أبرار الزنكوي: القيم التي أخذتها من والدي الكويتي ووالدتي المجرية جعلتني قوية وصادقة وصاحبة مبادئ
الانفتاح والتعرض لعدة ثقافات خلال النشأة، يمكن أن يتسبب بتحديات جمة للشابة بسبب الهوة الثقافية التي يمكن أن تواجهها، ولكن يمكنه أيضاً أن يكون سبباً في امتاكها المزيد من الوعي الفكري، بحيث تصبح أكثر انفتاحا على الآخر وتقبلا له ومعرفة بذاتها. نكتشف اليوم قصص ثلاث شابات تربين في بيئات متعددة، وتمكنّ من إيجاد هويتهنّ الخاصة وتحقيق النجاح بأفكارهن الخلاقة.
الفن والتصميم والإبداع من خلالهما، هو ما تبرع الشابة الكويتية – المجرية أبرار الزنكوي به، فهي لم تقتنع بأن عليها أن تظل في الوظيفة التي تجلب الأمان المادي ربما ولكنها لا ترضي شغفها وطموحها، فاستعانت بقوتها وشجاعتها لكي تخوض في مجال الفن بمهارة، وتلعب دوراً محورياً في بلدها الكويت، ليكون مشروعها جعل الفنون متاحة أمام الناس للتعبير والتعافي والتلاقي والتقارب مع الآخر. فتعرفي على أفكارها وفلسفتها الحياتية والفنية في هذا اللقاء.
يعتبر النجاح الذي حققته في مسيرتك المهنية في المجال الإبداعي بمثابة رسالة أمل لكلّ شابة درست أو امتلكت موهبة فنية ولم تظن نفسها قادرة على التعبير عن نفسها من خلالها. كيف عرفت أن عليك البدء بهذا المسار الذي يعبّر فعلاً عن حقيقتك ويعكس شغفك؟
بصراحة كنت أفعل ما أحبه وأحلم أني سأتمكن من تحقيقه في يوم من الأيام، لأني في داخلي امتلكت اليقين بأني قادرة على تقديم المزيد فيه، ولأن كثر من حولي اعتادوا أن يقولوا لي أني لن أستطيع، ولأني تعبت ومللت من هذه الفكرة المحبطة، التي يثيرها الآخرون داخلنا، قررت أن أفعل شيئًا حيال ذلك وانطلقت في المجال الإبداعي، وأدركت أنّ كل ما أحتاجه هو اتخاذ إجراء واحد بالاتجاه الصحيح، ومع العمل الجاد والمتفاني، قادتني الحياة إلى ما أنا عليه اليوم، وبالتالي فإن رسالتي هي الاستمرار وعدم التوقف أمام أي معوقات أو أفكار سلبية.
حدثينا عن الفترات المصيرية التي أحدثت خلالها التغيير في حياتك؟ كيف كانت مشاعرك وحالتك النفسية، وكيف عرفت أن وقت التغيير هو الآن؟
أعتقد أن العشرينات هي المرحلة التي يفترض أن يجرب فيها الإنسان أشياء مختلفة ليكتشف ما يريده، على الرغم من أن لا أحد سيعرف بالضبط ما يبحث عنه في رحلة الحياة بشكل عام، ولكن على الأقل يكتشف المزيد عن نفسه وعما يحبه وما يريد الاستمرار بالقيام به. لقد عملت في وظائف ثابتة ولم أستطع الاستمرار بها فتخليت عنها، وقد اعتقد البعض من حولي أن تصرفاتي هذه لم تكن مسؤولة أو مدروسة، ولكني كنت مقتنعة بصوابية قراراتي، فبالنسبة لي كان الأمر يتعلق باكتشاف المكان الذي يتردد فيه صدى قيمة عملي، فأنا لن أبقى أبدًا في مكان لا أشعر فيه بالسعادة أو التقدير خاصة أنني أعمل بجد واجتهاد. في ذلك الحين كان الفن دائمًا عملًا جانبيًا يسعدني ويحررني من الضغوطات، حتى تعرضت لحادث صعب، وأغلقت الشركة التي كنت أعمل بها كما أن فيروس كورونا ضرب العالم، وأحسست أنها إشارات متلاحقة لتجعلني أقتنع أن الحياة قصيرة جدًا، بحيث عليّ أن لا أخاف من محاولة تحقيق ما أريد وأحب حقًا، كما جعلتني تلك الفترة أدرك أنني أفضّل أن أغتنم الفرصة وأفشل، بدلاً من الندم على عدم المحاولة على الإطلاق، وهكذا عرفت أنه حان وقت التغيير الكبير في حياتي.
تعرضت لثقافتين متباعدتين خلال نشأتك فأنت من أب كويتية وأم مجرية، كيف كانت طفولتك وكيف أثرّ هذا التنوع في تكوين شخصيتك؟
لقد ولدت وترعرعت في الكويت ولكني اعتدت أن أقضي كل صيف في المجر مع العائلة والأصدقاء، لذلك كنت هنا وهناك، وتربيت وسط ثقافتين مختلفتين وأسلوب حياة متنوع يجمع بعض التناقضات، ولكني أحببت ذلك، فهذا التنوع سمح لي أن أكون اليوم المرأة التي أنا عليها، والتي خاضت التجارب وتعلمت وتطورت وعرفت المزيد عن نفسها.
ما هي القيم التي اكتسبتها من الوالد وتلك التي أخذتها من الوالدة؟
أعتقد ان القيم التي أخذتها منهما هي التي جمعت بينهما أيضاً، فقد تربيت على أن أكون قوية، وصادقة وصاحبة مبادئ أخلاقية لا يمكن التنازل عنها.
هل يتشابه تفكيرنا ونمط حياتنا كعرب مع ما اكتسبته من قيم ومبادئ من والدتك؟ إلى أي مدى اكتشفت أننا كبشر نتشارك ونتشابه بأحاسيسنا وتجاربنا وأنماط عيشنا؟
انتقلت أمي إلى الكويت عندما كان عمرها 18 عامًا وتعلمت اللغة العربية واعتادت أسلوب الحياة في مجتمعنا، لذا فأنا أعتبرها عربية - أوروبية، لقد ربتني بشكل يناسب القيم والأخلاق والعادات والتقاليد العربية، للإجابة على سؤالك، أرى أن العرب والأوروبيون مختلفون عندما يتعلق الأمر الثقافات وأنماط الحياة واللغات، بخلاف أننا جميعًا نريد نفس الشيء لنكون سعداء ونعيش حياة جيدة، فنحن جميعًا مجرد بشر يبحثون عن سعادتهم وراحتهم.
برأيك ما الذي يجمعنا كنساء ويحركنا، وما الذي يفرقنا أو يشكل الاختلاف بيننا في حال تواجد؟
بشكل عام، أعتقد أنه حين يكون الإناث أو الذكور، مكتملون ومباركون بالنِعم، يقدّرون ما يملكون ويعرفون جيداً إمكاناتهم وما هم قادرون على تحقيقه اعتماداً عليها، ويبذلون قصارى جهدهم للعمل على أنفسهم ولا يقارنون ما لديهم بما يملكه بالآخرون، فسوف يدفعون من حولهم دائماً ليكونوا أفضل ويتقدمون للأمام، بالتالي ما يمكن أن يوحدنا ويجمعنا هو السعي نحو الرضا والسلام الداخلي، لكي نحصل تالياً على ما نسعى إليه في حياتنا.
مشروعك الفني "State of art" يقرّب العمل الإبداعي من الناس والشباب تحديداً، حدثينا عن فكرته ومدى تجقيقه لأهدافه؟
لقد كان State of Art دائمًا أحد أهدافي وأنا فخورة به بشكل كبير، فهو عبارة عن استوديو مريح للغاية يشبهني وينقل طاقتي وأفكاري، كما أنه يشبه كل من يقصده، هدفه تقريب الناس من الفن وخلق مجتمع إيجابي من خلاله، أحب كيف يجرّب الكثير من الناس ممارسة الفن لأول مرة في الاستوديو ويكتشفوا شغفًا جديدًا وجانبًا لم يعرفوه قبل في أنفسهم، كما أن الفن علاج للكثير من الأفكار والمشاعر السلبية، وهذا أحد الأشياء التي يكتشفها الجميع بعد ورش العمل لدينا، حيث يشعرون بالتحرر من التوتر والفخر بالذات لأنهم قدموا عملاً يعبّر عنهم ويظهر حسّهم الفني.
كسرت القيود عن الفن بأن يكون محصوراً ضمن لوحة، واخترت لتعبيرك الفني أدوات أكثر تواجداً وحضوراً في حياة الناس: حقائب، أكسسوارات، أغراض منزلية، لماذا فضلت هذا النهج؟
لديّ الكثير من الأفكار التي أرغب بطرحها وأحتاج أن أجربها، لذا لجأت وألجأ إلى أنواع متعددة من الوسائط والطرق، أحدها كان العمل بحسب طلب الزبائن، بهذه الطريقة يمكنني نشر فني بين الأشخاص الذين يحبونه، بالإضافة إلى أن بيع أعمالي ونجاحها في كسب ثقة المتلقين، يجعلني أشعر بالسعادة حقًا لرؤية كيف يحب الناس ما أصنعه ويقدرونه.. أعني من لن يكون سعيداً وفخوراً بعد تحقيق ذلك!
ما هو المشروع الذي تفخرين بأنك أنجزته ومشروعك الحلم الذي ترغبين بتحقيقه؟
أنا فخورة بكل مشروع قمت به حتى الآن، سواء كان كبيرًا أو صغيرًا، فهو أوصلني إلى ما أنا عليه اليوم، ولديّ المزيد من الأهداف التي آمل أن أحققها ولكن الأهم من ذلك أنني أريد دائمًا أن أفعل ما أحبه بشغف من خلال الفن والتواصل مع الغير عبره.
ما هي البصمة الفنية التي تريدين أن تتميزي بها وتكون علامتك الفارقة؟
أريد أن أكون فريدة وأصيلة وحقيقية فيما أفعله وألهم الآخرين ليفعلوا ما يحبون، بالطريقة التي تناسبهم وتجعلهم يقدمون أفضل ما لديهم.
كيف ترين المشهد الفني والثقافي في الكويت؟ وإقبال الجيل الجديد من الشابات على المجالات الفنية؟
أستطيع أن أرى بالفعل تحولاَ كبيراً عندما يتعلق الأمر بالمشهد الفني في الكويت وهذا يجعلني سعيدة جداً لأنّ لدينا الكثير من الطاقات والمواهب التي تحتاج إلى الدعم لتظهر بشكل مناسب أمام الجماهير.
ما هي عاداتك التي تعتبرينها أساسية في إطار سعيك للحفاظ على سلامك واستقرارك النفسي، ونجاحك المهني؟
الصحة العقلية والجسدية مرتبطة ببعضها وتتكامل لتوفر لكل شخص الحياة المستقرة التي يبحث عنها، أنا أؤمن بضرورة الاهتمام بصحتنا البدنية من خلال ممارسة التمارين الرياضية وتناول الطعام الصحي، وذلك لكي أشعر بالرضا عن الذات ولإضفاء الإيجابية والتحفيز على صحتي العقلية، كما أن الشمس مهمة جدًا بالنسبة لي، فأحصل على طاقتي من ضوءها وذلك من خلال المشي أو ركوب الدراجات في الهواء الطلق أثناء الاستماع إلى الموسيقى، كما أمنح نفسي فترة راحة لكي أستعيد نشاطي كلما احتجت إلى ذلك.
مع دخولنا اليوم سنة جديدة، هل وضعوا قضاة وأهداف لكل عام؟
اعتدت على وضع الخطط للمستقبل، ثم أدركت أنني لست بحاجة إلى الانتظار لعام جديد للقيام بذلك، فأنا أضع أهدافي وأتخذ القرارات التي تناسب تحقيقها بشكل دوري، جون أن أحد نفسي بعام أو فترة زمنية.
اقرئي المزيد: نتاليا: أن أكون مؤثرة "أجنبية" في العالم العربي جعلني أدرك مدى التقارب بين نساء العالم