ملاك الغويل: لدينا دوماً القدرة للوقوف مجدداً وتحويل الصعوبة إلى أمر إيجابي

اسمي ملاك، ليبيا هي موطني، نشأت وتربيت فيها حتى عام 2013. في طفولتي ومراهقتي لم يكن أمامي خيارات كثيرة لكي أنتقي التخصص الذي يستهويني بحق، فبدأت بدراسة الهندسة ولكن مع بدء الثورات عام 2011، فكرت أنني أحتاج للتغيير، واتجهت نحو التصميم وبدأت الدراسة في الجامعة حين كان أساتذتنا يعطوننا مطلق الحرية للتعبير، حينها اكتشفت حبي للفن. فقد كان بمثابة طريقتي للتعبير عن مشاعري وإيصال أفكاري للعالم.

في ثقافتنا، نمر بظروف صعبة كثيراً ونعتبره ترفاً أن نتمكن من التعبير، فالأولوية هي للاستمرار بالعيش وتخطّي هذه الصعاب التي لا تنتهي، فكان الفن طريقتي في التحدّث والتعبير، هو بالنسبة لي المساحة التي احتجتها للتوقف والتفكير والتعبير
عما يعتريني.

لذا رسالتي للشابات هي: يهم اكتشاف ما يساعدنا على التعبير، فلنحاول أن نتبع إحساسنا ونجد أي شيء يسمح لنا باكتشاف ذاتنا، بالنسبة لي كان الفن، أما لوالدتي فكان الاهتمام بالنباتات، وبرأيي على كل شخص أن يجد هذا المتنفس، لأنه سيكون طريقنا نحو ذاتنا وقوّتنا.

صحيح أنني نشأت بمحيط غير مستقر، ولكنني استعنت بنفسي لكي أصنع استقراري الخاص، كما استفدت من محيطي. للأسف نحن نخشى التحدث عن مشاعرنا أو التعرف على مكامن قوتنا، وهذا يعني أن نبقيها داخلنا حيث تعيقنا عن التقدم. نفكّر أن الأولوية هي للأمور الحياتية الصغيرة، ولكن حين نغوص أكثر داخلنا، سندرك ما هو أهم وستتغير نظرتنا للحياة.

حين أفكر بحياتي حتى اليوم، لا أحب أن أختصر وجودي بصفة أو وظيفة أقوم بها، كأن أكون فنانة أو مصممة أو حتى معالجة بالفن، فببساطة أجد نفسي إنسانة تحاول جاهدة أن تكون جزءاً فاعلاً في مجتمعها، تفهم نفسها وتعكسها بأفضل طريقة في العالم المحيط بها، وتتواجد في مكان حيث تشكل قيمة مضافة له.

أذكر أحد أساتذتي والذي كان له الفضل في مدّي بثقة كبيرة بالنفس، إذ آمن بي كفنانة. كان من البوسنا، ولأنها بلاد عاشت صراعات قوية أثرت به، فقد وجد فيّ ما لم أكن قد اكتشفته في نفسي.

جرّبت العديد من الوسائط الفنية، فصناعة الفن برأيي هي تجربة لفهم شيء ما في محيطي، فأبحث وأحقق وأستمع للناس، الحاضرين دائماً في أعمالي، وحين أتواصل معهم وأجمع منهم معلومات، أفهم أكثر صوتي الداخلي ورسالتي.

في خلال السنة الماضية، تركت الإمارات وانتقلت للعيش في لندن. كان التغيير كبيراً وصعباً، فقد كنت سعيدة هناك مع أصدقائي ومحيطي الآمن، لذا بدأت مشروع ساعدني على التأقلم وشاركته على إنستغرام عبر صفحة therapy.rugs. فأنا أدرس لأكون معالجة، واحتجت إلى دمج الفن بهذا المجال، فبدأت بعرض جلسات علاج على أشخاص حولي، مدة الجلسة ساعة ونصف، يقوم خلالها الشخص بالتحدث عن أي أمر يرغب به، كما يقوم ببعض التمارين التي أعرضها عليه. بعدها ينتهي دوره، ويأتي دوري في فهم شخصيته من خلال رسومات توضيحية صغيرة أعدّها أثناء كلامه وأستوحي من أفكاره لرسمها، وحين ينتهي أجمع هذه الرسومات وأحوّل مشاعره إلى عمل فني منسوج على قماش، هو عبارة عن سجادة! فيتحول الإحساس إلى غرض مادي، وفي الوقت نفسه فإن الشخص الذي قصدني سيرتاح لأنه تخلص مما يزعجه، وبات قادراً على رؤية مشاعره وأحاسيسه أمامه على مادة محسوسة.

حوّلتُ الصعوبة التي أمر بها إلى أمر إيجابي، وباختصار هذه رسالتي: في الحياة سنختبر مشاعر صعبة وعلينا عيشها وعدم تجاهلها لأنها ستظل موجودة، إنما ومع خروجنا منها، فلنبحث عن طريقة للاستفادة من كل مرحلة والخروج منها بأمر مفيد لنا ولمحيطنا. لدينا دائماً القوة للوقوف مجدداً لأن رغبتنا بالحياة أكبر من كل الظروف، ولكن فلنسمح لأنفسنا بعيش كل المشاعر، للخروج سالمين من كل التجارب الصعبة.

ملاك الغويل

اقرئي المزيد: ريتا الحسواني: اختياري مجال النحت المحصور بالرجال لم يضعفني بل زادني قوة

 
العلامات: فنون
شارك