أخبار

سامحي

يوليو 15, 2013
إعداد: Nathalie Bontems

يبدو، للوهلة الأولى،أنّه لا يمكن مسامحة أي خيانة أو خيبة أو إهانة تعرّضنا إليها، لا سيما من شخص قريب وعزيز علينا. والمسامحة هي للبعض بمثابة خطوة شجاعة نقوم بها ولكنّها دليل ضعف بالنسبة للبعض الآخر. كما أنّ القدرة على المسامحة هي أيضاً قلب صفحة مؤلمة بعيداً عن كلّ حقد ودليل على التسامح وانفتاح الذهن، كما الاعتراف بخطأ الآخر وتقبّل الألم الذي سبّبه لنا.

لماذا يجب أن نسامح؟

المسامحة لا تعني النسيان كما لا تترافق مع فهم أو تبرير للخطأ. هي خطوة أنانيّة بعض الشيء، نقوم بها من أجل أنفسنا لكي نشعر بالراحة والسعادة؛ فالكراهيّة أو الرّغبة بالانتقام تقودنا إلى إرهاق داخلي كبير على المدى الطويل. المسامحة هي أيضاً مسامحة الذات وإراحة القلب والشعور بالحريّة والمصالحة بعض الشيء مع الماضي. أحياناً تقود المسامحة إلى المصالحة (صديقة حميمة أخفت عنك شيئاً خطيراً، قريب أحرجك…). لكن، عندما يتعلّق الأمر بالحبّ والخيانة، فمن الممكن المسامحة ولكن من الأصعب التصالح مع الشخص الذي آلمنا.

منذ نحو خمس سنوات، بدأ المعالجون اعتماد المسامحة كجزء من العلاج، وهي يجب أن تقوم أوّلاً من أجل الذات، أن تكون واقعيّة، يوميّة وتأتي من الدّاخل. تخلّص المسامحة الشخص من انتقاد الذات، الحقد أو الشعور بالذنب، أي كل تلك المشاعر التي تعيق حياته. هي حالة داخليّة نصل إليها بعد طريق طويل وصعب أحياناً من الألم ومن القدرة على تقبّل حدودنا وحدود الآخرين أيضاً. أن نسامح لا يعني أن نتقبّل أو نعذر، لا يعني أن ندّعي بأنّ كلّ شيء على ما يرام. المهمّ في الأمر هو المسامحة من أجل الذات لنكون أكثر سعادة وسلاماً.

لكن… هل نسامح كلّ شيء؟

الأمر لا يتعلّق هنا بما يمكن أو لا يمكن أن نسامحه ولكن بأن ندرك ما الذي نستطيع أن نغفره. المسامحة هي قطع رابط الحقد أو الاستياء، لكن لا يمكن القيام بهذه الخطوة في أيّ وقت: يجب أوّلاً أن نعيشها وندركها جيداً، وحتّى نستفيد منها يجب أن نعترف بأنّنا قد جرحنا. أمّا عندما نمرّ بهذه التجربة في علاقتنا الزوجيّة أو العائليّة، أي عندما يجرحنا الشخص الذي نعيش معه ونحبّه، فيجب أن يقود الاتّهام إلى تفسير سريع: «لماذا فعلت هذا؟ لقد جرحتني كثيراً».  أخيراً، كلّ ينظر إلى المسامحة نظرة مختلفة. فهناك الجرائم ضدّ الإنسانيّة، العنف ضدّ الأطفال… وفي المقابل، هناك من باستطاعته أن يغفر هذه الأعمال التي لا تغتفر.

نسامح أم لا؟

بالنسبة إلى الأشخاص النرجسيّين الذي يهتمّون كلّ الاهتمام بصورتهم، يصعب، لا بل من المستحيل عليهم أن يأخذوا المسامحة في الاعتبار، إذ يعتبرون الأمر انفصالاً عن جزء من هويّتهم ويبرّرون حقدهم باتّهام الشخص المسؤول. وبعض الأشخاص لا يسامحون لأنّهم في اللاوعي يلقون على الآخر المشاعر التي يكبتونها. بالإضافة إلى ذلك، عندما يكون الحقد أكبر بكثير من الخطأ الذي تمّ اقترافه، يمكن أن نتساءل ما إذا كان يرتبط المذنب بشخصيّة من الماضي (أب، أمّ…) وهذا الحقد يدلّ على حدث ما كان قد ترك جرحاً عميقاً عند الشخص، وعند أوّل مناسبة يعود هذا الجرح وينفتح.

أخيراً، يمكن تفسير صعوبة المسامحة بالتمسّك في معتقد معيّن، مثلاً «الصديق وقت الضيق مهما حصل» أو «الإخلاص أمر لا يمكن مناقشته»… لذلك، عندما يقوم الآخر بارتكاب خطأ ما يتعارض مع ما نؤمن به من قيم طوال سنوات، ينهار العالم الذي بنيناه والذي لطالما اعتقدنا بأنّه ثابت، فتصبح المشاعر لاعقلانيّة والمسامحة مستحيلة. يجب ألّا ننسى أنّ ما يمكن أن يكون صحيحاً اليوم قد لا يكون غداً وأنّ الحياة في تحرّك دائم والمسامحة تساعدنا على الاستمرار.

لماذ نجد صعوبة في أن نسامح؟

– لا نريد أن نتخلّى عن الغضب: في حال كنّا نشعر بالألم – حتّى بعد سنوات – تستمرّ حالة الغضب بداخلنا. ومن الصعب، لا بل من المستحيل، أن نسامح أحداً نشعر تجاهه بالغضب.

– نريد أن نشبع رغبتنا بالعدل: حتّى لو لم نكن نشعر بالغضب، وكنّا نعتقد أنّ الشخص الآخر لا يستحقّ المسامحة، لا نقدّمها من أجل ألّا نظهر وكأنّنا نتغاضى عمّا فعله تجاهنا.

– المسامحة تعني أن يخلى سبيل المتّهم: قد تعني المسامحة بأنّنا نجعل الشخص الذي جرحنا يفلت من العقاب ولا يتحمّل مسؤوليّة خطئه.

– نرغب في جرح من جرحنا: أن نضمر الحقد والغضب هو خيار جيّد في حال أردنا أن نجرح الآخر أيضاً. والحقد، في بعض الأحيان، يبعث شعوراً جيداً.

– من جرحنا لم يعتذر: لا يمكن أبداً أن ننكر مدى قوّة الاعتذار وتأثيره على عمليّة المسامحة.

– نتوقّف عن الاعتقاد بأنّ هذا الشخص جيّد: ما يدفعنا إلى الاعتقاد بأنّه لا يمكن أن يتمتّع بميزات إيجابيّة أو بإمكانه التصرّف بأسلوب جيدّ.

تعلّمي أن تسامحي!

يمكن أن تكون طريق المسامحة طويلة ومؤلمة وهي تتألّف من مراحل عديدة:

إدراك الألم: يتضايق بعض الأشخاص ويتعذّبون بصمت ويعيدون التفكير، وآخرون يختارون تطوير الاستراتيجيات المختلفة مثل تنظيم الوقائع أو حتّى إنكار ما حدث. عندما نصادف حالة لا يمكن أن يحتملها ضميرنا، نختار أن نحذفها وننسيها وأن ندّعي بأنّ الأمر لم يحدث، إلى أن نكتشف كيفيّة التعامل معها.

 اللوم: نختار إدراك الأمور والتعبير عن غضبنا واستيائنا. هذه مرحلة مؤلمة ولكن ضروريّة لتحويلها إلى طاقة إيجابيّة. من الشائع أن نشعر ببعض البغض تجاه الشخص الذي جرحنا وهذا ما يساعد على تخطّي الأزمة وهو أمر طبيعي. في المقابل، من الأفضل عدم مقابلة من أهاننا، أقلّه لبعض الوقت، الأفضل أن نتكلّم مع شخص قريب يساعدنا على التخلّص من المشاعر السلبيّة ويقدّم لنا النصائح.

 الغضب: هي المرحلة الرئيسيّة للشفاء لأنّها تساعدك على التعبير وتربطك بالألم لتخلّصك منه.

 التفكير: نبدأ بالتفكير في الحالة التي وصلنا إليها وفي السلوك الذي آلمنا ونحاول إدراكه وتفسيره. من المهمّ أن تتجنّبي لوم الذات وأن تتخلّصي من هذه المرحلة من الماضي.

 المواجهة: هي مرحلة اختياريّة، في بعض الحالات هي أساسيّة ولكنّها قد تكون غير ضروريّة في بعض الحالات الأخرى.

 المسامحة: يجب عليك أن تتقبّلي هذه التجربة المؤلمة التي مررت بها وأن تتخلّصي من دور الضحيّة. لا يمكن أن تسامحي إلّا بشرطين أساسيين:

أولاً، لقد تخلّصت بالكامل من الحقد الذي تشعرين به تجاه هذا الشخص الذي أهانك.

ثانياً، ها أنت تشعرين بأنّك تخطّيت هذا الأمر وأنّك مستعدّة للاستمرار والنسيان.

في بعض الأحيان، تزيدك المسامحة قوّة ومن المهمّ أن تتركي الوقت يمرّ قبل أن تسامحي، فيكون الأمر تلقائياً وحازماً.

قد يهمك أيضاً

اشترك في صحيفتنا الإخبارية