دينا زين الدين-بيروت
عندما يدقّ القلب لا يعترف بالفروق الاجتماعية أو الثقافية أو العمرية، فيتحدّى الشخصان كلّ المعوقات إلى أن يجتمعا في منزل واحد. لكن بعد مرور سنوات الذروة يخفّ الشغف وتبدأ تلك الفروق بالتأثير على حياتهما. ولعلّ من أكثر الأمور التي يمكن أن تقف عقبة في طريق استمرار الحياة الزوجية فارق السنّ الكبير بين الزوجين، فكيف يتجلى تأثير هذا الأمر، وما سبب ازدياد هذا النوع من الزيجات؟
صوت العقل
تعرّفت هالة إلى أحمد في الجامعة، لكنّه لم يكن زميلاً لها بل كان أستاذها الذي يكبرها بـ24 عاماً. عن ذلك تقول: «كنت أرى أحمد شاباً وسيماً وجذاباً ومليئاً بالطاقة والذكاء والحيوية في مطلع الأربعينات، وقد حدث انجذاب بيننا فما كان منه إلاّ أن زار منزلنا لطلب يدي ووافقت على الفور بالرغم من اعتراض والدي».
تضيف هالة: «لم أستطع سماع صوت العقل لأنّني كنت غارقة في الحبّ، فلم أتراجع إلى أن وافق والدي على الزواج. اليوم، بعد مرور عشر سنوات، وبالرغم من أنّني أشعر بالسعادة إلى جانبه وأحبّه أكثر من قبل، أرى أنّه كان عليّ أن أتريث، فهو بات في منتصف الخمسينات فيما أنا مازلت في الثلاثين، كما أنّني لا أستطيع مشاركة صديقاتي وأزواجهنّ النشاطات التي يقومون بها لأنه لا يشعر بالارتياح برفقتهم، ولا سيّما أنّهم جميعاً في منتصف الثلاثين. رضيت بنصيبي لكن لا يمكنني أن أسمح لابنتي بأن تتزوّج رجلاً يكبرها بأكثر من خمس سنوات».
اختلاف الاهتمامات
تبحث المرأة عن الأمان في كنف رجل يحتويها ولأنّ الفتاة تنضج قبل الشاب جسدياً وعاطفياً، فمن الطبيعي أن يكون الرجل الذي ستتزوجه أكبر منها ببضع سنوات، وبالرغم من أنّنا نرى بعض الحالات التي تكون فيها المرأة أكبر سناً من الرجل، إلا أنّه من النادر أن يزيد فارق السن بينهما في هذه الحالة عن 5 سنوات، وهو أمر يبقى مقبولاً إذا حافظت المرأة على شكلها واهتمت بجمالها الذي تفقد جزءاً كبيراً منه بعد الإنجاب في حال أهملت نفسها، فالحمل والولادة وتربية الأطفال وتقاسم أعباء المعيشة مع الشريك، كلّها عوامل تُتعب المرأة وتسرق ألقها وحيويتها. لذا عليها في حال اختارت هذه الطريق أن تنتبه لنفسها كي تبقى دائماً الأجمل في عينيّ زوجها.
بعيداً عن الأولويات
لم يعد الزواج اليوم من أولويات الفتاة كما كان عليه في السابق، فهي باتت تطمح إلى أن تتابع تحصيلها العلمي وتدخل مختلف المجالات المهنية وتحقّق استقلاليّتها المادية، كما أنّ نظرتها إلى «عريس المستقبل» اختلفت، فما عادت ترضى إلاّ بالأفضل، الأمر الذي جعل إمكانيّة الارتباط أكثر صعوبة بالنسبة إلى أيّ شاب، فتأخر سنّ زواج الطرفين، ما أدى إلى ارتفاع نسبة العنوسة في أوساط النساء من جهة، وإلى تفضيل الشاب الذي ناهز الأربعين وصار قادراً على الزواج لشابة في العشرين من جهة ثانية، فهو سيشعر معها بأنه يستعيد سنوات شبابه التي لم يتمكن من الاستمتاع بها لانشغاله بالعمل وجمع المال.
في هذا الإطار، تقول رغد (37 عاماً): «تزوجت قبل عام من رجل في أواخر الخمسينيات من العمر، سبق له الزواج ولم ينجح في ذلك. ما دفعني إلى اتخاذ هذا القرار هو رغبتي بالاستقرار والإنجاب قبل أيّ شيء آخر ، لا سيّما مع شيوع وجهة نظر تفيد بأنّ الفتاة التي تخطت الـ35 فقدت أيّ أمل في الزواج، فوافقت على الارتباط العقلاني برجل في سنّ والدي بعد أن وجدت لديه مواصفات أريد توفرها في والد أبنائي».
زيجة والسلام
تكمل رغد: «أحاول عدم التفكير كثيراً بالمستقبل فلا أحد يعرف ما الذي يخبئه لنا، وأسعى قدر المستطاع إلى إيجاد أمور وأحاديث واهتمامات مشتركة تقرّبني من زوجي. أعلم أنّني أعيش علاقة مستغربة بحسب المعايير الاجتماعية السائدة، فالطبيعي هو أن يكون فارق السن مناسباً كي تكون احتمالات النجاح في الزواج أكبر، لكنّني أستطيع أن أُنجح زواجي وأطوّر علاقتي».
تأجيل الشيخوخة
بات بالإمكان إخفاء مظاهر التقدّم في السنّ من خلال عمليات التجميل، فبالنسبة إلى الرجال والنساء يمكن، بقليل من الاهتمام، تأجيل الشيخوخة، كما أنّ الشباب حالة داخلية، فكلّما أجاد الشخص تدليل نفسه والاهتمام بصحته النفسية والجسدية كلّما مدّد سنوات شبابه وأبعد عنه الأمراض وعلامات الكهولة.
من جهة ثانية، فإنّ نمط الحياة العصرية المريح ساهم في زيادة معدّل الحياة لدى الجنسين، فبات مقبولاًً تأخير الزواج، وهذا الأمر وارد عند الرجال لكنّه صعب وحسّاس لدى النساء اللواتي تتقلص فرصهنّ بالإنجاب كلّما تقدّمن في السن.
تجنّب السيئات
من الطبيعي أن يتمتع الرجل بخبرات وتجارب حياتية وافية تخوّله اتخاذ القرارات المهمة في بيته وتأمين مستقبل مستقر لزوجته وأولاده. لذا يجب أن يكون الزوج أكبر سنّاً على أن يكون الفارق بينه وبين زوجته ضمن الحدود المعقولة، أيّ من 5 إلى 10 سنوات. لكن حين يزيد هذا الفارق عن الـ20 عاماً، تتقلّص احتمالات نجاح العلاقة لأنّ ّالزوجين يفتقدان حينها إلى اللغة والقواسم المشتركة ويواجهان ضغط المجتمع.
الأساس الناجح
يقوم الزواج الناجح على علاقة بين شخصين ينتميان إلى مرحلتين عمريتين متقاربتين ويأتيان من البيئة والمحيط الاجتماعي نفسهما. إنّها عوامل رئيسيّة، لكن ثمّة استثناءات في هذا الشأن كما في كلّ أمور الحياة، فالأساس هو الانسجام والرغبة في إنجاح العلاقة والاتفاق على النقاط المهمة فيها وتقديم تنازلات من الطرفين لإنجاحها، وفي حال اخترت عن قناعة تامة زواجاً يكون فيه فارق السن كبيراً، عليك أن تعرفي جيداً تبعات قرارك مستقبلاً وألا تستمعي إلى ما سيوجّه لك من انتقادات في المجتمع وتتفقي مع زوجك وتنظّمي علاقتك به لكي تواجها معاً كلّ المعوقات.