لؤلؤة متضوّعة عشقت الثلج وتقلّدت بياضه الناصع، فأضاءت بصفائها شمال القارة الأميركيّة ونفخت في أكمتها الباردة نسيماً دافئاً أشعل فيها حياة تتّقد أملاً.
تتغنّى مدينة أوتاوا بخصائص فريدة من نوعها تميّزها عن غيرها من المدن الكنديّة الأخرى وتتوّجها عاصمة لثاني أكبر دول العالم مساحة. فهي معقل السياسة الكنديّة ومربض مبنى البرلمان القديم الذي يجثم شامخاً في وسط المدينة منصتاً بفخر إلى صدى أصالة التاريخ الذي يتردّى بين حجارة جدرانه العتيقة. هي مثلّث مائي تروي زواياه ثلاثة روافد مائيّة امتصّت ما في الأرض من ثلوج ذائبة وفجّرتها أنهاراً تتدفّق في حنايا المدينة الشاسعة. إنّها ذلك المزيج السحري المطعّم بنكهة التنوّع الذي تعبق به شوارعها، وببساطة مساكنها التي انحنت أمام حداثة أبنيتها السياسيّة المتكلّفة. وهي الروعة المتنقّلة بين ربوع هضابها اللامتناهية التي تسابق الغيوم بحثاً عن ضفائر الشمس الدافئة.
مهرجان الشتاء
ما إن يلقي الشتاء بظلاله الباردة على العاصمة الكنديّة أوتاوا، حتّى تلتحف المدينة بغطاء ثلجي ناصع البياض يكلّل أسطح المنازل القرميديّة الحمراء بتيجان ثلجيّة بيضاء ويزركش أفنان الأشجار العاتية بحلي ثلجيّة متلألئة، فيرسم لوحة طبيعيّة خلّابة وهادئة تنتظر بسكون شهر فبراير ليخرجها عن صمتها. فقد اعتاد سكّان المدينة منذ أواخر السبعينات الاحتفال بقدوم الشتاء في شهر فبراير من كلّ عام، فيتوافدون إلى ساحات المدينة المختلفة لتذيب حرارة قلوبهم أكوام الثلج التي تخفي معالمها، فتتجلّى حلبة التزلّج الجليديّة الشهيرة The Rideau Canal Skateway، التي دخلت موسوعة غينيس للأرقام القياسيّة نظراً إلى كونها أكبر حلبة جليديّة طبيعيّة في العالم أجمع، وتتحوّل إلى ساحة للاحتفال تحتضن طوال الأسابيع الثلاثة الأولى من شهر فبراير عدداً كبيراً من النشاطات المختلفة.
كما يظهر بوضوح في وسط المدينة بالقرب من شارع ريدو Rideau مدرج عملاق نصب مقاعده على ضفاف أحد الأنهار المترقرقة في المدينة وعلى جنبات سفوح التلال المحيطة، ليتيح للناس مشاهدة الأنشطة الترفيهيّة التي تُقام في الهواء الطلق بالإضافة إلى العروض المرئيّة والمسموعة الكثيرة التي تقدّم في كلّ عام باقة من الصور العملاقة والمشاهد الغنيّة بالمؤثّرات الضوئيّة الخاصة. وحتّى أبنية البرلمان الكنديّة تشارك في هذا الاحتفال، فتشرّع أبوابها في مثل هذا الوقت من السنة أمام زائري المدينة وتمنحهم فرصة التجوّل في أرجاء الصرح التاريخي.
نشاطات في الهواء الطلق
لم يخطئ من قال إنّ أوتاوا هي جنّة رياضات الهواء الطلق على الأرض. فربوعها ساحة دائمة للتزحلق على الثلج والتزلّج على الجليد، وما من عذر يبرّر البقاء بين جدران المنزل وعدم ممارسة النشاطات المختلفة التي تقدّمها العاصمة الكنديّة، إذ تمتدّ The Rideau Canal Skateway، أكبر حلبة للتزلّج على الجليد في العالم، على مساحة ثمانية كيلومترات تقريباً وتصطفّ على جانبَيها مجموعة من المطاعم والمقاهي والمتاجر الخاصّة ببيع أدوات وملابس التزلّج وتأجيرها. أمّا من يفضّل الثلج، فلا بدّ له من أن يقصد ميدان Gatineau Park شمال المدينة، فهو يمتدّ على طول عشرين كيلومتراً ليكون بذلك أعظم ميدان للتزلّج على الثلج في أميركا الشماليّة، وهو يضمّ شبكة كبيرة من الطرقات التي تنوّعت درجة صعوبتها لتناسب مختلف أنواع التزلّج من التزحلق باستخدام المزلجة وحتّى السباقات الكلاسيكيّة الطويلة. يُذكر أنّ هذه الطرقات مزوّدة بحراسة مشدّدة للحفاظ على الأمن وتلافي المخاطر، كما ينتشر خارج مضمار التزلّج عدد من الخيم المكيّفة التي خُصّصت للمشاهدين ولاستراحة المتزلّجين. والملفت في هذا المضمار هو أنّه تم تخصيص عدد من الطرقات للراغبين في التنزّه في كنف الثلوج النقيّة والتمتّع بمنظر بحيرتَي ميتش وفيليب اللتين تحيطان بدروب التنزّه وتشهدان على روعة الجمال الناصع التي أسبغها الخالق على مياهها الصافية، فاستحالت مرآة تعكس زرقة السماء الخالدة وملعباً لنسائم باردة، كلّما هبّت تراقص ما تبقّى على ضفاف البحيرة من نباتات صامدة أبت التخلّي عن خضرتها. فمدينة أوتوا وإن عشقت الثلج، لم تتخلّ يوماً عن خضرة طبيعتها السرمديّة، إذ تبقى مزنّرة طوال العام بحزام أخضر ومناطق مشجرة تضفي على بياض الثلج لمسة دافئة وروعة آسرة.