دينا زين الدين-بيروت
العطور جزء من التراث الشرقي عموماً والعربي خصوصاً، فقد بدأت هذه الصناعة لدينا قبل مئات السنين وتفرّد العرب بتركيبات مميّزة اعتمدوا فيها على البخور والأخشاب والعود والعنبر والمسك، بالإضافة إلى استخدامهم للتوابل التي كانت تصلهم من خلال التجارة مع دول جنوب شرق آسيا والهند والصين. استمرّ إنتاج العرب للعطور الشرقيّة، لكنّ هجمة المنتجات الفاخرة الغربيّة في القرن الماضي والذي سبقه، أدت إلى تقليص استخدامها ومحدوديّته، فضعف سوقها وتركّز على بعض دول الخليج العربي وعلى فئات محدّدة من النساء وهنّ شديدات الثراء، والسبب أنّ المواد المستخدمة في صناعة العطر الشرقي الفاخر تكون باهظة الثمن ونادرة وتحتاج إلى دقّة وعناية وتقنيات صعبة ومعقّدة للتصنيع.
انفتاح على الروائح أيضاً
إلا أنّ الانفتاح الذي حصل في السنوات العشر الأخيرة على الشرق والنمو الهائل لاحتياجات دوله من السلع الجماليّة الراقية، دفع كبار مصنّعي العطور في العالم إلى الالتفات أكثر نحوه لدراسة ما تطلبه النساء فيه، إذ يشكّلن الفئة الأكثر استهلاكاً للعطور ومواد التجميل، وقد بتن مؤخراً شديدات التأثير في تحديد اتجاهات الموضة الجديدة نظراً إلى إغداقهنّ ماديّاً على شراء السلع الفاخرة. هذه الأمور دفعت أهم ماركات تصنيع العطور إلى الحضور إلى الدول الشرقيّة والعربيّة، لكي تتعرّف على ثرواته الطبيعيّة والعطريّة التي تفتقدها في دولها، واستطاع المبتكرون خلال سنوات قليلة أن يطوّروا صناعة عطورهم ويغيّروا ويجدّدوا في شذاها، بعدما كانت تعتمد على بعض الزيوت المركّزة والأخشاب العطريّة والورود والفواكه والزهور فقط.
الخلطات الخاصة
تتميّز العطور الشرقيّة بعبيرها القوي والفوّاح الذي يدوم طويلاً، لذلك قد تنفر بعض النساء منها، لكنهنّ بذلك يرتكبن خطأ جسيماً ويفوّتن على أنفسهنّ فرصة العثور على عطرهنّ الخاص، إذ إنّ إيجاد عطرك الذي يميّزك عن غيرك ويترك لك أثراً خاصاً وشذيّاًً أينما حللت ليس بالأمر السهل. لذلك، يمكنك أن تضعي قطرات قليلة من العطر الشرقي المركّز سواء من العود أو العنبر أو المسك أو البخور، وتختاري معه عطراً غربيّاً خفيف الشذا أساسه الأزهار أو الفواكه أو النباتات الخفيفة وستكون نتيجة هذا الخليط مذهلة.
تعكس العطور الشرقيّة سرّ هذا العالم الذي لطالما أبهر الأوروبيين والأميركيين بخصائصه الهندسيّة والمعماريّة والثقافيّة، لذلك فإنّ تسويق العطور التي تحمل شذاه لم يتم في العالم العربي فحسب، بل أيضاً في الدول الغربيّة، فالأجنبيات أحببن التغيير في النمط السائد للعطور، وشعرن بأنهنّ خرجن من عالمهنّ المعروف ودخلن عوالم جديدة مثيرة للاهتمام والبهجة.
حالياً، تتنافس أهم شركات تصنيع العطور ومستحضرات التجميل العالميّة على إطلاق عطور تحمل الشذا الشرقي الغامض والآسر، وسنذكر أمامك بعضها على سبيل المثال لا الحصر كي يتسنى لك اختيار العطر الذي يرضيك.
من أحدث العطور التي أطلقتها دار Lancôme، عطر L’Autre Oud الذي يقول صانع العطور المعروف Christophe Raynaud إنّ سبب تميّزه هو عودته إلى الجذور والأصول، واعتماده على العود الثمين، بالإضافة إلى شذاه البارز الذي يتراوح بين القوّة والنعومة، والذي يدوم لساعات طويلة.
استلزم إعداد العطر دمج 17 مكوّناً من مكوّنات العود الثمين، وجرى التوفيق بين هذه الروائح المنتقاة وبين أريج الورد الجوري وهو رمز الدار المعروف، بالإضافة إلى نفحات من الزعفران.
من وحي الشرق الأوسط
استوحت Estée Lauder عطر Amber Mystique الذي أطلقته في الأسواق مطلع العام الجاري من الإرث الحضاري والثقافي لمنطقة الشرق الأوسط وهو موجّه للنساء والرجال، تتألف الطبقة الأولى منه من نفحات الزبيب الأسود وشذا التوت والفلفل الوردي وزهرة يلان يلانغ. في قلب العطر، نجد أريج الزهر البلغاري مع الياسمين والبخور والبتشول. أما أساسه، فيعتمد على العنبر وخشب
العود والصندل.
من جهتها، قدّمت Dior عطر Ispahan Oud بعد نجاح عطرها الأوّل ذي النفحة الشرقيّة وهو Leather Oud، احتوت مقدّمة العطر الجديد على رحيق زهرة القستوس الدمشقيّة، وضمّت قاعدته أخشاب الصندل ونفحات الورد التركي ودهن العود.
احتفاءً بالعربيّات
أمّا Guerlain، فأطلقت منتصف العام الماضي مجموعة عطور صحاري الشرق لتحتفل بزبوناتها من العالم العربي، فقدّمت لمحبّات العود عطر Rose Nacrée du Désert ومزجته ببراعة مع الزعفران، واختارت لعاشقات العنبر عطر Encens Mythique d’Orient وأدخلت عليه شذا البرتقال والمسك وعشبة البتشول، ولكي لا تنسى حصّة الرجل قدّمت له عطر Songe d’un Bois d’Été الذي اعتمد على روائح الجلود والأخشاب والتوابل القويّة.
ختامها مسك
خطت دار Chanel العريقة خطوتها الأولى في عالم صناعة العطور الشرقيّة، حين أطلقت في سبتمبر من العام الماضي عطر Coco Noir الذي يتميّز بتركيزه على المسك في قاعدته بالإضافة إلى خشب الصندل والفيتيفر واللبان والبتشول والفانيليا. وحظي العطر بأصداء إيجابيّة لدى آلاف النساء العربيات اللواتي انتظرن طويلاً أن
تقترب Chanel من بؤرة اهتمامهنّ الحقيقيّة.