الكاتبة نادين جابر: أركّز على إبراز قوّة المرأة في معظم أدوار البطولة التي أكتبها

صحيح أنّ حلمها في الطفولة كان الإخراج، إنّما أحبّت الكتابة أيضاً. وكانت حين تقرأ أيّ قصّة، تتخيّل باقي الأحداث وتشعر أنّها واحدة من الأبطال فتعيش المشاعر والتطوّرات بكلّ تفاصيلها. ومن كتابة القصص القصيرة إلى صياغة أجمل المسلسلات الدراميّة العربيّة، ومنها قصّة حبّ وبلحظة وغزل البنات وعروس بيروت ومؤخراً 2020 والموت. إنّها نادين جابر المؤلّفة الجميلة والشابّة الديناميكيّة التي تأخذك ببساطتها وعفويّتها إلى عالمها الخاصّ لتتعرّفي على أفكارها وتكتشفي رؤيتها للدراما العربيّة وتغوصي في المواضيع التي تحرّكها.

على الساحة الفنّية اليوم يوجد ثلاثة أسماء نسائيّة تستقطب كلّ الأضواء بعد تألّقها في رمضان، وهي: نادين نسيب نجيم وماغي بوغصن ودانييلا رحمة. وقد نجحنَ من خلال نصّك فما هو شعورك بما حقّقنَه وبالأصداء التي حصلت عليها الشخصياّت التي قمنَ بأدائها؟

أنا جدّاً فخورة وسعيدة بالعمل الذي قدّمته كلّ واحدة منهنّ. بداية لأنّهن بنات بلدي وقد ترجمنَ الكثير من المشاعر التي أرغب في عكسها على أكمل وجه. فبالنسبة إلى الكاتب، يُعتبر أداء أيّ ممثل لدوره بنسبة 80% بمثابة إنجاز كبير يسعده ويرضيه. ولكن ما رأيته على الشاشة من الممثّلات الثلاثة، فاق توقّعاتي وتغلّب أحياناً على رؤيتي وهذا يعكس مدى التزامهنّ وجدّيتهنّ وحبّهن للدور المكتوب. نحن ككتّاب نكتب ما يجول في خيالنا ولقد أسعدني جداً أنّني رأيت صورة متقنة أكثر ممّا توقعت في ذهني حين تحوّل العملين: 2020 وللموت من كلام مكتوب على ورق إلى أعمال تلفزيونيّة ناجحة.

هل الكتابة لامرأة أسهل نظراً إلى أنّك شابّة وتفهمين مشاعر المرأة ومشاكلها، أم أنّك لدى الكتابة تعطين كلّ الشخصيّات حقّها؟

لا شكّ في أنّ المرأة تفهم أكثر ما تختبره النساء وأنا بطبعي لا أحبّ المرأة الضعيفة وأركّز على إبراز مكامن القوّة في معظم الأدوار النسائيّة التي أقدّمها. إذ أجد المرأة بالفعل بطلة في معظم مواقف الحياة، لذلك أحبّ أن أعكس مثابرتها وصبرها وكفاحها. وكوني امرأة، أنحاز لاإراديّاً نحو الشابّات ولكنّني لا أقلّل من قيمة أيّ دور آخر لإنجاح العمل فأي مسلسل يحتاج إلى وجود مجموعة متكاملة من الممّثلين مع نصّ قويّ يلتزمون به ومخرج متمكّن يوجّههم. برأيي إنّها عناصر النجاح التي يتميّز بها العمل وغياب أيّ عنصر منها سيعني فشل المسلسل. بالتالي لا أؤمن بأنّ بطلة واحدة أو بطل قويّ قادر على إنجاح مسلسل، والدليل الكثير من الأعمال التي حملت أسماء كبار النجوم ولم تنجح لغياب باقي العناصر الفنّية الأساسيّة لنجاحها.

كما قلنا سابقاً، إنّ النجاح الأكبر كان من حصّة بطلات أعمالك هذا العام، فهل باتت المرأة قادرة على أن تكون بطلة أولى للعمل؟

في هذا العصر باتت المرأة أكثر تميّزاً وتمكّناً في تمثيلها بحيث بات دورها يوازي دور الرجل وفي أحيان كثيرة يتفوّق عليه. هنا يعود الأمر إلى أدائها ومدى إقناعها وحبّ الجمهور لها. ففي حال برزت أكثر من زملائها وزميلاتها، فهذا يعني أنّها فعلاً أبدعت في رسم شخصيّة قويّة ومؤثّرة. وأيضاً أعود وأكرّر أنّني أولي الاهتمام بكل الأدوار حتّى لا يبقى أيّ نقاط ضعف في نصّي. لذلك أعتبر أنّ المسلسلين نجحا لأنّ الجميع أدّى ما هو مطلوب منه بإتقان وحرفيّة وحبّ.

لدى كتابة مسلسل جديد هل تفكّرين ببيئة معينة تعكس تلك اللبنانيّة أم تكتبين وفي نيّتك التوجّه للجمهور العربي الواسع؟

أعرف جيّداً أنّني أكتب مسلسلاً اجتماعيّاً وإنسانيّاً يتوافق بطرحه مع عدد كبير من مجتمعاتنا. فالمشاكل التي نواجهها من فقر أو بطالة أو زواج مبكر أو خيانة أو جريمة وغيرها... كلّها تتواجد في بلداننا وإن بنسب متفاوتة. لذلك أعرف أنّ نسبة الحضور ستتوزّع بين مختلف الدول، فنحن اليوم لم نعد مغلقين على الذات كما في السابق، بل بتنا أكثر قرباً من بعضنا حتّى من حيث فهمنا لمختلف اللهجات وبالتالي يمكن للمسلسل اللبناني أو السوري أن ينجح في الخليج والعكس صحيح.

مسلسلك الجديد «صالون زهرة» الذي تقوم بدور البطولة فيه نادين نسيب نجيم هو من النوع الكوميدي فلماذا قرّرت خوض هذه التجربة الدراميّة؟

لا يعتبر المسلسل كوميدي بحت بل فيه مواقف موجعة إنّما بطريقة تجلب البسمة، فهي مجموعة مواقف يمكن أن تجعل المتلقي يبتسم. وبالتالي أنا أقدّم موضوعاً جدّياً وجديداً إنّما بأسلوب مختلف عمّا اعتدته. مع العلم أنّني أحبّ الدراما وأميل إليها أكثر من الكوميديا ولكنّني أحببت التغيير، وأنتظر رؤية ردّ فعل الجمهور الذي بات من الصعب جدّاً إضحاكه لا سيّما مع كم التغييرات التي نعيشها والضغوطات الحياتيّة التي ازدادت مؤخراً. ويوجد شعرة رفيعة بين التهريج والموقف الكوميدي العفوي الذي يستحضر الضحك من دون جهد، وهذا ما حاولت القيام به من خلال نصّي وأثق أنّ الممثّلين سيعكسونه بمجهودهم على الشاشة.

ما الذي يجول في رأس كاتبة دراما عربيّة وأيّ مواضيع جديدة تستفزك لتكتبي عنها؟

أبحث عن المواضيع الجديدة التي لم يتم التطرّق إليها من قبل والتي تنبع من قلب مجتمعاتنا وأستوحي من مواقف أو أفكار أو كتب أو صور أراها.. أعيش الفكرة الجديدة لفترة وأبحث في عقلي عن الشخصيّات فأرسمها وأتقمّصها قبل أن أبدأ بالكتابة. وأستفسر وأبحث وأسأل عن خلفيات الشخصيّات التي سأكتبها فأستشير أطبّاء نفسيّين أو محامين أو اختصاصيّين لأتمكّن من كلّ شخصيّة قبل أن أنتقل إلى مرحلة الورق.

أنت من المدافعين عن الأعمال المشتركة في وقت ينتقدها الكثير من المتابعين فأين برأيك تكمن حسناتها؟

من الطبيعي في ظلّ غياب المنطق الدرامي عن العمل أن يتعرّض كاتبه للانتقاد، فلا يعقل لأمّ تتحدّث اللهجة اللبنانيّة أن تنجب شابّاً يتحدّث تلك السوريّة. ولكن حين نوضح في السياق الدرامي أنّ الوالدة كانت متزوّجة من رجل سوري في السابق وأنجبت منه ابنها وبعدها عادت إلى لبنان، طبيعي بهذه الحالة أن يقتنع المشاهد بما نقدّمه. وهذا ما أحاول فعله في أعمالي، فلا أقدّم محتوى غير محبوك ولا يحترم عقول المشاهدين بل أحرص على أدقّ التفاصيل. برأيي الأعمال المشتركة تثري الدراما وتفتح باباً واسعاً للعمل على الدول الأخرى وتجذب إليه جماهير أوسع. فمن يحبّ المسلسلات السوريّة سيتابعها لأنهّ سيجد فيها أبطالاً رائعين، كما أنّ من يحبّ النجوم اللبنانيّين سيجدهم يؤدّون أدواراً مقنعة. من جهة ثانية فإن تنوع الممثّلين يثري العمل ويجعلهم يتأثّرون بأداء بعضهم البعض ما يعني مادّة دراميّة دسمة ترضي المشاهد وترتقي بالذوق الفنّي.

اشتركت مع الكاتب بلال شحادات في كتابة 2020 فكيف وجدت هذه التجربة؟

لا أرى أنّ العمل مع كاتب آخر معيق لي بل على العكس فيه استفادة متبادلة منّا نحن الاثنان. وفي الخارج لاسيّما في هوليوود، يشترك أكثر من مؤلف في كتابة الأفلام أو المسلسلات كما وتقام ورش كتابة لتبادل الأفكار. برأيي أنّ في هذا الأمر إثراء للمادّة الدراميّة خصوصاً إذا كان الطرفان منسجمَين ويعملان لمصلحة المسلسل. فأنا وبلال راكمنا خبراتنا وآراءنا لتصبّ في مصلحة العمل لأنّنا نريد أن ننجح وقد كان لنا ما سعينا إليه.

لديك شغف كبير بالكتابة فكيف تحافظين عليه؟

حبّي للكتابة هو محرّكي منذ كنت في الثانية عشرة من عمري. فقد عشقت القراءة منذ الصغر بحيث كنت أقرأ كلّ ما تقع عليه يداي. فكنت أكتب قصصاً قصيرة وشعراً على القافية، إنّما لم أفكّر يوماً أنّني سأصبح كاتبة بل أردت أن أكون مخرجة. لكن، لشدّة حبّي التأليف، شاءت الصدف أن يتغيّر مسار حياتي وأصير كاتبة مسلسلات. وهنا أقول إنّ من يعمل في مجال يحبّه، لن يمل أبداً بل سيجد دائماً الأفكار الجديدة وسيسعى بكل حبّ متناسياً التعب ليحقّق المزيد ويصل بعمله إلى العالم بأسره.

يؤخذ على الممثّلات اللبنانيّات ضعف الموهبة التمثيليّة والاهتمام أكثر بالمظهر، ولكنّك أظهرت من خلال نصّك ممثلات محترفات ومتمكّنات، فهل تقصّدت هذا الأمر؟

في الواقع يتبرهن سنة بعد أخرى أنّ ممثلات لبنان موهوبات بشكل كبير إنّما يوجد عناصر أخرى مؤثرة يمكن أن تتحكّم بنجاح عمل أو فشله. وفي أعمالي أعطي طبعاً أفضل ما لديّ ولكن لا يمكن إيصال نصّي إلّا إذا كانت الممثلة موهوبة ومتمكنّة أمام الشاشة. لم أركّز على المكياج في مسلسل 2020 مثلاً لأنّ شخصيّة نادين كضابطة شرطة تتطلّب أن تكون إطلالتها بهذا الشكل، وحتّى دور الشابّة الفقيرة يعيّن عليها الظهور من دون مكياج وأن تكون ملابسها بسيطة وتعكس شخصيّتها. وقد بدت نادين بغاية الحرفية حين أدّت ما هو مطلوب منها على أكمل وجه لتخدم الدور. من هنا فإنّ المشكلة ليست في المكياج أو جمال الممثلّة، في حال استفدنا منه في الموقع المناسب، بل في كيفيّة إتقان كلّ فنّانة لأدائها ودورها لتقنع الجمهور فينسى أيّ تفاصيل أخرى ولا يركّز إلّا على تمثيلها.

أنت من مناصري الاقتباس، فهل يعود ذلك إلى نقص في الأفكار الجديدة مثلاً أو هناك أسباب أخرى؟

الاقتباس موجود في أهمّ دول العالم ومعظم المسلسلات التركيّة تكون مأخوذة عن فورمات كوري وغيرها. فالمواضيع الدراميّة محدودة ولا ضير من التأثّر بفكرة شاهدتها في عمل أجنبي وعكستها على الواقع العربي. وهذا الأمر ليس سهلاً أبداً كما يعتقد البعض بل هو أصعب من كتابة مسلسل بفكرة جديدة بحتة لأنّه سيكون عليّ تعريب ما اقتبسته وجعله أكثر ملائمة للبيئة العربيّة التي نعيش فيها.

هل يمكن أن تكتبي عملاً مصريّاً أو خليجيّاً بحتاً أم تفضّلين الالتزام بالدراما اللبنانيّة؟

لا أجد مانعاً في كتابة عمل عربي في حال كان الموضوع اجتماعيّاً وعامّاً لا يغوص في البيئة الشعبيّة الخاصّة لكلّ بلد، فأنا لن أجيد تقديم المصري الصعيدي مثلاً كما سيفعل ابن البلد لأنّني أؤمن أنّ خلفيّته الثقافيّة والحياتيّة ستساعده في تقديم مادّة أكثر ثراءً وصدقاً.

أين أنت من السينما وما هي مشاريعك المقبلة؟

أسعى بالتأكيد إلى تقديم عمل سينمائي ولكنّني أنتظر الظروف المناسبة التي أراها قريبة بعد أنّ باتت أزمة كورونا على وشك الانتهاء. كذلك، أحضّر للجزء الثاني من مسلسل 2020، وهنا أعد المشاهد أنّه سيحمل الكثير من المفاجآت التي ستكون استكمالاً لنجاح جزئه الأوّل. إذ لا يمكنني أن أقع في فخ المبالغة أو التكرار أو حتّى النمطيّة في ما يتعلّق بتعدّد الأجزاء ولن أقدّم إلاّ ما يحترم عقول المشاهد ويضيف إلى نجاح الجزء الأوّل. كما أنتظر عرض مسلسل «صالون زهرة» قريباً على أحد المنصّات المعروفة.

 
شارك