ميساء رعد: اختارت وسائل التواصل لتحارب المرض وتنشر الوعي حول سرطان الثدي
ثمّة قصص تترك أثراً في النفس والروح والوجدان، قصص لا يمكن أن تمرّ مرور الكرام، تضعنا في امتحان أمام ذاتنا، فنتساءل هل ثمّة فعلاً ما يستحقّ أن ننفعل ونحزن ونغضب من أجله سوى ما يتعلّق بصحّتنا، بكينونتنا وباستمرار وجودنا مع من نحبّ؟ قصّة هذه السيّدة ستجعلنا نطرح هذه الأسئلة على أنفسنا.
هي قصّة شابّة في مقتبل العمر هاجمها مرض سرطان الثدي مرّتين، في المرّة الأولى استطاعت أن تهزمه وها هي اليوم تخوض المعركة معه من جديد وبشراسة متسلّحة بحبّ الحياة وبرغبتها في رؤية ابنها الوحيد نديم يكبر أمامها، ينهي المدرسة، يدخل الجامعة، يخوض معترك الحياة العمليّة، يتزوّج وينجب الأطفال، فتصير جدّة. هي ترغب في أن تعيش كلّ هذه المراحل ولن تسمح لأيّ شيء كان بأن يمنعها حتى ولو كان أخطر الأمراض التي عرفها الإنسان.
في انتظار المجهول
منذ ما يقارب العام، قرّرت ميساء أن تشارك قصّتها عبر Instagram فجذبت بما تكتبه من كلمات عن يوميّاتها آلاف المتابعين والمتابعات من مختلف الدول العربيّة. وكان أحدث ما كتبته أنّها بانتظار الوقت. سألتها: «ماذا يعني لك الوقت الذي ترغبين بالتأكيد في الاستفادة من كل دقيقة منه لتمضيتها مع عائلتك؟ وكم يمنحك مرور الأيّام الأمل في أن يحدث شيء إيجابي يتعلّق بمرضك، اكتشاف علاج جديد ربّما؟ فأجابت: «بالنسبة إليّ، من الصعب انتظار المجهول، ولكنّني أنظر إلى المستقبل بأمل كبير وأعيش أيّامي بسعادة. لا أعوّل كثيراً على اكتشاف علاج جديد ولكنّني أؤمن بإمكانيّة حصول معجزة، ففي داخلي شعور قوي جدّاً بأنّني سأشفى، جميع من حولي يقولون لي إنّني مجنونة، إلّا أنّني مقتنعة بأنّ مستقبلي طويل، أعرف أشخاصاً يعانون من حالتي نفسها وهم لا يستطيعون الخروج والمشاركة في نشاطات اجتماعيّة، أمّا أنا، فعندما أنتهي من جلسة العلاج أرافق ابني وزوجي إلى شاطئ البحر، حتى أنّ مظهري الخارجي لا يوحي أبداً بأنّني مريضة، فأنا أحرص على الاعتناء بإطلالتي كي أعزّز راحتي النفسيّة وكي يراني ابني بأجمل صورة».
اختبار من الحياة
تكمل ميساء: «أنا مقتنعة بأنّ ما يصيبني هو اختبار وبأنّ الله يعرف أنّ هذه التجربة هي لصالحي، وإيماني كبير بأنّ كلّ ما نواجهه يعلّمنا الكثير ويجعلنا أكثر صلابة. أنا أتحمّل التعب الشديد بعد الجلسات وأعي أنّني أعيش فترة انقطاع الطمث وأنا في سنّ الـ34 عاماً، مع ما يرافق هذه الحالة من تغيّرات في الهورمونات وتعب جسدي ونفسي، بالإضافة إلى معرفتي الداخليّة بما أخسره لا سيّما أنّني واجهت هذا المرض في سنّ صغيرة، ولكنّني في النهاية أنظر إلى الصورة من منظار أكبر وأنا مقتنعة بأنّ هذه الطريق هي التي يجب أن أسلكها ولا بدّ أن أستمرّ فيها وأتحمّل كل ما تحمله لي كي أظلّ في حياة من أحبّهم». وتستطرد ضاحكة: «أفكّر أحياناً أنّه عليّ أن أبقى جميلة بنظر زوجي لا سيّما أنّ عدد الجميلات من حولنا في تزايد بسبب الإقبال على عمليّات التجميل، ولكنّني أعود لأقول إنّه أحبّني بعد أن كنت مصابة بالسرطان وإنّه يتحمّل معي اللحظات الصعبة كما عاش الأيّام الجميلة».
وعن قرار مشاركتها لتجربتها بأدقّ تفاصيلها عبر Instagram، تقول: «وجدت فيه متنفّساً فأنا كأيّ إنسانة أمرّ بحالات نفسيّة كثيرة، مرّة أكون متفائلة ومرّة أخرى أكون محبطة. وبعد أن بتّ أتشارك يوميّاتي مع الناس، شعرت بأنّني صرت أفضل حالاً وبأنّني محاطة بأسرة كبيرة تحبّني وتهتمّ بي وتسأل عنّي وتشجّعني. أستمدّ طاقتي الإيجابيّة من رسائل الدعم والتشجيع التي أتلقّاها من أناس لا يعرفونني ولكنّهم واكبوا تجربتي وتمنّوا لي الشفاء، دعواتهم الصادقة تسعدني وتعني لي الكثير. من جهة ثانية، أمنحهم الأمل وأمدّهم بالقوّة وأغيّرهم بطريقة ما وهذا الأمر ألمسه أيضاً في رسائلهم فكثيرون قالوا لي إنّ حياتهم تغيّرت بعد أن تعرّفوا عليّ وسمعوا كلماتي، أعتقد أنّها علاقة Win –Win فهم أخذوا منّي الإيجابيّات وتعلّموا من إرادتي القويّة، فيما صرت أنا أقوى بفضل تشجيعهم. وأحياناً، حين يرون صورة لي أبدو فيها حزينة ينهالون عليّ بالرسائل كي يشجّعوني ويرفعوا معنويّاتي فأشعر بتحسّن سريع».
نضوج نفسي
النضوج الذي تبديه ميساء والوعي الذي تواجه به مرضها جعلاني أشعر بأنّني أتحدّث إلى سيّدة في الخمسين مرّت بالكثير من التجارب أو حتى إلى معالجة نفسيّة خبيرة في الحياة، وعن هذا الأمر تقول: «لعلّه المرض الذي أوصلني إلى هذه القناعات وذهب بتفكيري إلى هذه الأماكن. بتّ اليوم أكثر معرفة بنفسي وحبّاً لذاتي، فهمت الحياة أكثر وصرت لا أعلّق على أمور كثيرة، كما أنّ تجربة فقدان والدتي بمرض السرطان في سنّ صغيرة غيّرت أيضاً من شخصيّتي وزادتني قوّة، ففقدانها لم يكن سهلاً ولكنّني أعتقد أنّ ربي جعلني أشهد تجربتها كي أتحضّر وتسهل عليّ تجربتي، واليوم باتت العلاجات أسهل بكثير من الماضي، كما أنّ تقبّل الناس للمرض اختلف. في الماضي، كانوا يطلقون عليه اسم المرض الخبيث ولا يتقبّلون الشخص المصاب به، أمّا اليوم، فبإمكاني أن أقول أمام الجميع إنّني مصابة بالسرطان فيدعمني الناس ويساعدونني ويمدّونني بالطاقة الإيجابيّة».
شفاء من المرض ثمّ معاودته
واجهت ميساء سرطان الثدي للمرّة الأولى في بداية العشرينات، وحول هذا الأمر تقول: «لم أعتقد أبداً أنّ العوارض التي لديّ تشير إلى سرطان الثدي، صحيح أنّ والدتي توفّيت به ولكنّني كنت صغيرة جدّاً ولم أتخيّل أن يصيبني بهذه السنّ، إلّا أنّني تصرّفت بوعي شديد وتقبّلت العلاجات وما تعنيه من خسائر، فقد استأصلت صدري ومع ذلك بقيت قويّة وشفيت وأحببت وتزوّجت وأنجبت طفلاً. وقد كان هذا الأمر بمثابة معجزة ما عزّز إيماني في وقت كنت أظنّ فيه أنّني لن أصبح أمّاً. تخطّيت السرطان وعشت حياة طبيعيّة لسنوات طويلة، ولكن منذ عام ونصف تقريباً عاد المرض للظهور مجدّداً ولكن هذه المرّة في الكبد، بدأ على شكل وجع لا يُحتمل في معدتي ظننت أنّ سببه التوتّر الطبيعي الناجم عن ضغوط العمل، ولكنّ فحوصاتي أظهرت الحقيقة وعادت الحلقة التي عشتها في السابق لتتكرّر من جديد».
وتشرح ميساء: «ما زلت أصنّف تحت مسمّى سرطان الثدي، فما أصابني هو «السرطان الانتقالي» أو Metastatic Cancer أي أنّ الورم عاد للظهور في مكان آخر من الجسم، وهو متقدّم ويستدعي لجوئي للعلاجات نفسها للسيطرة عليه قدر الإمكان».
الفترة الأصعب
وعن الفترة الأصعب التي اختبرتها خلال التجربتين تقول: «لا علاقة لها أبداً بالمرض أو بعلاجاته، فالفترة الأصعب كانت خوفي قبل إخبار ابني بمرضي، إذ كنت متردّدة، لأنني لا أريده أن يحزن ويتأثّر، أحمد الله أنّه كان واعياً ومتماسكاً فلم يتأثّر نفسيّاً بل صار أكبر داعم لي. واليوم، حين يكون جالساً بقربي يتناول اللحم أو الدجاج وهو يعرف أنّني غير قادرة على تناول هذه الأصناف يقول لي: لا تحزني ماما سأجلب لك ما يمكنك تناوله». وتضيف ميساء: «بسبب تجربتي الصعبة تحوّل طفلي إلى فتى قويّ وشجاع، وهذا ما يرغب فيه الأهل لأولادهم. لم أعد أخاف عليه بل أريده أن يكون صلباً وأن يعتمد على نفسه، أحاول أن أبتعد عنه قليلاً كي يستطيع تقبّل فكرة غيابي لو تمكّن هذا المرض منّي... وبغضّ النظر عن درجة إرادتي وإيجابيّتي، أنا أؤمن بقضاء الله وأتقبّل أيّ نهاية اختارها لي».
دعم رسمي وفنّي
تلقّت ميساء الدعم من جهات رسميّة لبنانيّة على رأسها رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري الذي زارها وتعرّف إليها وأبدى إعجابه بقوّتها ودعمه لها في مرضها، كما أنّ الفنان راغب علامة صديق مقرّب منها وهو يشجّعها على الدوام، وفي هذا السياق تقول: «يسعدني جدّاً أنّ قصّتي وصلت إلى أكبر عدد ممكن من الناس فهذا يعني أنّني لمست شيئاً جميلاً بداخلهم وأعد كلّ من اهتمّ أو فكّر بي أن أحافظ على قوّتي وتماسكي وأقوم بكلّ ما بوسعي كي أتخطّى المرض».
ميساء اليوم خسرت الكثير من وزنها وحول هذا الموضوع تقول: «وصلت إلى وقت بتّ أتقبّل فيه شكلي الحالي وليس لديّ عقدة المظهر، شعري اليوم خفيف جدّاً ولكنّني سعيدة به لأنّه جزء منّي وأنا لن أضع الشعر المستعار بل سأفتخر بشكلي وأحبّه كما هو. أقول للمرأة: افرحي وتمتّعي بكلّ لحظة ولا تضيّعي الوقت بالحزن على أشياء سخيفة، أنا امرأة عاشت تجارب صعبة تعلّمت منها وأنصحك بالتعلّم من تجربتي، وأوجّه رسالة خاصّة للأمّهات وأطلب منهنّ أن يقضين أطول وقت ممكن مع أولادهنّ، فأكثر ما يؤلمني هم الأشخاص الذين يهملون أولادهم وينشغلون عنهم بأمور أخرى، آخر مرّة دخلت فيها إلى المستشفى كان أصعب ما عشته هو ابتعادي عن نديم لا الوجع... طفلي الصغير هو نقطة ضعفي ونقطة قوّتي في الوقت نفسه... يخيفني أن أبتعد عنه وأنا متمسّكة بالحياة من أجله لأنّني لا أريده أن يمرّ بما مررت به عند وفاة والدتي... أحياناً أكون منزعجة فيطلب منّي الذهاب إلى مكان ما، أنسى وجعي وأتحوّل إلى شخص طبيعي. أنا لا أبالغ، أفقد إحساسي بالوجع وأشعر بالحماس لأنّني سأشاركه نشاطاً يحبّه».
رسالة للمرأة بمناسبة شهر التوعية حول سرطان الثدي
وعن رسالتها للمرأة للتوعية حول مرض سرطان الثدي، تقول: «أنصحك بإيلاء أهميّة بالغة بصحّتك، فلا شيء أغلى من الصحّة، فكما تحرصين على جمال مظهرك وعلى نجاحك المهني، احرصي على صحّتك ولا تهملي أيّ عارض مهما كان بسيطاً، لا تبدي شيئاً على صحّتك فأيّ شيء يمكن تأجيله إلّا عافيتك. اجعلي الانتباه إلى نفسك أولويّتك وحدّدي وقتاً في السنة تقومين فيه بفحوصات عامّة وتجرين الصورة الشعاعيّة، ولا تنتظري الوصول إلى سنّ الأربعين بل ابدئي من العشرين فاكتشاف المرض في بداياته يساعد كثيراً على الشفاء منه، فأنا التي سبق لي أن أصبت بالمرض استهترت حين أحسست بآلام في البطن ولم أقم بالفحوصات مبكراً وندمت لاحقاً، لذلك ولتفادي أيّ تجربة مريرة، اهتمّي بصحّتك أوّلاً وأخيراً».
اقرئي أيضاً: 10 نجمات تغلّبن على سرطان الثدي