هالة بسّام: اكتشفي ذاتكِ واعرفي مشاعركِ ولن تتأثري بأي تعليق سلبي
يبدو صوتها كيَد ناعمة تربت على الكتف، حنون حاني وصادق، وكأنّه يصل إلى الروح ويجرّدها من كل الطبقات التي اكتستها في أيامنا الحالية، حيث المبالغة والادّعاء والمظاهر المخادعة هي سيدة المواقف. إنّها الشابة السورية هالة بسّام التي تبدع في التقاط المشاعر والحالات الإنسانية لتشاركها عبر فيديوهات توعوية وتحفيزية مع متابعيها الذين زاد عددهم عن 293 ألف متابع لصفحتها عبر إنستغرام: halabassam@، تعرّفي عليها واكتشفي كيف اكتسبت الثقة الكبيرة بالنفس والقدرة على التأثير بالآخر وحثه باتجاه التغيير الإيجابي.
حدّثينا قليلاً عن نفسكِ، ولماذا اخترتِ البدء بنشر محتوى تحفيزي عبر وسائل التواصل؟
أحب الكاميرا والوقوف أمامها منذ صغري، لذا تخصصت في مجال الإعلام والصحافة والأدب العربي في الجامعة الأميركية في الشارقة، تلى ذلك عملي في القطاع الإعلامي خلال سنوات، واكتسابي لخبرة فيه، حتى فُتحت لي أبواب وسائل التواصل، ووجدت أنه مكان يسمح بحيز كبير من الحرية لمناقشة الآراء والأفكار من دون قيود. في تلك الفترة وحتى قبلها كنت مهتمة بالتحفيز وعلم النفس وتطوير الذات، فأخذت كورسات ودروس كثيرة حول هذه المواضيع، فازدادت ثقتي بنفسي ومعرفتي بشخصيتي وصرت قادرة على التحدث بثقة عن مواضيع توعوية مختلفة تهم فئة كبيرة من المجتمع العربي.
هل توقعتِ أن يزيد الطلب على المحتوى التحفيزي في السنتين الماضيتين بهذا الشكل الكبير؟ وما هو السبب برأيكِ؟
في البداية، لم أكن مستوعبة للعبة مواقع التواصل بشكل كبير، فكنت أنشر فيديو واحد كل أسبوع. أمّا حين درستها بشكل معمّق، بت أقدّم محتوى بشكل يومي وأحرص أن يكون الفيديو قصيراً ومحدداً بشكل كبير، لأنني فهمت ما الذي يبحث عنه المتلقي، فهو يريد الرسالة الواضحة والصادقة والقريبة من طريقة تفكيره، وهكذا زاد عدد المتابعين لديّ بظرف أسبوعين أكثر من 90 ألفاً بسبب فيديوهين انتشرا بشكل "فيرال"، وهذا الشيء لا يحصل دائماً. وبشكل عام، نشهد في الفترة الماضية زيادة الوعي بمواضيع الصحة النفسية، وقد ساعدت الفترة التي جلسنا فيها في المنزل بسبب كورونا في زيادة اهتمامنا بهذه النواحي، كتقييم العلاقات والخصال الذاتية والاستماع للأفكار.
أنتِ شابة في بداية الثلاثين، فكيف وصلتِ إلى هذا العمق والوعي والثقة بالنفس لتغوصي بهذه المواضيع القوية؟
أعتقد أنّ طريقة تربيتي لعبت دوراً في ذلك، فأهلي عززوا ثقتي بنفسي، وكل ما كنت أقوله كان مسموعاً، لم يقوموا بإسكاتي أبداً، فشعرت دائماً أنّ رأيي مهم ومقدّر. هذا الأمر تزعزع قليلاً في فترة المراهقة، حيث تختلف أسئلتنا لذاتنا وطريقة رؤيتنا للنفس وللعالم، فصرت أخاف من كلام الناس وأحكامهم. وحينها بدأت آخذ دورات بعلم النفس وتطوير الذات، وهكذا استرجعت الثقة، وعرفت أنّه طالما أنا شخص جيد ونيته صافية، فإنّ صدقي مع الآخر سيصل وسيؤثر به. تعلّمت أن أتقبّل نفسي كما أنا ليتقبلني الآخر، واليوم أعرف جيداً من أنا ومتقبلة لحسناتي وعيوبي وحين أخطأ أقرّ بأنني أخفقت.
لنتطرق إلى المرأة تحديداً، والتي يؤثر بها الكثير من العوامل كالمشاعر والهرمونات والتجارب القاسية. كيف يمكنها أن تفلتر كم الرسائل الهائل الذي تتلقاه عبر وسائل التواصل لتضمن الثبات النفسي والانفعالي؟
هذا سؤال مهم جداً، فهناك بالفعل آلاف الرسائل المبطنة التي نتلقّاها والتي يمكن القول إنّها لا تناسبنا أو لا تتناسب مع المرحلة الحالية التي نعيشها، لذا أؤمن كثيراً بأهمية الاستماع للصوت الداخلي، ولمراقبة لغة الجسد، فحين نشعر أن فيديو معيّن استفزّنا علينا أن نستمع إلى حدسنا، لنقيّم الرسالة المغلفة داخله. لذا فلنأخذ لحظة للتفكير قبل رؤية أي فيديو أو إعلان إستهلاكي، فمثلاً نحن نخضع لإعلانات حول البشرة فنشتري المنتج ونستعمله من دون حاجة حقيقية إليه، لهذه الدرجة بتنا نتأثر بقوة الإعلان والطريقة التي يُفرض علينا بها.
كيف تأتيكِ الأفكار الجديدة التي تُحدث صدى مختلفاً لدى المتلقّي؟
آخذ الأفكار من محيطي، أصدقائي وأقاربي ومعارفي، لدرجة أنني حين أدخل في نقاش مع أحدهم وأصمت قليلاً، يسارع للقول: أرجوكي لا تأخذي الموضوع وتحوّليه إلى فيديو! ولكن بالفعل فإنّ ما نعيشه في حياتنا اليومية هو واقعنا وأنا أبحث عن الأفكار الحقيقية، أركّز على مشاكلنا في العالم العربي، وأرغب في توعية فئة الشباب تحديداً، فنحن لدينا طاقات ومواهب رائعة ولكنّنا نحتاج إلى تعزيز الثقة بالنفس لكي نوجّه طاقاتنا بالاتجاه الصحيح.
كيف ترين اليوم أهمية المحتوى الصوتي وتأثيره البنّاء على جمهور غارق في عصر الصور؟ كيف يمكن جذب المتلقي من خلال المعلومات المفيدة، إلى موضوعات تثري ثقافته وتساعده على فهم نفسه ومحيطه؟
الصوت مؤثّر بشكل كبير ولكن يوجد تحدي يواجه مذيع الراديو أو مقدّم البودكاست لكي يأسر انتباه المتلقي الذي يمكن أن يتشتت بشكل أسرع. فبالنسبة لي أنا شخصياً أفضّل الفيديو والصوت، لأنني أحب أن أعكس صدقي في تعابير وجهي ولغة جسدي، أظهر طبيعية بقدر الإمكان من دون فلاتر أو كمية مكياج كبيرة، فالجمهور ملّ من التزيّف والتصنّع، يريد من يحثّه أن يكون حقيقياً قدر الإمكان، لذا سأستمر في الفترة المقبلة بتقديم الفيديوهات، وسأثابر على تشجيع الجميع على تقبّل الذات بمزاياها وعيوبها لأنّ كل شخص فريد ومميز كما هو.
تواجهين أحياناً عبارات وتعليقات قاسية بسبب شكل أنفك، كيف بنيت الحصانة النفسية للتعامل مع هذه النماذج؟
لا تهمّني هذه التعليقات، فأنا في مرحلة وعي ذاتي عالي جداً، وأسعى دائماً لتطوير نفسي. فمنذ صغري يقال لي: "أنفكِ كبير، اخضعي لعملية تجميل، عدّلي شكله لتصيري أجمل"، ولكنني أرى أنني جميلة هكذا، وأنفي لا يزعجني. أحب هالة التي أراها في المرآة، وأعرف أنّ رسالتي بهذه الحياة أكبر بكثير من أي موضوع شكلي. أحس أنّ روح الشخص تنعكس عليه، ولست مضطرة أن أبدو كاملة ومثالية على الدوام. وبالتأكيد وكأي شابة أحب أن أبدو جميلة ومرتبة وأنيقة، فأضع لمسات خفيفة من المكياج وأهتم بشعري وملابسي إنّما ضمن الطبيعي والمعقول، والذي لا يلغي هويتي وشخصيتي الخاصة.
كيف تتوجهين للشابة التي تتأثر بكلام الناس وربما تتعرّض للتنمر ولا تستطيع تحمّل قسوته؟
أقول لهذه الشابة: اكتشفي ذاتكِ، اجلسي مع نفسكِ واعرفي ما تحبينه وما تكرهينه، ولا تقومي بمقارنات مع غيركِ، وتأكّدي أنّ وسائل التواصل لا تعكس صورة حقيقية للشابات، وأنهنّ يستخدمن الكثير من الفلاتر ويعرضن جزءاً بسيطاً فقط من يومهن، فالجميع لديه عيوب ومشاكل تحصل خلف الكواليس. وحاولي تقليص الوقت الذي تقضينه في تصفح مواقع التواصل، بل اعملي على بناء نفسكِ وتقوية شخصيتكِ، وزيادة هواياتكِ ونشاطاتكِ، حينها ستشعرين أنّكِ محصّنة وأنّ هناك حاجز غير مرئي يحميكِ من التأثيرات الخارجية السلبية، وستتمكنين من التمييز بين الأشخاص الذين يعطونكِ ملاحظات إيجابية وضرورية لتطوير نفسك ِوتصحيح عيوبكِ، فتتقبلي النقد البنّاء.
ما هي اللحظة التي كانت مفصلية في حياتكِ والتي عرفتِ بعدها أنّكِ تريدين الاستمرار بمجال التوعية والتحفيز؟
أكثر لحظة أثّرت بي هي حين وردتني رسالة من مراهقة أردنية تبلغ من العمر 14 عاماً، أخبرتني أنّها بالصدفة شاهدت فيديو من فيديوهاتي وتأثّرت به وعادت لسنتين إلى الوراء لتشاهد كل الفيديوهات التي نشرتها، وأنّها كانت تفكّر في الانتحار، ولكنني برسائلي استطعت أن ألغي الفكرة من بالها. كان موقفاً لا يمكن أن أنساه، لأنني أعطيتها الأمل، فهذا التأثير هو ما أريده، وقد أعطتني بكلماتها الوقود لكي أستمر وأؤثّر وأزيد الوعي في مجتمعي. أردّ دائماً على الرسائل التي تصلني لأنني أريد أن أعرف كيف تلقّى الآخر رسالتي، وما هو المحتوى الذي يبحث عنه لأقدّمه بطريقتي.
ما هي رسالتكِ من عملكِ التوعوي والتحفيزي؟
بتّ مقتنعة أنّ كل شخص لديه رحلة مختلفة عن الآخر، لذا علينا التوقف والتفكير بما يناسبنا في الحياة، فلنأخذ قراراتنا النابعة عن قناعات قوية ومتجذرة ولا نتأثر بكل ما نراه، لكي نصل إلى سلامنا الداخلي وسعادتنا الحقيقية، وقدرتنا على تقبل الآخر كما هو وإيجاد مساحات آمنة للحوار البناء رغم الاختلاف.
حدّثينا عن نشاطاتكِ في الفترة المقبلة؟
سأطلق قريباً بودكاست خاص بي يحمل عنوان "بيني وبينك"، سيستقبل ضيوف من مختلف المجالات وسيركّز على مواضيع اجتماعية راهنة مثل تعزيز الثقة بالنفس وتقبّل الاختلاف وعدم الحكم على الآخرين وكيفية التعامل مع الصدمات والحزن، كما سأطلق جلسات عمل أونلاين حول طرق بناء الثقة بالنفس وستكون مدّتها 7 أيام ومتاحة للجميع في حال رغبوا بالمشاركة، واخيراً سأستمر بتقديم الفيديوهات التحفيزية.
اقرئي المزيد: سارة المدني: صوتي الذي بات مسموعاً يحتّم عليّ تقديم ما يضيف قيمة لحياة من حولي