كما بلدها الإمارات السبّاقة في كل جديد، وكذلك استطاعت الشابة ريم الحساني أن تكون امتداداً لتراث وثقافة هذه الدولة الفتية، فتطلق رياضة التجديف الجبلي للمرة الأولى في الإمارات، والتي تجتمع فيها الرياضة في الطبيعة الجميلة والسياحة والاستدامة، لتنطلق أول بطولة في إمارة رأس الخيمة عام 2021. لم تكتف ريم بذلك بل دخلت مجال تصنيع القوارب الأولمبية، وأسست نادي MR Marine Sports، كما كان لها تجربة كتابية ناجحة، وتخبئ الكثير من المشاريع الواعدة للمستقبل. فتعرفي معنا على قصتها لتلهمك لمناسبة يوم المرأة الإماراتية.
سألناها: كيف تعرفتِ على رياضة التجديف الجبلي ولماذا قررتِ نشرها في الإمارات؟ فقالت “التجديف الجبلي لم يكن مجرد رياضة بالنسبة لي، بل هو انعكاس لهوية إماراتية تبحث عن التوازن بين التحدي والهدوء، بين الجبل والماء. تعرفت عليها خلال رحلاتي الرياضية، لكنني شعرت أن البيئة الإماراتية تستحق رياضة تجمع بين النشاط البدني، السياحة، والاستدامة، لذا قررت توسيع نطاقها لأنها تتماشى مع رؤية الدولة في الابتكار وتمكين المرأة وتنويع التجارب أمامها”.
نجحت بتصنيع أول قارب تجديف بصناعة محلية إماراتية 100%
وعن كيفية بدايتها في مجال صناعة القوارب الأولمبية وهو مجال جديد على الشابات، أجابت “بدأت رحلتي في صناعة القوارب عندما واجهت عائق في تأسيس نادٍ رياضي تقليدي، وكانت أزمة كورونا نقطة التحول، فبدل أن أنتظر الظروف، قررت أن أبدأ بالأداة نفسها أي بتصنيع القارب. كانت الانطلاقة من الصفر حرفياً، وبإرادة إماراتية بدأت في دخول عالم الصناعة خلال فترة الإغلاق. نجحت بتصنيع أول قارب تجديف بصناعة محلية إماراتية 100%، وبدعم كبير من مصنع الختال في دبي، الذي كان له فضل في فتح الباب أمامي للتجربة والتطوير. هذه التجربة علّمتني أن التحديات قد تفتح لك أبوابًا ما كنتِ تتخيلينها، وأن الصناعة ليست حكرًا على الرجال أو الدول الكبرى… بل هي ميدان مفتوح لمن يملك الرؤية والإصرار”.
أسست ريم نادي MR Marine Sports وحوله تقول “واجهت صعوبات لوجستية وقانونية، وأبرزها كان سحب المسطح البحري الذي خُصص لمشروعي رغم جهوزيتي الكاملة. شعرت أن الحلم توقف للحظة، لكنني قررت تحويل الألم إلى مشروع رقمي، فبدأت ببناء مفهوم النادي البحري الذكي كحل مبتكر ومواكب للتحول الرقمي الوطني”.
ابتكرت رائدة الأعمال الإماراتية الموهوبة جهازا ذكيا يُركّب على القارب لقياس أداء المجداف، وتقول عنه “الفكرة انطلقت من سؤال بسيط: كيف نعرف أن المجدف يتحسن فعلًا؟
لم أجد جهازًا يربط الأداء بالمعلومة بشكل مباشر، فبدأت رحلة البحث. تعاونت مع مهندسين محليين، واستفدت من خلفيتي العلمية في الذكاء الاصطناعي الرياضي وعلم الأعصاب لتطوير نموذج أولي يقيس النبض، التوقيت، وجودة الأداء بدقة. لاحقًا، بدأت تعاونًا مع فريق متخصص وعلامة تجارية عالمية، ووقعنا اتفاقية شراكة. لكن خلال التطبيق ظهرت تحديات تقنية واختلافات في الرؤية، وتم فسخ العقد بشكل ودي. رغم ذلك، أؤمن أن كل تجربة تحمل في طيّاتها خطوة للأمام، وسأواصل تطوير الجهاز حتى يخرج بأعلى المعايير”.
أسست نادٍ عائم صديق للبيئة يحمل رؤية رياضية وسياحية وتنموية متكاملة
يخدم مشروع ريم مفهوم الاستدامة، فهو نادٍ عائم صديق للبيئة، يحمل رؤية رياضية وسياحية وتنموية متكاملة، تشرح “هو مساحة مبتكرة فوق سطح الماء، صُمم ليجمع بين النشاط البدني، العافية، والتعلم الرقمي بطريقة تحترم البيئة البحرية وتعزز الاستدامة. النادي يعتمد على مواد صديقة للبيئة وتقنيات ذكية لتوفير الطاقة وتقليل الانبعاثات، ويضم خمسة أقسام رئيسية، وهي قسم التجديف: يوفّر مسارات تدريب احترافية وبرامج مخصصة لكافة المستويات، ويهدف إلى نشر ثقافة التجديف بين النساء والشباب في بيئة محفزة وآمنة. قسم العافية: يحتوي على مساحات لليوغا، التأمل، وجلسات استرخاء بإطلالة بحرية، لتعزيز الصحة النفسية والاتزان الداخلي. المنصة التعليمية الرقمية: تدمج بين الذكاء الاصطناعي والرياضة، وتقدّم برامج تدريبية ذكية، تحلّل أداء الأعضاء وتقدّم خططًا مخصصة للتطوير الشخصي والبدني. مساحة الضيافة الصحية: لتقديم المأكولات الصحية والمشروبات الطبيعية، بما يعزز أسلوب الحياة المتوازن. المبادرات المجتمعية: تقدم ورش توعوية تُركّز على تمكين المرأة، نشر الوعي البيئي، وتحفيز روح المشاركة المجتمعية.
كل ركن في هذا المشروع يجسّد رؤية إماراتية حديثة، تجمع بين الابتكار، التمكين، والاستدامة، وتقدم تجربة فريدة لا مثيل لها على مستوى الدولة والمنطقة
تؤكد ريم تزايد فضول الشابات الإماراتيات لاكتشاف الرياضات المائية، ولكنها تعتبر أنه لا يزال هناك الحاجز النفسي والاجتماعي الذي يعيق تقدم بعضهم. وتؤكد “دوري يتمثل في كسر هذا الحاجز بتجربة حقيقية، أُقدّم نموذجًا إماراتيًا ملهمًا يُظهر أن الرياضة البحرية ليست حكرًا على فئة أو جنس. من خلال النوادي، الورش، والتدريبات المجانية، أسعى لجعل البحر مساحة آمنة ومفتوحة لكل فتاة إماراتية تبحث عن التغيير”.
البحر موطن روحي ألجأ إليه لاسترجاع ذاتي فأجد الامتداد والقوة والهدوء والتمرد
ترتبط ريم بعلاقة قوية بالبحر فهو “موطن روحها”، وتلجأ إليه لاسترجاع ذاتها، “فيه أجد الامتداد والقوة والهدوء والتمرد في آنٍ واحد. أشبه البحر في تقلبه، في صمته العميق وثوراته المفاجئة. فيه تعلمت أن الهدوء لا يعني الضعف، وأن أقوى الموجات تبدأ من عمق صامت”.
ولريم تجربة كتابية فهي أصدرت كتاب “بعض الأوقات – بداية جديدة” الذي وُلد من تجربة شخصية مؤلمة، لكنه تحول إلى نافذة أمل وتمكين، “أردت أن أقول لكل فتاة مرت بظرف صعب: انتهت مرحلة، لكنك ما انتهيتي… الكتاب فيه رسائل ناعمة لكنها عميقة، تحاكي الواقع وتلهم التحول”.
وحول هوية المرأة الإماراتية الملهمة لرحلة ريم، فهي “سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك أم الإمارات، إذ إنها النموذج الأرقى لتمكين المرأة، والداعم الأول لمسيرتنا. ما زرعته من سياسات ومبادرات هو ما نعيشه اليوم واقعًا وفرصًا ملموسة”.
ترى ريم أن الوطن “هو البداية، وهو كل خطوة في طريقي. الدعم الذي تلقيته، سواء من مؤسسات أو أفراد، شكّل دفعاً لي لأنه عنى إيمانًا بقدرتي كامرأة إماراتية في أن أصنع الفرق. هذا ما يدفعني كل يوم لرد الجميل من خلال مشاريعي ومبادراتي، وأن أكون أول إماراتية تصنّع قوارب أولمبية وتطلق رياضة التجديف الجبلي على أرض الإمارات، فهذا بالنسبة لي ليس فقط إنجازًا شخصيًا، بل هو كسر لحاجزٍ مجتمعي، ورسالة للمرأة الإماراتية أن لا حدود لطموحها”.
الشجاعة، الصبر، والارتباط بالجذور. ..هذه ليست فقط صفاتي وحدي بل هي صفات كل امرأة إماراتية
وعن الصفات التي تمثل امتدادًا لثقافة وطنها وقد ساهمت في نجاحها، تقول “الكرامة، الشجاعة، الصبر، والارتباط بالجذور. هذه ليست فقط صفاتي، بل هي صفات كل امرأة إماراتية تنتمي لتراب هذا الوطن. تعلمت من أجدادي الثبات، ومن قادتي الطموح، ومن شعبي أن النجاح الحقيقي هو الذي يخدم غيرك”.
ترى ريم أن الإمارات اليوم لا تدعم المرأة فقط، بل تراهن عليها وتستثمر في فكرها: “لدينا بنية قانونية وتشريعية داعمة، ومجتمع بدأ يفتخر بالمرأة القيادية. ريادة الأعمال النسائية في الإمارات أصبحت قصة نجاح تستحق أن تُروى عالميًا. ودولتنا سبّاقة، تبني بالمستقبل ولا تنتظر، تصدّر الأمل، وتستثمر في الذكاء والمعرفة، وتمكّن الشباب ليكونوا قادة وليس تابعين، فشباب الإمارات هم أدوات التغيير ومفاتيح الرؤية الوطنية المستقبلية”.
خذي المساحة بصوتك ووجودك وقرارك.. لا تنتظري الإذن لتبدئي بل كوني أنتِ البداية
خصصت ريما رسالة للشابات في يوم المرأة الإماراتية، فقالت لها “خذي المساحة، بصوتك ووجودك وقرارك. لا تنتظري الإذن لتبدئي، بل كوني أنتِ البداية. الوطن ينتظرك، والمستقبل يحتاجك”، معتبرة أن ما يجمع كل النساء هو “الرغبة في الأمان، الدعم، وتحقيق الذات، وما قد يفرقنا هي المقارنات، وعدم تقبّل اختلاف التجارب والآراء، فعندما نتوقف عن المنافسة ونبدأ بالمشاركة، نصبح أقوى”.
تحافظ ريم على ممارسات تساعدها للحفاظ على السلام النفسي وتحدثنا عنها “أمارس رياضة التجديف والتأمل اليومي، أكتب، أبتعد عن الضجيج، وأختار أن أحيط نفسي بمن يضيف لي. الأهم أني أراجع نفسي باستمرار، وأسألها: هل ما أفعله اليوم يُشبه من أطمح أن أكون؟
تعمل ريم حالياً على إطلاق منصة رقمية متخصصة في التجديف والعافية والذكاء الاصطناعي، “أستهدف تمكين المرأة وتوسيع مفهوم الرياضة الذكية في بيئتنا الخليجية، كما أطمح لتوثيق تجربتي في ريادة الأعمال بكتاب جديد يكون مرجعًا لكل فتاة تبدأ من نقطة الصفر”.
اقرئي المزيد: عدرا قنديل: احتفل من خلال فني بالنسوة وبالتعبير وبالصدق