لا تساوم النجمة اللبنانية ريتا حايك في مواقفها الإنسانية والسياسية والاجتماعية، فهي صوت حر يصدح دفاعاً عن كل ما تراه حق، وقد برزت مؤخراً بسبب رفضها للظلم الحاصل ضد الشعب الفلسطيني، وكان لافتاً نشرها فيديو قوي ومؤثر وصادق ينطق بكلمات متألمة ومن القلب تصف فيها الوضع وتدعو إلى التدخل للمساعدة..
ريتا لم تكتفي بأن تكون ممثلة جميلة ومعروفة بسبب موهبتها القوية التي خولتها الوصول إلى الأوسكار، بل اختارت أن تكون صوتاً لكلّ فئة تحتاج إلى السند والدعم، فكانت امرأة استثنائية، وهي اليوم تكشف لقارئات هيا عن كيفية تكوّن شخصيتها ووصولها للنضج والوعي والفكر المستقل الذي تتمتع به اليوم.
من دون ماكياج، بشعر مفرود وغير مصفف، وبملامح طبيعية تشبه كل امرأة شابة تعيش حياتها في وقتنا الحالي، أطلقت ريتا صرختها دعماً لشعب غزة، ومع كلمات بسيطة إنما حقيقية وصادقة أسفل الفيديو “حطّو كل شي عجنب واطلقوا صرخة واحدة بإسم الإنسانية”، تحدثت عن حياتنا في الصيف وعن رغبتنا بالفرح والسعادة في إجازاتنا المستحقة، ولكنها ذكرتنا بما لا يتقبل ضميرنا أن ينساه مهما حاولنا، أو بدا لنا أننا ننسى ونسعى للعيش بشكل طبيعي في ظل استمرار حصوله، تقول “ما قلته في الفيديو هو جزء بسيط جداً مما يعتريني من مشاعر، وما أريد قوله ومشاركته، شعرت أني أبتلع بعض الكلمات والأوجاع، كنت أحاول أن أهدأ وأضبط نفسي كي أحافظ على هدوئي، فأنا عاطفية وانفعالية بشكل كبير، وحين أغضب فأنا أميل للتحدث دون حساب، لكني احتجت إلى الوصول لأكبر قدر من الجماهير لكي أنقل لهم ما يجري بعقلانية. وهذا الفيديو ليس الأول ولن يكون الأخير، فأنا حتى قبل 7 أكتوبر أدعم هذه القضية الوطنية، لأن أي شيء عكس ذلك سيكون خيانة للنفس وللوطن وللأمة وللإنسانية، فهذا الشيء الحاصل يعني كل الكرة الأرضية ومن يعيش عليها، لذا علينا أن نتحدث ونرفع صوتنا ونكون أوفياء لأخلاقنا وحسنا الخيّر وإنسانيتنا”.
سألناها: هل هناك ثمن أم مقابل يدفعه من يجاهر بمواقفه في هذه القضايا؟ فأجابت “بصراحة أعتقد أن الخوف أكبر بكثير من الواقع، فالكثير من الحقائق حول هذا الظلم تكشفت للعالم بأكمله، حتى أن لديّ أصدقاء أجانب باتوا اليوم مدركين لما يقوم به الصهاينة، وبرأيي نحن كفنانين نعدّ أكثر فئة حساسة في المجتمع، لذا من واجبها أن تدعم كل القضايا المهمة. هذا الأمر ينطبق أيضاً على المؤثرين الذين يملكون ملايين المتابعين، فالهدف من عملك لا يختصر على التأثير باختيار الملابس والماكياج والرحلات، بل عليك مواكبة ما يجري في محيطك والتحدث عنه وتوعية الجمهور بشأنه. أنا كممثلة جزء من عملي هو الفن والترفيه، ولكنّ تواجدي تحت الأضواء يحّملني مسؤولية أن أحمل قضايا كبرى وأكسر أي خوف داخلي، راهن عليه عدوي لكي يفقدني إنسانيتي فأتعود على مشاهد الحرب والدمار”.
احترام أي فنان يتضاعف من قِبل جمهوره حين يعبّر عن مواقف قوية وحقيقية
أضافت “أعتقد أن احترام أي فنان يتضاعف من قِبل جمهوره حين يعبّر عن مواقف قوية وحقيقية في ظل كل التعتيم الذي يجري، فهو سيعتبره شجاعاً وصاحب مبادئ وحس وطني وإنساني ولا أحد قادر على إسكاته”.
عاشت ريتا علاقة صداقة في الحرب الأخيرة على لبنان مع امرأة محجبة من غير دينها، وقدمت نموذجاً جميلاً عن التعايش في ظل فترة صعبة مرّت على بلدها، وعن هذه العلاقة التي نشأت من خلال وسائل التواصل، تقول ريتا “حصل الأمر بالصدفة فقد شاهدت فيديو لإمرأة متماسكة تتحدث بعد دمار منزلها بكل ثبات وقوة وسلام داخلي، مشددة على إيمانها التام بالقضية والوطن، فتواصلت معها وبدأنا بالتحدث عبر إنستغرام، وشعرت بانسجام كبير بيننا، حتى قررت زيارتها في بيتها وتعرفت على أولادها، ونمى بيننا رابط إنساني قوي لا يمكن تفسيره، صحيح أن بيننا اختلافات كبيرة سواء بالتربية أو الشكل الخارجي والقناعات العامة والأفكار، ولكن الجوهر والقيم العامة تجمعنا، وشعرت أننا نموذج حقيقي عن البلد: ريتا وسميّة، فبين ممثلة حرة وجريئة وثورجيّة، وسميّة المحجبة والمحافظة التي لا يمكن أن تشاهد مسرحيتي “فينوس”، يوجد تعايش وصداقة رغم كل الاختلافات، وهذا الأمر ينطبق على الحياة كلها وعلى جميع الدول. نحن عشنا الكثير من الصدمات، وتربينا على ما زرعته فينا العقلية الاستعمارية بأننا مختلفون جداً ولا يمكننا أن نعيش معاً بسلام، وهذا أمر خاطئ فلا أحد يرغب بإلغاء الآخر وإقصاء من هو مختلف عنه، بل نحن قادرون على بناء أوطان متماسكة باختلافاتنا وتنوعنا الجميل”.
يجب الاستفادة من وسائل التواصل لإيصال صوتنا وفضح كل ما ومن يهدد وجودنا ويرغب بتغييب عقولنا خدمة لمصالحه
تلفت ريتا إلى أهمية استخدام وسائل التواصل في نشر رسائل مفيدة وتثقيفية للجيل الجديد، وتقول “اعتاد الشباب اللجوء إلى هذه الوسائل للتسلية ورؤية أجدد الصيحات وتجربة الغناء واكتشاف ما تقدمه العلامات التجارية أو ما سيعرض من أفلام ومسلسلات، وهذا الأمر ليس خطأ وأنا أقوم به أيضاً فهو جزء من عملي، ولكن يمكننا أيضاً أن نستفيد منها في إيصال صوتنا وفضح كل ما ومن يهدد وجودنا ويرغب بتغييب عقولنا خدمة لمصالحه”.
حدثتنا ريتا عن كيفية اكتسابها لهذه الشخصية القوية والقيم الثورية، فقالت “اكتسبت هذه الصفات مع العمر والخبرة والتجارب والسفر والقراءة، كما أني تربيت في منزل مليء بالكتب وأركانه تحترم الثقافة والعلم، فوالدي مثقف من العيار الثقيل، ووالدتي معالجة نفسية سمحت لي على الدوام بأن أتكلم وأعبّر عن مشاعري وأفكاري بحرية وجرأة، كما أن عملي في الفن سمح لي بالاحتكاك مع مختلف فئات المجتمع، وتحديداً المسرح خولني تكوين صداقات مختلفة من فلسطين وسوريا وخلفيات أخرى، فتعرفت على أفكار جديدة فتحت ذهني على عوالم أكبر من عالمي، وأنا بطبعي حشرية أحب التعلم وكسر القيود التي زرعت في رأسي، كما أن زوجي أيضاً شخص باحث ومفكر ومليء بالثورة والحب للوطن، لذا فإن كل هذه العوامل ساعدتني، بالإضافة إلى أن هذا الطبع موجود في الأساس بشخصيتي، وأنا فقط سمحت له أن يتبلور وينمو ويبحث الأجزاء الثانية والمفقودة من القصص التي رويت له والثوابت التي تربيت عليها”.
دعمت جمعية “كفى” وقدمت حملة ضد زواج القاصرات حيث تعرفت على صبايا تزوجن بسن مبكر
ريتا الممثلة بشهرتها واجتهادها، استطاعت كسب قوة وامتلاك منصة لكي تتكلم في القضايا الإنسانية والاجتماعية والسياسية، وفي هذا السياق تقول “قدمت دور الممرضة في مسلسل “ثواني” وأدركت مدى أهمية هذه المهنة وسموّها، وقد تلقيت دعوة من مستشفى شهيرة بلبنان لكي أتحدث عن أهمية مجال التمريض، كما دعمت جمعية “كفى” وقدمت حملة ضد زواج القاصرات حيث تعرفت على صبايا تزوجن بسن مبكر وشاركت في فيلم وثاقي سعياً نحو تغيير قانون الأحوال الشخصية في لبنان، وأنا اليوم سفيرة لجمعية “سند” التي تهتم برفع الوعي حول الأشخاص الذين يعانون من مشاكل صحية ويحتاجون إلى كل أنواع المساعدات التي يمكننا تقديمها”.
لا يمكن للفن أن يغيب عن الحديث معها، وقد تطرقنا إلى شغفها الكبير بالتمثيل، والذي بدأ منذ الطفولة، فقالت “كنت أكتب القصص وأصوّر بعض المشاهد مع رفاقي الصغار، كما كنت أجمع الأقارب وأقدم المسرحيات خلال فصل الصيف في القرية، لذا كان من البديهي أن أدرس المسرح في الجامعة اللبنانية، وقد دعمني أهلي لأنهم أدركوا أني أمتلك الموهبة، وهم بطبعهم يقدرون الفن كثيراً فوالدتي مغنية لا تزال حتى اليوم بعمر الستين تغني لفيروز، ووالدي كان يرقص الدبكة على أهم المسارح. كنت محاظة ببيئة داعمة ولاحقاً محظوظة لأني حصلت على فرص خولتني إظهار موهبتي، ولكني سعيت وتعبت وسافرت ودرست وتثقفت وتعلمت من خياراتي الخاطئة، حتى عرفت جيداً ما الذي أريده وما هي الأعمال التي تناسبني وتسمح لي ببناء اسم قوي في الساحة الفنية”.
هناك تكرار للوجوه والأفكار ولكن الجمهور سيملّ من نفس الممثلين وسيطلب التجديد
ترى ريتا أن هناك تكرار في أسماء الممثلات اللواتي يتواجدن على الشاشة الصغيرة اليوم، ولا سيما في لبنان بسبب قلة عدد شركات الإنتاج، وهذا الأمر لا يخدم المشهد الفني أو يسمح بالمواهب الشابة بالظهور، ولكن في المقابل، تجد أن المنصات العربية تعطي الفرص للأفكار والمواهب الشابة بالبروز، وتقول “في النهاية الجمهور سيملّ من نفس الوجوه، وسيطلب التجديد وهو ما نراه يحصل بعد الإقبال الكبير على الأعمال القصيرة والأفلام التي تقدمها المنصات ويمكن متابعتها عبر الهاتف المحمول أو الإيباد. بالنسبة لي فما يعنيني هو الدور الذي يقدم فكرة جديدة ورسالة معينة، والعمل المتكامل الذي سيزيد إلى رصيدي ويثبت اسمي ويخدم تطوري، أنا أعمل دائماً لكي أحسّن نفسي، فلا أنظر للخلف إلى الفرص التي فوتها، ولا أعيش نشوة النجاح لوقت طويل، بل أبحث عن أدوار تتحداني، ربما أرغب بتقديم عمل لثوار عبر التاريخ، فأنا أحب تقديم صورة المرأة المنتفضة والقوية والراغبة بالتغيير، بعد أن قدمت أدواراً لنساء ضعيفات أو معنفات، هكذا أشجع الشابات على أن يكنّ شجاعات ومقدامات لكي يصلن إلى ما يرغبن به، وأتمنى أن أحافظ على تقديم أعمال سواء أفلام أو مسرحيات أو مسلسلات، لها أبعاداً وتأثيراً طويل الأمد في مجتمعاتنا.
اقرئي المزيد: إليسا فريحة: وومينا منصة النساء الأصيلات الباحثات عن حقيقتهن وريادتهن