أميرة اسكندينافيّة حالمة تربّعت على عرش العواصم الأوروبيّة مكلّلة بتاج رصّعته عراقة التاريخ ومزدانة برداء حاكته الطبيعة بخيوط الروعة وحبكة الجمال.
إنّها المدينة الدانماركيّة الساحرة التي تتسلّل إليها ضفائر الشمس الذهبيّة كلّ صباح لتنثر الدفء فوق سطوح بيوتها القرمزيّة القديمة ولتلاعب النسيم العليل الذي يعبق برائحة الخبز الطازج الشهيّة في أزقّتها العتيقة. هي لوحة خياليّة أبدعها الخالق، فأمست مصدر وحي ألهم العديد من الكتاب والشعراء وعلى رأسهم الأديب هانس كريستيان أندرسن الذي خلّد هذه المدينة في روايات لا تُنسى أهمّها «ملكة الثلج» و«الحوريّة الصغيرة» و«فرخ البط القبيح» وغيرها من القصص التي حفرت في ذاكرة التاريخ اسم كوبنهاغن مقروناً بالمجد ومقلّداً بوسام الثقافة.
قصّة مدينة اشتهرت بالصيد
تعتدّ كوبنهاغن بإرث تاريخي خبّأته طوال ألف عام بين حجارة أزقّتها العتيقة وشوارعها التي وطأتها أعرق السلالات الملكيّة في العالم، فنقشت على جدرانها حكايا مجد طبعت القرون الوسطى. تلك الشوارع التي ألفت طرقاتها أعظم الحرفيين وأشهر المهندسين فحضنت طوال قرون أعمالهم الفنيّة المبدعة. كوبنهاغن حكاية بلدة متواضعة اعتادت صيد الأسماك قبل أن تعانق المجد وتستحيل عاصمة متألّقة للإمبراطوريّة الدانماركيّة العتيدة وسيدة اسكندينافيّة تفوّقت بهندستها الراقية على عواصم العالم أجمع، فهي موطن القصور المهيبة وأرض الساحات الحجريّة التي تسقفها السماء. تمّ بناء العاصمة الدانماركيّة في الفترة الممتدّة من العام 1160 وحتّى العام 1167 على يد بيشوب أبسالون، مستشار الملك فالديمار الأول الذي أوكل إليه مهمّة بناء مدينة على الساحل الشرقي للحفاظ على ازدهار التجارة، فشيّد بيشوب أبسالون قلعة صغيرة على جزيرة سلوتشولمن Slotsholmen لحماية المدينة الجديدة. وهكذا تمكّنت كوبنهاغن بفضل موقعها الاستراتيجي المميّز على الرصيف البحري والخدمات المرفئيّة التي يقدّمها لها أن تخطو خطوات عملاقة في درب الازدهار، فتحوّلت مدينة الفايكينغ الصغيرة التي تهوى صيد الأسماك إلى مدينة هامّة مع حلول القرن الثاني عشر، قبل أن تسرق لقب العاصمة الدانماركيّة من نظيرتها روشكيلد في العام 1443، لتصبح اليوم أكبر المدن الاسكندينافيّة وأهمّ المراكز الثقافيّة والفنيّة على الإطلاق.
موقع استراتيجي يليق بمدينة الفايكينغ
لطالما كانت الدانمارك معقل شعب الفايكينغ الذي عمّرها طوال الفترة الممتدّة من العام 800 وحتى العام 1050، والذي توسّل شطآنها ليقود منها أساطيله ويشنّ منها هجماته على دول أوروبا الغربيّة وصولاً إلى القسطنطينيّة، فنهب المدن واستباح الكنائس والأديرة. لكنّ أبناء الفايكينغ لم يكونوا مقاتلين أشدّاء وحسب، بل كان منهم تجّار بارعون تبادلوا التجارة مع كل الدول التي وصلوا إليها. استقر الفايكينغ في العديد من البلدان الأوروبيّة العريقة كفرنسا وإنكلترا ولعبوا دوراً أساسياً في تحديد مصيرها. وتكفي اليوم زيارة مدينة روشكيلد المجاورة لكوبنهاغن للاطّلاع على إرث الفايكينغ الأصيل المتواجد في متحف الفايكينغ Viking Ship Museum.
مواقع لا بدّ من زيارتها في كوبنهاغن
-قصر روزنبرغ: يتخطّى هذا البناء الرائع كونه صرحاً تاريخياً مهيباً ليُعدّ أيضاً متحفاً ثقافياً وتاريخياً مذهلاً يضمّ أهم ثروات الدانمارك الثقافيّة ومنها تاج السلالة الملكيّة الحاكمة. شُيّد هذا القصر في عصر النهضة الأوروبيّة من قبل الملك كريستيان الرابع وهو محاط بحدائق ملكيّة تُعدّ الأقدم في البلاد.
– حدائق تيفولي: منتزه تيفولي الترفيهي هو أحد أقدم الحدائق التي ظهرت في أوروبا في القرن الثامن عشر بهدف التسلية. وفي الواقع، ألهمت تيفولي بروعتها السيد والت ديزني الشهير الذي استوحى منها فكرة بناء أوّل مدن ديزني الترفيهيّة في العالم، وكان ذلك في كاليفورنيا عندما شيّد مدينة «ديزني لاند» الغنيّة عن التعريف.
– برج Round Tower: تمّ بناؤه في العام 1642 بأمر من الملك كريستيان الرابع الذي أراد أن يجمع أهمّ المعالم التي يحتاج إليها طلاب جامعة كوبنهاغن في مبنى واحد. لذا فإنّه يضم مكتبة جامعيّة بالإضافة إلى مرصد فلكي. وقد بات من الممكن اليوم التمعّن بسماء الليل الحالكة في فصل الشتاء بواسطة المنظار الفلكي الممتاز المتواجد في هذا البرج.