سارة الهاشمي: قوّتي في مجال الإخراج تأتي من محيط داعم وإيجابي يمدّني بالشغف

واقعية إلى أبعد الحدود وتعي جيداً التحديات التي يواجهها العاملون في قطاع الإخراج في الإمارات، ولكن صوتها مليء بالشغف والحب والإصرار على النجاح، في مجال أحبّته منذ صغرها بفضل والدها الذي سار على نفس الطريق قبلها. إنّها المخرجة الشابة سارة الهاشمي التي وبالرغم من أنّ الكاميرا تعشق ملامحها العربية الجذّابة، فضّلت الوقوف خلفها وليس أمامها، لتعبّر عن أفكارها الفنية. عملت سارة مع أهم العلامات التجارية وكانت عارضة أيضاً، إلّا أنّ حبها الأكبر بقي لمجال إخراج الأفلام، فماذا تقول عن هذه المهنة وعن صعوباتها وكيف وجدت القوة للاستمرار فيها؟

تملكين الشكل الجميل والكاريزما والحضور الطاغي، لماذا لم تتجهي نحو التمثيل واخترتِ الإخراج؟

تأثّرت كثيراً بعمل والدي الذي كان مخرجاً وكان يصطحبني معه إلى أماكن التصوير. جرّبت الوقوف أمام الكاميرا وخلفها، واعتدت على العمل الميداني وأحببته كثيراً، إلّا أنّ ما شدّني أكثر هو الإخراج والقدرة على تحويل قصة على ورق إلى عمل مرئي له سياق ومعنى. أحسست أنّ لديّ شغف بهذا المجال وبأنّ إدارة المكان بأكمله سترضيني وتسعدني، لأنني سأتمكّن من إيصال الفكرة التي أريدها أنا وبالشكل الذي أراه الأنسب.

ما هي برأيكِ الأدوات المطلوبة من الشابة للنجاح في هذا المجال؟ كيف تطورين اليوم أدواتكِ الإخراجية؟

الانطلاق في مجال الإخراج والنجاح فيه هو أمر صعب ومليء بالتحديات بالنسبة للرجال والنساء معاً، ولكنّه أصعب حين يتعلق الأمر بالمرأة، فهناك غياب للدعم والموارد والفهم المعمق لمعنى صناعة الدراما والإنتاج والأعمال المرئية. بالنسبة لي، من المهم للمخرجة أن يكون معها فريق عمل متفاهم ومنسجم ومتّفق على رؤية واحدة، من مختصّي الإضاءة إلى الصوت والتصوير، وفي الحقيقة، إن العثور على هذا الفريق صعب جداً لأنّ الجميع في الإمارات معتاد على تنفيذ الأعمال التجارية القصيرة، بالتالي فإنّ جمع أشخاص من مختلف الخلفيات لصناعة أفلام طويلة لا يكون سهلاً. درست الإخراج في الجامعة وكان معي الكثير من الشابات، وكانت طموحاتنا كبيرة ولكن النزول إلى أرض الواقع وضعنا أمام تحديات لم نكن نفكّر فيها، ولكنّها دفعتنا للتفكير أكثر للبحث عن أفكار وحلول تضمن لنا الاستمرارية والنجاح. نحتاج برأيي إلى دورات تدريبية وبرامج دراسية ومهرجانات، ما يعني تركيز أكبر على إعداد شباب يملك مهارات فنية عالية. وما أثّر سلباً على هذا القطاع هو إلغاء المهرجانات الكبيرة مثل مهرجان دبي للأفلام وغيره، إذ كانت تسلط الضوء على المواهب الإماراتية وتسمح للأعمال المحلية أن تنتشر على نطاق أوسع وتصل إلى العالمية أحياناً. نحن اليوم نعاني لصنع فيلم سواء قصير أم طويل، ونواجه صعوبات في تسويقه أو ضمان عرضه داخل الدولة وخارجها.

ما هي المواضيع التي تستهويكِ للإضاءة عليها، هل ستستمرين بالتركيز على مواضيع الجمال والموضة أم ستغوصين أكثر في المواضيع الاجتماعية؟

لطالما أحببت تسليط الضوء على قصص من المجتمع الإماراتي، فأنا تربيت في هذه البيئة، وتأثّرت بقصص كثيرة سمعتها حولي، قصص جدّتي أو عمتي أو نساء من حولي، لا يعرفها الناس الذين يأتون إلى بلدنا من مختلف الجنسيات، لذا حتى حين أقدّم فيديو متعلق بالموضة، فأنا أحاول إدخال قصة معينة ضمن الأحداث، فالقصة الحقيقية تزيد الصدق وتضيف الروح إلى أي محتوى، وتبرزنا على حقيقتنا، فالعالم الواسع يظن أنّ الإماراتيين يعيشون في فقاعة خاصة بعيداً عن الآخرين، وهذا ما أسعى لتغييره، من خلال الكشف أكثر عن قصصنا وقيمنا وعاداتنا وتقاليدنا التي جعلتنا اليوم ما نحن عليه: شعب قوي ومرحّب بالآخر ومتقبّل لأفكاره.

تقدّمين صورة عصرية عن الشابة الإماراتية التي تحافظ على قيمها من جهة، وتواكب التغييرات من خلال أعمالها وطموحاتها من جهّة أخرى، فكيف تحققين هذا التوازن؟

أنا بالفعل شابة عصرية وأعيش سنّي وأواكب كل التغييرات الحاصلة في مجتمعي وفي العالم بشكل عام، ولكنني في الوقت نفسه أحافظ على القيم والتقاليد التي تربيت عليها، مع حبي الكبير وتقديري لعائلتي ولأهمية الأسرة والانتماء إليها وإلى الوطن، لذا حين أختار أي عمل جديد أسأل نفسي: هل سيضيف إلى رصيدي ويخدم رؤيتي ويساعدني في عكس أفضل صورة عن نفسي وعن غيري من الشابات الإماراتيات؟ فإذا كانت الإجابة نعم، سأقدّم محتوى يزيد إلى رصيدنا كإماراتيات، فيُكتب لنا بأننا ننجح في دخول مجال جديد، لأنّه في بلدي معظم الأعمال الإخراجية التي تحمل توقيع أهم العلامات التجارية، كانت تحمل توقيع الأجانب، ولكنني اليوم ومعي شباب متحمس وموهوب مثلي، أسعى لدخول كل المجالات التي كنا غائبين عنها سابقاً.

إلى أي مدى يعنيكِ الوصول إلى الآخر بأفكار أفلامكِ وأعمالكِ المصورة؟

في بدايتي كان كلّ اهتمامي يتمحور حول تقديم أعمال ترضيني بغض النظر عن وجهة نظر المتلقّي، من منطلق أنّ الأذواق تختلف ولا يمكن إيجاد الإجماع على أي عمل مهما كان قوياً وناجحاً، ولكنني اليوم أتابع أكثر التعلقيات وأستمع إلى وجهات النظر المختلفة. يهمّني أن أفتخر بما أقدمه وهو ما استطعت تحقيقه ولله الحمد، ولكن أكثر الأعمال التي أرضتني ووصلت للآخرين هي فيلم وثائقي قدّمته عن منزل جدّي حيث عرّفت بأفراد أسرتي، لكي أعرض من خلالهم صورة عن الواقع الإماراتي والتغييرات السريعة التي استطاعت العائلات مواكبتها، وكانت ردود الفعل جميلة جداً لأنّها كانت من المرّات القليلة التي يتعرّف فيها الجمهور على أسرة إماراتية حقيقية. صحيح أنني نقلت الصورة من وجهة نظري، ولكنّها وصلت للآخرين وأثّرت بهم وهذا هدفي من أي عمل أقدّمه.

ما رأيكِ بالتجارب السينمائية الإماراتية، هل باتت «صناعة» ناجحة مقارنةً بما يتم تقديمه إقليمياً وعالمياً؟

صراحة، يوجد تجارب واعدة ولكن لا يمكن القول إنّها باتت صناعة متكاملة. يمكن مقارنة أعمالنا بالأعمال الإقليمية مثل الأفلام الكويتية أو السعودية، إلّا أنّنا نحتاج إلى المزيد من الدعم المادي والمعنوي للمشاريع والأفكار الجديدة، فنحن لدينا المواهب والأفكار والقصص، ولكننا نفتقد الميزانيات التي تسمح للصناعة بأن تقوم وتزدهر، فأي مخرج صاعد سيجد صعوبة في تحقيق الاكتفاء المادي من عمله في الإخراج، لذا يضطر للجوء إلى أعمال أخرى.

لماذا برأيكِ لا تتجه الشركات الكبيرة مثل نتفليكس وغيرها نحو المواهب الإماراتية لتدعمها وتُنتج أعمالاً تحمل توقيعها؟

الدعم يجب أن يأتي من الداخل أولاً. فالسعودية مثلاً وقبل سنوات من الآن، أي قبل الانفتاح، كانت تولي اهتماماً كبيراً لصناعة الأفلام وزاد هذا الأمر مؤخراً، ولذلك رأينا نتفليكس تأخذ الأفلام السعودية وتدعمها للوصول إلى أعداد أكبر من الجماهير، أمّا في الإمارات، فهناك محدودية في عرض الأفلام، حيث نراها في بعض المهرجانات، ولكن يتوقّف الأمر هنا، فهي لا تنتقل إلى دور السينما، بالتالي لا يتسنّى للجماهير العريضة أن تراها، كما أنّه لا يروَّج لها بالشكل المناسب.

من أين تستمدين القوة لكي تستمري وتواجهي الصعوبات بشجاعة ورغبة دائمة بتقديم المزيد؟

أحيط نفسي بمجموعة من الأشخاص الإيجابيين والداعمين والمبدعين، وهذه الدائرة التي أتواجد ضمنها قادرة على تقديم الدعم المعنوي والأفكار الخلّاقة لي، لحثّي على الاحتفاظ بشغفي ولإيجاد حلول للمشاكل التي تواجهني.

ما هي الأفلام التي تحبين مشاهدتها وتحلمين بتنفيذ أعمال شبيهة بها؟

أحب الأفلام الفنية المليئة بالابتكار فتبدو القصّة مؤثرة ولكن مشبّعة بالمؤثرات الخاصة، كما أحب الحس الفكاهي الذي يضفي البهجة إلى العمل. في الفترة المقبلة، سأركّز على تقديم الأفلام القصيرة التي يمكن عرضها في المعارض أو المهرجانات الخاصة، فهي تسمح لي بالتعبير عن أفكاري وتسمح بخلق مساحات حوار مع الجمهور المتلقي. لا أحب عرض أفلامي على إنستغرام لأنني أشعر أنّ المشاهد لن يعطيها حقها من الاهتمام أو التركيز، بل أسعى لأن تأخذ حقّها فتُعرض على شاشة كبيرة، ليعيش المتلقّي تجربة السينما بالصوت الواضح والصورة الكبيرة، وليتسنّى لي معرفة ردود أفعاله بعد انتهاء العرض.

ما هي رسالتكِ للمخرجات الشابات ليحافظن على قوتهنّ في وجه صعوبات خوض هذه المهنة؟

أقول لهنّ: يجب الاستمرار بالسعي والمحاولة وتصوير الأفلام. ابحثن عن أفكار جديدة ولا تتوقفن لأنّه ربما بعد سنوات ستكون هذه الأعمال رصيدكنّ، ويمكن لفرصة واحدة أن تقلب حياتكنّ. يجب أن نعمل ونتشجّع على الاستمرار لنبني معاً مجال صناعة الأفلام في الإمارات.

ما شدّني أكثر هو الإخراج والقدرة على تحويل قصة على ورق إلى عمل مرئي له سياق ومعنى. أحسست أنّ لديّ شغف بهذا المجال وبأنّ إدارة المكان بأكمله سترضيني وتسعدني.

اقرئي المزيد: شيرين رفيع: مصدر قوتكِ يجب أن يأتي من داخلكِ لكي تحققي استقراركِ واستقلالكِ

 
شارك