«أنا امرأة قوية» عبارة نتمنى جميعاً قولها للتمتع بالمزايا التي تجلبها القوة إلى حياتنا، ولكن هل نعرف حقاً كيف نكون أقوياء، وكيف نتخطّى الأزمات بصلابة، ونسعى أيضاً للتأثير إيجاباً في محيطنا لجعل من حولنا يتمتّعون بهذه الطاقة؟ تجيب عن هذه الأسئلة ديما أياس، الحاصلة على شهادة الماجستير في علم النفس العيادي وعلم الأمراض النفسية من جامعة القديس يوسف في لبنان، والمختصّة في العلاج المعرفي والسلوكي، والتي تمارس عملها منذ أكثر من 15 سنة بين جدة والرياض وبيروت.
كيف يمكن تعريف القوّة، ولماذا نسعى دائماً لأن نكون أقوياء؟
القوّة في علم النفس هي القدرة على عيش الوقت الحاضر وتخطّي الماضي وعدم الخوف من المستقبل. فالإنسان حين يعطي مهام يومه كل طاقته ومجهوده، سيخفف من التوتر والقلق ويكتشف معنى الرضا والقناعة. القوّة هي أيضاً قدرة الشخص على التأثير على أفعال الآخرين بشكلٍ إيجابي، سواء الشريك أو الأطفال أو الزملاء في العمل، وهي أيضاً امتلاك القدرة على تطبيق الآراء أو الأفكار أو القناعات التي أنشرها في مجتمعي، فحين أتحدث عن تمكين المرأة يجب أن أكون قوية ومتمكّنة في منزلي. والجزء الأخير من كوني قويّة هو أن يكون هدفي الحياتي واضحاً، فأعرف أولوياتي وما يحرّكني لكي أعمل وأجتهد وأنجز ما أطمح إليه.
البعض يخلط بين القوّة والقسوة، كيف يمكن أن نكون أقوياء من دون أن نفقد الرحمة والإحساس بالآخر؟
القوّة ليس لها علاقة بالقسوة أبداً، ومن هنا ضرورة توضيح هذين المفهومين، فالإنسان القوي هو الشخص الذي لديه ثقة بقدراته ويعرف ما الذي يبحث عنه، وهو قادرٌ أن يضع حدوداً مع الآخرين لكي لا يخرقوا توازنه ويدرك متى يقول لا ولا يبحث عن إرضاء من حوله. والقدرة على الإحساس مع الآخر والتعاطف هي نقطة قوّة وليس ضعف لأنها تُظهر مرونة في الشخصية، وهذه المرونة أساسية لتقبّل كل شيء يواجهنا في الحياة.
هل صحيح أن الوصول للقوّة يتطلّب المرور بألم كبير أو صدمات حياتية قاسية؟
أنا أؤمن أن هذه المقولة صحيحة، فواحدة من الأمور التي تجعل الإنسان قوياً هي أن يشعر بالوجع. ومن الأقوال التي أثرت بي كثيراً في حياتي هي “الإنسان تلميذ والألم هو المدرسة التي تربّيه، وهو لن يعرف شيئاً عن الحياة إلا إذا تألّم”. الإنسان بهذه الطريقة يعرف نفسه أكثر ويدرك مكامن قوته وضعفه ويشعر مع الغير ويتعاطف معهم لأنه سبق أن اختبر أحاسيسهم. الوجع مهم لكي لا نستمر بالعيش على الهامش، بل ندخل في حيّز البطولة ونصير فاعلين ومؤثرين، لأننا اختبرنا كل أنواع المشاعر. فنحن بهذه الطريقة نكون أشخاصاً متكاملين وقادرين على التخطّي والتقدّم نحو الأمام، بعد المرور بمعاناة.
كيف يمكن للأهل مساعدة أولادهم في بناء شخصية قويّة؟
للأهل دور كبير في تمكين الأطفال وتقوية شخصيتهم، والبداية تكون بالتواصل معهم بشكل صحيح، فيسمح الأهل للأولاد بالتعبير عن أفكارهم ومشاعرهم بالطريقة التي يرغبون بها، فيستمعون إليهم ويفهمون وجهة نظرهم. يجب أيضاً بناء رابط قوي معهم، فيعرفون أنهم مميزون ومهمون في حياة الكبار ولهم قيمة كبيرة ودور فعال في الأسرة. صحيح أن الطفل سيرتكب أخطاء، ولكن يجب أن أؤكد له أنني أستمر في حبه رغم أخطائه. هذان الأمران هما الأساس لبناء شخصية قوية ومؤثرة وثابتة لدى الطفل.
هل يوصلنا أن نكون أقوياء لأن نصير سعداء؟
ليس بالضرورة أن توصلنا القوّة إلى السعادة، فأنا لا يجب أن أضغط على نفسي لكي أظل قوية، وفي بالي أنني سأصل إلى السعادة بهذه الطريقة. القوة هي مزيج من مشاعر وحالات كثيرة، توصلني إلى فهم نفسي والتمتّع بالصلابة اللّازمة لتقبّل ما تحمله الحياة لي. والقوة تتطلب أن أشعر بالخيبة والفشل لأتخطى الإخفاق، وأعرف أن الحياة ليست دائماً ملونة، بل هي ستفاجئني بالخيبات وباليأس والإحباط، ولكن قدرتي على عيش هذه المراحل وتخطّيها هو ما يجعلني متوازنة وقويّة وذات شخصية مستقرة.
هل صحيح أن بعض أساليب التربية في محيطنا العربي يدفع المرأة لكي تنشأ ضعيفة وتطلب دائماً الحماية والدعم من الرجل؟
طبعاً هذا الكلام صحيح في بعض المجتمعات، فطريقة التربية لا تزال تؤثر سلباً على شخصية الفتيات، فحين نتعامل مع الفتاة بطريقة نقدية على الدوام، كأن نقول لها: اجلسي بشكل جيد، ارفعي أكتافك عالياً، لا تتصرفي بهذه الطريقة لأنها “عيب”، نحن نزرع في داخلها الضعف والشك بذاتها، فهي ستشعر أنها غير كافية وسينعكس هذا التفكير على مختلف نواحي حياتها المستقبلية، سواء في العمل أو الحياة الاجتماعية والحب وتكوين أسرة. هناك أيضاً بعض التمييز الذي لا يزال يمارَس في التربية بين الولد والبنت، فنطلب من البنت مثلاً الاهتمام بأخيها الصغير، أو عدم إزعاج إخوتها الصبيان، أو ترتيب غرفتهم… إنها ممارسات يومية تكرس التفرقة وتجعل البنت تشعر بالنقص والدونيّة.
هل يمكن أن تعطينا بعض النصائح التي تساعد في أن نكون أقوى في مواجهة المشاكل اليومية؟
يجب بدايةً وضع أهداف واضحة في حياتي، فهذا الإحساس بأنني ألاحق شيئاً ولست ضائعة أو أعيش لمجرد العيش، هو ما يجعلني أشعر بالشغف وبأنني موجودة ومؤثّرة.
ثانياً، عليّ أن أكون رحيمة ومتقبّلة لمشاعري سواء السلبية أو الإيجابية، فالحياة مليئة بالتحديات وعليّ أن أكون مرنة للتعامل معها.
ثالثاً، يجب عليّ أن أخفف من تعنتي وعنادي، بل أتقبل التغيير وأرى فيه مصلحتي ومنفعتي التي وإن لم أرها اليوم، سأكتشفها مستقبلاً وأكون ممتنة لحصولها.