عاشقة للرقص منذ طفولتها، هي ريا هرموش التي طورت معارفها بهذا الفن عبر السنوات لتصبح من أهم المدربات ومصممات الرقص وصانعات المحتوى. تشارك عبر صفحتها على تيكو توك وإنستغرام rheaharmoush بعضا من رقصاتها الرائعة وتستمر بنقل معرفتها في هذا المجال للمئات من تلاميذها من مختلف الأعمار الذين يقصدونها لتعلم مختلف أنواع الرقص، كما تصمم رقصات جديدة تحظى بإعجاب الآلاف.
أحببت الرقص فرقصت وتطورت موهبتك ووصلت إلى مرحلة التعليم وتصميم الرقصات، هل ترين في الرقص طريقة لتحريك العالم حولنا وتحرير الروح من قيود كثيرة؟
لطالما كانت الحركة بالنسبة لي لغة الروح، نحن نتكلم بلغات مختلفة للتواصل والتعبير عن الذات، والرقص أو الحركة بكل أشكالها تساعدنا في تحرير أرواحنا. إنها طريقة للتواصل بوضوح أكبر من الكلمات، على الأقل بالنسبة لي، فأنا قادرة على حث العالم على التعبير عن أنفسهم وعن أحلامهم ورغباتهم من خلال الرقص أكثر من قدرتي على تحقيق ذلك عبر الكلام.
الرقص يحررنا عقلياُ وجسدياً، يجعلنا أكثر حرية وجرأة وتعبيراً عن كل ما يختلجنا، فالأطفال يبدأون بالرقص منذ عمر صغيرة جداً ولكنهم يتوقفون عن ذلك حين يتقدم بهم السن قليلاً، وبالتحديد حين تتغير النظرة للنفس ويبدأ الشك بالتسلل إليهم، فهل هم جيدون بما يكفي؟ هل ما يقومون به يناسب مجتمعهم أو نظرة أهلهم لهم؟ بالتالي نبدأ بخلق القيود على تصرفاتنا ونخشى أن نعبر بحرية عن هذه الرغبة بالحركة والتحرك والتحرر.
برأيك كيف نستعيد هذه الرغبة بالحركة لكي نعبّر أكثر عن أنفسنا ونشعر بالراحة بعدها؟
حين نكبر فنحن نستسلم لشروط الحياة، تلك التي لم نكن نراعيها حين كنا صغاراً، نفكر: ربما سأتعرض للانتقاد أو التنمر، ربما سأفشل، أو سيبدو مظهري سيئاً، هنا نحن نحكم على الذات ونقسو عليها أحياناً لأننا لا نفكر باحتياجاتها بل باحتياجات أو توقعات الغير منها. لكي نتحرر علينا أن نتبع أحاسيسنا وهي التي ستقودنا نحو القيام بما يسعدنا حقاً سواء الرقص أم غيره. أنا أنظر إلى الرقص على أنه نشاط جسدي مغلّف ضمن إطار فن راقي وجميل، فهو يحمل رسالة وممارسته تتطلب التزاماً وحباُ لمختلف أشكاله وحماساً كبيراً للاكتشاف والتعلم.
تأتي الكثير من الشابات إليّ وهنّ محملات بكتلة طاقة سلبية في داخلهن وهي عبارة عن أفكار مسبقة بأنهن سيفشلن ولن يتمتعن بالقوة المطلوبة للرقص، فيستسلمن سريعاً ويلجأن نحو رياضات أخرى، وأنا أقول لهنّ: فلتحاولن ولتتركن أنفسكن للتحرك مع الموسيقى وللتحرر قليلاً من انتظار الكمال بشكل سريع، فاتقان الرقص يحتاج وقتاً وممارسة وحتى لو كانت البداية صعبة قليلاً، فإن المثابرة ستكون نتيجتها النجاح واكتشاف نشاط رائع قادر على تغيير التجربة الحياتية كاملة.
هل ترين أن نظرة المجتمع العربي قد اختلفت عن الرقص بمختلف أشكاله؟
اختلفت النظرة كثيراً وأنا أتلقى الكثير من الرسائل عبر وسائل التواصل الاجتماعي من شابات صغيرات يستفسرن حول إمكانية التخصص أكثر في مجال الرقص وفرص العمل في حال التوجه إليه، لأنه لا يوجد الكثير من المدارس أو الجامعات لتعليم الرقص كما في الدول الأجنبية. وأنا أرد على أسئلتهن وأؤكد وجود الكثير من فرص العمل منها التدريب أو الرقص ضمن فرق أو مع مغنين مشهورين أو صناعة محتوى راقص. للأسف فإننا لوقت طويل كنا نرى أن الرقص لا يمكن أن يشكل لمن تمارسه مهنة ثابتة وكافية، فهو نشاط تقوم به ولكن يجب أن تجد وظيفة ثابتة تكون مصدر قوتها في الحياة. أما اليوم فقد بدأت هذه النظرة تتغير سواء من الأهل أو الجيل الجديد.
لم يعد الرقص "عيباً" بل بتنا نراه فناً راقياً ولا سيما في الأوساط الأكثر انفتاحاً، فأنا حين أعرّف عن نفسي باللغة الإنكليزية بأني Dancer أو Choreographer أحظى بترحيب وتقدير من البيئة النخبوية التي أتواجد فيها، أما إذا اخترت التعبير باللغة العربية وقلت: رقاصة أو حتى راقصة، ألاحظ عودة العقلية القديمة التي تنظر بدونية إلى هذا النشاط، وبالتالي نحن نحتاج إلى الخروج أكثر من البؤرة الضيقة التي وضعنا فيها الرقص لسنوات طويلة، كي نراه على حقيقته بصفته فناً مهذّباً للعقل والجسم والروح.
هل واجهت صعوبات في إقناع أهلك برغبتك في أن تكوني راقصة؟
لطالما دعمني والداي في خياراتي ولكنهما لم يتوقعا أبداً أن أصل إلى ما وصلت إليه، ومؤخراً قال لي والدي: خلال نشأتك كنت أتمنى أن تتجهي نحو مجال مختلف، ولكني اليوم وأنا أراك بهذا النجاح، لا أندم على دعمي لك"، فالأهل يخافون على سمعة الفتاة وهنا أؤكد أن أي شابة بخياراتها يمكن أن تحافظ على سمعتها وتضمن احترام الغير لها، ببساطة الأهل لا يعرفون الخيارات المتاحة لشابة آمنت بما تحب وهو الرقص وهي تحاول إيصال موهبتها ورسالتها إلى أكبر قدر ممكن من الجماهير.
هل يمكن للرقص أن يحسّن الحالة النفسية للمرأة؟
لا أتخيّل أن يمر يوم كامل في حياتي دون أن أرقص، فالحركة تغيّر يومي وتحسنه وهي بمثابة علاج نفسي وروحي بالنسبة لي، وبرأيي كل إنسان يجب أن يكون لديه بعض الوقت الخاص به خلال اليوم. حين نرقص نتوقف عن التفكير بأي شيء آخر، ننسى القلق والحزن والتوتر ونطلق طاقتنا لتتفجر بحرية ونركز على الحركات والميلودي ونستمتع ونقضي أوقاتاً حرة وجميلة مع الموسيقى.
هل يحتاج الرقص إلى موهبة؟
كل شخص قادر على الرقص، ولكن سيكون الأمر أسهل بالنسبة لصاحب الموهبة، الأهم هو امتلاك الرغبة بالتعلم والالتزام والمثابرة.
كيف تطورين أسلوبك وتبتكرين رقصات وحركات جديدة؟
في الواقع أنا في حالة تطور مستمر فلا يمكنني التوقف عن التعلم، بل أحصل على دروس ودورات بشكل دائم، أتمرن بشكل يومي وبرأيي لا يمكن الاكتفاءوالقول أني بت أعرف كل شيء، يجب متابعة كل جديد، حتى الشبان والشابات الصغيرات اللواتي يطلقن صيحات جديدة عبر تيك توك، يقدمن أمراً غير مسبوق ويجب معرفة ما يميز محتواهم، فالمعرفة هي الأهم من أجل تحسين الذات.
يساعدني كثيراً السفر إلى دول مختلفة مثل فرنسا وألمانيا والولايات المتحدة، للقيام بدورات تدريب مع أهم وأكبر مصممي الرقص، كما أتابع كل جديد في عالم الرقص عبر يوتيوب والتلفزيون والفيديوهات والحفلات العالمية وكل الوسائل المتاحة، فهذا الزمن بكل الانفتاح الحاصل، يفتح أبواب المعرفة أمام الجميع وعلينا استغلال هذه الحسنات لصالحنا.
أحب أن أستمع إلى الموسيقى في الأستديو الخاص بي وأبدأ بتجربة حركات جديدة وتنسيقها، أحياناً أنجح وفي أحيان أخرى أتوقف وأعيد المحاولة، في بداياتي كنت أخشى من طلب المساعدة ولكني اليوم أقدر أي شخص يعطيني رأيه ويوجهني حين أشعر بالحيرة من فكرة جديدة أحاول إنجاحها أو حركات معينة أبتكرها. فأسأل زوجي أو المقربين مني وأقتنع بآرائهم. في أحيان أخرى أقرر بدء فكرة من شيء رأيته أو رحلة سافرتها أو تجربة مررت بها، بعدها أبحث عن موسيقى مناسبة وحركات تمثل ما أشعر به وتنقل الحالة التي أريد إيصالها بوضوح للمشاهد.
هل غيّر الرقص في شخصيتك ومن أي نواح؟
الرقص زادني مسؤولية وطوّر من حسّي بالانضباط، وجعلني أعمل بجهد من أجل الوصول، كما عرفت من خلاله معنى المنافسة الصحية وهي أن نفرح للآخرين في حال حققوا إنجازاً مهماً ونتعلم منهم. من جهة ثانية، فإن تعليم الرقص حملني مسؤوليات مضاعفة فأنا لا أعلم فقط تقنيات الرقص، بل معاني الالتزام بالمواعيد والمثابرة والإصرار والتجربة والنهوض بعد الفشل، إذ أرغب أن تظل هذه القيم عالقة في أذهان كل من حضر صفوفي حتى لو تركوا الرقص في المستقبل، وذلك لكي يدركوا أن لا شيء يأتي بسهولة بل علينا العمل بجهد لكي نصل. لقد ضحيت بالكثير خلال حياتي لكي أصل إلى ما أنا عليه اليوم، تخليت عن الذهاب إلى حفلات زفاف صديقاتي أو رحلات ترفيه مع أهلي لأني قررت الالتزام لتحقيق هدفي الأكبر، الالتزام صعب ولكن حين نضع هدفاً نصب عينينا فإننا سنحققه بالتأكيد.
اقرئي المزيد: فاليري ميسيكا x ديالا مكي: قـوّة النساء إذا اتّحدنَ