صحة ورشاقة

المرونة النفسيّة لكي تواجهي كلّ اختبارات الحياة

يوليو 30, 2013
إعداد: Nathalie Bontems

 سمر معتوق-بيروت

وفاة شخص عزيز، مرض، عنف… كيف يستطيع من عاش صدمات نفسيّة قويّة مواجهة الحياة من جديد ليتوصّل بالفعل لأن يعيد بناء نفسه من دون أن يدخل في دوامّة الاكتئاب؟ هذا ما يسمّيه علماء النفس بـ«المرونة النفسيّة».

 إنّ مواجهة التغيير أو الخسارة هي مرحلة من الحياة لا يمكن الهروب منها. ففي بعض المراحل، يختبر كلّ شخص مستويات عدّة من النكسات أو الفشل. بعضها يكون صغيراً نسبياً مثل عدم النجاح في امتحان هام، أمّا البعض الآخر فقد يكون كارثياً من الصعب تحمّله مثل الموت أو حدوث زلزال أو غيرهما من الأزمات. وكيفيّة مواجهة تلك المشاكل يمكن أن تلعب دوراً رئيسياً، ليس من ناحية التأثير على نتائجها فحسب، وإنّما أيضاً على تأثيراتها النفسيّة على المدى الطويل.

كيف نعرّف المرونة النفسيّة؟

بالنسبة إلى العلوم الاجتماعيّة، تعرّف المرونة النفسيّة على أنّها «القدرة على النجاح في الاستمرار في الحياة والتطوّر إيجابياً، بطريقة مقبولة اجتماعياً، على الرغم من الضغوط أو المحنة التي يترافق معها عادة خطر إيجاد المخرج السلبي منها».

هناك أشخاص يمكنهم المحافظة على هدوئهم في وجه أيّ كارثة، بينما آخرون يصابون بالانهيار في وجه كارثة مماثلة. فما هو السرّ؟ إنّ أشخاص الفئة الأولى يتمتّعون بما يسمّيه علماء النفس بالـ«مرونة» أو القدرة على التعامل مع المشاكل والنكسات التي يصادفونها في حياتهم. فالأشخاص المرنون يتميّزون بالقدرة على استخدام مهاراتهم وقواهم لمواجهة المشاكل والتحدّيات وأيضاً الشفاء منها، وهي يمكن أن تتضمّن البطالة أو المشاكل الماديّة أو المرض أو الكوارث الطبيعيّة أو الطلاق أو فقدان شخص عزيز.

في المقابل، كلّ شخص لا يتميّز بهذه المرونة يصبح عرضة لأن يخضع لهذه التجارب ويدعها تتغلّب عليه. وقد يصل مثل هذا الشخص إلى أن يعيش في ظلّ تلك المشاكل ويستخدم آليات غير سليمة في مواجهتها. بالإجمال، يعاني هؤلاء الأشخاص من بطء في عمليّة الشفاء من النكسات وقد يصابون باكتئاب نفسي نتيجة لذلك.

المرونة النفسيّة لا تخلّص الشخص من الضغوط أو تمحو مصاعب الحياة، لكنّها تمنحه القوّة اللازمة لمواجهة المشاكل بثبات وحلّها، كما التغلّب على المحن والاستمرار في حياته.

اقرئي: خطوات على طريق النجاح

ميزات المرونة النفسيّة

قام الباحثون بتحديد بعض الميزات الأساسيّة للمرونة النفسيّة والكثير منها يمكن تطويرها والعمل على تقويتها من أجل تعزيز القدرة على التعامل مع نكسات الحياة ومصاعبها.

– الوعي: يعي الشخص المرن جيداً الحالة التي يمرّ بها وردّات فعله العاطفيّة كما سلوكه في وجه تلك الحالة. وللتمكّن من السيطرة على المشاعر، من المهمّ إدراك ما الذي يسبّبها وفهمه وفي أيّ وقت. من خلال المحافظة على الوعي، يمكن للأشخاص المرنين أن يحافظوا على قدرة السيطرة على وضع ما والتفكير بالحلول الملائمة.

– إدراك أنّ النكسات هي جزء من الحياة: في وقت لا يمكننا تجنّب أيّ من تلك المشاكل، يمكن أن نحافظ على انفتاحنا ومرونتنا ورغبتنا في التكيّف مع التغيير.

– مهارات عالية في حلّ المشاكل: عند حدوث أيّ مشكلة، يستطيع الأشخاص المرنون إيجاد الحلّ الذي يقود بهم إلى نتيجة جيّدة. وفي حالات الخطر، يفشل الأشخاص أحياناً في التركيز على التفاصيل الهامّة أو اغتنام الفرص. في المقابل، يمكن للأشخاص المرنين النظر بهدوء وعقلانيّة إلى المشكلة وتصوير الحلّ المثالي.

– التمتّع بعلاقات اجتماعيّة قويّة: في كلّ مرّة تمرّين بمشكلة، من الضروري أن يكون هناك من يمكنك اللجوء إليه (أصدقاء، عائلة، زملاء في العمل…). فمن خلال الكلام عن المشكلة التي تواجهينها، يمكنك أن تعزّزي وجهات النظر وتبحثي عن حلول جديدة أو بكلّ بساطة تعبّري عن مشاعرك.

– النظر إلى الذات كمناضل وليس ضحيّة: من الضروري عدم اعتبار النفس ضحيّة والنظر في طرق حلّ المشكلة.

– القدرة على طلب المساعدة: من الضروري طلب المساعدة عند الحاجة إليها. خلال أيّ مشكلة، يمكن اللجوء إلى المتخصّصين النفسيين أو إلى مصادر أخرى مثل قراءة الكتب المتعلّقة بهذا الموضوع أو البحث عن أشخاص عاشوا التجربة نفسها
والتناقش معهم.

اقرئي: فوائد جمّة للاستماع إلى الموسيقى خلال العمل

مراحل المرونة النفسيّة

يرى الخبراء في علم النفس أنّ السّلوك المرن ديناميكيّ ويمرّ بمراحل دفاع عديدة تهدف إلى الوقوف في وجه المسارات السلبيّة.

– أوّل ما يشعر به الشخص المرن هو الثورة ورفض الاستسلام للكارثة التي يمرّ بها.

– يأتي بعدها الحلم والتحدّي، أي الرّغبة في الخروج من هذه المشكلة.

– الإنكار وهو يتضمّن خلق صورة ذاتيّة قويّة من أجل حماية النفس من الشفقة التي قد يشعر بها بعض الأشخاص المحيطين.

– وأخيراً يأتي حسّ الفكاهة، حيث يميل الشخص المرن إلى تطوير نوع من السخريّة من المشكلة وذلك لكي لا يغرق بالحزن ومن أجل عدم النظر إليه كضحيّة.

الجدير بالذكر أنّ هناك العديد من الأشخاص المرنين الذين يدخلون مرحلة خلق وإبداع، إذ يدفنون المأساة ويعبّرون عن عدم اكتراثهم من خلال الكتابة أو الرسم مثلاً.

خطوات تجعلكِ أكثر مرونة

برهنت الدراسات أنّه وفي وقت يصل فيه بعض الأشخاص إلى المرونة بصورة طبيعيّة، يمكن أيضاً تعلّم القيام بذلك.

 – عزّزي ثقتك بقدراتك: تلعب الثقة بالنفس دوراً بارزاً في عمليّة التعامل مع الضغوط والتعافي من الأحداث المؤلمة. حاولي دائماً أن تذكّري نفسك بنقاط قوّتك وإنجازاتك. فزيادة الثقة بقدرتك على الاستجابة والتعامل مع الأزمة، طريقة مميّزة من أجل التأسيس للمرونة مستقبلاً.

 – ابحثي عن هدف لحياتك: في مواجهة أزمة أو مأساة ما، يلعب تحديد هدف معيّن للمستقبل دوراً هاماً في عمليّة الشفاء. وهذا يمكن أن يتضمّن الانخراط في المجتمع أو تطوير الأفكار الروحيّة أو المشاركة في النشاطات.

 – طوّري شبكة اجتماعيّة متينة: إنّ مجرّد وجود أشخاص حولك يهتمّون لأمرك ويدعمونك، هو عامل حماية في الأيام الصعبة. من المهّم أن يكون لديك من تثقين به وتتحدّثين إليه، فهذا يجعلك تشاركين مشاعرك وتحصلين على الدعم وعلى المساعدة الفعّالة والحلول الممكنة.

– رحبّي بالتغيير: التكيّف هو جزء أساسي من المرونة. فمن خلال التعلّم على التكيّف، تحصّنين نفسك للاستجابة السليمة للأزمات المحتمل وقوعها. وفي الوقت الذي يشعر بعض الأشخاص بالانهزام والسحق تحت وطأة الأزمات، يمكن للأشخاص الذين يتمتّعون بقدرة عالية على المرونة أن يتكيّفوا ويتقدّموا بسرعة.

 – كوني متفائلة: من الصعب المحافظة على نظرة إيجابيّة عند مواجهة أيّ وضع قاس، لكنّ الإبقاء على التفاؤل جزء هامّ من المرونة. والتفاؤل لا يعني أن تتجاهلي الموضوع، لكن أن تدركي ما حصل وتؤكّدي على أنّه أمر عابر وتؤمني بأنّك تملكين المهارات والقدرات لمحاربة التحدّيات التي تواجهينها.

 – اعتني بنفسك: عندما تمرّين بمرحلة صعبة، يصبح من السّهل إهمال حاجاتك الخاصّة، إذ تفقدين شهيّتك على الأكل وتتوقّفين عن ممارسة الرياضة ولا تحصلين على فترة كافية من النوم… قومي بتغيير ذلك وخصّصي وقتاً للقيام بنشاطات تحبّينها واعتني بتلبية حاجاتك الخاصّة لتعزّزي صحّتك ومرونتك لتكوني على أتمّ استعداد لمواجهة تحدّيات الحياة.

 – ابحثي عن إمكان حلّ المشكلة: في كلّ مرّة تصادفين تحدّياً جديداً، قومي بوضع لائحة سريعة عن بعض الأساليب الممكنة لحلّ المشكلة. اختبري استراتيجيات عدّة وركّزي على تطوير طريقة منطقيّة للمشاكل الشائعة.

اقرئي: التعامل مع مرحلة الانفصال وما بعدها

قد يهمك أيضاً

اشترك في صحيفتنا الإخبارية