3 ناشطات بيئيات يشاركن أفكارهنّ حول الاستدامة
لأنّ الشباب هم الصوت القادر فعلاً على إحداث تغيير في العالم مستقبلاً، فإنّ الإضاءة على أفكاره ضرورية لاستقراء ما ستحمله الأيام المقبلة في مجال الحفاظ على البيئة والثروات الطبيعية. وفي هذا الإطار، كان لمجلة هَيا حضور في مخيّم "العدالة المناخية"، الذي عُقد في لبنان في شهر سبتمبر الماضي، بمشاركة 450 شاباً وشابة من 100 دولة، من الناشطين في العمل المناخي والقادمين من المناطق الأكثر تأثّراً بتغيّر المناخ حول العالم. تعرّفنا في هذا الحدث على 3 شابات كان لهنّ حضور قوي في الفعاليات، بحيث نقلن صورة عن الواقع في بلادهنّ وطرحن أفكارهنّ من أجل غد مستدام، فاكتشفي المزيد عن أفكارهنّ في هذه اللقاءات.
رين متلج: الاستدامة هي المفتاح وهي أساس الحفاظ على صحة الكوكب وتوازنه البيئي
رين متلج هي شابة من لبنان حائزة على ماجستير في الهندسة المدنية متخصص في الهندسة البيئية، وهي ناشطة في المجالات البيئية وصاحبة مشروع BIOWayste لإنتاج الغاز من النفايات العضوية.
وفي لقاء معها، تُحدّثنا رين عن بدء اهتمامها بالمجالات البيئية، وتقول: «بعد تعمقي في الهندسة البيئية بحكم تخصصي، زاد اهتمامي بهذا المجال، وعملت على مكب النفايات في مدينة طرابلس اللبنانية، وصرت أبحث عن حلول للتخلص منها من دون التسبب بأضرار للطبيعة وللناس التي تعيش في تلك المنطقة، مع التفكير الدائم بالكلفة والسعي لجعلها قليلة نظراً لضعف الإمكانات المادية في لبنان. وأثناء أبحاثي، أدركت مدى أهمية البحث عن حلول مبتكرة لتحسين إدارة النفايات وتوليد طاقة نظيفة، واكتشفت اهتمامي الكبير وشغفي بهذا القطاع الحيوي، وبدأت بالتعمق في القراءة حول البيئة والمناخ والطاقة المتجددة».
وتكمّل رين: «جاءت مشاركتي هذا العام في مخيم العدالة المناخية، لتزيد من ثقافتي ومعارفي حول هذا المجال، فأنا استفدت من تجمّع أكثر من 450 مشترك ومشتركة من 100 دولة، حيث تسنّى لي تبادل الخبرات مع شباب مثلي مهتم بهذه القضايا، فخلال وجودي في المخيّم، تبادلت الأفكار حول الحلول المبتكرة لإدارة النفايات وتوليد الطاقة النظيفة، واستطعت المشاركة في الاقتراحات التي تسعى لإيجاد الحلول البيئية، وخلصنا إلى ضرورة وضع سياسات جديدة وثورية بمساهمة الشباب الذي يجب أن يكون له رأي قوي في إجراء أي تغيير».
وحول التحديات التي تواجه المجتمعات العربية في المجالات البيئية رأت رين أنّها تتشابه، فقد قالت: «معظم الدول العربية تواجه المشاكل نفسها، منها إدارة النفايات، تلوث المياه والهواء، الانبعاثات الغازية السامة وغيرها، ولكن يوجد أيضاً اختلافات، تعود إلى اختلاف الثقافة ونمط العيش وكيفية التعامل مع التحديات المعاصرة. فبعض الدول بدأت بالتدوير مثلاً وغيرها تعتمد أكثر على خيارات مستدامة، بالتالي لا يمكن التعميم بل البحث عن أساس المشكلة وإيجاد حلول تلائم خصوصية كل بلد وإجراء التغيير اللازم لمعالجتها، بحثاً عن الحلول المستدامة الملائمة التي تحمي البيئة وتحافظ على أهم الموارد الطبيعية الموجودة لدى كل دولة».
وسألناها: كيف يمكن للشباب، وأنتِ واحدة منهم، أن يكونوا ورقة ضغط على الحكومات لحثّها على القيام بخطوات جدية لمواجهة التحديات المناخية الطارئة؟ فأجابت: «أؤمن أنّ الشباب يملك قوة هائلة للتأثير على صنّاع القرار، والمهم هو أن يوحد الصوت لكي تكون مطالبه واضحة، فيصير مصدر ضغط على الحكومات يدفع باتجاه اتخاذ خطوات جدية وفورية لمواجهة التحديات المناخية. وهنا أريد الإشارة إلى فكرة مهمة، وهي أنّ المنظمات والجهات الدولية تولي اهتماماً كبيراً لدور الشباب لكي يصيروا جزءاً أساسياً في اتخاذ القرارات، وهذا الأمر يساعدنا لإيصال صوتنا وإبداء رأينا في القضايا التي تهم عالمنا وتخدم مستقبله، فمسعانا واحد وهدفنا واضح وهو إيجاد الحلول الصحيحة».
وعن المخاطر التي تغيب عن أذهان الشعوب في ما يتعلق بالتغيرات المناخية، تقول: «للأسف يستخف الكثير من الناس بهذه المخاطر والسبب هو نقص الوعي حول تأثيرات التغيرات المناخية على حياتنا اليومية ومستقبلنا ومستقبل أولادنا، فنحن، أي البشر، في وقت ربما يكون قريباً، ستختلف حياتنا لكي نستيقظ فلا نجد الكثير من الثروات التي ظننا أنّها بديهية في حياتنا، منها المياه والوقود، وبالتالي على المجتمعات أن تعرف اليوم قبل الغد بأهمية الحفاظ على ثرواتنا، وأن نعيش بطريقة مستدامة لكي نستمر ونؤمّن لأنفسنا ولأولادنا مستقبل طويل. أنا وغيري من الأشخاص الذين يتابعون قضايا البيئة نحاول نشر التوعية بهذه المخاطر، من خلال وسائل الإعلام وورش العمل والتواصل المباشر في حياتنا مع محيطنا الاجتماعي الضيق، لكي نساهم في تحفيز العمل للتخفيف من التأثيرات السلبية التي تتم ممارستها على البيئة».
الإنسان خرّب التوازن البيئي وهذا الأمر بدأت آثاره السلبية تظهر في العالم
وبيّنت رين أهمية الاستدامة في حياتنا العصرية، فقالت: «الاستدامة هي المفتاح، فهي أساسية للحفاظ على صحة الكوكب وتوازنه البيئي، وعندما نتطرّق إلى هذا التوازن، علينا تذكّر أن الله سبحانه وتعالى حين خلق الكون، جعلنا متكاملين بطريقة مستدامة: فبين الإنسان والحيوان والنبات، كان هناك علاقة ثابتة ضرورية لاستمرار العيش على الأرض، ولكن الإنسان وللأسف خرّب التوازن البيئي، وهذا الأمر بدأت آثاره السلبية تظهر في العالم، لذا فإنّ الاستمرار في هذا الطريق سيؤثر على حياتنا، تماماً كما أثر سلباً على بعض الأنواع من الحيوانات والنباتات، لذا فإنّ هذا التوازن أساسي لاستمرار العيش بمختلف أشكاله».
وتكمل الناشطة البيئية: «دخلت الاستدامة في مجالات كثيرة لدى بعض المجتمعات الغربية، بحيث ازداد الوعي حول أهمية البيئة، ورأينا اتجاهاً متزايداً نحو التكنولوجيا النظيفة، بينما عندنا مثلاً في لبنان فإنّ المضحك المبكي هو أنّ الانتقال للطاقة المتجددة لم يحصل للحفاظ عل البيئة، بل حدث بسبب وجود أزمة اقتصادية منعت وصول الفيول إلينا، لذا كنّا مجبرين على التغيير، وما لا نعيه أنّه في المستقبل القريب من الممكن أن تنتهي كميات الفيول المتاحة في العالم، وبالتالي فإنّ البحث عن الحلول المستدامة صار واجب محتم وأساسي اليوم لكي نحافظ على الثروات الطبيعية من جهة، ونستمر بالاستفادة منها حاضراً ومستقبلاً».
ولأنّ مفاهيم الاستدامة لا تزال غامضة وجديدة في المجتمعات، حدّثتنا رين عن كيفية تبسيطها أمام المجتمعات العريضة، وقالت: «الطاقة المتجددة، التصحر، الوقود الأحفوري، وغيرها من التعابير الصعبة والمعقدة، ستجعل أي شاب أو شابة تنفر تلقائياً من فكرة الجلوس للاستماع إلى محاضرة طويلة لمحاولة فهم معانيها، ولكن يمكننا نحن الأشخاص الذين تسنّى لنا المعرفة بشكل أكبر عن معانيها، أن نشرح لهم بشكل مبسّط من خلال أمثلة ملموسة واستخدام الفيديوهات المشوقة أو الرسوم التوضيحية».
وتدعم رين وجود شابات مثلها في كل القطاعات الحيوية ولاسيما البيئية،
ورأت أنّ المرأة العربية حاضرة بقوة في المجالات البيئية، وقالت: «أنا كمهندسة في مجال البيئة يهمني أن أدعم وجود شابات مثلي في كل القطاعات الحيوية. وصحيح أنّ مجتمعنا شرقي ومحافظ، ولكننا كنساء بتنا حاضرات ومؤثرات في كل المجالات كرائدات أعمال وناشطات وصاحبات شركات صغيرة وغيرها. بالنسبة لي، وبعد 6 سنوات من العمل في المجال البيئي، انتقلت من كوني رائدة أعمال إلى مدرّبة رواد أعمال، واليوم أنا ناشطة ومستشارة بيئية، وأشهد على تزايد تواجد النساء في المجالات البيئية ونجاحهنّ في إثبات وجودهنّ، وتقديمهنّ إسهامات حيوية وقيّمة في مواجهة التحديات البيئية والاجتماعية، ومن واجبي وأنا تحت الضوء أن أقدّم الدعم للشابات المحتاجات لتشجيعهنّ على تخطّي أي حواجز تعيقهنّ».
وفي ختام اللقاء، حدثتنا رين عن مشروعها البيئي BIOwayste، فقالت: «بعد أزمة النفايات في لبنان، رأيت ممارسات إجرامية بحق البيئة، لذا فكرت في حل مبتكر لتحويل النفايات العضوية، وهي الفضلات المتبقية من الطعام ومن الحيوانات، إلى غاز وهو «بيو غاز»، لاستخدامه كغاز للطهي في المنازل أو لتوليد الكهرباء أو للحصول على سماد سائل عضوي يمكن استخدامه للمزروعات. اليوم نقوم بتصنيع آلات ونبيعها للمطاعم أو الجامعات أو المدارس أو المزارع أو أي مؤسسة يصدر عنها الكثير من النفايات، لتقوم بتحويلها إلى غاز صالح للاستخدام. الهدف من مشروعي هو الحد من التلوث بالنفايات ولا سيما العضوية، فنوّلد طاقة نظيفة من دون أي تكلفة مرتفعة، وأنا أقوم بالترويج له من خلال وسائل التواصل المختلفة، ومشاركاتي في المؤتمرات وورش العمل والفعاليات البيئية، كما أوسّع تواصلي مع المؤسسات العامة والخاصة لتعريفهم به وبأهميته لعملهم وللبيئة أيضاً».
فاطمة الزهراء طريب: أساليب التواصل الجذّابة والتفاعلية كفيلة برفع وعي الجيل الجديد حول مواضيع البيئة والاستدامة
فاطمة الزهراء طريب هي شابة من المغرب، فاعلة في العمل المناخي وحائزة على شهادة في العلوم السياسية تقول:«قدّم المخيّم فرصة للالتقاء مع الشباب من منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وبقية العالم للتواصل وإنشاء الشبكات والتعلّم وتبادل المعرفة. تمكّنت من النمو فكرياً وكان تركيزي منصباً على معرفة المزيد عن سياسات المناخ على المستويين الإقليمي والدولي. وبالإضافة إلى التركيز على الصحة النفسية والمرونة في مواجهة العقبات، فقد استضفت ورش عمل تتعلق بهذا الموضوع، بالإضافة إلى تثقيف المشاركين حول دور الشباب في مؤتمرات مثل COP28 ومدى أهمية دورهم في مثل هذه الأماكن».
وعندما سألناها إذا تتشابه المشاكل التي تواجهها المجتمعات العربية في مجال البيئة والمناخ أم يوجد اختلافات، أجابت:«هناك بالتأكيد فرق عندما يتعلق الأمر بالقضايا التي نواجهها في المنطقة، حيث أنّ كل دولة لها جوانبها الجغرافية الفريدة وتعاني من مجموعة متنوعة من تأثيرات تغيّر المناخ، ولكننا متشابهون في كيفية التعامل مع الأزمة، وفي مدى شعورنا بعدم المساواة في مواجهة التكيّف معها مقارنةً بمناطق أخرى في العالم».
وعن دور الشباب في أن يكونوا ورقة ضغط على الحكومات لحثّها على القيام بخطوات جدية لمواجهة التحديات المناخية الطارئة، قالت:«يمكن للشباب أن يشكّلوا قوة فاعلة للضغط على الحكومات لاتخاذ خطوات جادة في التصدّي للتحديات المناخية الملحّة، باستخدام منصّات وسائل التواصل الاجتماعي لرفع مستوى الوعي حول التحديات المناخية والحاجة إلى العمل، وإنشاء علامات تصنيف مخصصة لجذب الانتباه وتشجيع المشاركة. يحصل هذا الأمر أيضاً من خلال تنظيم الحملات العامة والعرائض لتسليط الضوء على مطالب محددة تتعلق بالمناخ، والتعاون مع الناشطين المحليين والعالميين، واستخدام الأساليب الإبداعية لجذب الانتباه ونقل الرسائل بشكل فعّال. برأيي إنّ الشغف بالقضية والتصميم يمكن أن يُحدث فرقاً كبيراً في الضغط على الحكومات لمعالجة أزمة المناخ بالسرعة التي تتطلبها».
وحدّثتنا فاطمة أيضاً عن بدء اهتمامها بالبيئة والتغيّر المناخي، وقالت:«كامرأة تعيش في بلد عربي، دافعت كثيراً عن حقوق المرأة والعدالة. وكلّما كبرت وتعلمت المزيد عن أزمة المناخ، أدركت كيف تتقاطع مع مختلف مشاكلنا. وبالنظر إلى خلفيتي، فإنني أرتبط كثيراً مع كلمة العدالة وهذا يجعلني أكثر تشابكاً مع مصطلح العدالة المناخية. وهكذا، في المدرسة الثانوية، أنشأت نادياً تعليمياً لتثقيف الطلاب الصغار حول أزمة المناخ، ثم بدأت في الانضمام إلى المنظمات الدولية والقيام بحملات من أجل العدالة المناخية وحقوق المرأة، ومن ثم المشاركة في المؤتمرات الدولية الأوسع نطاقاً».
وحول المخاطر التي لا يعيها غالبية الناس فيما يتعلق بالتغيرات المناخية، شرحت:«عادةً ما ينظر الناس إلى أزمة المناخ كمسألة علمية تتعلق بالطبيعة والطاقة، وهو كذلك بالتأكيد، ولكن الأمر لا يقتصر على ذلك. فهو مرتبط بقضايا اجتماعية أخرى: الفقر وعدم المساواة والصحة والظلم الاجتماعي. وتميل هذه القضايا إلى التفاقم في الأماكن التي تكون فيها أزمة المناخ أكثر بروزاً وتكون المجتمعات في الخطوط الأمامية وتكافح من أجل أرضها وعدالتها».
وتطرقت الناشطة إلى الاستدامة فقالت إنّها تعني:«حماية البيئة من خلال الحفاظ على الموارد الطبيعية والتنوع البيولوجي، والحد من التلوث، والتخفيف من آثار تغيّر المناخ. وتضمن الاستدامة أيضاً الاستخدام المسؤول والمتوازن للموارد مثل المياه والغابات والأراضي الزراعية، مما يضمن توفّرها للأجيال الحالية والمستقبلية. ومن خلال تبني الاستدامة، نقوم بإنشاء بيئات حضرية أكثر صحة وأعلى جودة، ونصمم مدناً بخيارات نقل نظيفة، ونعزز أنماط الحياة الصديقة للبيئة. وبينما يتباين التقدّم نحو الاستدامة، هناك اتجاه عالمي متزايد نحو اعتمادها في المجتمعات، مدفوعاً بزيادة الوعي بالقضايا البيئية والاعتراف بالفوائد التي تجلبها للأفراد والمجتمعات على حدٍ سواء».
واعتبرت فاطمة الزهراء أنّ وجود المرأة فاعل ومؤثر في المجال المناخي، «لكن لا يمكننا أن نتجاهل التمييز الجنسي وقلة الفرص التي لا تزال المرأة بحاجة إلى التعامل معها. في مجال المناخ على وجه التحديد، يعاني الشباب بالفعل من الاعتقاد الذي يقول إنّهم صغار في السن ويفتقرون إلى المعرفة المناسبة ولا يتم أخذهم على محمل الجد، وتواجه النساء المزيد من التمييز حيث لا يزال يُنظر إليهنّ على أنهنّ من الجنس الأدنى. لذلك لا يزال النظام لا يعمل لصالحنا ولم يتم تصميمه حتى نتمكن من المشاركة فيه بشكل صحيح، ولكنني أشعر بالأمل لأنّ وجودنا ينمو ونحن نتحدى الصور النمطية ونحدث تأثيراً أكبر».
وأخيراً سألناها: كيف يمكن توعية الجيل الجديد حول مفاهيم كثيرة غامضة بالنسبة له، مثل مفاهيم الطاقة المتجددة، التصحّر، الوقود الأحفوري، وغيرها؟
فأجابت:«يمكن رفع مستوى الوعي بين الجيل الجديد حول المفاهيم المعقدة مثل الطاقة المتجددة والتصحّر والوقود الأحفوري وغيرها من خلال أساليب التواصل الجذابة والتفاعلية. فإنّ تطوير الألعاب التعليمية والتطبيقات التفاعلية يمكن أن يجعل تعلّم هذه المفاهيم ممتعاً ومبسطاً. ويمكن لهذه الأدوات أن تساعد الشباب على فهم كيفية عمل الطاقة المتجددة، على سبيل المثال، من خلال عمليات المحاكاة الافتراضية أو التحديات التفاعلية. وبالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يؤدّي استخدام الرسوم البيانية ومقاطع الفيديو والرسوم المتحركة الجذابة بصرياً إلى تقسيم الموضوعات المعقدة إلى محتوى مرئي سهل الفهم. إنّ تنظيم ورش العمل والندوات والفعاليات التعليمية مع خبراء في هذا المجال يمكن أن يوفّر معلومات مباشرة ويسمح بإجراء مناقشات مفتوحة وتشجيع الأسئلة والفهم الأعمق. وإنّ التعاون مع المدارس والمؤسسات التعليمية لدمج المواضيع البيئية في المناهج الدراسية يمكن أن يضمن التعرض المستمر لهذه المفاهيم والتعلّم عنها في سن مبكرة. وعلاوة على ذلك، فإنّ الاستفادة من منصّات وسائل التواصل الاجتماعي والمؤثرين لمشاركة محتوى إعلامي ومترابط يمكن أن يصل إلى الشباب ويشركهم بشكل فعّال، ما يعزز الشعور بالمسؤولية والفهم تجاه التحديات البيئية».
هاجر البلتاجي: الشباب العربي يحتاج أن يكون مفعّلاً وممكّناً وصاحب قرار واحد في المجال البيئي
هاجر البلتاجي هي شابة مصرية خريجة كلية الهندسة المعمارية من جامعة المنصورة، رعت مبادرات تهدف إلى حماية التراث الثقافي في مصر.
وفي مقابلة أجريناها معها، تحدثت الشابة عن بداية اهتمامها بالمجال البيئي، فقالت: «من خلال دراستي للهندسة المعمارية، وتحديداً مادة التصميم البيئي في العمارة والعمران، اكتشفت الكثير عن علاقة البيئة والمناخ بالبناء، وكيف يمكن خلق عمران مستدام قادر على التكيف مع الظروف البيئية المختلفة، وكيف يمكن لمبادئ استراتيجيّة الـ Passive Design الموجودة في الأماكن التراثية أن تمكّننا من بناء عمارات تتكيف مع البيئة حيث درجات الحرارة منخفضة مقارنةً بها في الخارج. كل هذه الاكتشافات والمعارف دفعتني إلى التوسع أكثر في هذا المجال وزيادة دوري فيه على مدى السنوات اللاحقة».
وعن دورها في مخيم العدالة المناخية، تقول الشابة المصرية: «أنا من المنظّمين لمخيّم العدالة المناخية في نسخته الثانية، ولي دور في إنشاء المساحات الإبداعية التي تقام ضمنه. عملت لمدة 6 أشهر متواصلة حتى نضمن نجاح مختلف الفعاليات، وشاركت في عدد من الأنشطة حيث تطرّقنا إلى مجالات مختلفة منها COP 28 ودور الشباب في حماية البيئة والتحول الطاقوي والعدالة المناخية في جنوب العالم بالتحديد، كما قدّمت عرض تقديمي لأحد الأبحاث التي عملت عليها وهو عن خطورة إزالة الأشجار من البيئة المصرية في ظل التكدّسات العمرانية المختلفة في القاهرة وتحديداً في حي مصر الجديدة، كما شاركت في حوارات متنوعة مع الشباب المشارك لتبادل المعلومات حول الواقع البيئي المعاصر».
وعندما سألناها: هل تتشابه المشاكل التي تواجهها المجتمعات العربية في مجال البيئة والمناخ أم يوجد اختلافات؟ أجابت: «أستطيع أن أقول بثقة شديدة إنّ المشاكل تتشابه إلى حد كبير، سواء أكانت في شح المياه أو تأثّر الزراعة أو خطورة غرق المدن الساحلية أو الارتفاع الشديد جداً في درجات الحرارة الذي يسبب جفاف الأراضي الزراعية وغيرها من تداعيات المشاكل البيئية، ومنها الأمراض الخطيرة ولا سيما ارتفاع نسب الإصابة بأنواع مختلفة من السرطان، بالإضافة إلى أنّ أغلب المدن العربية تعاني من مشاكل التكدسات العمرانية بسبب المدن المركزية، ناهيك عن تضاؤل نسب سقوط الأمطار وما يعنيه من تراجع في الثروة المائية».
وعن الدور المنوط بالشباب لكي يكونوا ورقة ضغط على الحكومات لحثّها على القيام بخطوات جديّة لمواجهة التحديات المناخية الطارئة، قالت: «الشباب يحتاج أن يكون مفعّلاً وممكّناً وصاحب قرار، ويجب أن يجتمع ككتلة واحدة مع إلغاء كل الفروق السياسية والعرقية والدينية والإجتماعية لأنّ القضية التي تجمعنا أكبر بكثير من فروقاتنا، وبالتالي يجب أن نعمل معاً على قضية العدالة المناخية حتى نتحول إلى ورقة ضغط على الحكومات. ونحتاج أيضاً إلى الوعي الشديد والمعرفة بما يجري في مجالات البيئة والمناخ وبالسياسات التي تقود إلى اتخاذ أجدد القرارات لكي نكون قادرين على المشاركة في المؤتمرات الدولية وإعطاء آراء مؤثرة. وعلى المقلب الآخر، فإنّ من واجب الحكومات العربية أن تثق بصوت الشباب وتعطيهم المجال لكي يعبّروا عن آرائهم وتؤمن بدورهم في التغيير وتعطيهم الحيّز اللازم من التمكين والدعم فتعزز ثقتهم بقدراتهم وإيمانهم بأنفسهم لتعزيز دورهم على أرض الواقع، متخطّين الصعوبات التي يواجهونها على أكثر من صعيد».
وتطرقت البلتاجي إلى المخاطر التي لا يعيها غالبية الناس في ما يتعلق بالتغيرات المناخية، فقالت: «الخطر الأكبر هو التهديد الذي يطال الأمن الغذائي بسبب التصحّر وارتفاع درجات الحرارة، لذا يجب التفكير في أساليب حديثة لضمان استم رار الزراعات الأساسية. ويوجد مخاطر أيضاً على المدن الساحلية وما يعنيه هذا الأمر من حصول تهجير مناخي، بالإضافة إلى أمراض مختلفة تطال بالتحديد النساء والأطفال، ومن هنا أهمية نشر الوعي بشكل سريع ومكثف في السنوات المقبلة، عبر التواصل المباشر أي المشاركة في المؤترات وورش العمل، أو غير المباشر أي عبر وسائل التواصل المختلفة. وبالنسبة لي، أنا أنشر وأنتج بشكل دوري من خلال عملي الأكاديمي مواداً علمية وبحثية باللغتين العربية والإنكليزية حول مواضيع البيئة والعمران، كما أنني معيدة في قسم الهندسة المعمارية والتصميم البيئي في القاهرة، وأستفيد من دوري هذا لكي أوصل رسالتي للطلبة من خلال المشاريع المختلفة التي يقدّمونها تحت إشرافي وتوجيهي في خلال دراسته».
وحول أهمية الاستدامة في حياتنا العصرية، شرحت البلتاجي: «كلمة الاستدامة تشمل 3 أبعاد وهي: البعد الاقتصادي والبعد البيئي والبعد الاجتماعي، وبالتالي فإنّ اجتماع هذه المحاور الثلاث يخوّلنا القول إنّ هذا الشيء مستدام أو غير مستدام، وبالتالي يجب إيجاد نوع من التكامل بين هذه العناصر للتحدّث عن حياة أو بيئة مستدامة، وهنا على الحكومات والمؤسسات العامة والخاصة أن تفعل هذه النواحي بشكل متوازن كي نسير على الطريق السليم والصحيح، ونحصل على نتائج إيجابية للمستقبل، وهنا أقصد أنه لا يجب أن نهمل الجانب الاقتصادي أو الاجتماعية لحياة الناس كي نحافظ على البيئة والعكس صحيح».
وسألناها: كيف يمكن توعية الجيل الجديد حول مفاهيم كثيرة غامضة بالنسبة له مثل الطاقة المتجددة، التصحر، الوقود الاحفوري، وغيرها؟ فقالت: «إنّ الوصول لفئة الأطفال سيختلف عن الطرق المعتمدة للوصول إلى فئة المراهقين، وأيضاً الشباب في مطلع العشرين، وبالتالي يجب أن أعرّف بالتحديد الفئة العمرية التي سأتوجه إليها لكي أجد الطرق التي تحاكيها وتعكس أفكارها، فأوصل لها المعرفة بطريقة تلائمها. أنا أرى أنّ هذا الجيل لديه شغف كبير للمعرفة، ولكن يجب أن نكون متجددين في الطريقة التي نوصل له المعلومة من خلالها، على أن تكون تفاعلية ومؤثرة، كخلق ألعاب تفاعلية توضح دور التغييرات المناخية وإيصال الأحداث التي تحصل في العالم من كوارث طبيعية سببها التغيرات المناخية، عبر أفلام كرتون أو ألعاب رسوم متحركة أو قصص لها طابع خيالي، ليدرك الأطفال وحتى الشباب حجم المسؤولية التي تقع على عاتقهم آنياً ومستقبلاً فيبدأوا بأخذ دورهم في الحفاظ على البيئة ويقوموا بحماية الموارد والثروات الطبيعية».
وشجعت البلتاجي المرأة للعب دور أكبر في المجالات البيئية، فقالت: «من خلال عملي على مدى العشر سنوات الماضية في المجالات البيئية، رصدت تواجداً كبيراً للنساء ودوراً مهماً لآرائهنّ وأفكارهنّ وأبحاثهنّ، ولنأخذ مثالاً، مخيّم العدالة المناخية الأخير الذي حصل في لبنان رأينا أنّ 70% من المشاركين فيه كانوا من السيدات، ولكننا نحتاج إلى المزيد من التمكين لأننا مجتمعات مختلفة، بعضها يعطي المرأة حقّها من التواجد والتمكين وبعضها الآخر لا يدعمها بالشكل اللازم لكي تعبّر عن أفكارها وتصل إلى الأدوار القيادية التي تخوّلها المشاركة في صنع القرارات».
اقرئي المزيد: هيا ياسمين: السفر المستدام يوجّهنا نحو تجنّب المدن الكبرى وبناء عادات سفر أكثر صداقة للبيئة