التمتع بحس المسؤولية الأخلاقية هو أساس كل المهن ولأن الفنون من أرقى وأسمى ما يقدمه الإنسان الذي يتميز بموهبته وقدرته الابداعية في مجتمعه، فإنه يكون مسؤولاً أكثر من غيره عن اعتماد خيارات واعية وصحيحة، قد يكون أهمها في وقتنا الحالي هو الحفاظ على الطبيعة وحماية البيئة في الوسائط والمواد التي يستخدمها. نعرفك على 3 فنانات ومصممات مبدعات حملن قضايا البيئة والاستدامة للاستفادة من الموارد الطبيعية وتقديمها في أعمالهن، فتميزن عربياً وعالمياً وأثبتن أنّ الفن قادر على التكيّف ليكون حليفا وليس عدواً لهذه الأرض.
الاجتهاد والسعي والبحث الدائم، بهذه الصفات تخوض المصممة المصرية الشابة لينا غالب في المجال الإبداعي داخل الإمارات، مستمدة معارفها من درايتها الكبيرة بالثقافة والحضارة الفرعونية، وتواجدها اليوم في دولة ترعى الإبداع وتشجعه وتدعمه مادياً ومعنوياً، ما خوّلها الانطلاق والاستمرار في مشروعها PlyPalm، حيث تنتج قطع أثاث مبتكرة باستخدام أغصان النخيل. تعرفي أكثر عليها في هذا اللقاء واكتشفي كيف وصلت بمنتجاتها إلى أعداد أكبر من المهتمين بالفن والتصميم المستدام.
ما الذي أشعل شغفك بالتصميم، وإلى أي مدى ساعدتك دراستك في اكتساب الأدوات والمهارات اللازمة لبدء مسيرتك المهنية كمصممة؟
في الواقع، كانت ثقافتي هي ما أشعل شغفي بالتصميم. كانت عائلتي تأخذنا دائمًا في رحلات إلى جميع أنحاء مصر لزيارة المتاحف والمواقع التاريخية التي فاقت كل تصوّراتي. هذا الأمر أثار اهتمامي الكبير بفكرة “كيفية صنع الأشياء” والسبب الكامن وراءها. كانت مصر أول دولة اخترعت القفل بالمفتاح، والسرير والكراسي القابلة للطي، بالإضافة إلى أنها عرفت الورق من خلال استخدام نبات البردى. لقد علّم هذا التاريخ أجيالًا من المصريين كيفية الاستفادة المثلى مما هو متاح، وأن يكونوا مبدعين بوسائلهم الخاصة. إن فهمي لطريقة حياة الفراعنة المصريين، وكيفية تصميمهم الدقيق للأشياء التي ساعدتهم على جعل حياتهم، ليس فقط مريحة، بل فعّالة، هو في الواقع السبب الذي دفعني إلى أن أصبح مصممة. أما بالنسبة لدراستي التصميم الداخلي في الجامعة الأميركية بالشارقة فقد ساهمت بشكل كبير في تشكيل أفكاري وفلسفتي في التصميم، وأعتقد أننا كنا محظوظين بجميع أساتذتنا، وخاصةً البروفيسور خوان رولدان، الذي دعمني دائمًا طوال فترة دراستي الجامعية وحتى بعد تأسيسي لـ PlyPalm.
ما الذي جذبك في الإمارات بعد بلدك الأم مصر، وكيف أثّر تواجدك فيها على عملك الإبداعي؟
ما أعجبني في الإمارات هو سعيها الدؤوب للحفاظ على تاريخها وعلى جميع الحرف اليدوية حتى يومنا هذا، مما حوّل الإمارات وأبو ظبي ودبي تحديدًا، إلى ساحة فنية وتصميمية إبداعية ومتطورة. إن الاطلاع على منازل العريش تحديدًا في كتاب ساندريا بيسيك، واستخدام أغصان النخيل، هو ما أثار اهتمامي بأشجار النخيل لارتباطها بتاريخ مصر حيث كانوا يستخدمون أغصانها في صناعة الأثاث. كانت هذه في الواقع بداية PlyPalm بالنسبة لي، مجرد اهتمام وبحث في تاريخ الإمارات، لتتطور فيما بعد إلى مشروعي التصميمي.
تراعين الطبيعة وتدمجين عناصرها في مشاريعك التصميمية. هل من السهل على الفنان والمصمم تكييف أدواته ومواده ورؤيته الفنية مع خيارات صديقة للبيئة؟
أستخدم في عملي بشكل أساسي مادتي وهي PlyPalm، المصنوعة حصريًا من أغصان النخيل. وقد علّمني التعامل معها كيفية التعاطي مع ما تُقدمه الطبيعة، بدلًا من السعي الدائم لتحقيق نتيجة مثالية في كل مرة. من المؤكد أن البحث عن مواد صديقة للبيئة أكثر صعوبة، لكن النتيجة دائمًا تستحق العناء. لقد أدركت مع الوقت كيفية تعديل عملية تفكيري لأُبطئ قليلًا ولا أركز دائماً على الإنتاج الضخم.
كيف تمزجين الثقافات المتنوعة التي عشت ضمنها وتُترجمينها إلى لغة تصميم حديثة تُلاقي صدى لدى جيل الشباب؟
أنا بالفعل مزيج من ثقافات متنوعة، سواءً كان ذلك بسبب أصولي المصرية، أو نشأتي في المملكة العربية السعودية، أو دراستي وعملي في الإمارات العربية المتحدة. أعتقد أنه من المهم أن نخصص وقتًا لملاحظة مدى تنوع الثقافات بشكل عام، وكيف يُمكننا اكتساب الخبرة من خلال السفر، وحب الاستطلاع، أو حتى قراءة قصص تاريخية مختلفة. فبمجرد الملاحظة، نكتسب رؤية للإلهام.
عملت على سعف النخيل المجفف، وحولّته عبر عملية طويلة إلى قطع أثاث قيّمة وعملية ومتينة. أخبرينا عن الفكرة، والعملية، والبحث الذي أجريته لتحقيق رؤيتك لهذه المادة، المتوفرة بكثرة في الإمارات العربية المتحدة، ولكنها غالبًا ما تُهمل وتُرمى دون أن ينتبه أحد إلى أهميتها؟
الفكرة بدأت إثر حوار مع سمو الشيخة لطيفة بنت مكتوم، مديرة مركز تشكيل، خلال مقابلتي مع برنامج تنوين. كنت أعرض على سموها صورًا لقطع أثرية من تاريخ مصر وتحليلي لها، ثم تحوّل الحديث إلى حوار حول كيفية تصميمي، لبرنامج تنوين، شيئًا يجمع بين الثقافتين، ثقافة الإمارات ومصر. ومن هنا جاءت فكرة البحث في عرق النخيل، كونه عنصرًا أساسيًا في كلتا الثقافتين؛ من خلال استخدام عرق النخيل في بناء منازل العريش في الإمارات، واستخدامه في صناعة الأثاث في مصر. بدأ البحث باستكشاف أغصان النخيل المقطوعة، وبدأتُ بجمعها من مواقف السيارات. وبعد حوالي 4 أشهر من استكشاف المواد في مختبرات “تشكيل”، تمكنتُ من إيجاد الطريقة الأكثر فعالية لاستخدام الأغصان لتحويلها إلى خشب صلب بمساعدة مدربي التصميم في “تشكيل”.

أخبرينا عن تحديات ومزايا العمل بمواد صديقة للبيئة، أو بالأحرى، مواد مستمدة من قلب الطبيعة.
يُمثل تنوع الموارد بحد ذاته التحدي الأكبر. فنحن، كمصممين، غالبًا ما نعمل مع مصانع تستلم ألواحًا جاهزة من الخشب أو صفائح معدنية بأحجام محددة. أما العمل مباشرةً مع الحالة الطبيعية غير المعالجة للمواد الطبيعية، فيتطلب إيجاد نظام لمعالجة مجموعة واسعة من الأحجام والخصائص وهو أمر صعب للغاية. ومع ذلك، تُعلّم هذه العملية الصبر وتزيد من الإصرار على تحقيق نتائج مرضية للمصمم.
ما هو المشروع الأكثر تحديًا والذي تطلب جهدًا كبيراً لتتمكني من تنفيذه؟ وهل كانت النتيجة مطابقة لتوقعاتك؟
مشروعي الأول، وهو مقعد Yereed كان الأكثر صعوبة، حيث بدأت الإنتاج الحقيقي من خلاله، وازداد صعوبةً عندما تلقينا طلبًا لإنجاز 10 قطع منه خلال شهر واحد. كانت هذه هي المرة الأولى التي اضطررنا فيها إلى توريد كمية كبيرة من الأغصان ومعالجتها في وقت قصير، ولكن النتيجة كانت رائعة، حيث كان كل مقعد فريدًا.. إن الجمع بين الألوان المختلفة والطبيعية للأغصان منح كل مقعد هوية بصرية مختلفة، حيث لم تكن أي قطعة متطابقة مع الأخرى، وكانت هذه هي المرة الأولى التي أدركنا فيها أننا بحاجة إلى إيجاد طرق جديدة لجمع أغصان النخيل، وقد نجحت جهودنا في ذلك.
هل هناك طلب من المستهلكين على المنتجات الصديقة للبيئة أم تلك التي تحمل قصة وهدفًا وعمقًا؟
بدأ الطلب فعليًا خلال مؤتمر الأطراف الثامن والعشرين. كان ذلك هو الوقت الذي بدأ فيه التحول في التركيز نحو التصميم المستدام والمواد المستدامة، وهو ما ساعدنا على استكشاف مجموعة متنوعة من التطبيقات المختلفة. كان التحدي الأكبر هو طاولة طعام سمو الشيخة لطيفة بنت مكتوم لنادي عشاء مطعم Gerbou. كان ذلك تطبيقًا واسع النطاق لـPlyPalm باستخدام نسيجين مختلفين: النسيج الطولي، بالإضافة إلى نسيج الحبوب الطرفية. كانت النتيجة طاولة طعام جميلة ومميزة، وكانت هذه هي المرة الأولى التي نستكشف فيها طيفاً أو ظلاً ولوناً مختلفًا من PlyPalm، بالإضافة إلى إيجاد طريقة للحفاظ عليه وحمايته من الاستخدام اليومي والمتكرر.
أخبرينا عن جماليات العمل اليدوي وتكامله مع التقنيات الحديثة لابتكار منتجات فريدة لا تُضاهى في السوق.
PlyPalm هي مادة مصنوعة يدويًا، وتتطلب معالجة وإنتاجًا مكثفًا. نستخدم أغصانًا متنوعة الأعمار، مما ينتج عنه مادة طبيعية متعددة الألوان. عملنا على معالجة المادة إلى حجم موحد، لكننا اكتشفنا أيضًا أن معالجة كل غصن حسب سمكه وطوله، تُنتج خيارات أكثر تنوعًا، وتُقلل من الهدر. نحن نحصل على نسيج فريد لكل قطعة من المنتجات أو الأثاث، والتي يُمكن معالجتها باستخدام الآلات الحديثة لإنشاء مجموعة متنوعة من تطبيقات التصميم. إن احتضان هذا التنوع يُعد في حد ذاته منتجًا فريدًا مقارنةً بالمنتجات المتوفرة بكميات كبيرة والتي تحمل جميعها الهوية البصرية نفسها.
إلى أي مدى يتوفر الدعم المادي والمعنوي لشابة موهوبة ومتميزة مثلكِ، تبحث وتسعى جاهدةً لتقديم مواد خام جديدة في هذا المجال التصميمي والتجاري الواسع؟
شاركتُ في العديد من البرامج التي عززت قدرتي على التفكير كمصممة وتطبيق أفكار جديدة على PlyPalm، مثل برنامج “تنوين” من “تشكيل”، و”مختبر المواد” من “عام الإمارات”، وزمالة “أثاث” من “مايك”. كان أكبر دعم مالي لي من “تشكيل” عندما عُرضت عليّ منحة دراسية لمواصلة دراسة الماجستير في التصميم الداخلي، مما عزز معرفتي وخبرتي كمصممة بشكل كبير.
هل تعتقدين أن على المرأة مسؤولية تعليم الجيل الجديد كيفية رعاية الطبيعة والأرض والحفاظ عليهما؟ في أي سياق هل من خلال الأمهات اللواتي يُربين أطفالهن، أو من خلال النظم التعليمية، أو من خلال الناشطات البيئيات، أو حتى من خلال عملهن في مجالات الفنون والتصميم؟
أعتقد أن الجميع مسؤول، ليس فقط عن تعليم الأجيال الجديدة، بل أيضًا عن تشجيع الأجيال الأكبر سنًا على معرفة المزيد عن تأثيرنا على الأرض يوميًا. الاستدامة موضوع واسع، يخضع حديثًا لبحث وتطبيق مكثفين، ويمكننا جميعًا نشر نتائجنا من خلال أعمالنا، ومن خلال تربية الأطفال في منازلهم وكذلك من خلال أنظمتهم التعليمية.
ما هي رسالتك للفنانين والمصممين لتشجيعهم على اعتماد مواد صديقة للبيئة؟ وهل تقع على عاتق الفنان مسؤولية أخلاقية لتبني خيارات مستدامة؟
تقع على عاتق الفنانين والمصممين مسؤولية تثقيف العميل أولًا بشأن المواد الصديقة للبيئة والخيارات المستدامة، وتشجيعهم بشكل إيجابي على استخدامها بعقلانية. وبمجرد أن يفهم العميل والمستخدم تنوع المواد المستدامة وتأثيرها، سيصبح هذا خيارًا تلقائيًا له في المستقبل.
كيف يؤثر الفن والتصميم على البيئة وأسلوب الحياة المعاصرة؟
أعتقد أن الفن يستكشف فلسفات وتجارب مختلفة في الحياة، ينمي لدينا قوة الملاحظة والتواجد بشكل كبير في اللحظة، برأيي أن الفنون والتصاميم هي مفتاح الإبداع الذي يتيح للناس تجربة طيف واسع من المشاعر من خلال مُجرد المُشاهدة.
ما هي مشاريعكم القادمة مع بداية عام 2026؟
نعمل على مجموعة جديدة من قطع الأثاث التي تستكشف استخدام الألوان في PlyPalm، بالإضافة إلى مجموعة من المنتجات التي تستكشف جوانب PlyPalm المُختلفة وذلك سعياً نحو المزيد من التنويع والتطوير في المنتجات.
اقرئي المزيد: نور طعّان: أثبت في عملي على الليفة أنه يمكننا العيش باستخدام مادة طبيعية واحدة
















