دينا زين الدين-بيروت
هو يحبهم بالتأكيد ويكرّس حياته من أجل مستقبلهم ومصلحتهم، لكنّ تعاطيه معهم وتصرّفاته أمامهم وطريقته في إظهار اهتمامه وحبّه ليست صحيحة دائماً، بل تكون أحياناً مؤذية وهدّامة فتؤذيهم بدل أن تخدمهم. فماذا تفعلين لو لاحظت أنّ علاقة زوجك بأولادكما تشوبها ثغرات كثيرة، وكيف تساعدينه على تحسين طريقة تعاطيه معهم لكي تربّيانهم بالطريقة الأمثل وتحضّرانهم بالشكل الأفضل لمواجهة ما تخبئه لهم الحياة؟
الحرص المبالغ فيه
يجد العديد من الآباء والأمهات صعوبة في التعامل مع الأطفال حديثي الولادة، لا سيما المولود الأوّل، وتتمكّن الأم بمساعدة والدتها أو حماتها من تعلّم البديهيات فيما يكون الأب في غالبيّة الأحيان بعيداً عن التطوّرات اليوميّة بحكم تواجده لساعات طويلة في عمله، فيجد صعوبة في حمل صغيره وإطعامه واللعب معه من دون أن ينادي زوجته لمساعدته، لذلك عليك منذ أيّامه الأولى أن تجبري زوجك على مساعدتك في الاهتمام بأطفاله.
في هذا الإطار، تقول ليلى (31 عاماً): «طلبت من زوجي أن يحمل رضيعتنا البالغة من العمر 3 أشهر ويلعب معها قليلاً ريثما أقوم بعمل طارئ، فبدأت بالبكاء ورغبة منه في إضحاكها أشعل القدّاحة وبدأ بتحريكها بالقرب من وجهها، فاحترقت رموشها وازداد صراخها، فما كان منه إلا أن تركها على الكنبة وسارع إلى استدعائي، وهو منذ ذلك الحين لا يقترب منها لأنّه يخاف أن يؤذيها، ويبالغ بالخوف عليها فإذا بكت قليلاً أو تأخّرت بالنوم أو ارتفعت حرارتها، يسارع إلى أخذها إلى الطبيب، كما أنّه لا يسمح لأحد بأن يحملها، وهو بحرصه الزائد أخّر من تعلّمها المشي فهي لا تزال تحبو لأنّه كلّما حاولت أن تقف وتمشي يحملها أو يطلب مني مساعدتها».
لا للاتكاليين
المبالغة في الحماية مشكلة تعاني منها الأمهات في العادة، لكن يمكن أن يقع الآباء ضحيّتها، وهي ناتجة عن الحب والعاطفة الكبيرة، والرغبة في حفظ الصغار من المخاطر التي تحدق بهم. لا يعرف الأهل أنّهم بهذه الطريقة يحوّلون أولادهم إلى أشخاص اتكاليين وجبناء، يخافون من المبادرة والمجازفة لأنّهم اعتادوا الحصول على ما يرغبون فيه على طبق من فضّة.
ولكي لا يقع زوجك في هذا الفخ، ذكّريه بعدد الحوادث التي تعرّض لها بسبب مشاغبته في طفولته، أكدي له أنّ كل الأطفال يتعرّضون لهذه الأمور، ومن المفيد تركهم يجرّبون ويتأذون كي يتعلّموا ليبتعدوا عن مصادر الخطر، ذكّريه بأنّهم سيواجهون بعد سنوات الحياة الحقيقيّة ويجب أن يكونوا مستعدّين للتعامل مع مختلف أنواع المواقف والأشخاص، وعليهم أن يبنوا قنوات حماية تخوّلهم استيعاب مختلف أنواع الشخصيات، وهذا الأمر يحصل بالتدريخ ويبدأ من سنّ صغيرة جداً.
عمله ليس الأولويّة
ينشغل الأب عن أولاده بسبب كثرة أعماله، وحين يعود في المساء إلى منزله متعباً بعد نهار طويل من الجهد الجسدي والفكري، لا يوليهم اهتماماً كافياً ولا يهتم بسؤالهم عن أحوال يومهم، لعلّه توصيف ينطبق على حال معظم الآباء. حول هذا الأمر، تقول السيدة عبير (37 عاماً): «ابني البكر على أبواب المراهقة ويحتاج إلى رعاية خاصة من والده الذي سيفهم أكثر مني التغييرات التي تحصل معه، وسيساعده على تخطّي هذه السنوات من دون أن يدخل في متاهات كثيرة منها مرافقة أصحاب السوء أو التدخين أو غيرها من التصرّفات السيّئة، لكن كل ما يشغل بال زوجي هو عمله وكيفيّة زيادة مدخوله ليضمن لنا عيشاً كريماً، ولا يدرك أنّ مساهمته في تربية أولاده أهم بكثير من كلّ أموال الدنيا».
ضميره الحي
من المهم أن يتذكّر ربّ الأسرة دائماً أولوياته، وسيكون عليك أن تكوني ضميره الحي، أي أن تنبّهيه في حال انشغل ودخل في دوّامة الأعمال وابتعد عن أبنائه فحرمهم من حنانه وعطفه وعاطفته.
من جهة أخرى، يجب أن يمارس الأب سلطته فيشعر أولاده بهيبته، هذا لا يعني أن يكون عنيفاً سواء العنف الجسدي أم اللفظي ولكن أن تكون كلمته مسموعة، فيعاقبهم حين يخطئوا ويكافئهم حين يحسنوا التصرّف ولا يرمي على زوجته هذا الحِمل وإلا سينحو الأبناء نحو تصرّفات سيّئة للفت انتباهه.
هدّام من دون قصد
في سعيه لأن يكون أولاده الأفضل، يقوم الأب أحياناً بمهاجمتهم ولومهم وتوبيخهم بقسوة في حال لم يحصلوا على تقدير عال في المدرسة أو قصّروا في تحصيلهم العلمي لظنّه أنّه بهذه الطريقة سيدفعهم إلى التركيز في دروسهم، والواقع أنّه يطلب منهم أحياناً ما يتخطّى قدراتهم، ويحمّلهم مسؤوليّة صعبة فيشعرون إذا فشلوا بأنّهم لم يرقوا إلى مستوى طموحاته، وتقل ثقتهم بأنفسهم. ولأنّك ستكونين شاهدة على ما يجري، حاولي أن تبيّني له أنّ الحديث البنّاء مع أولاده لمعرفة سبب تقصيرهم هو ما يمكن أن يحل المشكلة وليس الصراخ في وجههم وإخبارهم أنّهم فاشلون وغير أذكياء.
لا للتفرقة
يبالغ الأب أحياناً في تدليل ابنته الصغرى أو ابنه البكر، فيشعر أولاده الباقون بأنّه يفرّق في المعاملة بينهم ويفضّل أحدهم على الآخر، وهذا الخطأ تقعين فيه أنت أيضاً في العديد من الأحيان، وسيكون عليك أن تنتبهي جيداً إلى هذه النقطة وتنبهي زوجك إليها، كما سيكون مفيداً لو تتحدّثان من حين إلى آخر عن المستجدات في حياة أولادكما، وتتناقشان معاً حول كيفيّة التصرّف لحل المشاكل التي تواجههم كلّ بحسب عمره وشخصيّته وقدراته، إذ ليس من المستحب أن تختلفا في الحكم على مسألة تتعلّق بأولادكما، والأخطر أن يحصل هذا الأمر أمامهم فتكسرين كلمة زوجك أو العكس.
هذا الجيل لن يعصى عليه
يشعر الرجل بأنّه بعيد عن أولاده بسبب فارق السنّ بينهم، ويجد صعوبة في فهمهم ولا سيما جيل اليوم الذي اختلفت اهتماماته وطريقة تفكيره عن جيل الأمس. عليك أن تساعديه على إيجاد لغة حوار مشتركة ليتقرّب منهم، فيستفيدون من خبرته الحياتيّة ويقرّبونه من عالم التكنولوجيا والتواصل الاجتماعي الذي بات شغلهم الشاغل في غالبيّة الوقت.