صحة ورشاقة

الكثير من الفيتامينات يقتل

 فؤاد نجم-بيروت

لم تكن هبة الموسوي تعرف أنّ هوسها بصحّة جنينها كاد يفقدها إياه وأنّ الفيتامينات التي كانت تتناولها لتحافظ على صحّته كادت تحرمه النور إلى الأبد. غير أنّ العناية الإلهيّة جعلت طبيبها يتنبّه إلى الأمر الذي كانت تخفيه عنه عن جهل، عندما رأى صدفة علب الفيتامينات المكدّسة في حقيبتها وكانت تتناولها بكميات كادت تؤدي إلى تشوّه الجنين.

 حالة هبة لم تكن استثنائيّة، فكثيرات لا يعرفن أنّ للفيتامينات على أنواعها ردود فعل عكسيّة قد تؤدي إلى نتائج طبيّة كارثيّة، قد لا تقتصر على الأمراض المزمنة فحسب، بل قد تؤدي إلى إحداث خلل جيني ينتقل في العائلة من جيل إلى جيل. تنقسم الفيتامينات إلى نوعين أساسيين، الذائبة في الماء وتضم مجموعة فيتامينات B وC، تكمن أهميّتها في كونها تتحلّل في الماء ويتخلّص الجسم منها من خلال البول والتعرّق، لذلك فإنّ احتمال تخزين فائض منها في الجسم هو أمر نادر ما لم يتناولها المرء على شكل أقراص أو متمّمات غذائيّة وبكميات تفوق المعدّل العام بكثير. أما النوع الآخر، فهي تلك التي تتحلّل في  الدهون والتي تتخزّن في الأنسجة الدهنيّة وفي الكبد وتحت الجلد ومنها فيتامينات K وE وD وA. هذه الفيتامينات تبقى لمدة أطول في الجسم، ما يجعل تخزينها في الجسم أمراً سهلاً وخطراً على السواء.

الفيتامينات

يعتبر فيتامين C من أكثر أنواع الفيتامين التي يتناولها الإنسان على شكل متمّمات غذائيّة، لا سيما أنّ الجسم لا ينتج هذا الفيتامين ولا يخزّنه، وكثيراً ما يؤخذ على شكل أقراص لتنشيط الجسم أو للوقاية من الإنفلونزا وهو موجود في الحمضيات والكيوي وبشكل أقل في غالبيّة الخضار والفاكهة، غير أنّ زيادة الجرعة اللازمة تؤدي إلى مضار مثبتة علمياً، من بينها خطر الإصابة بسرطان الأجهزة الهضميّة، التأثير سلباً في عمل القلب، فضلاً عن حروق داخل المعدة. أما الفيتامين A الموجود في السبانخ واليقطين والصويا، فإنّ الجرعة الزائدة منه تؤدي إلى تسمّم وتنتج اضطرابات في الكبد وضعف في النظر، فضلاً عن مشكلات في البشرة التي تعد المنبّه الأول لهذا التسمّم، إذ يميل لونها إلى البرتقالي عند ازدياد الكميّة عن اللازم. أما مجموعة فيتامينات B، فلكل منها آثاره الخاصة. ففي حين تنحصر تأثيرات B5 الموجود في الأفوكادو والبروكولي واللحوم على الإسهال، فإنّ زيادة جرعة B3 قد تؤدي إلى تلف الكبد. أما B6 الموجود في الموز والمكسرات واللحوم، فيؤدي إلى أمراض في الجهاز العصبي. تؤدي الجرعة الزائدة من الفيتامين K الموجود في البيض والبقول، إلى التخثّر في الدم وهو غالباً ما يؤدي إلى الوفاة إذا ما ترافق مع مشكلات في ضغط الدم. وبدوره، فإنّ الزيادة في الفيتامين D الموجود في الفطر وكبد الدجاج (السودة) تؤدي إلى تعب وإعياء ومشكلات في عضلات الجسم. الفيتامين E الموجود في القمح والمكسّرات الذي يوصف في الغالب لمعالجة تساقط الشعر، تسبّب الجرعة الزائدة منه تساقطاً أكبر، أي يعطي نتيجة عكسيّة فضلاً عن الخلل في الرؤية وصداع شديد.

المعادن

كما الفيتامينات، فللمعادن التي تؤخذ أيضاً كمتمّمات غذائيّة مشكلات لا تقل خطورة عن النقص فيها، فالفوسفور الموجود في الأسماك والمأكولات البحريّة، يؤدي الى ضعف في امتصاص الكالسيوم، وبالتالي إلى تكلّس في الكلى وضعف في العظام. أما الجرعة الزائدة من المغنيزيوم، فتؤدي إلى الشعور بالغثيان وانخفاض ضغط الدم ومشكلات في القلب.  الزنك خطر أيضاً إذا أخذ بكميات كبيرة ويسبّب تدميراً في الخلايا ومشكلات في المناعة واضطرابات معويّة، في حين أنّ الحديد هو الأخطر على الإطلاق ويسبّب تشوّهات خلقيّة لدى الأجنّة ويؤدي إلى مشكلات في الشيفرة الوراثيّة للإنسان، أي أنّ مشكلاته تنتقل في العائلة الواحدة من جيل الى جيل.

الوقاية سهلة

قد يبدو الأمر صعباً للغاية، النقص في الفيتامينات مضر والزيادة فيه أيضاً… فكيف يستطيع الإنسان أن يقي نفسه وأن يعرف ما هي الكميّة التي يحتاها من كل فيتامين؟ بالطبع لا يمكن أن نحسب كل ما نأكله في اليوم وأن نحصي مئات الأنواع من الفيتامينات ونعرف الكميّة اللازمة لكل منها. لكنّ الأمر ليس بهذا التعقيد وثمة قاعدة ذهبيّة يذهب إليها الأطباء وهي أخذ الفيتامينات والمعادن من مصادرها الطبيعيّة والتنويع في الوجبات. إنّ غالبيّة الفيتامينات موجودة بكميات معتدلة في مصادرها الأصليّة وهي لا تضر، فـ Carotene Beta مثلاً الموجود في البطاطا الحلوة والجزر يضاعف من معدلات الإصابة بسرطان الرئة إذا أخذ بجرعات زائدة كحبوب مستقلة أو زيوت،  في حين إنّه لا يضر أبداً من مصادره الطبيعيّة، والأمر ذاته  ينسحب على الحديد. لذا، يجب الحرص على عدم أخذ أي فيتامين من غير مصدره الطبيعي إلا عند الضرورة، وحينها يجب التنبّه إلى الكميات المسموح بها وهو ما يدوّن على علب الفيتامينات ويجدر التقيّد بها، مع التنبّه إلى أنّه يجب الابتعاد عن المتمّمات الغذائيّة غير المصنّعة في شركات أدوية مرخصّة، كتلك التي تسوّق على الشاشات، وذلك لقلّة احتراف مصنّعيها وعدم إجراء كامل الأبحاث المتعلّقة بها. أما إذا كنت تعانين من أي مرض أو تتناولين أدوية ما، فعندها ليس هناك بديل عن استشارة طبيب متخصّص لأنّ تداخل الفيتامينات مع الأدوية قد يؤدي إلى نتائج لا تحمد عقباها.

قد يهمك أيضاً

اشترك في صحيفتنا الإخبارية