج؟ وما هي الأسباب التي تزيد من الفتور بين الزوجين؟ وهل يمكن تدارك البرودة بينهما قبل أن تتفاقم وتهدّد كيان الأسرة؟
اختلاف بسيط يمهّد للانزواء
تظهر الكثير من العادات والطباع المخبأة بعد أيام أو أشهر قليلة من الزواج، فتكتشف المرأة مثلاً أنّ زوجها يشخر، ويكتشف الرجل أنّ زوجته كثيرة الشكوى والكلام، ويحاولان التغاضي عن هذه الأمور لأنّ ما يربطهما من مشاعر حب واحترام وتفاهم أقوى من هذه التفاصيل التي لا تشكّل أساساً متيناً للخلاف، لكن مع الوقت تكثر المسؤوليات والأعباء فتصبح هذه الاختلافات أساساً للابتعاد والانزواء بعيداً عن الشريك. في هذا السياق تقول السيدة سلوى (28 عاماً): «زوجي هو حبّي الأول، فقد ارتبطنا عندما كنت في الثامنة عشرة ولذلك أشعر اليوم بأنّ علاقتنا باتت روتينيّة لا تجديد فيها. جلّ اهتمامه منصب على عمله، فلا يفاجئني بهديّة أو بكلمة حلوة وكأنّنا في الستين من العمر».
الغزل المفقود
تشعر السيدة العشرينيّة أنّ زوجها يهملها، فالرجل عملي ويفكّر بعقله ويهمّه في الدرجة الأولى تدبير ظروف حياة مريحة لأسرته، بينما المرأة كائن رومانسي وحسّاس، تحتاج دائماً إلى الشعور بأنّها أهم شيء في حياته. تستفيض السيدة سلوى في الحديث بالقول: «أغار من صديقاتي اللواتي يرتبطن حالياً وأشعر بأنّني ظلمت نفسي حين تزوّجت في سن صغيرة. أحسدهنّ على كلمات الغزل والحب التي يتلقّينها من أزواجهنّ على Facebook أو عبر WhatsApp، بينما أحاديثي مع زوجي تتمحور حول ما يحتاج إليه الأولاد أو الواجبات الاجتماعيّة أو مشاكلنا في العمل».
أسباب علميّة وأخرى اجتماعيّة
من الصعب أن تبقى علاقات الحب على حالها سواء لأسباب علميّة وهرمونيّة كما أظهرت الدراسة أم لأسباب اجتماعيّة، فالإنسان يتغيّر مع مرور الوقت ومن الطبيعي أن تتغيّر مشاعره فتخف حيناً وتقوى حيناً آخر، لكن يجب أن يشعر الشريك دائماً بأنّ ما يقوم به الطرف الثاني في العلاقة هو لصالحهما في الدرجة الأولى ولصالح الأسرة، وبالتالي لا يسمح أيّ منهما لمشاغل الحياة مهما بلغت أهميّتها أن تنسيه أولوياته.
الأولاد هم السبب؟
تقول السيدة رباب (32 عاماً): «تغيّرت علاقتي بزوجي حين أنجبت ابني الأول، وازداد الوضع سوءاً مع قدوم ابنتي لأنّني أنجبت ولدين خلال فترة قصيرة، فلم أعد أهتم بزوجي ونسيت حتى أنّني امرأة عليها أن تهتم بنفسها وتحوّلت مشاعري كلّها إلى ولديّ، فصارت علاقتي بزوجي مملّة واقتصرت على تبادل الأحاديث العامّة، وعلى افتعالي لبعض المشاكل بسبب ما كنت أعتبره تقصيراً من قبله في الاهتمام بولدَينا».
تدخّل الزوج للمساعدة
تضيف: «تدارك زوجي الأمر ونبّهني، وحين حصل ذلك أصبت بصدمة شديدة، فقد شعرت بأنّني لست المرأة التي كنت عليها قبل خمس سنوات. كنت امرأة وصرت أمّاً لا تعتني بنفسها، وهذا خطأ إذ عليّ أن أكون الاثنتين معاً. خفّفت شيئاً فشيئاً من اهتمامي بولديّ ومتابعتي الدؤوبة لأصغر أمورهما والتي وصلت إلى حدّ الهوس، وعدت للاهتمام بمظهري الخارجي. لاحظ زوجي هذا الأمر وساعدني في أن زاد من اهتمامه بالصغيرين. عاد الزخم تدريجياً إلى علاقتنا وأحسست بحبي يعود من جديد إنما بشكل أقوى وأمتن لأنّنا واجهنا مشكلة كبيرة معاً وخرجنا منها منتصرَين».
عواصف من كلّ حدب وصوب
يؤدّي انشغال الرجل في العمل والزوجة في تربية الأولاد وأعمال المنزل ومهنتها -في حال كانت امرأة عاملة- إلى فتور المشاعر بينهما، كما أنّ حجم المسؤوليات يزداد، فبعدما كانا مرتاحي البال خلال فترة الخطوبة ويتصرّفان بعفويّة ومن دون تفكير بالمستقبل، تضاعفت الأعباء على عاتقهما بعد الزواج والإنجاب، وبات عليهما التفكير بالأولاد والظروف المعيشيّة والأزمات الاقتصاديّة التي تهدّد استمرار عملهما والأوضاع السياسيّة التي تعصف بالعالم. ولكي لا يغرقا في هذه الدوامة التي لا تنتهي، يجب عليهما أن يجدا طريقة تبقي على حرارة العلاقة.
السبب غير واضح
عانت السيدة هبة (37 عاماً) من فتور مشاعرها تجاه زوجها وفكّرت بالطلاق، لكنّها لا تزال تحاول إصلاح علاقتها به كي لا تقضي على استقرار أسرتها. تقول: «لا أعرف كيف ابتعدنا هكذا عن بعضنا، لعلّ السبب يعود إلى انشغالنا الدائم بالعمل، فأنا طموحة جداً وأحبّ عملي وأسمح له بأن يأخذ معظم تفكيري، لكنّني أهرب إليه أيضاً من الملل والفراغ العاطفي الذي أحسّ به». تكمل: «زوجي لا يشاركني اهتماماتي، لا يحب ممارسة الرياضة أو أيّ نوع من النشاطات التي يمكننا إذا قمنا بها معاً أن نتقارب ونمضي أوقاتاً ممتعة، وأنا لا أستطيع أن أجبره على القيام بشيء لا يسعده، ولذلك صرنا كالغريبين».
مستويات النفور
من المهم أن تحدّد المرأة السبب الذي يبعدها عن زوجها، أو بمعنى آخر ما الذي ساهم في حصول النفور أو البرود العاطفي، وحين تصل إلى جواب واضح عليها أن تصارح زوجها بما تشعر به وأن تطلب منه أن يساعدها لتخطّي شعورها.
حول هذا الأمر، تقول الاختصاصيّة في علم النفس نور حرب: «يمكن أن يكون السبب في فتور المشاعر بسيطاً جداً وغير مهم، لكنّه للزوجين أمر جوهري، ويجب عدم نسيان التغييرات الهرمونيّة التي تتحكّم بمزاج المرأة إذ قد يكون فتورها ناتجاً من اقترابها من مرحلة عمريّة معيّنة. في كل الحالات، يجب على الزوج أن يتدخّل لمساعدتها لضمان استمرار حياتهما معاً». توضح حرب أنّ الرجل أيضاً يصاب بالبرود العاطفي ويمكن أن يصل به الأمر إلى الخيانة الجسديّة أو إلى الزواج من جديد.
وتشير الاختصاصيّة النفسيّة إلى ضرورة أن يصير الزوجان صديقين مقرّبين بعد الزواج في حال لم يكونا كذلك قبله. «بهذه الطريقة يتمكّنان من الحديث عن كل ما يزعجهما في العلاقة، سواء نتج من تغيير في الشكل الخارجي للشريك، كأن تفقد المرأة رشاقتها بعد الحمل وحتى الرجل فهو يكسب وزناً، أم من تغيير في الطباع والتصرّفات يؤدّي تراكمها إلى برود مشاعر الحب وغيابها».