هل تستطيعين الخروج من بيتك صباحاً إلى العمل وأنت مرتدية بدلة رياضيّة؟ هل بإمكانك الذهاب إلى العشاء مع صديقاتك وشعرك منفوش وغير مرتب؟ هل ترضين بأن يراك الناس بأظافر غير مقلّمة ومن دون طلاء بلون جميل؟ إجابتك عن أحد هذه الأسئلة أو ربما عنها كلّها هي بالتأكيد: كلا. فإذا لم ترضها على نفسك، هل تتقبّلين فتاة في محيطك تقوم بهذه التصرّفات؟ هل تتقرّبين منها وتعطينها فرصة للكشف عن شخصيّتها حتى تتعرّفي إليها أكثر؟
قاعدة حياتيّة
نعرف عن ظهر قلب -وكأنّها قاعدة حياتيّة ضمنيّة- أنّ علينا ألا نحكم على الآخرين بحسب الصورة التي يظهرون بها أمامنا، فالإنسان ليس شكلاً فقط إنما شكل وجوهر ومضمون، لكنّنا نقوم بذلك يومياً فنقصي العديد من الأشخاص لأنّ مظهرهم لم يرق لنا أو لأنّنا نفرنا من حركة أو كلمة أو ربما تعبير أو حتى زيّ ارتدوه، ولا نجد في ذاتنا القدرة على مقاومة هذا التصرّف الذي نعرف أنّه غير منطقي أو منصف.
تقول لمى (26 عاماً): «من الطبيعي أن أنبهر بالمظهر الخارجي للشخص الذي أتعرّف إليه، وهنا لا أعني جمال الملامح، بل الصورة التي يعرّف بها عن نفسه، كاختياره لملابسه ولكلماته، ردود أفعاله وطريقة تصرّفه معي أو مع المجموعة التي نتواجد ضمنها».
النبرة الحادّة
تؤكد الشابة أنّ حكمها يختلف بحسب ما إذا كان المعني رجلاً أو امرأة، وتقول: «أراقب الحذاء الذي ينتعله الرجل، فإن كان مرتّباً ونظيفاً يعني أنّ صاحبه حريص على أناقته. أما في ما يتعلّق بالمرأة، فأدقّق في معايير النظافة كالشعر والأظافر المرتّبة، ويعنيني أن تكون هادئة أثناء الكلام، إذ لا يمكنني أن أثق بفتاة صوتها مرتفع ونبرتها حادة، كما لا يمكن أن أفتح قلبي لفتاة لا تهتم بأبسط قواعد الترتيب والنظافة».
يعكس المظهر الخارجي جزءاً من شخصيّة صاحبته، فالثياب الجريئة تتحدّث بالتأكيد عن شخصيّة قويّة لا تخشى المواجهة وتحب التجديد، هذا لا يعني أنّ الفتاة التي تميل نحو الملابس المحافظة لا تتمتّع بشخصيّة قويّة، أو أنّ المرأة التي تختار عدم التركيز على أناقتها لا تملك ذوقاً راقياً، بل لعلّ كثرة انشغالاتها لا تسمح لها بالاهتمام بهذه النواحي، لذلك يجب تعميق المعرفة فيها أولاً قبل إطلاق الحكم على شخصيّتها.
تأثير الموضة
مما لا شك فيه أنّ دخول الموضة في كل نواحي حياتنا أثّر في حكمنا على الآخرين، حتى أكثر من الدول الغربيّة التي تصدّر أحدث صيحاتها، ففي فرنسا، تظهر مذيعات الأخبار من دون ماكياج تقريباً وبملابس بسيطة جداً لا نتقبّلها على ربّة منزل تستقبل صديقاتها في بيتها، فالمظاهر لدينا مرتبطة بالمستوى المعيشي والاجتماعي، لذلك يزيد تقدير البعض منّا للشخص الذي يبدو بأبهى حلّة… خارجياً فقط.
من جهتها، تعتبر سلام (29 عاماً) أنّه من السهل الحكم على الآخرين اعتماداً على الشكل، لأنّ ذلك لا يتطلّب إعطاءهم الوقت للكشف عن شخصيّتهم الحقيقيّة، وهو ما يسهّل تعرّضنا لصدمات حين نكتشف حقيقة ما يضمرون، تقول: «في سنوات الدراسة الثانويّة والجامعيّة، كنت أحب أن أصادق الصبيّة الجميلة فأستفيد من النصائح الجماليّة التي كانت تعطيها، كنت أعتقد أنّ وجودي قربها سيجعلني محبوبة وقويّة لأنّ تأثير جمالها على الآخرين سيؤمّن لنا أفضل الفرص، لكن مع الوقت اكتشفت كم أنّ أحاديثنا سطحيّة، وأنّ حصولنا على ما نريد يحتاج إلى بذل مجهود وعمل، فلا شيء يأتي بسهولة».
لتكون الحياة أحلى
تكمل سلام: «كلامي لا يعني أنّني لا أتأثّر بالشكل الحسن. فالترتيب والأناقة وحتى الجمال، أمور تجمّل حياتنا وتسهّلها وتخدم في الدرجة الأولى ثقتنا بأنفسنا ونظرتنا إلى ذواتنا، لذلك أهتم بأناقتي وبما أعطاني إيّاه ربي من جمال، ليس إرضاء للغير بل لكي أكون راضية عن نفسي. كما أنّني لا أطلق الأحكام على الآخرين بحسب شكلهم بل بالنظر إلى طريقة تصرّفهم معي في المواقف الهامة».
جميلة… فلتحِبّي وتحَبّي
يبدو مما تقدّم أنّه لا يمكن اعتبار الشكل مقياساً للحكم على الناس، لكن لا يمكن إنكار دوره، فمن الطبيعي أن ننجذب إلى الشكل المريح والجميل وهذا ما يحصل عادة حين يتعلّق الأمر بعلاقات الحب والزواج، فالسائد أنّ الفتاة الجميلة تتزوّج سريعاً لأنّها تفوز بقلب الرجل، بينما الأقل جمالاً لا تجد شريكها إلا بصعوبة.
وسامته لن تسعدك
وللرجال الذين يفكّرون بهذه الطريقة، كما للنساء اللواتي يركّزن على جمال الشكل قبل اختيار شريك الحياة، نستعين بنتائج دراسة أميركيّة من جامعة كاليفورنيا أظهرت أنّ التركيز على الجاذبيّة الجسديّة للشريك تجعل المرء أقل سعادة في علاقته معه. ورأت الدراسة أنّ وجود أفكار ومعتقدات مسبقة تتعلّق بكيفيّة التصرّف مع الشريك الجذّاب تؤثّر في نظرة الطرف الثاني في العلاقة إلى ذاته، فتضعف ثقته بنفسه وثقته بشريكه، ما يؤثّر سلباً على قوّة العلاقة ويهدّد استمرارها.
حب أبعد من الشكل
حول هذا الأمر، تقول السيدة علا (32 عاماً): «زوجي وسيم جداً، ووسامته جلبت لنا الكثير من المشاكل لأنّ النساء يلتففن حوله أينما حلّ، ولأنّني امرأة ألاحظ نظرات إعجابهنّ أكثر منه. لو لم تكن ثقتي بنفسي كبيرة لما استمرّ زواجنا، لكنّني استطعت التأقلم مع الوضع لأنّني أحببته ليس لوسامته بل للصفات الأخرى التي عرفتها فيه وانسجمت معها».
تكمل السيدة علا: «هذا لا يعني أنّه من دون عيوب، فهي كثيرة ولو عرفتها النساء لنفرن منه ربما، لكنّني الوحيدة التي أعرف هذه العيوب وأستطيع تقبّلها والتعايش معها، وللأسف هذا ما يسهو عنه الناس حين يحكمون فقط على الشكل الخارجي، فهم يغفلون أنّ لكل إنسان نواقص، فيسرقهم الظاهر عن الغوص لمعرفة المزيد في الباطن».
التوازن الضروري
من الضروري إيجاد التوازن بين الشكل والمضمون، فالمغالاة في إبراز الشكل يعني أنّ لدينا نقصاً نحاول التستّر عنه، ومهما حاولنا إخفاء هذه الحقيقة فإنّها ستصل إلى الآخر وستهز ثقته بنا ونظرته إلينا.
من جهة ثانية، فإنّ للإنسان الحق في اختيار الصورة التي يريد الظهور بها أمام المجتمع من منطلق حقّه في التصرّف بجسده، لكن فليحترم الاتجاه السائد في بيئته الاجتماعيّة كي لا يكون الشواذ فيبعد الآخرين عنه ويثير ريبتهم بشكله المستفز.