صحة ورشاقة

هكذا تعايشت مع سرطان الثدي … وقهرته

أكتوبر 8, 2013
إعداد: خاص هيا

مع تقدّم العلم وانتشار حملات التوعية من سرطان الثدي وضرورة إجراء الفحوص الدوريّة اللازمة للتمكّن من التشخيص المبكر، أصبحت النساء اليوم أكثر إدراكاً ومعرفة بأسباب هذا المرض ونتائجه واحتمالات الشفاء منه. غير أنّ الخوف لا يزال يعتري بعض السيدات، فيتجنّبن التفكير في الموضوع أو يتجاهلن التغيّرات التي تطرأ على شكل الثدي أو يرفضن إجراء التصوير الشعاعي بشكل منتظم… وغالباً ما يكون السرطان مرتبطاً بفكرة الموت، فتترجم السيدات خوفهنّ بالعبارات التالية: «قد أموت، قد أصبح عاجزة ومعتمدة على غيري، أو سأكون عبئاً على عائلتي وأصدقائي…». منهنّ يفضّلن عدم المواجهة، بينما تترجم أخريات خوفهنّ بشكل إيجابي من خلال إجراء الفحوص بشكل منتظم. كذلك، تتقبّل بعض النساء النتيجة برحابة صدر، بينما يبدأ المرض بالاستحواذ على حياة بعضهنّ الآخر، فيشعرن بالخوف من عدم الحصول على وظيفة جيّدة أو من عدم القدرة على مواجهة المجتمع، ناهيك عن التساؤلات التي تزيد خلال فترة العلاج على غرار «هل سأفقد شعري؟ هل سأخسر أنوثتي؟ كيف سيؤثّر ذلك على حياتي الزوجيّة والعائليّة والاجتماعيّة؟»

مواضيع ذات صلة: 5 توصيات لتحمي نفسك من سرطان الثدي، أطعمة لمحاربة سرطان الثدي، نادين الراسي تكافح سرطان الثدي على غلاف“هيا

وتكمن الصعوبة الكبرى في تقبّل التغيّرات الجسديّة التي تطرأ بعد الخضوع للعلاجات اللازمة، لا سيما العلاج الكيميائي، بالإضافة إلى تحمّل الضغوط النفسيّة الكبيرة.
في الواقع، تتعدّد قصص النساء المصابات بسرطان الثدي وتختلف مع اختلاف العمر والوضع الاجتماعي لكلّ منهنّ، لكنّ النتيجة واحدة: غريزة البقاء تدفع النساء إلى النضال من أجل التغلّب على مرضهنّ والوصول إلى الهدف المنشود.
* الصور المستعملة في التحقيق هي صور تعبيريّة ولا تمثّل النساء اللواتي شاركننا تجاربهن.

في هذا التحقيق، نستعرض لك قصص خمس نساء توصّلن إلى قهر المرض والشفاء منه بفضل الأمل والإيمان والصبر والقوّة والعزم. تعرّفي إلى السيدة جاكلين خوري (50 عاماً) التي خضعت للعلاج في مستشفى Bellevue في بيروت، لبنان، والتي استطاعت أن تتعايش مع سرطان الثدي وهي اليوم تُكمل حياتها بشكل طبيعي مع زوجها وابنتها الشابة الطموحة.
ناديا أشقر (33 عاماً) أصيبت مؤخراً بسرطان الثدي وكافحت من أجل طفلها البالغ من العمر سنتين ونصف فقط. ثمّ خذي العبرة من المخرجة التلفزيونيّة لينا (39 عاماً) التي اكتشفت إصابتها مبكراً بفضل الفحوص الدوريّة، وهي متزوّجة ولها 3 أولاد. واستفيدي من قصّة معاناة السيدة ماتيلدا خطّار (52 عاماً) التي فقدت زوجها قبل بضعة أشهر من إصابتها بسرطان الثدي واضطرّت إلى أن تقاوم من أجل بناتها الثلاث.
وأخيراً، لا تعتقدي بأنّ سرطان الثدي يصيب المتزوّجات فقط، إذ إنّ السيدة العاملة نجوى (40 سنة) اكتشفت إصابتها بسرطان الثدي منذ حوالى 10 سنوات وهي لم تشكّ يوماً في إمكان الشفاء ومتابعة حياتها بشكل طبيعي.
تمثّل قصص هؤلاء النساء إشراقة أمل من أجل سيدات يرغبن في استعادة الثقة في أنفسهنّ بعد رحلة طويلة من المعاناة.

لمحة عن سرطان الثدي
أورام الثدي هي أكثر الأورام شيوعاً عند النساء، وإذا كانت 90% منها أوراماً حميدة، إلا أنّ 15% منها هي أورام خبيثة، أو ما يُعرف بأورام سرطانيّة. وتشير منظّمة الصحة العالميّة إلى أنّ سرطان الثدي يمثّل 16% من الإصابات في العالم أكثرها في الدول ذات الدخل المتوسّط والضعيف، وهو يتسبّب بوفاة حوالى نصف مليون امرأة في العالم سنوياً. أمّا خطر الإصابة بسرطان الثدي، فيزيد مع تدخّل عوامل عدّة، على غرار العامل الوراثي والتّقدم في السن، البلوغ المبكر أو انقطاع الطمث المتأخّر أو الحمل المتأخّر. ويُعزى السبب الرئيسي للوفاة إلى عدم اكتشاف المرض في مراحله الأولى، إذ إنّ التشخيص المبكر أمر في بالغ الأهميّة. الجدير بالذكر أنّه في حال تمّ الكشف عن الإصابة بسرطان الثدي في وقت مبكر، تزيد نسبة الشفاء بدرجة كبيرة وتنخفض مخاطر الإصابة بمضاعفات، كما ينخفض خطر الوفاة بنسبة 25%.

اكتشاف المرض وتقبّل الواقع
بدأت السيدة جاكلين تشعر بتغيّرات في ثديها، فنصحتها ابنتها بإجراء الفحوص اللازمة، على الرغم من صغر سنّها (13 عاماً). وقد شاءت الصدفة أن تتزامن المسألة مع إطلاق وزارة الصحة حملة لتوعية النساء من سرطان الثدي وحثّهن على إجراء التصوير الشعاعي (Mammography) بشكل منتظم. لذلك، توجّهت جاكلين لزيارة الطبيب المختصّ وأجرت الفحص ولكن لم يتبيّن وجود أي خلل. الجدير بالذكر أنّ ما من نساء في عائلة جاكلين مصابات بسرطان الثدي، وهذا ما جعل الطبيب يستبعد احتمال إصابتها، فالعامل الوراثي غير موجود. لذا، سافرت جاكلين لقضاء عطلة العيد مع عائلتها. بعد عودتها، أصرّت أن تُكمل بحثها وفحوصها لكي تتأكّد من سبب التغيّرات التي لا تزال تلاحظها في ثديها، فلم يتبقّ لها إلا أن تجري زرعاً لتتّضح طبيعة التكتّلات الغريبة، وهنا تبيّن وجود خلايا سرطانيّة. ولحسن الحظّ، اكتشفت جاكلين إصابتها بسرطان الثدي في وقت مبكر، إذ كان في مرحلته الأولى، وهذا ما جعل طبيبها يصرّح بالقول : «أنت محظوظة يا جاكلين».
ما إن تلقّت جاكلين خبر إصابتها حتّى انهالت بالبكاء، لكن سرعان ما استجمعت قواها وأخبرت زوجها وابنتها وبعض الأصدقاء، فكانوا داعمين لها كثيراً وتقبّلوا الأمر بإيمان كبير. ولكي تخفّف من وطأة الخبر على ابنتها، حاولت جاكلين أن تشاركها تجربتها وقالت لها: «هيا بنا نذهب إلى السوق لتختاري لي شعراً مستعاراً يُعجبك». وهكذا بدأت عائلة جاكلين تتقبّل إصابتها، وراحت تقرأ كتباً حول الموضوع وتبحث على شبكة الإنترنت عن معلومات قد تفيدها وتساعدها على تخطّي تلك المرحلة بنجاح.

مراحل العلاج… أمل رغم الألم
في البداية، أجرت جاكلين عمليّة جراحيّة لاستئصال التكتّلات السرطانيّة والألياف الموجودة في الثدي، وبعد شهر، بدأت علاجاً كيميائياً (Chemotherapy)امتدّ على 4 جرعات، أي جلسة كلّ 21 يوماً. وأخيراً خضعت جاكلين لثلاثين جلسة من العلاج الإشعاعي (Radiotherapy). وقد ساعدها الطاقم الطبي المولج بمتابعة علاجها في مستشفى Bellevue، حيث وقف إلى جانبها وساندها وأمدّها بكل رعاية واهتمام لتمر مرحلة العلاج من دون التأثير في نفسيّتها. تقول جاكلين: «كان العلاج الكيميائي يزعجني كثيراً، إذ بدأ شعري يتساقط فور خضوعي للجلسة الثانية، لكنّ زوجي كان يمدّني بالقوة ويُقنعني بأنّ تلك الأمور الجسديّة والقشور هي مسائل ثانويّة، فالأهم من كلّ ذلك هو أن أبقى على قيد الحياة، كذلك فعل الذين يخضعونني للعلاج».
في الواقع، بعد اتّخاذ قرار العلاج الكيميائي، تزداد المخاوف والتساؤلات عند النساء، لكن على الرغم من القلق الشديد، تجد كثيرات أنّ الجلسة الأولى ليست صعبة بالدرجة التي تخيّلنها، بل هي أسهل ممّا كنّ يعتقدن. أمّا بالنسبة إلى الآثار الجانبيّة المباشرة للعلاج الكيميائي، فقد تشعر بعض السيدات بأعراض تشبه الإنفلونزا من حيث التعب والغثيان والإرهاق والدوار. وتعتمد درجة حدوث هذه الأعراض على نوع العلاج الكيميائي المستخدم، غير أنّنا نجد اليوم أنواعاً عدة من الأدوية التي تُعطى مسبقاً قبل بدء ظهور الأعراض للتخفيف من حدّتها أو لتفاديها.

توقّفت جاكلين عن زيارة الأقرباء والأهل طيلة فترة العلاج وذلك بسبب نظرة الشفقة، بالإضافة إلى أنّها رفضت الظهور أمام والدتها بشكلها الجديد المتغيّر خوفاً على مشاعرها. فقد زاد وزن جاكلين كثيراً بسبب تناول أدوية الكورتيزون، كما كانت تعاني من العلاج الإشعاعي بسبب الجو الحار، إذ لم تكن تقوم بأي نشاط، لكنّها لم تستسلم أبداً وواظبت على عملها، ما ساعدها كثيراً على تخطّي تلك المرحلة العصيبة. تعمل جاكلين في مجال التسويق والإعلان، وكانت تذهب للعلاج الإشعاعي صباحاً وتعود إلى عملها من دون أن يلاحظ أحد، تقول: «أشكر زملائي في العمل على دعمهم لي». أمّا الآثار الجانبيّة النفسيّة للعلاج الإشعاعي، فكان الشعور بالاكتئاب والخمول، وقد طمأنها الأطباء بأنّ هذا الأمر طبيعي.
واستمرّت جاكلين بتدابير الوقاية بعد العلاج، فقد ظلّت لفترة سنتين تُكمل الفحوص الدوريّة الضروريّة. كما أنّها أجرت عمليّة جراحيّة لاستئصال الرحم، لأنّ الدواء الذي يمنع سرطان الثدي، قد يسبّب ظهور المرض في الرحم. أمّا اليوم، فتتناول جاكلين دواء لمدة خمس سنوات لتطمئنّ من عدم إصابتها مرّة أخرى.
عانت جاكلين من التعب الجسدي أكثر من الإجهاد النفسي، فلم تعد تستطيع أن ترتدي ما يحلو لها من الملابس بسبب زيادة وزنها، كما أنّها لم تكن تتناول ما لذّ وطاب من المأكولات. غير أنّها لم تشعر بالإحباط واليأس أبداً، وهي تكرّر دائماً : «يُقاس الإنسان في جوهره وليس في شكله الخارجي». لذا، تصالحت جاكلين مع نفسها ومع المرض وقالت: «المرض سيرافقني لفترة معيّنة، وما عليّ إلا أن أتحمّله وأتعايش معه حتى يتلاشى تماماً».
وتنصح جاكلين كلّ امرأة بأن تكون قويّة لأنّ الموضوع النفسي ولا سيما الشفقة هي أكثر ما يزعج المريض، فلماذا الشفقة؟ ولماذا يرتعبون من مرض السرطان بالذات؟ ألأنّ اسمه يشعر الناس بالخوف؟ يجب ألا نعطي المرض أهميّة أكثر من حجمه.

أدركت النعم التي أمدّني اللّه بها
أكثر ما يُزعج جاكلين، هو كلام الناس وشفقتهم، وهي تعتقد بأنّ اللّه يضع مَن يحبّه قيد التجربة، وتصرّح: «لم أكن أعلم بالنعم التي أمدّني الله بها، إذ أدركت أنّني امرأة مؤمنة، وأيقنت مدى تعلّقي بعائلتي ومدى حبّ زوجي لي، وهذا ما أشعرني بالراحة كثيراً لما له أهميّة في حياة المرأة».
في الواقع، تخاف المرأة عموماً، والمرأة العربيّة خصوصاً، من سرطان الثدي ليس بسبب خطورته على حياتها فحسب بل بسبب تأثيره المباشر على أنوثتها، ما يجعلها تقلق من فكرة فقدان زوجها أو تفكّك أسرتها أو من خسارة بعض الأصدقاء. وربّما هذا هو السبب الرئيسي الذي يمنع المرأة العربيّة من مواجهة المرض أو يجعل مسيرة الشفاء أكثر تعقيداً. لكن على المرأة المصابة بسرطان الثدي أن تحوّل تلك المرحلة إلى تجربة تختبر فيها أصدقاءها الحقيقيين، وتكتشف مدى تمسّك عائلتها بها، حيث تشعر بمَن يحبّها فعلاً ومَن يجاملها.
بالإضافة إلى ذلك، لم تُنكر جاكلين فضل الطاقم الطبي الذي رافقها في مرحلة علاجها، فالتعامل الإنساني وأخلاقيات المهنة تساعد المريضة على الشفاء العاجل، إذ إنّ «السرطان يحتاج إلى دعم الإنسان لأخيه الإنسان»، حسبما قالته جاكلين، وتضيف: «أنا ساعدت الأطباء بقوّتي، وهم ساعدوني بدعمهم». الجدير بالذكر أنّ جاكلين توصّلت إلى هذا الاستنتاج بعدما لجأت إلى أحد الأطباء وطلبت منه أن يحيطها علماً بكلّ المستجدّات وبتفاصيل حالتها المرضيّة وبمراحل العلاج التي تنتظرها، لكنّه رفض، ما جعلها تأخذ قراراً بزيارة طبيب آخر.

الموت… شبح يعيق التقدّم في العلاج
لطالما ارتبط مرض السرطان بشتّى أشكاله وأنواعه بفكرة الموت، إذ ينتظر المريض ساعته بكآبة ويأس حالما يعلم بإصابته. وغالباً ما يحبس المريض نفسه في المنزل، فيبدأ الأقارب والأصدقاء بزيارته الواحد تلو الآخر، وبدلاً من تحفيزه على التمسّك بالحياة، يُشعرونه بالحزن والشفقة وكأنّهم يودّعونه قبل لحظة الموت.
يُعدّ هاجس الموت عائقاً في وجه التقدّم والتحسّن خلال مرحلة العلاج. أمّا الإيمان والأمل والتفاؤل، فهي عناصر محفّزة على الشفاء. وفي هذا الإطار، كانت تردّد جاكلين: «إنّه ليس المرض المميت، فالله هو الحاسم الوحيد في مسألة الموت والحياة. أحياناً يموت الإنسان لسبب آخر وبطريقة مختلفة، فقد أرحل عن هذه الدنيا جرّاء حادث سير». وهكذا، لم يراود جاكلين شبح الموت أبداً طوال فترة العلاج.

الوصول إلى الهدف المنشود
ها قد حانت اللحظة المنتظرة منذ بداية المعركة، فقد استطاعت جاكلين أن تتغلّب على مرضها وتقهره بعد مدّة من الصبر والمعاناة والإيمان. فعندما علمت أنّها شفيت من سرطان الثدي، بكت كثيراً من شدّة فرحها، وشعر زوجها وابنتها بالسعادة الكبيرة. لكنّ جاكلين لم تتقاعس وأصرّت أن تُكمل مسيرة العلاج الوقائي اللازم، وهي اليوم تواظب على تناول الدواء لتتأكّد تماماً من عدم عودة المرض إلى جسدها مجدّداً، كما أنّها تتناول دواءً جرّاء إصابتها بدقّات قلب سريعة، بالإضافة إلى الكالسيوم والفيتامين D ولكنّ الأمر لا يزعجها أبداً، وتقول: «المتابعة أمر في بالغ الأهميّة».

كيف تغيّرت حياتي؟
كان عمل جاكلين يأخذ حيّزاً كبيراً من حياتها، إذ كانت تعمل كثيراً ولساعات طويلة. أمّا بعد إصابتها بسرطان الثدي، فاكتشفت أنّ الدنيا بسيطة جداً ولا تستحقّ كلّ هذا العناء والكدّ من أجل حياتها المهنيّة، وأنّ صحة الإنسان الجيدة وسعادته هما أهم عنصرين في حياته، فلماذا التعب والعمل؟ فالمال لا يجلب السعادة. وتصرّح جاكلين بالقول: «أفضّل أن أعمل لساعات قليلة وأهتم بصحتي وعائلتي وأن أعيش حياة هادئة من دون صخب وضجيج ومشاكل سعياً وراء كسب المال. كما اكتشفت أنّ الإيمان أساسيّ، فإيماني أمدّني بالصبر وبالتالي بالحكمة. الإيمان هو محور الحياة».
وشدّدت جاكلين على أهميّة الشفافية والصدق، فهناك نساء يخبّئن الحقيقة حتّى عن أولادهنّ وأزواجهنّ وهذا أمر خاطئ. كانت جاكلين تجتمع بنساء مصابات بسرطان الثدي خلال فترة علاجها، منهنّ مَن أخفين الحقيقة عن عائلتهنّ وأخريات لم يكملن العلاج، وهذا ما أعاق تقدمهنّ وحال دون شفائهن. تقول: «الأهم هو عدم الإهمال، وتشخيص المرض بشكل مبكر ومتابعة العلاجات حتى النهاية. كما أعتقد بأنّ المرأة يجب أن تحبّ نفسها وتعزّز نفسها لأنّها الأم والدنيا وهي التي تربّي أجيالاً…».

خُذي النصيحة من مجرّب
بعد شفائها، تُسدي جاكلين نصائح للنساء المصابات بسرطان الثدي وتقول: «اكتشفي نفسك واهتمي بها وقومي بالفحوص اللازمة في وقت مبكر. تعايشي مع مرضك ولا تستسلمي له، فإذا شعرت بالخوف تجاه مرضك سيقوى عليك وستخسرين في النهاية أو ستؤخّرين شفاءك. إذاً، تصالحي مع مرضك ولا تضعي اللوم على الله وفكّري بطريقة إيجابيّة دائماً، فالطب اليوم تطوّر كثيراً ولا داعي للهلع، لا سيما أنّ الكتب والمعلومات التفصيليّة حول المرض وطرق علاجه أصبحت في متناول الجميع».
وتُكمل جاكلين معلّقة: «يجب أن يلغي المجتمع نظرة الشفقة، وكأنّ الناس يودّعون المريض قبل أن يموت. أنصح الناس بألا يزوروا المريض إن لم يستطيعوا أن يمدّوه بالقوّة». كما تنصح المؤسسات والمنظّمات أن تنظّم دائماً تجمّعات وحملات توعية ودورات للنساء المصابات بسرطان الثدي أو اللواتي خضن هذه التجربة وشفين تماماً».
وأخيراً، وُلدت جاكلين من جديد، وحوّلت تجربتها إلى مصدر إلهام وقوّة للآخرين، إذ تظهر اليوم في مقابلات تلفزيونيّة عدّة حيث تعرض قصّتها، كما أنّها تلبّي دائماً دعوات الجمعيات المختصّة لتساعد النساء المصابات بسرطان الثدي على تخطّي المرحلة بنجاح وإيجابيّة.

ناديا أشقر: يجب ألا يكون الإنسان سطحياً في حياته
شعرت ناديا منذ سنة تقريباً بألم في الصدر، فقرّرت أن تجري الفحوص اللازمة وتبيّن إصابتها بسرطان الثدي. عندما تلقّت الخبر، وقفت ناديا لدقيقتين وهي تفكّر ملياً بالموضوع، ثمّ قالت في نفسها: «لن يفيدني الاستسلام ولن أهدر وقتي بالبكاء والاكتئاب، فأنا امرأة واقعيّة وعليّ أن أكون قويّة من أجل طفلي الصغير». لم تشعر ناديا بالتشاؤم أبداً، وتوكّلت على الله. الجدير بالذكر أنّها لم تخبر عائلتها وزوجها سوى قبل يوم واحد من موعد إجراء العمليّة الجراحيّة.
تعمل ناديا كمدرّسة، وقد شعرت بالانزعاج لأنّها توقّفت عن العمل في فترة العلاج الأولى على الرغم من أنّها امرأة ديناميكيّة وحيويّة. غير أنّها سرعان ما وجدت الحل المناسب بملء وقتها من خلال الأعمال اليدويّة وتزيين الشوكولا للمناسبات.
أمّا بالنسبة إلى التغيّرات التي طرأت على شكل ناديا، فوجدت صعوبة في شراء الملابس الملائمة بعد استئصال الثدي وتقول: «أعتقد بأنّ الإنسان يتميّز بروحه ونفسيّته وليس بشكله. وأحمد الله لأنّني لم أواجه أي موقف مزعج مثل شفقة الناس أو ما شابه، وذلك لأنّني لم أفسح المجال لحدوث مثل تلك المواقف. كنت أفعل ما بوسعي لأظهر بأبهى حالاتي، فأضع مستحضرات التجميل وأرتّب شعري… وأنا سعيدة لأنّ ابني متفهّم لوضعي».
خضعت ناديا لثماني جلسات كيميائيّة بالإضافة إلى العلاجات الإشعاعيّة، وهي تشكر طبيبها الذي ساندها كثيراً في هذه المرحلة الصعبة، كما توجّه شكرها لله ولجمعيّة Fare Face وتقول: «أشكر الله لأنّه ساعدني حتّى بدوري أساعد غيري اليوم، كما أعتبر نفسي محظوظة لأنّني أصبت بسرطان الثدي وليس بمرض أصعب منه مثل داء السكري أو أمراض الكلى أو غيرها». الجدير بالذكر أنّ ناديا لم تحاول أن تتنبّأ بأي نتيجة مسبقة، سلبيّة أكانت أو إيجابيّة، واعتبرت أنّها قد تموت جرّاء حادث سير أو بأي طريقة أخرى غير السرطان.
ووجّهت ناديا نصيحة للنساء المصابات بسرطان الثدي بأن يتبعن حدسهنّ وأن ينعمن بإيمان قوي وبقدر كاف من الواقعيّة لكي يواجهن المشكلة ويتابعن العلاج حتّى النهاية من دون أن يكترثن للتغيّرات الشكليّة، إذ إنّ الإنسان يجب ألا يكون سطحياً في الحياة. تضيف قائلة: «بعض النساء يرفضن التحدّث عن مرضهنّ، لكن يجب أن يعبّرن عمّا يجول في خاطرهنّ للأشخاص المناسبين، على غرار المتطوّعين في جمعيّة «وعينا مواجهة». على الإنسان ألا يخضع للمرض، بل يجب أن يقاومه من خلال حبه لنفسه، وطلب النعم من الله».

أقوى وأكثر نضجاً
وشرحت لنا ناديا عن حياتها اليوم، بعدما استطاعت أن تجتاز غالبيّة مراحل العلاج: «أنا امرأة اجتماعيّة وأحب الناس، ومرضي ساعدني على تعزيز هذا الجانب من شخصيّتي، فتعرّفت إلى أشخاص كثيرين لعبوا دوراً أساسياً في حياتي، وأصبحت اليوم أقوى من قبل وأكثر نضوجاً».
وختمت ناديا بالقول: «عندما يمر الإنسان بمرحلة عصيبة كهذه، يصبح أقل اكتراثاً للأمور البسيطة اليوميّة، ويتقرّب أكثر من الله. من الناحية الصحيّة، هناك أمور لم أعد أستطيع أن أقوم بها، إذ إنّ يدي تؤلمني، لكنّني دائماً أفكّر بطريقة إيجابيّة وأحاول عدم ربط مشاكلي الصحيّة بمرض السرطان».

لينا: تغيّرت نظرتي إلى الحياة
كانت المخرجة التلفزيونيّة لينا تعيش خارج البلاد، وعندما عادت إلى لبنان، لم تكن مستقرّة تماماً إذ كان عليها أن تساعد أولادها الثلاثة كي يتأقلموا في مدرستهم وحياتهم الجديدة، فاضطرّت إلى أن تتوقّف عن العمل لفترة سنتين.
في البداية، لم تلاحظ لينا أي تغيّرات في جسمها، لكنّها ذهبت كالعادة لإجراء الفحوص الدوريّة واكتشفت حينها أنّها مصابة بسرطان الثدي. شعرت بصدمة كبيرة عندما علمت بالنتيجة وأحسّت بأنّ الدنيا قد انتهت، لكنّ الطبيب طمأنها وقال لها إنّ العلاج فعّال، لا سيما أنّ المرض ما زال في مراحله الأولى. أمّا بالنسبة إلى أفراد عائلتها، فقد تفاجأوا كثيراً، لا سيما أنّ لينا تتبع حياة صحيّة ورياضيّة، ولا يوجد أي إصابات بسرطان الثدي في عائلتها، أي هناك غياب للعامل الوراثي.
تقول لينا إنّها كانت خائفة من العلاج الكيميائي ومراحله ونتائجه على نظرة المجتمع إليها وكيفيّة التعامل مع الناس ومواجهة شفقتهم. وعلى الرغم من شعورها بالانهيار، إلا أنّها ظهرت أمام الجميع امرأة قويّة، كما قرّرت ألا تتأثّر بالتغيّرات التي طرأت على شكلها الخارجي. تعرّفت لينا إلى نساء كثيرات مصابات بسرطان الثدي، فاستمدّت القوة منهنّ وتقبّلت الواقع وتعايشت مع مرضها. كما أنّها لم تفكّر للحظة بالنتيجة التي تنتظرها، سلبيّة كانت أو إيجابية، وتقول: « كنت أنتظر فقط أن أتخطّى كلّ مراحل العلاج لأتخلّص من الآلام».
خضعت لينا لعمليّة استئصال الورم من الثدي، ثمّ أجرت 6 جلسات كيميائيّة و30 جلسة إشعاعيّة، وهي اليوم تواظب على تناول الأدوية لمدة 5 سنوات. وكباقي النساء اللواتي مررنا بفترة العلاج، عانت لينا من أعراض جانبيّة كالتقيؤ والغثيان وغيرهما، لكن سرعان ما عالجت المسألة بتناول أدوية مناسبة وصفها لها الطبيب.
أمّا عن لحظة الشفاء، فصرّحت لينا قائلةً: «كان طبيبي قليل الكلام، لكن عندما قال لي «الحمد لله على سلامتك» بعدما انتهيت آخر جلسة من العلاج الكيميائي، علمت حينها أنّني شفيت من السرطان. وأنا سعيدة جداً اليوم وبدأت أستفيد من كلّ لحظة في حياتي، حيث تغيّرت نظرتي إلى الحياة وأصبحت أعيش من أجل أولادي وتربيتهم. سابقاً كنت أخطّط لمشاريع مستقبليّة، أمّا اليوم، فأعيش كلّ لحظة من دون التفكير في ما سيحدث لاحقاً».
تنصح لينا النساء اللواتي يهملن أنفسهنّ بأن يجرين الفحوص اللازمة بانتظام. أمّا النساء المصابات بالسرطان، فتقول لهنّ بأن يقوّين إيمانهنّ فهو المخلّص الوحيد.
وتختم موجّهة شكرها لجمعيّة «وعينا مواجهة» التي دعمتها معنوياً ونفسياً واستمعت إلى معاناتها وأمدّتها بالأمل منذ بداية العلاج حتّى يومنا هذا، إذ لا تزال تلتقي بأعضاء الجمعيّة لتبادل الأحاديث.

ماتيلدا خطّار: مرضي مرحلة موقّتة أنهيتها بنجاح
توفي زوج ماتيلدا في العام 2008 تاركاً لها مسؤوليّة 3 فتيات. وبعد 8 أشهر، بدأت ماتيلدا تشعر بألم في صدرها ولكنّها لم تكترث للموضوع. في العام 2010، أحسّت بوجود ورم في الصدر وبتغيّرات واضطرابات في دورتها الشهريّة، فاتصلت بطبيبها لتستفسر عن الأمر. تقول ماتيلدا: «لم أكن أستطيع أن أنام بسبب الألم الشديد في صدري، فنصحني الطبيب بأن أجري فحص التصوير الشعاعي وغيره من الفحوص اللازمة». وبعدما أجرت ماتيلدا الفحوص، اضطرّت لأن تخضع لعمليّة زرع حتى يتأكد طبيبها من هويّة الورم. تبيّن في النتيجة أنّه ورم خبيث طوله حوالى 8 سم، فخضعت فوراً لعمليّة جراحيّة
لاستئصال الثدي.
شعرت ماتيلدا بالتوتر، قبل أن تجري العمليّة الجراحيّة، وراحت تبحث على شبكة الإنترنت عن معلومات إضافيّة عن سرطان الثدي. وعندما خرجت من العمليّة الجراحيّة، بكت كثيراً ولكن سرعان ما هدأت بعدما شعرت بأنّ الألم في صدرها تلاشى. ثمّ خضعت لعلاجات كيميائيّة، وكانت تتعذّب كثيراً في اليوم التالي لكل جلسة، إذ لم تكن تقوى على الحراك، إلا أنّها حاولت خلال هذه الفترة أن تبقى قويّة، فرفضت الانزواء في المنزل وأكملت عملها بشكل طبيعي. وبالطبع، أكملت جلسات العلاج الإشعاعي وتناول الأدوية. تقول: «كنت متأكدة من النتيجة الإيجابيّة التي سأصل إليها وذلك بفضل طمأنة الطبيب، واليوم أنا سعيدة جداً لأنّني تغلّبت على سرطان الثدي. ودائماً أقول لنفسي إنّني لن أجري العلاج الكيميائي مجدّداً في حال عاد المرض إلى جسدي، وأتمنّى ألاّ يحدث ذلك».
ماتيلدا اليوم امرأة متحمّسة للحياة، تعشق الألوان وشراء الملابس الملوّنة، وتقول: «أحمد الله على شفائي وأعتبر مرضي مجرّد مرحلة موقّتة تخلّصت منها، واليوم أعيش حياتي بشكل طبيعي». ثمّ تغرورق عيناها وتضيف: «لا أخفي عليك، فأنا أمرّ أحياناً بمراحل صعبة أشعر خلالها بالإحباط والوحدة، لا سيما بعدما فقدت زوجي، غير أنّني أحارب دائماً وأرفض الاستسلام».
وأخيراً، وجّهت ماتيلدا نداءً للسيدات لكي لا يهملن صحّتهن، فالتشخيص المبكر يساعد على الشفاء العاجل. وتختم بالقول: «أنصح النساء المصابات بسرطان الثدي بألا يفقدن الأمل، فالحياة جميلة وعليهنّ أن يستفدن من كلّ دقيقة».

:نجوىكنت متأكّدة من أنّني سأتغلّب على المرض
نجوى امرأة عاملة غير متزوّجة، اكتشفت إصابتها بسرطان الثدي منذ 9 سنوات تقريباً، إذ كانت تجري الفحوص الدوريّة بشكل منتظم، لا سيما في ظلّ وجود عامل وراثي في العائلة. في البداية، رفضت نجوى أن تخبر أحداً بالموضوع، لا سيما أنّ والدتها مصابة بسرطان الثدي وتعاني من العلاجات، فذهبت بمفردها لإجراء العمليّة الجراحيّة، وأخبرتنا بأنّها كانت قويّة منذ البداية، فكانت تردّد دائماً: «بالتأكيد سأصل إلى الشفاء، وإن لم يتمّ ذلك، فهذه إرادة الله».
وقبل البدء بالعلاج الكيميائي، طلبت نجوى من مصفّف الشعر أن يصنع لها شعراً مستعاراً على صورة شعرها الطبيعي، لذلك لم يلاحظ كثيرون أنّها مصابة بسرطان الثدي. وتؤكّد نجوى أنّها لم تشعر باليأس طوال فترة العلاج على الرغم من معاناتها من تعب العلاج الكيميائي وحروق العلاج الإشعاعي: «أنا امرأة مؤمنة وعليّ أن أكون قويّة لكي أتغلّب على مرضي». لم يسيطر الخوف على نجوى سوى بعد شفائها، وبالتحديد كلّما ذهبت لإجراء الفحوص الدوريّة لتتأكّد من عدم عودة المرض من جديد. الجدير بالذكر أنّ زملاء نجوى في العمل والمسؤول تفهّموا وضعها خلال العلاج، فكان مديرها يسمح لها بأن تأخذ يوم إجازة بعد إجراء كلّ جلسة كيميائيّة.
تشعر نجوى بالسعادة الكبيرة لأنّ صديقاتها لجأن إليها لكي تساعدهنّ في التغلّب على مرضهنّ، فوقفت إلى جانبهنّ ولم تبخل عليهنّ بالدعم المطلوب. وتقول: «أشكر ربّي كلّ يوم على نعمه ولست خائفة أو منهارة من فكرة عودة المرض مجدداً».
نجوى امرأة نشيطة، تهتم بحياتها العمليّة والعائليّة، وتعيش حياة طبيعيّة. هي اليوم ملتزمة مع جمعيّة «وعينا مواجهة» وتساعد غيرها من السيدات معنوياً على تخطّي فترة العلاج العصيبة، كما أنّها تذهب لزيارة المريضات في المستشفى وتقدّم لهنّ
الدعم اللازم.
في الختام، توجّه نجوى نصيحة للنساء بأن يجرين الفحوص اللازمة كلّ سنة وبشكل منتظم لأنّ التشخيص المبكر يساهم بشكل كبير في تسريع عمليّة الشفاء.
أمّا بالنسبة إلى النساء المصابات بسرطان الثدي، فتتوجّه إليهنّ قائلةً: «أنصحهنّ بألا يسمحن لليأس بالسيطرة عليهنّ، وأن ينظرن إلى الحياة بنظرة إيجابيّة لكي يقهرن المرض. فهي مجرّد مرحلة صعبة موقّتة وستمضي بسلام».

قد يهمك أيضاً

اشترك في صحيفتنا الإخبارية