مقابلات

سارة المهيري تحتفي باليوم الوطني الاماراتي: إبداع يعكس هوية الوطن

سارة المهيري تحتفي باليوم الوطني الاماراتي: إبداع يعكس هوية الوطن
ديسمبر 2, 2025
إعداد: Nada Kabbani

في اليوم الوطني الاماراتي، تحدثنا سارا المهيري، مخرجة وكاتبة وقيّمة إماراتية، تتمحور ممارستها حول استكشاف التراث والذاكرة والتقاليد اليومية في دولة الإمارات العربية المتحدة. تحمل ماجستير في الإثنوغرافيا والدراسات الوثائقية من كلية لندن الجامعية، وبكالوريوس في الصحافة وصناعة الأفلام من جامعة نورث إيسترن. يجمع عملها بين السرد البصري والأفلام والتركيبات الغامرة لإحياء الحكايات الثقافية وإعادة تخيّلها. وهي مؤلفة كتاب “تحت شجر الغاف”، وهو دليل مصوّر يدعو القرّاء لاكتشاف التراث والعادات الإماراتية.

نود التعرف عن قرب إلى الكاتبة سارة المهيري، وعن سبب توجهك نحو الكتابة؟
درستُ الصحافة في الجامعة، وأعتقد أن تعلّم كيفية تبسيط المواضيع المعقّدة وشرحها للناس ساعدني كثيراً في تطوير مهاراتي في الكتابة. لكن شغفي الحقيقي بدأ من خلال الإخراج السينمائي، خاصةً وأنني كنت مفتونة دائماً بالقصص وراء المكان والحياة اليومية في الإمارات.
خلال دراستي، نصحني أحد أساتذتي بأن أدوّن كل فكرة تخطر ببالي وكل معلومة أجدها مهمة، حتى إن لم أتمكّن من تنفيذها فوراً. هذه النصيحة أثّرت فيّ كثيراً، ومنذ ذلك الحين وأنا أحمل دفتر ملاحظات معي في كل مكان. وعندما عدت إلى الإمارات وبدأت أستكشف ثقافتنا من جديد، أصبحت أدوّن كل ما يثير فضولي. وبعد سنوات من التدوين المتقطع، وجدت نفسي أمام كتاب كامل دون أن أُخطّط لذلك. وهكذا أصبحت الكتابة وسيلة إضافية أحافظ من خلالها على ثقافتنا وأشاركها مع الجمهور.

كتاب تحت شجر الغاف للكاتبة سارة المهيري

لنتكلم عن كتاب “تحت شجر الغاف”، ما هو مصدر الهامك والصعوبات التي واجهتك؟
استلهمتُ كتاب “تحت شجر الغاف” من سنوات من البحث الميداني، والحوارات مع الخبراء، والزيارات المتكررة للمزارع والسواحل والجبال والأرشيفات. ما بدأ كإجابات بسيطة على أسئلة أصدقائي من الخارج عن الثقافة الإماراتية، تحوّل إلى مقالات، ثم أفلام، ثم معارض، وأخيراً كتاب. التحدي الأكبر كان الدقّة؛ فثقافتنا تعتمد بشكل كبير على التناقل الشفهي، وهذا يعني أنني كنت مضطرة للتحقق من القصص والمصطلحات والتقاليد باستمرار، مع الحفاظ على أسلوب بسيط وسهل للقارئ. التراث حيّ ومتغيّر، ولذلك كان الشعور بالمسؤولية تجاه تمثيله بأمانة كبيراً جداً.

كيف ترى سارة الإقبال على الأنشطة الثقافية والأدبية في هذا العصر؟
أعتقد أننا نعيش فترة ازدهار واهتمام متجدد بالثقافة، خصوصاً بين الأجيال الشابة التي تبحث عن هوية وجذور ومعنى. خلال العقود الماضية، انشغل الجيلان السابقان ببناء المستقبل، وفي تلك السرعة ضاعت بعض الممارسات الثقافية لمن لم يعيشوها يومياً. لكن اليوم، أصبحت الأنشطة الثقافية أكثر تفاعلاً ومشاركة للمجتمع، وهذا جعلها أقرب للناس وأكثر جاذبية. التحدي هو الاستمرار والمحافظة على هذا الزخم، لكن الاهتمام موجود وبقوة.

من الملاحظ عدم إقبال الجيل الجديد على اللغة العربية فما مرد ذلك؟
الأسباب متعددة: العولمة، الثقافة الرقمية، وهيمنة اللغة الإنجليزية في التعليم والعمل. معظم الشباب يعيشون في بيئات متعددة اللغات، مما يجعل العربية لغة ثانوية ما لم تُغذَّ عمداً. برأيي، الحل يكمن في جعل العربية لغة معاصرة، إبداعية، وقريبة من حياتهم اليومية، لا مجرد لغة كتب ومناهج.

كيف تدعم دولة الإمارات العربية المتحدة الثقافة والأدب والمرأة العربية المثقفة في التحديد؟
تستثمر الإمارات بشكل كبير في الثقافة من خلال المنح، والمؤسسات، والمتاحف، والمنصات التي تحتفي بالتراث والفنون المعاصرة. وبصفتي امرأة إماراتية، استفدت كثيراً من هذا الدعم الذي شجعني على الكتابة والنشر والإنتاج والابتكار. الدعم ليس مادياً فقط، بل هيكلي أيضاً، مما يتيح للمرأة بناء مسيرة مهنية طويلة في القطاع الثقافي. وعندما رغبتُ في نشر كتابي بشكل مستقل، تمكنت من ذلك بفضل المنحة الوطنية من وزارة الثقافة.

برأيك، ما هي مواصفات الكاتبة الناجحة؟
الكتابة ليست سهلة أبداً. عندما نظرتُ لأول مرة إلى كل ما كتبته بخط اليد وكل المعلومات التي خزّنتها في ذهني، قلت لنفسي: “سينتهي هذا خلال ثلاثة أشهر فقط”. لكن الحقيقة أنها استغرقت أربع سنوات كاملة. كنت أخصّص وقتاً للكتابة ثم أجد نفسي غير قادرة على الجلوس لأكثر من نصف ساعة، بينما تأتي الأفكار في أوقات غير متوقّعة تماماً.
الكتابة تشبه الرياضة؛ تحتاج إلى تدريب يومي ليعتاد العقل واليد على الاستمرار. عليكِ أن تتقبّلي إعادة كتابة الجملة عشر مرات، وأن تتحمّلي النقد، وأن تتجاوزي الأيام التي لا تأتي فيها الكلمات بسهولة. النجاح في الكتابة لا يعتمد على الإلهام المستمر، بل على الصبر، والصدق، والمواظبةحتى في الأيام التي تبدو فيها أن الكتابة مستحيلة.
 

هل من طموح وافكار في مخيلتك قيد التحقيق؟
نعم، أعمل على توسيع مشروع “تحت شجر الغاف” ليشمل تجارب غامرة ومعارض وبرامج تعليمية تجعل التراث محسوساً وملموساً للجمهور. كما أعمل على أفلام جديدة ومشاريع بحثية تركز على الأرشيف الإماراتي، والمناظر الطبيعية، والقصص التي لم تُروَ بعد.

ما هي الحكمة التي تؤمنين بها؟
أؤمن أولاً بأهمية الالتزام والعمل حتى لو كان الأمر صعباً. لا شيء مهم يحدث بسرعة، ومعظم مراحل الكتابة والبحث والعمل الإبداعي بطيئة وغير براقة. وفي الوقت نفسه، أؤمن بعمق بأهمية اللطف وقضاء الوقت في الحديث مع الناس. بعض أجمل لحظات العمل على الكتاب جاءت من التوقف لطرح الأسئلة على أشخاص لا أعرفهم، واكتشاف مدى استعدادهم لمشاركة معرفتهم. تلك اللحظات علّمتني أن الكرم والتواصل الإنساني مهمان بقدر أهمية الانضباط والإصرار.

كلمة لليوم الوطني الإماراتي
اليوم الوطني يذكّرنا بالمسافة الكبيرة التي قطعناها وبمدى تأثير تراثنا في تشكيل مستقبلنا. هو يوم نستحضر فيه عزيمة مؤسسينا، والوحدة التي جمعت الإمارات، والقيم التي لا تزال تقودنا حتى اليوم. وبالنسبة لي، هو أيضاً احتفاء بالناس البسطاء الذين يحافظون على ثقافتنا يومياً مثل المزارعون، الحرفيون، الصيادون، كبار السن، والعائلات التي تواصل نقل المعرفة جيلاً بعد جيل. هو يوم فخر ومسؤولية: فخر بما تحقق، ومسؤولية للحفاظ على هذا الإرث للأجيال القادمة.

كلمة اخيرة، ما نصيحتك للجيل الجديد وبالأخص الشابات؟
نصيحتي للشابات هي أن يثقن بأنفسهن أكثر مما يتوقعن. ستأتي لحظات شك كثيرة، خاصة في المجالات التنافسية أو الجديدة، لكن لا تجعلن ذلك يعيق بداياتكن. اسألن، ابحثن عن مرشدات ومرشدين، وأحيطن أنفسكن بمن يدعمكن لا بمن يقلل منكن. ولا تتسرعن؛ فالمسيرة المهنية والثقة والوضوح كلها تحتاج وقتاً لتتكوّن. والأهم: لا تعتذرن عن حضوركن. لكنّ حق في كل مساحة تدخلنها، وأفكاركن تستحق أن تُسمع.

المجلات الرقمية

قد يهمك أيضاً

اشترك في صحيفتنا الإخبارية