
يانا طربين : الطهي شغفي وطموحي إيصال الطعام والنكهات السورية إلى العالمية

عالم الإبداع النسائي واسع جداً واليوم نسلّط الضوء على أربع شابات حققن النجاح في مجال الطهي، وسطعن في عالم الاحتراف لكي يغيرن النظرة التقليدية عن هذه المهنة. تعرفي عليهن في لقاءات حصرية فربما يلهمنك لتدخلي المطبخ وتجربي تحضير بعض الأطباق المميزة للمقربين منك.
علاقة خاصة ومميزة تجمع الشيف السورية الشابة يانا طربين بالطعام والمكونات والنكهات، فهي حين تحضّر طبقاً جديداً تبدو وكأنها ترسم لوحة فنية مكتملة العناصر، فتعكس حبّها الكبير الذي بدأ منذ الطفولة للطهي وتحضير الوصفات الشهية. صفحتها عبر إنستغرام yana_tarabeine تعكس صورة عن شابة طموحة وقوية ومتقدة الذكاء والموهبة، تسعى إلى وضع الطعام السوري على خارطة الطعام العالمية، وتنجح حتى اليوم في هذا المسعى، مع تألق كل طبق تقدمه لتعكس إرثها الثقافي مع لمساتها التجديدية الخاصة. اكتشفي المزيد عنها في هذا اللقاء.
المطبخ هو ذاك الجزء من البيت الذي تكثر فيه الذكريات الجميلة، مختلطة بروائح شهية تبقى في الذاكرة، أخبرينا عنها وهل كانت السبب في القرار الذي اتخذته بالتوجه نحو الطهي؟
اعتادت أمي أن تكافئني بدخول المطبخ والسماح لي بطهي وجبة جديدة، فحين كنت أحصل على درجة مرتفعة في المدرسة أو أقوم بأمر جيد، كان هذا يعني أني سأبتكر وصفة للعائلة.. لهذه الدرجة كنت أحب الطهي وجمع مكونات كثيرة لابتكار قائمة طعام، وكنت في الرابعة من العمر حين أعددت السلطة لعشاء العائلة ليلة الجمعة. بشكل عام أعشق كل ما له علاقة باللمس والعمل اليدوي، بدأت باللعب بالمعجون وابتكار أشكال وجبات باستخدامه، وبعدها تطورت إلى الخبز والعمل بالطحين والعجين، وكنت أعشق الشيف رمزي ولا سيما كتبه التي تضم عشرات الوصفات اللذيذة، حيث كنت في كل أسبوع أقرر تجربة وصفة وأعدّل عليها بما يتناسب ذوقي الخاص. هنا ألفت إلى أن والدتي كانت داعمة لي بشدة وساعدتني لكي أتقن الكثير من تقنيات الطهي منذ صغري ومراهقتي، كما أن أبي عوّدنا على تجربة الكثير من الطعام الأجنبي ولا سيما وجبات من المطبخ الياباني والهندي، والمختلف تماماً عن مطبخنا الشامي، فأحببت كيف يمكن جمع العديد من النكهات في وجبات جديدة ومختلفة عما اعتدنا عليه.
لماذا قررت أن تصيري طاهية محترفة وتدرسي هذا المجال؟ كيف صقلت معلوماتك وكونّت خبراتك في مجال الطهي؟
حين غادرنا الشام إلى دبي انشغلت بالدراسة والرياضة والجامعة حيث درست علم النفس، إلا أن فترة كوفيد أعادتني إلى شغفي الأول، فعدت إلى تحضير الخبز والمخللات، وبدأت بالبحث عن معاهد لتدريس الطهي، وأقنعت أهلي بأن أقوم بذلك فكنت أقصد الجامعة خلال أيام الأسبوع والمعهد في عطلة نهاية الأسبوع، واستمتعت كثيراً بتعلم التقنيات كما تسنى لي العمل في مطعم واختبار روعة العمل كشيف للمناسبات الخاصة، وتحضير قائمة طعام متكاملة، ولا زلت حتى اليوم مستمرة وساعية على الدوام للتطور والتعلم وتجربة كل جديد.
ما هي الأطباق التي ميزتك وجعلت لك هوية خاصة؟
في الحقيقة، يعود الفضل للشيف محمد أورفلي الذي كان يقدم برنامجاً على قناة فنافيت في جعلي أدرك تماماً الخط الذي أريد أن أعتمده كطاهية، فهو كان يقدم الأطباق التقليدية بطريقة جديدة، حتى أن آبائنا وأجدادنا سيؤكدون إذا رؤوها أنها ليست الطبخة السورية التي اعتادوا طهوها. أذهلني وسحرني أسلوبه، لأنه عرّف الجيل الجديد بأصناف سورية إنما بطريقته الخاصة، وهذا بالتحديد ما رغبت به، لذا اليوم ترينني أحرص على إدخال المتبل في أي قائمة أعدها، واللحم بالكرز فأعده بأضلع اللحم والشمر، والكريم بروليه بالمستكة والرز بحليب فقد حولته إلى موس.. أتلقى الكثير من التعليقات التي تؤكد لي أني لا أحضّر الوجبة بحذافيرها، ولكن هذا بالضبط ما يميزني، أن يقول من يتذوق طعامي إن الطبق مألوف ولكنه ليس ما اعتاد عليه وأنّ فيه إضافة جديدة.
هل تغيّرت تقنياتك في الطهي بعد أن درست المجال وتعمقت في أدواته؟
الدراسة ساعدتني بكل تأكيد، ولكن ما أحدث الفرق الكبير هو العمل في مطعم، حين أخذني الشيف الرئيسي وعلمني كل التقنيات في 3 شهور، فاكتشفت أهمية النظافة وإدارة العمليات والتنظيم، وكيفية تنسيق النكهات بأفضل طريقة، وكيف تميزين الطبق عما يتم تحضيره في البيت، هذه اللمسة يجب تعلمها في المطعم وقد طورتها بنفسي في البيت.
كيف تمكنت من إدارة فريق كامل حين أصبحت الشيف الرئيسة ولا سيما أنك امرأة شابة وجميلة؟
عملت كشيف خاص بمفردي لفترات طويلة، وحين تعاملت مع آخرين كنت قد امتلكت الثقة الكاملة بنفسي لكي أعرف جيداً تقنياتي وأشاركها مع العاملين معي، فأنا لا أصدر الأوامر بل أعمل معهم وأطلب منهم اتباع خطاي، فالصدارة لا تعني التوقف عن العمل، بل الاجتهاد لإظهار كل طاقتك لمن حولك لحثهم على العمل بنفس الشغف. ما ساعدني هو الثقة الكبيرة والتمكين الذي حصلت عليه من أهلي، فهم دعموني وشجعوني بشكل كبير، وأظهروا لي أن بإمكاني تحقيق الكثير بغض النظر عن عمري وكوني فتاة، تعلمت أيضاً أن أحتضن جانبي الأنثوي وأظهره لأنه ما يميزني فعلاً، فطاقتي هذه هي مصدر قوتي وعطائي المختلف عن الشيفات من الرجال.
هل تهتمين بالاستماع إلى تعليقات الذواقة على طعامك؟ وتلتزمين بها ربما لإجراء بعض التعديلات؟
قبل مدة كنت أنزعج كثيراً لدى الاستماع إلى تعليق سلبي، ولاسيما من قبل والدي فهو ناقدي الأول ولا يمكن أن يساير، بل يعطيني رأيه بكل صراحة، كنت أفكر وأسهر لأيام طويلة وأنا أحاول أن أفهم سبب الخطأ الذي ارتكبته وكيف يمكنني تحسينه، ولكني اليوم صرت أكثر قدرة على فهم أهمية النقد الإيجابي، فهناك الكثير من الأخطاء التي يمكن أن تحصل في المطبخ، ومن الضروري أن نسمع كي نحسن ونتعلم ونتطور ونتلافى الأخطاء.
هل من مكوّن سري تعتمدين عليه في معظم ما تحضرينه أو ربما تفضلين مذاقه بشكل خاص؟
حالياً أحب التركيز على الخضروات فهناك اتجاه عام في دبي نحو الأطباق النباتية، لذا أسعى لإبراز الخضروات التي لا يحبها كثيرون كالملفوف واللقطين، فهما مفيدان جداً ولا يستسيغهما كثر، لذا أقدمهما بطريقة جديدة ومختلفة، كما أحرص على استخدام زيت الزيتون والطحينة، وأكُثر من إبراز نكهة الشواء والحامض في معظم أطباقي، ربما يعود السبب إلى أنها النكهات الأساسية التي انطبعت في ذاكرتي من طفولتي.
ما هو طبقك المفضل الذي تحضرينه بنفسك؟
أحب كثيراً العمل بالطحين والعجن وصنع الخبز بمختلف أنواعه ولا سيما الساوردو، لطالما أحببت ملمس العجين، وكنت أحضّر المناقيش وغيرها من المعجنات الشهية.
ما هو المطبخ الذي تفضلينه، وهل يمكنك مشاركتنا تجربة طعام لا تنسينها؟
أحببت المطبخ الماليزي كثيراً، فأنا بشكل أحب أحب الطعام الآسيوي، وأستسيغ طعام الشارع وتعلم الثقافة من خلفه، ووجدته مزيج من عدة حضارات وهي الهندية والصينية والماليزية، أحببت الفطور الهندي وسلطة البابايا وطبق البط الشهي.
هل صرت قادرة على العمل تحت الضغط، وكيف تعدين قائمة طعام كاملة ومتجانسة النكهات والروح؟
أحب العمل تحت الضغط فأشعر أن كل حواسي حاضرة وجاهزة للعمل، أضع خطة كاملة مكتوبة ومطبوعة قبل التواجد داخل المطبخ، ولكن لحظة التحضير أنساها وأنسجم في فورة الأدرينالين لتقديم الطعام لأكثر من 60 شخص في وقت واحد. بالنسبة لإعداد القائمة، فأحرص على تقديم من 6 إلى 8 اطباق، البداية تكون بالخبز ونوع معين من الزبدة، بعدها أضع طبق تغميس فهو أساسي مع الخبز، ثم طبق خضروات قوي بين المقبلات والوجبة الرئيسية، يليه اللحم او السمك، وبعدها الحلويات. أنسّق بين النكهات فأضع ما هو خفيف وثقيل، لكي لا يشعر المتذوق في نهاية الوجبة أنه غير قادر على تناول الحلويات، هكذا تنتهي الليلة وهو خفيف ومرتاح وسعيد بكل ما جرّبه.
ما هي مشاريعك المقبلة؟
رغبتي الأولى هي وضع الطعام السوري على لائحة الطعام العالمية والمطلوبة والمحبوبة، فهناك الكثير من الأطباق القديمة والشهية التي لا يعرفها كثر، أو يعتبرونها تقليدية ولا تستحق التجربة، كما أريد لفت الأنظار إلى غيري من المواهب السورية، التي لا تجد فرصة للظهور، وطموحي الأكبر هو أن أفتتح مطعمي الخاص ولكني أتأنى بهذا الاتجاه لكي يكون كل شيء كما أتصوره في عقلي.
اقرئي المزيد: ماري جو سروجي: لا نقدم الطعام فحسب بل نساعد في سرد قصة والتعبير عن نمط حياة