الإمارات بعيون المخرجة عائشة الزعابي: قصّة نجاح مُلهمة صنعتها الصدف

في قصّة المخرجة الإماراتية الشابة عائشة الزعابي دروسٌ كثيرة ملهمة، وفي قوتها وإصرارها شبه كبير بالبلد الذي نشأت وتربّت ونجحت فيه، فهي تعكس بكل صفاتها ما تعنيه الإمارات، البلد الخلّاق الناجح الذي أذهل العالم بإنجازاته، لذا اخترنا الاحتفاء بها ومعها بيوم المرأة الإماراتية، فرافقينا في جولة إلى عالمها واستمتعي بإبداعات دار Cartier على صفحاتنا التي تزخر بالجمال والابتكار.

رئيسة التحرير: Sima Maalouf ، حوار: دينا زين الدين، تصوير: Fouad Tadros، تنسيق: Daniel Negron، مساعدة في التنسيق: Ale Platz، شعر ومكياج: Sophie Leach، إنتاج: Kristine Dolor، المجوهرات كلّها من Cartier

كيف بدأت علاقتكِ بالفن والمجالات الإبداعية، ومتى أدركتِ أنّكِ تملكين إحساساً مختلفاً بالأشياء من حولكِ ورؤية فنية جديدة ترغبين بإيصالها؟

بدايتي ليست البداية الوردية كأي مخرجة أو منتجة ستقول ربما أنّها نشأت على حب الأفلام وتكوّنت لها رؤية فنية منذ الصغر. كنت في المدرسة فتاة طائشة، وكنت أتعرض للفصل فتأتي والدتي لنجدتي وتعيدني للدراسة، وكنت أرجع إلى البيت محبطة لأنني لا أجد نفسي في كل المواد التعليمية التي أدرسها، وكان أهلي يخافون على مستقبلي لأنّهم لم يعرفوا كيف لهم أن يساعدوني لكي أجد ما يستهويني. وحين وصلت إلى الجامعة، دخلت إلى الكلية التقنية الحكومية وكنت مستهترة كثيراً في سنتي الأولى التي كانت سنة تعريفية، وحين جاء وقت اختيار التخصص، اقتربت من الفتاة الجالسة بجانبي وطلبت منها أن تنصحني باختصاص لا يحتاج إلى الكثير من الدرس، فنصحتني بالإعلام لأنّه لا يتطلب الخضوع لامتحانات. هكذا بدأت بدراسته من دون أي خلفية عنه، وحين أخبرت أهلي رفضوا الأمر لأنّهم لم يريدوني أن أكون تحت الأضواء، فأكدت لهم أنّ هذا المجال واسع جداً وسأجد فيه ما سأبرع به من دون أن أظهر على شاشة التلفزيون.

انتهت السنة الأولى ولم يتغيّر أي شيء في أدائي حتى أخبرتني المعلمة أنني إذا فشلت في الاختبار المقبل فسيتم فصلي من جميع الجامعات والكليات في الدولة. هذه الكلمة كانت بمثابة الصفعة على وجهي، فأنا ابنة أسرة متعلمة، والدتي مربية ووالدي في الجيش، ولم أرد أن أخيّب أملهما بي. وفي اليوم نفسه، كان لدينا محاضرة في الكلية من قِبل TwoFour54 creative lab، لتوجيه المواهب الشابة حول المجال الذي يفضّلونه في الإعلام. ودخلت إلى المحاضرة وتوجّهت نحو الأستاذة فاطمة اليوسف، وأخبرتها أنني معرّضة لخطر الطرد، وأريد فعلاً أن أنجح، فأخذتني بيدي وأدخلتني إلى كل الدورات المختصة بالإعلام، خلال فترة ستة شهور، ووعدتني أنني إذا تعلّمت وصبرت فسأصل لمعرفة ما أحب فعلاً. وقد جربت كل شيء: التمثيل والتصوير والغرافيك وهندسة الصوت وكل ما يخطر في البال، وكانت الدورة الأخيرة في الإخراج وكنت قد فقدت الأمل في إيجاد شغفي، ولم أرغب في الدخول بسبب الإحباط الذي سيطر عليّ، ولكنني ومجدداً لن أنسى فضل الأستاذة فاطمة التي أصرّت أن أجرّب للمرّة الأخيرة، وبالفعل ومنذ الساعة الأولى لبدأي في دورة الإخراج عرفت أنّ هذا هو مكاني الصحيح، وكانت البداية.

سوار من الذهب الزهري والألماس، سوار من الذهب الزهري، سوار بموديل صفّين من الذهب الزهري والألماس، خاتم من الذهب الزهري، خاتم بموديل حجم متوسّط من الذهب الزهري، خاتم من الذهب الزهري والألماس،
كلّها من مجموعة Clash de Cartier
فستان طويل من Magda Butrym
قميص من Loro Piana
جاكيت جلد وجزمة من 8 By Yoox

ماذا تذكرين عن سنوات الدراسة وكيف تميّزتِ عن باقي زملائكِ في مجال الإخراج؟

كانت دورة الإخراج من أجمل ما تابعته، شعرت أنّ المعلّمة التي تتكلم تصفني أنا: شخصية المخرج ورؤيته وأفكاره وعمله. وحين بدأنا بإخراج مشهد، كنت أتصرف وكأن لديّ خبرة على الرغم من أنني لا أعرف شيئاً عن المجال، ولكنني كنت واثقة ومتمكنة بشكل كبير، ومع انتهاء الدورة قالت لي الاستاذة بالحرف الواحد: ستكونين مخرجة كبيرة في المستقبل. حين سمعت هذا التعبير منها ولد في داخلي إصرار كبير وحب لهذا المجال، ولن أنسى هذا الموقف أبداً، كما قالت لي: بعد سنة بالزبط ستكونين قد أخرجت فيلمكِ الأول وسترسلينه لي لكي أشاهده. وهذا ما حدث بالفعل، فقد أرسلت لها فيلمي الأول الذي شارك في مهرجان دبي السينمائي وفاز بجائزة أفضل فيلم إماراتي وكنت بسن الـ18 سنة، أي أصغر المشاركين. سمعت الكثير من الانتقادات وتعرّضت للعراقيل فلم يأخذني أحد على محمل الجد وقت المهرجان، ولكن وبشكل مدهش وخلال وقت التكريم صدمتني المخرجة الكبيرة نايلة الخاجة حين أعلنت اسمي على الملأ بأن فيلمي هو الفائز. أعتقد أنني امتلكت موهبة الإخراج بالفطرة ولكنني انتظرت من يوجّهني ويشجّعني ويثق بي.

أرى في المرأة الإماراتية القدرة على الإبداع والريادة، فهي تجسيد لدور

القيادة في التمكين والدعم

كيف كانت مسيرتكِ بعد نجاح فيلمكِ في مهرجان دبي السينمائي؟

بدأت بالعمل الجاد بمفردي بحيث قدمت فيلم جديد بعنوان "إلى بيتنا مع التحية"، وفاز بجائزة أفضل فيلم بمهرجان الشارقة، وصار أساتذتي في الكلية يثقون بي ويستشيروني ويطلبون مني أن أعطي صفوفاً للتلاميذ أو أدرّب زملائي. ميّزوني عن غيري لأنّهم عرفوا حجم موهبتي، وتخرّجت بدرجات عالية، وقدّمت فيلم التخرج وهو "ليلة في تاكسي" وفاز بجائزة ثالث أفضل فيلم من بين 500 فيلم في مهرجان أنقرا السينمائي في تركيا. فحينها تأكدت أنني سأستمر في هذا المجال ولن أتوقف، فقدّمت فيلم "غافة" الذي تطرّق إلى قوة المرأة الإماراتية في وجه التحديات الاجتماعية المختلفة. وبعد هذا العمل، حصلت جائحة كورونا، ولكنني لم أسمح لها بأن توقفني بل استمريت في العمل، فتعاونت مع وزارة الصحة في إعلان "خليك بالبيت"، وأحببت مجال الدعايات كثيراً، فهو أسهل وأسرع من تجهيز فيلم طويل، لذا ركّزت عليه وقدّمت دعايات توعوية وأخرى لمنتجات من علامات راقية مثل Cartier وغيرها.

سوار من الذهب الأصفر وخاتم بموديل حجم صغير من الذهب الأصفر والألماس وخاتم من الذهب الأصفر من مجموعة Cartier LOVE
سوار من الذهب الأصفر وخاتم بموديل حجم صغير من الذهب الأصفر من مجموعة Juste un Clou
عباية من Nafs
سروال من Ralph Lauren

حدّثينا عن شركة "فيلم التسعينات"، الفكرة وراء اسمها ولماذا التسعينات تحديداً، أهدافها الآنية والمستقبلية، مشاريعها المنتظرة. هل يشمل عملكم تقديم مساعدات للمواهب الإماراتية الشابة في المجال الإخراجي؟

كنت مخرجة موظّفة في "أبوظبي للإعلام" لمدة 5 سنوات، ولكنني كنت أشعر بأنني أرغب في المزيد، بأن يكون لي كيان خاص بي، وشركة تعكس آرائي وأفكاري. لم أحب فكرة أن أكون موظفة، فهي عنت أن أظل مقيّدة تحت مظلّة أحدهم، فقررت التخلّي عن أمان الراتب الثابت، وخلال شهر 2 من العام الحالي، تركت العمل وأسست شركتي الخاصة باسم "جيل التسعينات"، واخترته لأنّ كل موظفيها من هذا الجيل المبدع الذي عاش الماضي والحاضر ويشهد اليوم على المستقبل. ونحن نعمل معاً كأصدقاء على مشاريع مع أكبر الجهات الرسمية والخاصة. في الحقيقة كان من السهل عليّ الانطلاق لأنّ القيادة أمر اعتدت عليه من عملي كمخرجة، وبنظري القائد هو المخرج، فحين كنت بعمر الـ18 سنة، قدت فريقاً من 50 شخص في موقع التصوير، وبالتالي أنا قادرة اليوم بعمر الـ29 أن أختار موظفين أكفاء قادرين على العطاء لأنّهم يحبّون مجال عملهم ويثقون برؤية قائدهم. نحن اليوم بمثابة العائلة، ونتعاون معاً لإنجاح عملنا لأنّ نجاحه سيعود علينا جميعاً بالمنفعة.

هل تسعين من خلال شركتكِ إلى تقديم المساعدة للمواهب الشابة؟

أبوابي دائماً مفتوحة للشباب، فأنا أطلب منهم الاستماع إليّ والاستفادة من خبرتي لكي يتفادوا الأخطاء. ومشكلتنا هي أنّ شباب السوشيل ميديا يحصلون على الفرص بسهولة، فأي شخص قدّم فيديو ناجح على يوتيوب سيظن نفسه مخرج مخضرم، وفي المقابل هناك شباب يدرسون لسنوات ولا يحصلون على فرصتهم. في بدايتي كنت أقتنص أي فرصة للعمل من دون مقابل مادي مع المخرجين الكبار حتى أتعلم منهم، وهكذا وصلت بعد 13 سنة من العناء والتعب والتدريب والتعلّم. أمّا اليوم، فكل شيء بات سهلاً، ولكن النجاح السريع ومن دون الالتزام بتسلسل وظيفي لا يدوم، وهذا ما يجب أن يفهمه الجيل الجديد.

في خلال الأفلام التي أخرجتها، هل كان من الصعب عليكِ كإمرأة شابة، إدارة الممثلين وطاقم عمل كبير مؤلّف بمعظمه من الرجال، أم شعرت أنّ إحساس المهنية لدى فريقكِ هو الطاغي في التعامل مع طلباتكِ وتوجيهاتك؟

لم أشعر لمرّة واحدة بانعدام المهنية، بل لطالما ساد الاحترام والتعاون بيننا، فالجميع وثقوا بي واحترموا آرائي لإيمانهم بأن لديّ ما أرغب بقوله. أحمد الله أنّ كل من حولي رأوا فيّ الشغف والموهبة الحقيقية، وقدّروا عملي وساعدوني بخبراتهم لكي نكمّل بعضنا. عمر دولتنا الإمارات هو 51 عاماً، وبالتالي ما زلنا جدد في مجال الإعلام وصناعة المحتوى السينمائي والدرامي، وهذا ما يدفعنا للتعاون من أجل تقديم الأفضل.

عقد من الذهب الزهري وآخر من الذهب الزهري والألماس من مجموعة Clash de Cartier
شيلة وعباية من Gabi , فستان منNoon by Noor , جزمة من 8 By Yoox

كيف تحافظين على الشغف لتقديم المزيد؟ وكيف تطورين اليوم أدواتكِ الإخراجية والإنتاجية؟

الإخراج عالم شامل وكبير جداً ولكن اليوم شغفي المتجدد والدائم هو مجال إخراج الدعايات، فأنا أستمتع كثيراً بهذا النوع لأنه سريع ويصل بشكل مباشر إلى الجمهور، ويتفاعل معه أيضاً من خلال مختلف وسائل التواصل التي سهّلت كثيراً مختلف نواحي العملية الإبداعية.

أحياناً أشعر بأنني وصلت وحققت كل ما أرغب به، فأعيش نشوة النجاح لبعض الوقت، وهذا أمر طبيعي يصيب الإنسان من حين لآخر، ولكن حين أرى شخص أصغر مني أو أقل خبرة، وقد قدم تقنية جديدة أو أخرج فيديو ناجح، يعود الحماس ليتسلل إليّ فأجمع فريق عملي لنفكر ونتشاور بأفكار جديدة، كما أتابع أجدد الإصدارات العالمية وحتى العربية كالمصرية والمغربية والبحرينية والكويتية، أبرمج تركيزي على أهمية الاستمرار بالتعلم والمتابعة لكي أطور من نفسي وأواكب المتغيّرات السريعة حولنا. في أجدد فيديو لي قررت الخروج من الصندوق بغير حدود، واخترت أن يكون "الفويس أوفر" عبارة عن صوت الذكاء الاصطناعي، وقد حقق الفيديو مشاهدات عالية جداً بشكل سريع، ولاقى أصداء رائعة بسبب تميّز فكرته وفرادتها، وهذا التجدد والابتكار هو ما أسعى إليه دائماً.

إلى أي مدى يعنيكِ الوصول إلى الآخر بأفكارك، أي ربما إحداث تأثير في سلوكه أو حياته؟

كل عمل إبداعي يهدف إلى الوصول للمتلقي والتأثير به، ولكني أدرك جيداً أنني أتوجه إلى شعب الإمارات والمقيمين على أرضها الذين شبعوا من كل شيء، فالعين رأت أطول برج في العالم، ورأت أيضاً نافورة راقصة في دبي مول، ورأت شاباً يذهب إلى الفضاء، فأي قرار مهما بدا صعب التنفيذ سيتحقق على هذه الأرض، لذا لم نعد نستغرب أي شيء، فإذا أردت إبهارنا عليك بأن تصل إلى إحساسنا، فلا تحدّثوني بالتقنيات أو الأساليب المتطورة فقط، بل أضيفوا الإحساس والرسالة التي تلمس الروح والقلب، لهذه الدرجة نحن شعب بسيط وعاطفي، وفي النهاية هذا الإحساس هو ما يميّز الإنسان.

ساعة Baignoire de Cartier قابلة للتعديل من الذهب الأصفر والألماس
كنزة وسروال من Loro Piana
عباية وشيلة من 1309Studios

ما رأيكِ بالتجارب السينمائية الإماراتية، هل باتت "صناعة" قائمة بحد ذاتها، وما الذي ينقص الشباب لكي يبرع أكثر في مجال الإخراج والتمثيل؟

هناك نواقص كثيرة في المجال السينمائي، ففي الماضي كان السينمائيون الشباب يعملون تحت مظلة مهرجاني دبي وأبوظبي، لكي يدعمونهم ويوصلوا أعمالهم إلى المنابر العالمية، ولكنهم اليوم بمفردهم وبالتالي فإنّ التجارب تكون فردية. اليوم لا يوجد صناعة أفلام، فأنا حين قدّمت فيلم طويل قمت بذلك بسبب حبّي الشديد لهذا المجال، وعملت بمفردي على الإنتاج والتوزيع والإخراج، ولكن العمل لم يحقق النجاح جماهيرياً، وبالتالي عاد الأمر بالخسارة عليّ. مشكلتنا الأولى تتجلّى في غياب النص القوي والسيناريو المتماسك، وهذا عائق كبير في وجه صناعة الدراما.

نحن كل يوم نصفّق للمرأة الإماراتية ونعترف بدورها

إذ نعيش في بلاد تفتخر بالمساواة وتختار بيننا على أساس

أفكارنا وإنجازاتنا فقط

ما الذي يعنيه لكِ يوم المرأة الاماراتية الذي يحتفل به في 28 من شهر أغسطس؟

المرأة الإماراتية محل تقدير منذ 50 سنة وحتى اليوم، وهي لا تحتاج إلى يوم محدد في السنة للاحتفاء بها، ولكن شيوخنا قرروا أن يقدّروها أكثر من خلال هذا اليوم. هي سيّدة قوية ومتمكنة، وهي الأم التي كانت تنتظر أن يرجع زوجها من رحلات التجارة والغوص، فكانت تربّي أولادها وتعلمهم وتقفل بابها ليلاً بكل ثقة وعدم خوف. هي مربية الأجيال التي كانت تبيع التلي والخوص وتصنع البرقع، هي نفسها اليوم الوزيرة والطبيبة والعالمة، ونحن كل يوم نصفق لها ونعترف بدورها، إذ نعيش في بلاد تفتخر بالمساواة، وتختار بيننا على أساس أفكارنا وليس جندرنا أو نوعنا الاجتماعي، لذا أنا لا أخاف على نفسي أبداً لأنني امرأة، بل أثق أنّ صوتي مسموع تماماً كالرجال.

عقد وسوار من الذهب الزهري من مجموعة Clash de Cartier
عباية وشيلة من Nafs
فستان من 1309Studios
جزمة من 8 By Yoox

ما هي مشاريعكِ المقبلة لهذا العام وأين ترغبين بالوصول بشركتك؟

في هذه الفترة نحضّر لفيديو خاص بيوم المرأة الإماراتية، وأسعى لتقديم أفضل ما لديّ لأنني مخرجة إماراتية ترغب بالاحتفاء بنساء بلدها من خلال رسالة خاصة ومميزة. بعدها نبدأ بالتحضير لعيد الاتّحاد، بحيث أريد توصيل رسالة قويّة حول عام الاستدامة، لذا أمامي فترة حافلة تتطلب الخروج بأفكار خلاّقة، وأتمنّى أن تحمل لي النجاح الذي أسعى إليه. 

 

 
شارك