أحبّت رائدة الأعمال رانيا ملّي الرخام وتأثرت بعمل جدها في هذه الصناعة العريقة، حيث كانت تزور كرارا في إيطاليا خلال طفولتها وترى كيفية تحويل الحجار الضخمة إلى رخاميات ساحرة ومبهرة، لتقرر لاحقاً تحويل شغفها إلى عمل دائم ولتطلق واحدة من أبرز شركات الرخام في الشرق الأوسط هي Stones By Rania Malli فتقود فريقًا ملتزمًا بتقديم التميّز، مساهمةً في أكثر من 500 مشروع مرموق عالميًا، لتروي كل قطعة رخام قصةً من الأناقة الخالدة والجمال الذي لا مثيل له، مع مجموعات واسعة تضم أكثر من 200 نوع من ألواح الرخام من حول العالم. التقينا رانيا التي حدثتنا عن جمال العمل بهذه الأحجار وأهمية الاستدامة في عمل شركتها.
من فتاة صغيرة تأثرت بعمل جدها في صناعة الرخام إلى سيدة أعمال ورائدة ناجحة سعت وراء مسيرتها بشغف وقوة. أخبرينا كيف بدأت علاقتكِ بالرخام وتطورت ليصير اليوم محور مشاريعك وأعمالك الناجحة؟
بدأت علاقتي بالرخام من خلال عائلتي، فقد نشأتُ بين ورش العمل وكتل الحجار والحرفيين الذين عاملوا هذه المادة باحترام. في طفولتي، لم أكن أدرك أنها ستصبح طريقي الذي سأعبر من خلاله إلى عالم الأعمال، لكنني كنت دائمًا منجذبة إلى الأجواء: الأدوات، والملمس، والتحّول الذي يطرأ على الحجر ويحوّله إلى قطعة فنية وتصميمية مذهلة الشكل والملمس. لكن مع مرور الوقت، شكّلت تلك البيئة رؤيتي الحياتية وازداد تقديري للمادة التي نعمل عليها، كما أنه كان من الطبيعي أن أواصل ما بدأته عائلتي، ولكن بطريقتي الخاصة.
ما هي الصور والذكريات المحفورة في ذهنكِ عن الرخام والتي أردتِ مشاركتها مع العالم من خلال عملك الإبداعي والتجاري؟
أتذكر مشاهدة الكتل الخام تصل إلى المصنع، ورؤية الحرفيين يأخذون شيئًا خشنًا ويعطونه معنى وقيمة ووظيفة. أتذكر أنماط الأحجار المختلفة، وكيف لا يتشابه أي لوحين أبدًا. علمتني تلك الذكريات المبكرة أن للرخام شخصية مميزة. مع Stones رانيا ملّي، أردتُ أن يختبر الناس ذلك الشعور نفسه، مع التنوع الطبيعي والصدق والجدية في التعاطي، والجمال النابع من شيءٍ تشكّل على مرّ ملايين السنين، وهو اليوم بين أيدينا يتحوّل إلى قطع أثاث وأكسسوارات مفيدة تخدمنا في حياتنا اليومية.

كيف استطعتِ بناء علامة تجارية قوية في سوقٍ أصبح فيه الإنتاج السريع والمنخفض الجودة شائعًا والسبب الأول هو أسعاره المقبولة نوعاً ما؟
بالاستمرارية والثبات على المبدأ والإصرار على العمل الجاد. لطالما آمنتُ بأن الجودة بحد ذاتها، حتى في سوقٍ تنافسي أمر مطلوب من المستهلك. تُصنع الكثير من المنتجات اليوم بسرعةٍ وبتكلفةٍ زهيدة، لكن الرخام ليس مادةً يتم التعامل معها على عجل، والناس الذين يأتون إلينا يدركون جيداً هذا الاختلاف، فهم يريدون شيئًا يدوم. كما أن التركيز على الحرفية، والمواد الخالدة، والعلاقات القوية مع العملاء ساهم في بناء سمعة علامتنا التجارية بمرور الوقت.، وأعطاها مكانتها القوية في السوق الواسع والتنافسي الذي نستمر ضمنه.
كل قطعة من الرخام تروي قصةً عن الأناقة والفخامة والتراث. كيف تجدين إقبال الجيل الجديد على الرخام؟
ينجذب الجيل الأصغر إلى الأصالة، والمواد الطبيعية، والقطع التي تدوم طويلًا؛ والرخام يتناسب تمامًا مع هذه العقلية. هذا الجيل الشاب يقدّر المواد غير المُعالَجة بشكلٍ مُفرط والتي تتميز بهويتها الخاصة. وعندما يُلاحظون تفرّد كل حجر، يصبح الأمر أقلّ تركيزًا على “الفخامة” وأكثر تركيزًا على اختيار شيءٍ حقيقيّ ودائم، يحتفي بالعمل اليدوي ويروي قصته الفريدة التي لا تشبه غيرها.
إلى أي مدى يلتزم العمل بالرخام بمعايير الاستدامة ويُحافظ على موارد الأرض؟
الرخام مادة طبيعية طويلة الأمد، مما يجعلها بالفعل أكثر استدامةً من العديد من البدائل الصناعية. نحن نعمل على تقليل الهدر في إنتاجنا وإعادة استخدام القطع المتبقية كلما أمكن. ونختار موردين يتّبعون ممارسات استخراج مسؤولة، برأيي فإن الاستدامة ليست توجهًا سائدًا فحسب، بل مسؤولية تقع على عاتقنا كعاملين في المجال الإبداعي، خاصةً عند العمل مع الموارد الطبيعية.
كيف تنسقين مع المصممين والعمّال والحرفيين لتنفيذ أفكار جديدة ومبتكرة، تحمل بصمة شركتك الخاصة؟
التعاون في عملي هو جوهر كل شيء. يأتي المصممون برؤية، ونحن نستكشف كيف يمكن للرخام دعم هذه الفكرة. يبدأ الأمر بمحادثات حول الحالة المزاجية، والملمس، والشكل، ثم ننتقل إلى الجانب التقني؛ ما هو ممكن، وما هو الأنسب للمساحة، وما هو الحجر الذي يتناسب مع التصميم. إنها عملية مشتركة، وليست أحادية الاتجاه، حيث مشاركة الأفكار والرؤى للوصول إلى النتيجة الأنسب والأفضل التي ترضي الزبون وتكون على قدر اسمنا وسمعتنا العريقة في السوق.
ما مدى أهمية الحفاظ على العمل اليدوي والابتكار البشري في أعمالك التصميمية؟
دعم العمل اليدوي مهم جداً في رؤيتي التصميميمة، فالآلات تساعد في الدقة، لكن الطابع النهائي للقطعة يأتي من الأيدي البشرية. القرارات الصغيرة، والتشطيب، والتفاصيل، جميعها تحمل شخصية المصمم وخبرة الحرفي، وهذا ما يجعل القطعة تبدو شخصية جداً كما أنها تظل لسنوات طويلة بعد إنتاجها لدى الزبون الذي اختارها.
هل تعتقدين أن المجتمع الإبداعي مسؤول عن تشجيع الخيارات المستدامة وحثّ المجتمع الأوسع على إبداء المزيد من الوعي حولها؟
يؤثر الإبداع على طريقة عيش الناس وما يُقدّرونه، فإذا شجعنا نحن البيئة الإبداعية على اختيارات مدروسة، في المواد والإنتاج والتصميم، فسيُحدث ذلك تأثيرًا مضاعفًا، وسيزيد من الوعي المجتمعي بأهمية الاستدامة، لذا أعتقد أن لكلٍّ منا دورٌ في ذلك ومسؤولية أخلاقية تتجلى في رفع الوعي بالخيارا المستدامة.
كيف تؤثر المجالات الإبداعية، كالفن والموسيقى والتصميم، على البيئة وأسلوب حياتنا؟
المجالات الإبداعية تُشكّل نظرتنا للحياة من حولنا. يؤثر الإبداع على مزاجنا، ومساحاتنا، وعاداتنا، يدفعنا إلى التفكير بطريقة مختلفة، وأن نكون أكثر وعيًا، وأن نُقدّر ما يحيط بنا. التصميم والفن الجيدان لا يُزيّنان المكان فحسب؛ بل يُغيّران أيضًا تجربتنا فيه.
اقرئي المزيد: لينا غالب: احتضان التنوع الطبيعي يُعد منتجًا فريدًا مقارنةً بالمنتجات التجارية
















