كارمن بصيبص: التمثيل يسمح لي بخلق علاقة دائمة مع مشاعري

هي ملكة الأداء البسيط والمقنع بجدارة، في تمثيلها إحساس كبير حتى يبدو لمن يشاهدها أنّه يستمع إلى كلام شخص في محيطه، حيث لا مبالغة ولا تصنّع، وأنّه يرى وجهاً جميلاً يألفه بشكل كبير لأنّه يشبه شابات كثيرات حوله: ملامح ناعمة وطبيعية اختارت صاحبتها أن تُبعدها عن مخرط أطبّاء التجميل، ليكون كل تفصيل فيها فريد، يعكس شخصيتها وتعابيرها ويظهر ردود أفعالها بصدق وعفوية.

إنّها الممثلة اللبنانية كارمن بصيبص التي تفتخر بكل الأعمال والتجارب التي أوصلتها لتكون المرأة الواثقة والهادئة والناجحة التي هي عليها اليوم، وتؤكّد أنّ رحلتها الفنّية لم تكن سهلة ولكّنها تمسكت وبكل جدارة بالفرص المهمة التي سمحت لموهبتها أن تتفتّح أكثر وتُزهر تماماً كوردة تتفتّح في عالم الفن.

كارمن نجمة غلافنا لشهر أبريل، نحتفي معها بعيد الفطر، ونتعرّف أكثر على آرائها الفنيّة ونكتشف مكامن قوتها والمزيد عن شخصيتها.

الفن

فضّلتِ دراسة الفن وتحديداً الإخراج وليس الحقوق، ماذا تذكرين عن فترة اتّخاذ هذا القرار ومن ساعدكِ لتحسمي موقفك؟

وجّهني أهلي وتحديداً والدي في ذلك الوقت، فهو طلب مني أن أختار ما أحبّه فعلاً وأشعر أنّني سأنجح فيه. لقد امتلك نظرة أعمق وأكثر معرفة مني، كان يراني أشارك في الإعلانات منذ سنوات مراهقتي وتحديداً عمر 15 سنة ورصد موهبتي، وكانت والدتي ترافقني على الدوام في هذه التجارب. بالنسبة لي، لطالما سحرني مجال الفن، ولكن وقتها لم أكن قادرة على اتّخاذ القرار الأمثل، ولكن بعد التفكير المعمّق عرفت أنّني يجب أن أدرس الفن وتحديداً الإخراج السينمائي.

إلى أي مدى ساعدتكِ الدراسة لاكتشاف موهبتكِ أكثر وصقل قدراتكِ الفنية؟

كنت أعرف بعض المعلومات عن أجواء التصوير والإخراج والتمثيل بسبب عملي في مجال الإعلانات، ولكن الدراسة ساعدتني بشكل كبير. صرت أفهم وجهة نظر المخرج وأدرك معنى وأهمية الـ Story Telling وكيفية تأثير وجهة نظر المخرج على كل قصّة ومدى روعة ابتكار لغة سينمائية لكي نصل إلى إحساس المشاهد. أكثر ما أثرّ بي أو خدمني في عملي التمثيلي خاصةً أنّني بدأت بالعمل وأنا في سنتي الجامعية الأولى، هو أهمية إيجاد أو إنشاء علاقة دائمة مع مشاعري وأن أكون حسّاسة فألتمس بقلبي القصص التي تجري من حولي والحالات الإجتماعية المختلفة المحيطة بي.

هل تشعرين أنّ الشابات اللواتي يدرسن تمثيل لا يأخذن حقهنّ بعد التخرج لأنّ معظم الناجحات في الساحة التمثيلية خلفياتهنّ جمالية أو يأتين أحياناً من مجال التقديم؟

برأيي أنّ الشابة الموهوبة والمجتهدة ستستمر بغض النظر عن خلفيتها. من جهة ثانية، ليس من الضروري أن تدرس الإخراج أو التمثيل حتّى تحبّها الكاميرا أو يقتنع المشاهد بأداءها. صحيحٌ أنّ التخصّص يساعد في تطوير الموهبة ومعرفة النظام السائد في موقع التصوير، ولكن هناك ممثلون عالميون حصدوا جوائز مهمة ولم يقوموا بدورات تمثيل أو يدرسوا الإخراج... وبالتالي، برأيي تأتي الموهبة والفطرة والقبول بالدرجة الأولى، بعد ذلك سيكون من المفيد وجود الدراسة أو القيام بدورات تدريبية وورش عمل تمثيلية، ومن الأساسي تالياً الإستمرار في المتابعة والتعلم لتطوير الذات.

أعتقد أنّه علينا الإستثمار بشكل أكبر بالخريجين الجدد، فيحصلوا على فرص Casting لمشاريع جديدة، حتى يعرفهم المخرجون على الأقل ويتمكنوا من اكتشاف المواهب الواعدة ومساعدتها في الحصول على الأدوار التي تناسبها.

ماذا تتابعين في رمضان الحالي وكيف رأيتِ ما يتم تقديمه على صعيد التمثيل والإخراج والأفكار وحتى المواهب الواعدة التي تواجدت في عدد لا بأس به من المسلسلات؟

لفتتني الكثير من الأعمال التي تميّزت، سواء بالكتابة أو باللغة الإخراجية الجديدة، وأكثر ما أعجبني هذا الموسم هو وجود الكثير من الوجوه الجديدة والواعدة في الأدوار الثانوية، إذ باتت النصوص مدروسة بحيث أنّ للكثير من الممثلين الثانويين دور مؤثر في العمل، ولم يعد التركيز منصباً على الأدوار الرئيسية فحسب، وهذا الأمر يسمح للمواهب الشابة بالظهور.

هل ترين ازدياد في التركيز على الأدوار المكتوبة للمرأة في الأعمال الدرامية العربية؟

يوجد بالفعل تجارب مميزة وواعدة ومبشرة، فالكتابات صارت أكثر تنوعاً، والمعروف أنّ هناك الكثير من المواضيع التي كانت مغيّبة عن اهتمام صنّاع الدراما في الوطن العربي، تتم معالجتها اليوم بعمق وحرفيّة عالية. حالياً يتم إنتاج مسلسلات لبنانية وأخرى مشتركة تطرح مواضيع ذكيّة وجريئة وتحقق النجاح والإنتشار، وهذا الأمر يسعدني كثيراً لأنّني ابنة هذا البلد ويهمّني أن يتحسّن مستوى الفن بمختلف أشكاله، وأنا أفتخر كثيراً بنجاح بنات بلدي في الخارج، فهناك ممثلات انطلقن من لبنان وبأعمال محلية وتمكنّ من الوصول إلى الدول العربية، وهذا أمر لم نكن نراه في السابق.

"عروس بيروت" محطّة مهمة في حياتك المهنية، ألم تخشي من الدراما التركية المعرّبة؟

لم أتردد أبداً، بل على العكس تماماً، شعرت بالحماس الشديد وركّزت على أهمية هذه الفرصة، فأنا سأصوّر في بلد جديد مع أناس مختلفين، لديهم أسلوب إخراج وتصوير مختلف عمّا اعتدت عليه. كانت فرصة للتعلّم وتوسيع وإغناء مهاراتي التمثيلية والفنية. جذبتني القصّة أيضاً فهي، مشوّقة ومليئة بالمشاعر وشعرت أنّها ستعجب الجمهور، لذا رميت نفسي في قلب العمل وقد كانت تجربة رائعة ونقلتني إلى مكان آخر في مسيرتي المهنية.

كيف أتقنتِ دور ثريّا وإلى أي مدى ساعدكِ انسجامكِ مع طاقم العمل لتنجحي في تقمص شخصيّتها وهل يمكن أن تكرري التجربة؟

حين قرأت النص، قمت بشاهدة حلقة من المسلسل التركي وأحببتها وأدّيت الدور بكل إحساس. طرح العمل موضوعاً بسيطاً وقريباً من كل فئات المجتمع، وتم انتقاء طاقم متكامل، فالشخص الصحيح كان في المكان الصحيح، لذا كُتب له هذا النجاح الكبير، والاستمرار على مدى أكثر من موسم.

أكرّر التجربة بكل تأكيد في حال وجدت أن العمل سيضيف لي، ولا أمانع أن يكون الدور رومانسي أو فكاهي قليلاً أو أن تكون القصّة غير معقدة، فالمهم لديّ أن تمسّ الشخصية التي أقدمها شيئاً لدى المشاهد. هناك صعوبة واحدة في هذه الأعمال وهي أنّها متعبة فعلاً، لأنّها طويلة وتحتاج شهور من التصوير المتواصل، لذا احتجت إلى فترة راحة كي أشحن طاقتي وأستعيد نشاطي.

 

 

الطموح

هل واجهت الصعوبات في سنوات عملكِ الفنّي، وما هي استراتيجيتكِ لتخطّي الإخفاقات والأيام الصعبة؟

أميل لأن أكون إيجابية وأركّز على الأمور الجيّدة التي تحصل معي، وهذا ما يمنعني من السقوط في دوائر الإحباط أو فقدان الأمل. أكثر فترة حسّاسة مررت بها هي مرحلة قول لا لرفض الأدوار التي لن تخدمني، فأنا لطالما عرفت أنّني سأصل إلى مكان أهم، وكان من الضروري أن أقول لا لإرضاء نفسي. اليوم وحتى بعد نجاح عروس بيروت الكبير، لديّ تحدٍ دائم بيني وبين نفسي بأن أستمر بإستراتيجية "لا" لتحديد المشاريع التي لن تخدمني ورفضها بكل ثقة وبلا تردد.

 

بدأتِ شهرتكِ من مصر وبعدها بات اسمكِ معروفاً في العالم العربي، فهل تمنيت لو كانت انطلاقتكِ في لبنان أم أنّكِ راضية عن مسار حياتك ِالمهنية؟

أنا راضية جداً عن مساري المهني بل يجب أن أشكر الظروف والفرص التي ساعدت بأن أصير المرأة والممثلة التي أنا عليها اليوم. جرّبت إيجاد توازن بين تواجدي في لبنان والدول العربية، ولكن الأهم في قبولي لدور أو رفضه يبقى محتواه وفكرته. أحب بكل تأكيد تسليط الضوء على المشاكل والقضايا التي تتعلق ببلدي ولكن أبحث عن الفرص المناسبة.

ما هي المعايير التي تضعينها للموافقة على أي دور جديد؟

أطلب أن يكون النص محبوك وذكي، وأبحث عن مخرج ماهر يستطيع أن يعكس الرؤية العامة للعمل بشكل مقنع، وعن شركة إنتاج تقدّر المشروع وتعطيه حقّه مادياً لكي يظهر بصورة مناسبة، كما أرغب في دور سيضيف لي كممثلة وسيكون مختلفاً عمّا قدمته، ويعنيني أن يكون دوراً محرّكاً في القصّة ويحاكي الناس. هذه المعايير تزداد مع مرور السنين لأنّ خبرتي باتت أكبر وشهرتي أيضاً ويجب أن أحافظ على المستوى الذي وصلت له وأطمح بالمزيد.

 

 

ما هي مشاريعكِ المقبلة وهل تراودكِ مشاريع الإخراج في حنينٍ لتخصّصكِ والمجال الذي أحببته؟

يوجد مشروع كبير في طور التحضير ولكنّني غير قادرة على التحدّث عنه حالياً، وأنا بشكل عام أفضّل عدم كشف أعمالي المستقبلية لحين بدء أول يوم تصوير. العمل مختلف وجميل جداً وأشعر بحماس شديد له. من ناحية الإخراج، أعود مع مجلّة هيا حالياً لتصوير فيلم حول الموضة وأتمنّى أن يُعجب جمهور مجلّتكم.

الحياة

كيف هي علاقتكِ بوسائل التواصل، وهل تتابعين آراء الجمهور وردود أفعالهم على أعمالكِ عبرها؟

معروف أنّني لست نشيطة كثيراً عبر وسائل التواصل، ولكن حين يكون لديّ مشروع جديد أشارك الجمهور بأخباري، وفي أوقات أخرى أغيب لحاجتي إلى الإبتعاد عن أجواءها. بالمطلق أعتبر أنّنا في مرحلة باتت السوشيل ميديا فيها تسيطر على حياة كثر منّا، تأخذ من يومهم وأفكارهم وطاقتهم، وتبدّل أحياناً قناعاتهم بأفكار مغلوطة وغير حقيقية، تدفعم إلى إجراء مقارنات مع الغير، والإحساس بعدم الرضا عن الذات، ما يسبب مشاكل كثيرة. ومن هنا ضرورة الوعي لأهمية التوقّف أو تحديد وقت لها.

من حسناتها في المقابل، أنّها جعلت الجمهور قريب من النجوم التي يحبها، فهو بات يتفاعل ويعبّر عن رأيه، وأنا أسعد كثيراً حين أرى ردود فعل الناس على أعمالي وأسمع آرائهم وكلماتهم المشجعة. كما أرى دورها الإيجابي جداً في الأزمات والكوارث الكبرى حيث يتسنى لنا معرفة ما يجري في لحظتها ومساعدة بعضنا البعض والإحساس مع الآخر.

أنتِ بعيدة وقريبة بمعنى أنّكِ تحافظين على خصوصيتكِ، لماذا اخترتِ الإبقاء على هذه المساحة مع الجمهور؟

لم يكن خياراً فكّرت به، ببساطة هي شخصيّتي. فأنا أحب الخصوصية وأفضّل أن تكون علاقاتي ضمن دائرتي الضيقة لي بمفردي، بعيداً عن الأضواء وكل ما تفرضه من إلتزامات. الشهرة ليست سهلة أبداً كما يعتبر البعض، صحيح أن النجاح جميل جداً وما يرافقه من مقابلات ومؤتمرات صحافية وحفلات ومهرجانات تحتفي بالنجاح، فأنا أحصد ما زرعت وتعبت لكي أراه يتحول إلى حقيقة أمامي، ولكنّها أيضاً قادرة أن تُنسينا حقيقتنا وجوهرنا، لذا ولكي أحافظ على توازني واستقراري النفسي والعاطفي وجدت أنّه من الأفضل إبقاء حيّز كبير من الخصوصية في حياتي.

 

 

ما هي السعادة بالنسبة إليكِ وأين تجدين راحتك؟

أجد سعادتي مع عائلتي وزوجي وأصدقائي، وأحب السفر والذهاب في إجازات والقيام بنشاطات مسلية، وألتجئ إلى الطبيعة أو البحر، كما أحب تعلّم هوايات جديدة كالرقص أو أي نوع من الرياضة.

لديكِ هدوء وثبات نفسي جميل، فكيف وصلتِ إليه وكيف تسعين للمحافظة عليه؟

هي شخصيتي ببساطة، فأنا هادئة بشكل عام ولكن لديّ جانب مرح لا يراه كثر، إنّما من يظل معي لوقت طويل سيدرك أنّ لديّ جانب حيوي.

ما هي رسالتكِ لكل شابّة تشعر بضعف في ثقتها بنفسها أو ببعض الشكوك حول هويتها وفرادتها وجمالها؟ ولاسيما أنّكِ من النجمات القلائل اللواتي حافظن على الملامح الطبيعية بعيداً عن المبالغة في المكياج أو اللجوء لعمليات التجميل؟

أقول لها: حاولي أن لا تقارني نفسكِ بغيركِ، بل إبحثي في داخلكِ عمّا يستهويكِ ويحرككِ ويدفعكِ بحماس للنهوض وخدمة نفسكِ ومجتمعك، وأقول لها أيضاً: أحيطي نفسكِ بأشخاص تشجعكِ وترفعك وابتعدي عمّن يحبطك، بهذه الطريقة ستزيد ثقتكِ بنفسك وحبّك لنفسك وتقومي بما يسعدك. وفي النهاية اعرفي أنّ غياب الثقة بالنفس في مراحل معينة من الحياة أمر طبيعي، ولكن عليكِ أن تسعي لمعرفة سبب ما حصل لكي تقفي من جديد.

 

 

 
العلامات: كارمن بصيبص
شارك