زين تغنّي المستقبل

صوت حسّاس وقوي يلامس الروح ومعاني جديدة وعميقة تجعل من كلمات الأغاني التي تؤلفها والموسيقى التي تبدعها تدخل سريعاً إلى القلوب وتحاكي العقول العربية الشابة. إنّها المغنية زين التي اختارت خلال فترة صعبة وهي أيام انتشار كورونا، أن تلاحق طموحها وتبدأ مسيرتها الفنية، مستفيدة من إنستغرام، لتصل بصوتها وموهبتها إلى العالم. زين تزيّن غلاف هيا في شهر مايو، وتتألق مع علامة Tiffany & Co. فماذا تقول عن فنّها؟ وكيف ترى مستقبل الغناء العربي؟ وكيف تسعى لضمان تميّزها على هذه الساحة الواسعة؟

حوار: دينا زين الدين، تصوير: Sabrina Rynas، إدارة فنية: Sima Maalouf، تنسيق: Yehia Bedier، شعر ومكياج: Ivan Kuz، موقع التصوير: Fouquet's Dubai، إنتاج: Kristine Dolor

خلال فترة كورونا، تغيرت حياتكِ وفتح لكِ المجال لإظهار موهبتكِ الفنية من خلال تواجدكِ عبر إنستغرام. هل تؤمنين أنّها صدفة أم حظ أم شيء مصيري لتتمكّني من بدء حياتكِ الفنية ومشاركة موهبتكِ مع الجمهور؟

الموسيقى كانت ولا تزال بمثابة العلاج لي، عندما انتشر فيروس كورونا، توقفت خططي للعمل والعيش في لندن. لذلك، انتهى بي المطاف في غرفة نومي في عمان، مع الكثير من أوقات الفراغ. بدأت في التواجد عبر إنستغرام حيث انتهى بي الأمر بمقابلة الكثير من المواهب المحلية في الأردن، ومنها كان منتجي ناصر البشير. عملنا معاً على أول عمل لي، ومن خلال هذا التعاون ، تمكّنت من المشاركة في كتابة أول ألبوم لعصام النجار مع Universal Arabic Music. بعد ذلك، قمت بإصدار المزيد من الأغاني الفردية الخاصة بي، ودهشت كيف بدأت موسيقاي في الوصول لأشخاص من جميع أنحاء العالم. لطالما رغبت بالعمل في مجال الفن والموسيقى، لكنّني لم أعتقد أن الأمر سيكون متاحاً لي. أخذتني الحياة في هذا الاتجاه، وأنا ممتنة جداّ لذلك، وأنتظر بحماس لأرى إلى أين ستأخذني هذه الرحلة الموسيقية، وأتوقع تحقيق الكثير في خلال هذا العام.

كيف بدأ حبّكِ للموسيقى ومن أثّر عليكِ في طفولتك؟ ما هي الأغاني التي كانت تمنحكِ الشعور بالسعادة والراحة، والتي أثارت رغبتك، أو لنقل شغفك بالتلحين والغناء؟

لطالما كانت الموسيقى حاضرة في عائلتي، فأنا كنت محاطة بها طوال حياتي بفضل أمي وجدتي اللتان تملكان صوتاً جميلاً، كما أنّ أخواتي نشأن يعزفن البيانو. رصد والديّ اهتمامي بالموسيقى منذ صغري، لذلك سجلوني في دروس العزف على البيانو والغناء. أمّا الأغنية التي تجلب لي إحساساً بالسعادة فهي "يما مويل الهوى"، وهي أغنية فلكلورية فلسطينية علّمتني إياها أمي عندما كنت في السابعة من عمري. كانت هذه هي المرّة الأولى التي عرفت فيها كيفية تنسيق اللحن، وحينها بدأ ينمو بداخلي شغف تنسيق الموسيقى وطبقاتها.

ما هي الحالة التي تحتاجين إليها عند بدء مشروع جديد؟ كيف تتبادر إلى ذهنكِ الكلمات والموسيقى والمعاني والمشاعر التي سيعكسها عملك؟ من تستشيرين خلال مرحلة التحضير؟

كل ما أكتبه يأتي من تجربتي الشخصية، وبالنسبة لي، بهذه الطريقة أكون صادقة تماماً مع جمهوري. لذا، مهما كان ما أشعر به، أكتب عنه، إذ وجدت أنّه كلّما كنت حقيقية أكثر في رسالتي، كلّما كان لها صدى أكبر وتركت تأثيراً أهم لدى المتلقّي. إنّ امتلاكي لخلفية في الموسيقى الكلاسيكية ساعدني كثيراً لابتكار الألحان لذا فإنني أجد اللحن المناسب، ثم تتبعه كلمات الأغاني. في بعض الأحيان، يتطلب الأمر إجراء محادثات مع المنتج والكاتب المشارك ناصر البشير، وهما الاثنان من أصدقائي المقربين. بعد ذلك، نبدأ في تدوين كل شيء، حتى لو لم نستخدمه في النهاية، ونرى ما يتناسب مع الأغنية التي قمنا بتأليفها وشبه إنتاجها. عندما أصل إلى المراحل النهائية من المشروع، عادةً ما أستشير أفراد عائلتي وأصدقائي المقربين، لأنهم صادقين للغاية وهذا شيء أقدّره كثيرًا!

كيف نجحتِ في مزج روح ومشاعر فتاة عربية بتقنيات الموسيقى الغربية؟ هل تجدين صعوبات في مزج لغتين مختلفتين في أغنية واحدة؟

بشكل عام، شعوري بالموسيقى هو عبارة عن مزيج من التأثيرات القديمة والجديدة، وهذه هي الطريقة التي يمكنني بها تقديم فن جديد يمثّلني. أكثر من تأثّرت بهم في منطقتنا هم آل الرحباني وتحديداً زياد والياس الرحباني، حيث أن الموسيقى التي قدّماها سبقت عصرهما بكثير، وبالتأكيد فيروز، صاحبة الصوت الرائع والقدرة على غناء أفكار عميقة بأسلوب صادق ومؤثّر ويلامس الوجدان .. هم بكل تأكيد يلهمونني بشكل كبير في تقديم الأغاني. أما غربياً، فأنا أحب موسيقى التسعينات، ولا سيما لورين هيل التي تأسرني بصوتها
الناعم والعاطفي.

بالنسبة لأسلوبي الخاص، فقد استغرقت الكثير من الوقت والتجارب لمعرفة ما الذي ينجح وما لا ينجح. ولإيجاد التوازن بين الإحساس الغربي والآلات الشرقية والعكس صحيح. عندما يتعلق الأمر بالكلمات، لا أجد صعوبة في خلط اللغات لأنني أمزج اللغات في محادثاتي اليومية، لذا فهي تأتي بشكل طبيعي تماماً ولكنني إذا شعرت أنّه من الأفضل أن تكون الأغنية كلّها باللغة العربية فأقوم بذلك بدون تردد.

هل وجدتِ صعوبة في مشاركة مشاعركِ عبر كلمات الأغاني ولا سيما أنّكِ شابة تنتمي إلى أسرة عربية، وكيف رصدت تفاعل الجمهور مع صراحتكِ وأسلوبكِ ومشاعركِ التي تحاكي كل فتاة عشرينية؟

لقد استغرق الأمر بالتأكيد بعض الوقت للوصول إلى ما أنا عليه اليوم من الراحة في التعبير عن نفسي بشكل كامل. وهنا أشكر عائلتي التي دعمتني منذ اليوم الأول. ما زلت أتذكر عندما أصدرت أغنيتي الأولى "مني أنا" في عام 2021، والتي تطرّقتُ فيها إلى مشاعر اعترتني منها القلق وضرورة وضع الحدود مع الناس، وأنني كنت خائفة كثيراً من ردود الفعل حولها، لأنني اعتبرت أنها كانت تكشف الكثير من الأفكار والمشاعر التي تعتريني. لكن عندما رأيت مدى تأثيرها بالجمهور وخاصةً الفتيات الشابات، أحسست بفخر وسعادة لا يمكن وصفها لأنّني تمكّنت من أن ألامس داخلهنّ، ما منحني الكثير من الثقة والتحفيز لأشعر براحة أكبر عند مشاركة المزيد من تجاربي ومشاعري مستقبلاً.

إلى أي مدى استفدتِ من صراحتك مع ذاتكِ في إدراك رغباتكِ والوصول لأهدافك؟

أعتقد أن الصدق مع النفس هو أهم شيء يمكن أن تفعله كل واحدة منّا، سواء كان ذلك على المستوى الشخصي أو المهني أو الإبداعي، وتعلّم كيفيّة القيام بذلك يستغرق الكثير من الوقت. أنا شخصياً أشعر أن الأمر تطور مع كل أغنية قدمتها، وقد سمح لي باكتشاف مشاعري وعواطفي بطريقة صحية، والتعبير عن ذلك من خلال كتابة الأغاني والموسيقى وفّر لي الأصالة والصدق الذي أسعى دائماً لإيصاله لدى تقديم الفن.

برأيكِ ما الذي يميّز أسلوبكِ الغنائي ويعطيك هوية خاصة؟

ما يميّز الموسيقى التي أقدّمها هو اختياري تقديم RnB عربي غير مألوف في منطقتنا. فقد كنت أعرف دائماً أنّ هذا هو نوع الموسيقى الذي يحاكيني ويسمح لي بالتعبير عن نفسي. عندما أنظر إلى الوراء أشعر أنّني كنت على صواب حين اخترت هذا الطريق، فأنا أبني قاعدة جماهيرية مميزة وسأظل صادقةً مع نفسي أثناء الاستمرار في القيام بذلك.

كيف تضعين الحدود لما تشاركينه مع جمهوركِ عبر وسائل للتواصل؟ وهل تتابعين ردود أفعال متابعيك؟ كيف تتعاملين مع التعليقات؟

الموسيقى والأغاني التي أقدّمها تتحدث عن تجاربي، لذا أشارك جمهوري ما أشعر أنّه يهمهم ولا أحب التركيز كثيراً على التعليقات الشخصية لأنّني أراها تشتت الانتباه عن فني، إنما أفضل أن أقيس ردود فعل الجمهور على الموسيقى الخاصة بي في العروض الحية عندما يكون التفاعل مباشر، عندها أعلم أن الأغنية التي غنوها معي بعلو صوتهم هي التي وصلت لهم وحركت مشاعرهم.

في وقوفكِ على المسرح كاريزما كبيرة وتفاعل طبيعي جميل وعفوي مع الجمهور. صفي لنا إحساسك عندما تعتلين خشبة المسرح للغناء، هل هو الخوف أو الحماس أو السعادة الكبيرة أو مزيج من كل ذلك؟

أحاول الاستمتاع بالأداء بقدر ما أستطيع والاستفادة من طاقة الجماهير العالية والجميلة. أتطلع دائماً إلى التواصل مع الناس في الحفلات حيث المشاعر جياشة وتفيض بالحماس، إنه الشعور الأجمل بكل تأكيد!

كيف ترين ذوق الجمهور العربي الشاب في الفترة الحالية، ما الذي يبحث عنه في الأغاني والموسيقى بشكل عام؟

أعتقد أنهم يبحثون عمّن يمثلهم على الحقيقة، وعمّن يتحدّث عن مشاكلهم ومكامن ضعفهم وقوتهم، يريدون مواضيع جديدة وقوية. في حين نرى أن معظم الأغاني التجارية مستمرة في التطرق إلى الحب وآلام الفراق، إلا أننا نحتاج إلى مواضيع عن الصحة العقلية والنفسية والبحث عن الهوية والعلاقات وانعدام المساواة وغيرها من القضايا التي تهم جيل اليوم.

هل أحببتِ الشهرة، وهل تساعدكِ لإيصال موهبتك، أم ترينها أحياناً معيقة لكي تعيشي حياة طبيعية كأي شابة في الـ25 من العمر؟

لا أنظر إلى الشهرة بطريقة سلبية أبداً، فقد ساعدتني في إظهار موهبتي والتواصل مع المبدعين من جميع أنحاء العالم، لا سيما من خلال تواجدي عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وأنا ممتنة جداً لكل ما أعيشه وأختبره تحت الضوء.

ملامحكِ قوية وجميلة بحيث تظهر أحاسيسكِ من خلال تعابير وجهكِ وعينيك، هل تفكرين بالتمثيل أم ستستفيدين من هذه الموهبة في الأداء الغنائي والكليبات المصورة فقط؟

أحببت التمثيل منذ أن كنت طفلة صغيرة، وكنت أشارك في كل مسرحية في المدرسة، كما درست الدراما والمسرح من أجل مستوى IGCSE. وفي دراستي العليا، كنت أفكر بجدية بدراسة المسرح وفنون الأداء، لكنني فضلت الإعلام وعلم الاجتماع والاتصالات. لذا إن حصلت على فرصة للتمثيل في المستقبل القريب، فسأخوض هذا المجال بكل حماس.

هل من مواضيع اجتماعية معينة ترغبين بتسليط الضوء عليها عبر أغانيك مستقبلاً (خيانة، انفصال، فراق عن الاهل، معاناة من التنمر،...)

في أغنياتي المستقبلية، سأتطرّق إلى مواضيع الخيانة والأصدقاء المزيفين والعلاقات السامة والصحة العقلية والحزن وضياع الهوية والبحث عن الأهداف. وفي الحقيقة إنها مواضيع تحاكي تجاربي الشخصية وأتطلع كثيراً لمشاركتها!

هل تضعين خططاً للمستقبل أم تعملين يوماً بيوم وتنتظرين الغد ليحمل لكِ مفاجآته؟

أحب التخطيط للأمور مسبقاً، لكن في بعض الأحيان، من المفيد أن أبطئ قليلاً لأعيش اللحظة وأستمتع بها. إنه شيء أميل إلى نسيانه لذا أحتاج إلى تذكير نفسي دائماً به.

التكنولوجيا باتت جزءاً مهما من حياتنا، هل تستفيدين من تطبيقات معينة في موسيقاك؟ هل أنت مع الاستعانة بهذه التقنيات في مختلف أنواع الفنون؟

منحتنا التكنولوجيا قدرة على الوصول السريع للكثير من الأدوات التي تتيح لنا معرفة الأفكار التي تدور في رؤوسنا وتحويلها إلى حقيقة. من أدوات مثل Ableton إلى أجهزة توليف مثل Serum، بتنا قادرين على توليد أصوات غير موجودة حقاً في حياتنا اليومية، ولكننا قادرون على نقل المشاعر التي نشعر بها بطرق لا تخولنا القيام بها الآلات التقليدية. أعتقد أن هذا الأمر يحرر الاستكشاف والإبداع لأنه يتيح لنا التجربة وقبول الفكرة أو رفضها بسرعة، كما يحرّرنا من الكثير من القيود التي وقفت أمام تقدّم الابتكار في السنين السابقة.

هل يمكن أن تطلقي أغان عبر Metaverse؟ أو تشاركي في حفل افتراضي؟

تتطور التكنولوجيا بسرعة كبيرة في الوقت الحاضر، ولكن مما أعرفه حتى الآن، فإن Metaverse قد يغيّر تماماً معنى أو مفهوم الحفلات الموسيقية. بكل تأكيد أريد الاستفادة من أي طريق يسمح لي ببناء اتصال أقوى مع جمهوري، ويبدو أن Metaverse هو طريقة قوية مستقبلاً للقيام بذلك.

هل تتوقعين أن يؤثر هذا العالم على التفاعل المباشر بين الجمهور والفنان فيغير شكل الفن مستقبلاً؟

يمكن أن يحصل ذلك، لكن لا شيء في العالم يحل محل العلاقة الإنسانية بين الفنان والجمهور.

كيف تواجهين فترات الإحباط وتتخلصين من أي مشاعر سلبية يمكن أن تمرّي بها؟

أبتعد قليلاً عن العمل والموسيقى، وأقوم بما يجعلني بحالة مزاجية أفضل، مثل رؤية صديق مقرّب، أو تناول وجبة شهية، أو ببساطة البقاء في المنزل بعيداً عن الضجيج. أحياناً أخضع لجلسات علاج أشعر بعدها بالخفة والسعادة وأتخلص من أي مشاعر سلبية راودتني.

ما هي مشاريعكِ المقبلة؟

أحضّر ألبوم قصير جديد سيكون مزيجاً من موسيقى rnb / pop تعود للعام 2000 مع الهيب هوب وإضافاتي الخاصة باللغة العربية. أقوم أيضاً بجولة فنيّة في عدّة مدن عربية، إذ لا زلت أعيش مشاعر رائعة بعد أول عرض منفرد لي في عمان في مارس الفائت! أنتظر بفارغ الصبر التواصل مجدداً مع جمهوري في المنطقة واللقاء بهم شخصياً! عندما أفكر في المستقبل، أعرف أنني سأبذل قصارى جهدي لإنجاح مسيرتي الموسيقية، سواء أكان عبر إيصال الرسالة التي أهدف لنشرها، أو بناء مجتمعي الخاص وتوسيع دائرة جمهوري، مع الاستمرار بالمعايير وأخلاقيات العمل التي أخطط لدمجها في أغنياتي. إنّ هذا ببساطة هو ما يجعلني سعيدة ومصرّة على الاستمرار.