مقابلات

لمى المعايطة: أسعى نحو تغيير الأحكام المطلقة الظالمة التي تطال الناجيات من مرض السرطان

في صوتها هدوء جميل يبعث إلى السكينة وفي كلماتها اتزان بحيث تبدو وكأنها قادمة من امرأة متقدمة في السن، ولكن في الحقيقة فإن عمرها لا يتجاوز الثلاثين إلا أن تجربتها الحياتية الصعبة مع مرض السرطان، جعلتها أكثر نضجاً وحكمة وقوة. إنها لمى المعايطة وهي مثال حي لبطلات كثيرات تغلبن على هذا المرض، ولكن لم يكتفين بهذا القدر من المعركة معه، بل قررن مساعدة الغير في هذه الرحلة لكي يخففن عمن حولهن بعضاً من صعوباتها. تحدثنا إلى الشابة الأردنية التي يتابعها أكثر من 700 ألف عبر صفحتها على إنستغرام lamamaaitah@ لنغوص أكثر في تفاصيل عاشتها وخرجت منها بعبر ودروس لا تقدر بثمن.

قبل سنوات وبعد أن شفيت من مرض السرطان، قررت الخروج إلى الإعلام والتحدث عن تجربتك الصعبة، لماذا اخترت مشاركة هذه الرحلة، في وقت تختار الكثير من الشابات التكتم عن تجربة مشابهة خوفاً من كلام الناس أو نظرة المجتمع؟

كان عندي اندفاع كبير بأن أحاول تغيير نظرة المجتمع لمريض السرطان أو الناجي منه، فللأسف كثر يرونه إنساناً ضعيفاً وليس لديه مستقبل، أو كأن لديه عيباً يعيبه ولا يجب الحديث عنه، هذه النظرة التي نحاول التغاضي عنها لا تزال موجودة بسبب الجهل ربما أو الخوف، ولكن يجب أن تتغير، فهذا الشخص يجب أن يكون مثالاً للقوة والإرادة، فهو اختار مثلاً أن يكمل جامعته أو عمله وإن احتاج للتغيب أحياناً ليحصل على العلاجات، وهي صعبة جداً ومؤلمة، بالتالي يجب أن ندعمه ونساعده، ولا ننتقص من شأنه ومن أهمية التجربة التي خاضها أو يخوضها، هو يحاول أن يعيش الحياة الطبيعية، فلا داعي أن نؤطره بصورة إنسان لونه أصفر أو فقد شعره أو بات جسمه هزيلاً…

تعاطف الناس معي بشكل كبير لأني كنت صادقة، لم أسمح لأحد أن ينظر إليّ بشفقة، بل قررت قبل يوم ميلادي بأسبوع أن أهدي نفسي كتابة تجربتي كاملة، وذلك بعد أن شفيت واسترديت عافيتي، وحاولت تغيير الأحكام المطلقة حول هذا المرض، بينت أني صرت إنسانة أقوى وأكثر معرفة للحياة، وحاولت أن أبين أهمية الناحية النفسية في شفاء مريض السرطان، فبعد الشفاء نكون مثل الطفل الصغير الذي يتعلم المشي أو الكلام… نسعى للتأقلم مع المجتمع والاندماج داخله، كان هدفي أن أبين أن مرض السرطان ليس كأي مرض، فهو يسرق من حياتنا على الأقل سنة، ونحتاج إلى تأهيل ومساعدة حقيقية لكي نعود إلى روتيننا السابق. الكثير من مرضى السرطان حياتهم تتدهور بعد الشفاء، والسبب رفض المجتمع لهم، ومثال لذلك شابة يرفضها الكثير من الشبان خوفاً من تداعيات علاجاتها كأن تفقد القدرة على الإنجاب مثلاً أو أن يعاودها المرض… فبدل أن نتعاطف معها وندعهما، البعض يرفضها أو يشفق عليها.

أنا مثلاً حين كنت أتقدم للحصول على وظيفة، كان يتساءل أصحاب العمل عن السنة المفقودة من سيرتي الذاتية، وهي الفترة التي تعالجت فيها، لأجد نفسي مضطرة أن أشرح أو أبرر، وهذا شيء لا أريده، إذ لا أرغب أن يقتحم أحد تفاصيل حياتي الشخصية، من هنا وجدت مدى غياب الوعي المجتمعي بطرق التصرف مع مرضى السرطان كما الناجين منه، وسعيت ولا زلت أسعى في هذا الاتجاه.

يوجد أمور عميقة جداً يخوضها مرضى السرطان ولا يعلم بها المجتمع، وهنا يجب أن ننشر التوعية، لنساعد مثلاً شابة مخطوبة اكتشفت أنها مصابة سرطان وخطيبها طلب منها أن تسرّع الزواج لكي تنجب فتؤجل علاجها سنة كاملة، خوفاً من أن تفقد القدرة على الإنجاب، وهي بهذه الطريقة تعرّض حياتها للخطر… من هنا علينا مراعاة نفسية المريض أكثر ومده بالدعم النفسي الملائم لكي يتخطى المرض.

بعض المرضى أيضاً يتحولون إلى مدمنين على المسكنات بسبب الكمية التي حصلوا عليها خلال العلاج، فأنا تم تقييدي في المستشفى لأيام لكي يخرج تأثير هذه الأدوية من جسدي، حتى أني تلقيت رسائل من شباب لديهم مشكلة مشابهة، ويرغبون بالتخلص من إدمانهم لذا طلبوا مساعدتي… لا تتحدث أي جمعية أو منظمة خيرية عن هذه التفاصيل ولكننا نعرفها نحن المرضى ونمر بظروف أصعب منها أيضاً.

أحسست أن دوري يتمحور حول التوعية من أي موضوع يمكن أن أساعد غيري فيه ليستفيد من تجربتي الحياتية، فإصابتي لم تكن عبثية، بل هي مقدرة ربما لكي أتمكن من تقديم المساعدة والإحساس بروعة العطاء. أنا اليوم أفهم إحساس السجين لأني عشت السجن في المستشفى بعيداً عن أهلي، وأعرف إحساس الجوع لأني بقيت لأيام بلا طعام.. كل هذه التجارب ليست واضحة للمجتمع ويحتاج من حولنا أن يعرف المزيد عنها.

كيف ساعدك دعم الأهل والرفاق والمجتمع المحيط في المحافظة على الأمل والرغبة بالشفاء في أكثر اللحظات قسوة؟

التعاطف مهم جداً مع المريض، ولكن يجب أن يكون متوازناً لأن المبالغة في الاهتمام ستحوله بعد الشفاء إلى شخص اتكالي أو شديد الرغبة بالاهتمام، وسيصعب عليه أن يعود إلى طبيعته، وأنا أحمد الله أن أهلي كانوا مثقفين بدرجة كافية لكي يتركوا لي الخيار بأن أتعامل مع مرضي بالطريقة التي ترضيني، كانوا يولونني الاهتمام المنطقي الذي احتجت إليه. رفضت مثلاً أن ترافقني أمي في جلسات العلاج الكيميائي، لأن وجعي سيكون أكثر من وجعها حين أسمح لها أن تراني أتألم، في المقابل ابنة عمي لم تتركني للحظة بل عاشت معي وتركت أهلها لكي تساعدني.

ماذا تقولين لكل مريض يواجه لحظات ضعف في هذه اللحظات؟

من حق كل إنسان أن يعيش كل المشاعر في هذه التجربة: غضب، حزن، بكاء، اكتئاب، هذه أحاسيس طبيعية وتلعب الهرمونات دوراً في زيادتها خلال العلاجات، ولكن فليكن لديه يقين قوي جداً بأن المرور بهذه التجربة سيحوله إلى إنسان أرقى وأجمل وأقوى… هذه كانت نظرتي للمرض من اليوم الأول، فقد بحثت عن الرسالة من وراءه، وهي أن أجد ذاتي الحقيقية وأكتشف نفسي لأساعد من حولي. ساعدتني الكتابة خلال فترة العلاج، لأفرغ مشاعري على الورق، حتى في أكثر الفترات صعوبة حين توقفت أسبوعين عن الكلام، لجأت إلى الرسم. من هنا أؤمن بأهمية العلاج بالفن والتعبير بمختلف أشكاله. ولكي نرى النصف الملآن من الكوب أقول إنه من بعد أن أمضيت بعض الوقت في الرسم، اليوم لديّ عملي الخاص بالأشغال اليدوية أطلقت عليه اسم: Made with love.

ما هي الفترة التي عشتها مع المرض وكيف انتصرت على عودته؟

في الحقيقة هاجمني السرطان للمرة الثانية، وتمكنت بإرادتي وقوة حبي للحياة أن أشفى، ولكن أصعب تجاربي كانت بعد الشفاء، إذ أصبت بفيروس أدخلني إلى العناية المشددة لأن مناعتي كانت متدنية بسبب العلاجات، حتى أن الأطباء رؤوا أن فرص نجاتي ضئيلة، ولكن أنا لم أفقد للحظة الأمل، بل كنت أرسم وأشاهد مسلسلي المفضل على التلفزيون، هذا اليقين بقوة قدرتي الداخلية هو ما أنقذني، لذا على كل إنسان أن يؤمن بقوة عقله الباطن لكي يشفى من أي ألم.

حدثينا عن مبادرة "لمة أمل"، التي أسستها لمساعدة الأطفال والشباب مرضى السرطان.

حين تتعاملين كل يوم مع مرضى السرطان، أو تفقدي صديق لك في سرير مجاور في المستشفى من دون ان تعلمي بوفاته لكي لا يؤثر الخبر على نفسيتك، أو تجلسي مع صديقة وتكتبي معها وصيتها، لتفقديها بعد وقت قصير.. تختبرين مشاعر متناقضة وصعبة جداً، لدرجة كنت أشعر أني لا أعيش في العالم الواقعي بل في عالمين، ولم أعرف إن كنت أرغب فعلا بالاستمرار بالاحتكاك بمرضى السرطان، ولكن في النهاية قررت أن ما أمر به ليس عبثياً، بل هو دوري الذي أساعد من خلاله غيري بقدر استطاعتي، وهذا ما جعلني أنطلق في مبادرة "لمة أمل" التي تهدف إلى مساعدة الأطفال والشباب في رحلة العلاج، سواء مادياً أو نفسياً، وأنا لا أرغب أن أحولها إلى منظمة لكي لا أفرط في أي فلس مقدّر أن يساعد إنسان في رحلته ضد السرطان.

رسالة أخيرة لمريضات السرطان؟

فليكن لديكن أمل بالله سبحانه وتعالى وبقوتكن الداخلية، ولا تسمحن للمرض أن يوقفكن عن العمل أو الدراسة، بل العكس عليكن اعتبارها تجربة ستساعدكن لفهم المعنى الحقيقي للحياة وللوصول إلى مرحلة وعي كبيرة جداً. صحيح أن الوجع مؤلم والتجربة صعبة ولكن نتائجها على الحياة المقبلة ستكون أسمى.

اقرئي المزيد: نجلا زيني وابنتها غالية محمودي: معاً نرسم أجمل الذكريات

 

قد يهمك أيضاً

اشترك في صحيفتنا الإخبارية