في ظل التغييرات الكبيرة التي يشهدها العالم العربي في ما يتعلق بزيادة تمكين النساء في مختلف المجالات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، لا سيما في المملكة العربية السعودية التي قامت مؤخراً بالعديد من الخطوات الجدية في هذا السياق، كان آخرها الكشف عن عدد النساء العاملات من المنزل والذي بلغ نحو 20 ألف سيدة، إذ أعلن أمين عام غرفة أبها عبدالله الزهراني عن هذا الرقم الكبير، لافتاً إلى أنّ المرأة قادرة على العمل في العديد من المجالات وفي مقدّمتها التجميل والأعمال الفنيّة وتصميم الأزياء والتصوير والإخراج والجرافيك والمحاسبة والتسويق وتنظيم المناسبات والمؤتمرات، مستطرداً أنّ مجالات عمل المرأة تشمل أيضاً تصميم المطبوعات وإنتاجها وفنون الديكور وإنشاء مواقع الإنترنت وبيع الملابس ومستلزمات التجميل والعطور.
اقرئي: العمل التطوعي يدخل السعوديّات موسوعة غينيس
إذاً في ظل هذا التحسّن العربي، أظهر تقرير نشره المنتدى الاقتصادي العالمي توقّف تقدّم المساواة بين الجنسين لعام 2017 بعد عقد من التقدّم البطيء، ما أدّى إلى اتّساع الفجوة بين الرجال والنساء على الصعيد العالمي للمرّة الأولى منذ العام 2006.
يشكّل توقّف تقدّم المساواة بين الجنسين مسألة خطيرة في ما يتعلّق بوضع النساء حول العالم، فعلى الرغم من الجهود التي تُبذل لزيادة تمكين المرأة، لا تزال الإحصاءات صادمة وتدقّ ناقوس الخطر. فقد كشف تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي ترتيب 144 دولة ضمّتها دراسة تتعلّق بالمساواة بين الرجال والنساء بالاستناد إلى أربعة مؤشّرات هي الفرص الاقتصاديّة، وإتاحة التعليم والمشاركة في سوق العمل، والصحّة والتمكين السياسي.وغابت الدول العربيّة عن المراكز الـ100 الأولى في الترتيب فيما حلّت آيسلندا في المركز الأوّل على قائمة الدول التي تساوي بين الجنسين، تليها النرويج وفنلندا ورواندا والسويد.
وبيّن التقرير أنّه تمّ سدّ 68% من الفجوة العالميّة بين الجنسين بشكل عام، ما يظهر تراجعاً طفيفاً مقارنة مع العام الفائت إذ بلغت النسبة حينها 68.3%.
أمّا أبرز المؤشّرات التي تضمّنتها الدراسة عن الدول العربيّة فتتعلّق بداية بتونس التي احتلّت المركز الأوّل عربيّاً، والمركز 117 عالميّاً وجاءت أقوى أرقامها
في مؤشّر التمكين السياسي إذ حلّت في المركز الـ55، ويعود سبب ذلك إلى أنّ النساء في تونس يشكّلن نسبة 31.3% في البرلمان ويشغلن 23.1% من المناصب الوزاريّة. يشار إلى أنّ مشاركة المرأة التونسيّة في سوق العمل ضعيفة، إذ إنّ الدولة جاءت في المركز الـ133.أمّا الإمارات العربيّة المتّحدة، فقد حلّت في المرتبة الثانية عربيّاً والـ120 عالميّاً، وحقّقت أفضل ترتيب لها في مؤشّر المساواة بين الجنسين في مجال إتاحة فرص التعليم إذ جاءت في المركز الـ62، وتشير الدراسة إلى أنّ نسبة إدراج الفتيات في التعليم الأساسي تصل إلى 93% في الإمارات وتقترب من نسبة الذكور التي تبلغ 93.8%، وعلى الرغم من إحراز الإمارات تقدّماً في رأب الفجوة بين الجنسين، تراجع ترتيبها من 101 منذ بدء نشر الدراسة إلى 120.
اقرئي: السينما تعود إلى السعودية ابتداء من 2018
أمّا المملكة العربيّة السعوديّة، فاحتلّت المركز الـ138 في الترتيب الإجمالي، والمركز الـ96 في مؤشّر إتاحة التعليم. يشار إلى أنّها تسعى لإغلاق الفجوة بين الجنسين من خلال التحاق الفتيات بالتعليم الأساسي، إلّا أنّه ثمّة غياب كامل للنساء عن المناصب الوزاريّة فيها، ولكن ما يبشّر بالخير هو أنّ 5.8% من السيّدات يشغلن الوظائف التشريعيّة ومناصب المدراء وكبار المسؤولين.
ولا يمكن عدم التطرّق إلى الوضع في مصر، وهي الدولة الأكبر عربيّاً من حيث عدد السكان، فقد جاءت في المركز الـ134 وأغلقت الفجوة بين الجنسين في عدّة مؤشّرات فرعيّة، منها الالتحاق بالتعليم في المرحلتين الأساسية والثانويّة، بينما سجّلت الفجوة بين الجنسين لصالح الرجل اتّساعاً مهولاً في مؤشّر الوظائف لا سيّما التشريعيّة والإداريّة منها إذ سجّلت النساء نسبة 6.4% مقابل 93.6% للرجال.من جهة ثانية، أكّدت دراسات عديدة أنّ ارتفاع معدّل المساواة يعود بفوائد اقتصاديّة جمّة، والدليل على ذلك أنّ الناتج المحلي في العالم سيزداد بمقدار
5.3 تريليون دولار بحلول العام 2025 إذا تمّ سدّ الفجوة بين النساء والرجال.
لهذه الأسباب جميعها ولأنّ النساء يشكّلن نصف المجتمع ومن الضروري تمكينهنّ والاستفادة من قدراتهنّ، تعمل العديد من المنظّمات المحليّة والعالميّة بقدر استطاعتها وإمكانيّاتها على ردم الهوّة بين الجنسين، وقد اخترنا عدداً منها يحمل هدفاً مشتركاً وهو رفع صوت النساء ومحاولة تغيير أوضاعهنّ الاقتصاديّة والاجتماعيّة والسياسيّة والثقافيّة.
جمعيّة Edge
أسّست Aniela Unguresan، حاملة شهادة الماجستير في إدارة الأعمال التنفيذيّة، جمعيّة Edge أو Economic Dividends for Gender Equality التي تهدف إلى تحقيق المساواة بين الجنسين. وقد التقيناها في وقت سابق من هذا العام وحدّثتنا عن عملها في Edge التي تأسّست في العام 2009، والتي أرادت من خلالها تحويل عملها في مجال تحقيق المساواة بين الجنسين في مؤسّسات العمل إلى مسعى عالمي، بعد أن ازدادت الدراسات والأبحاث التي تظهر بالأرقام أنّ المساواة بين الرجال والنساء في أماكن العمل تؤثّر إيجاباً على إنتاج الشركات الاقتصاديّة، وتخلق تغييراً في بيئة العمل، وتساعد على تطوير بنية المؤسّسات وهيكليّتها وإنتاجيّتها. وأكّدت Aniela أنّها تسعى لإقامة علاقات من خلال المؤتمرات الدوليّة التي تشارك فيها، وقد تعاونت مع أكثر من 100 شركة كبيرة من نحو 30 دولة حول العالم من مختلف القطاعات الاقتصاديّة ومع البنك الدولي فكانت ثمرة هذا التعاون قرارات أكثر شفافيّة من قبل القيادات ومساءلة أكبر حول مدى تحقيق القوانين التي تدعو إلى المساواة.
منظّمة «كفى»
تأسّست منظّمة «كفى» في لبنان في العام 2005 لحماية المرأة من العنف وتحقيق المساواة بينها وبين الرجل. وفي حديث سابق لـ«هيا» مع مايا عمّار، المسؤولة الإعلاميّة في المنظّمة، قالت إنّ الهدف من تأسيسها هو تعزيز دور المرأة في المجتمع، وإقامة حملات توعية حول كل المواضيع التي تعنيها وتؤثّر على حياتها، وممارسة الضغط لتعديل واستحداث قوانين تحميها والقيام بحملات إعلانيّة موجّهة للتأثير على الرأي العام وحثّه على إنصاف النساء اللواتي يتعرّضن للعنف والاستغلال وتغيير الممارسات الذكوريّة تجاههنّ. وعن الصعوبات التي تواجهها المنظّمة، قالت عمّار إنّ أهمّها صمت بعض النساء عن العنف ضدّهن خوفاً من نظرة المجتمع أو من غضب الزوج أو الأب، لذلك ثمّة سعي لتتغير قوانين الأحوال الشخصيّة التي تتضمّن العديد من المواد المجحفة بحقّ النساء.
اقرئي: أتكلّم عن التحدّيات اللي تواجه المرأة
مؤسّسة دبي للمرأة
أصدر الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس دولة الإمارات، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، مرسوماً يقضي بتأسيس مؤسّسة دبي للمرأة في العام 2006 التي تسعى لتعزيز دور النساء الإماراتيّات في القطاعين الاقتصادي والاجتماعي، وتطوير قدراتهنّ من خلال فتح قنوات اتّصال مع القطاعين العام والخاص، كما تحاول صياغة السياسات الداعمة للمرأة الإماراتيّة العاملة، وخلق بيئة مناسبة تساعدها على التوفيق بين حياتها الشخصيّة والعمليّة. وتترأس المؤسّسة الشيخة منال بنت محمد بن راشد آل مكتوم، زوجة الشيخ منصور بن زايد آل نهيان، نائب رئيس مجلس الوزراء، وزير شؤون الرئاسة، وهي ترعى القيام بالأبحاث الموسّعة والدراسات النوعيّة والإحصائيّة التي تسعى إلى تحديد الأوضاع المهنيّة للمرأة العاملة في دبي وإطلاق المبادرات الهادفة إلى تعزيز فرص تطوّرها، وترفع التوصيات المتعلّقة بالسياسات والمبادرات الخاصة بالمرأة إلى حكومة دبي وتعرض حلولاً تدعم تمكين المرأة من القيام بدور أكبر على النطاقين المحلي والعالمي.
جمعيّة البحرين النسائيّة
تأسّست جمعيّة البحرين النسائيّة في العام 2001 وحملت شعار خدمة قضايا المرأة وتحقيق العدالة الاجتماعيّة وتعزيز تواجد النساء في المجالات المختلفة، وتطوير القوانين الخاصة بها وإيجاد ثقافة جديدة تمكّن المرأة من اكتساب ثقة أكبر بنفسها وبقدراتها كي تضاعف مجهودها في مختلف القطاعات. وقد أقامت الجمعيّة مجموعة برامج، منها «روافد التنمية» للمرأة، الذي يساعد النساء على إيجاد مكامن قوّتهنّ والتوجّه نحو المجالات التي ينجحن فيها.