مقابلات

آنا ليز كورديرو: تقدم الطبيعة ألوانًا دقيقة وملمسًا وحتى عيوبًا تحمل لغتها الأجمل

Screenshot

تعتبر الفنانة الإكوادورية الشابة Ana Liz Cordero نفسها ابنة الأرض والطبيعة، فهي اعتادت زيارة المجتمعات المحلية التي عاشت في الطبيعة مع أقل الإمكانات، مستفيدة من مواردها ومن إعادة التدوير لتعيش وتستمر وتبني بيوتها من الطين، وحين دخلت مجال الفن حرصت أن تحافظ على البيئة والتنوع البيولوجي من خلال اختياراتها الواعية لأدواتها ووسائطها المختلفة. ومع انتقالها إلى دبي عام 2019 باتت تستخدم عناصر من الإمارات تجدها في الصحراء والبحر والجبال لتقدم فناَ واعياً مستداماً ذو هدف أعمق من مجرد الشكل الجميل، فاكتشفي المزيد عنها في هذا اللقاء.

تقولين في التعريف بنفسك عبر صفحتك على إنستغرام: analizcordero، أنك تتبعين الطبيعة لتخلقي فناً يحاكي الروح، لماذا اخترت هذا النهج المميز لتوصلي فنك إلى الآخر؟

لطالما كانت لديّ صلة عميقة بالطبيعة. منذ الطفولة، زرت مجتمعات السكان الأصليين وتعرفت على شعب الإنكا في موطني الإكوادور مع والدي، وقد شكلت تلك التجارب الطريقة التي أفهم بها الجمال والتوازن والغرض أو المعنى من الحياة. كانت الطبيعة معلّمي الأول ودليلي الدائم. لم يكن الإبداع من قلب الطبيعة قراراً واعياً أبدًا، فهو ببساطة أنا. عندما يولد الفن من احترام وحب الأرض، فإنه يتحدث لغة عالمية.. بالتالي يصل إلى روح أولئك الذين يصادفونه.

كيف جرى انتقالك إلى دبي، وما الذي أبهرك في طبيعة الإمارات ونقلته إلى الجمهور من خلال فنك الذي ابتكرته وقدمته فيها؟

فتح الانتقال إلى دبي فصلًا جديدًا في حياتي. هنا، اتصلت بالطبيعة بطرق غير متوقعة: الطيور والسماء والشواطئ والصحراء، كل منها يحمل قوّته الهادئة الخاصة. بدأت الرسم عندما وصلت قبل سبع سنوات، وبعد انتشر الوباء تعمّق هذا الارتباط، لأن الطبيعة بدأت تسترجع قوتها مع غياب الأذى الذي يسببه الناس لها، أصبحت ما كانت فترة صعبة رمزًا للمرونة، وأصبحت الطبيعة المرساة التي غيّرت تعبيري الفني.

تراعين الطبيعة في مشاريعك الفنية، فهل من السهل على الفنان أن يحوّل أدواته ومواده ورؤيته الفنية باتجاه خيارات صديقة للبيئة؟

ليس دائمًا. يتطلب اختيار المواد المستدامة البحث والتجريب والتخلي عن التقنيات المألوفة، لكن بالنسبة لي، حدث التحوّل بشكل طبيعي، لأن عملي متجذر في احترام الأرض، لذا فإن استخدام المواد الصديقة للبيئة يتماشى تمامًا مع قيمي، فهو يثري عملي ويعزز الرسالة وراء كل قطعة. 

أخبرينا عن جماليات استخدام المواد الطبيعية والعمل بيديك لتصنعي فناً لا يوازيه شيء سابق. 

العمل مع المواد الطبيعية عاطفي للغاية. تقدم الطبيعة ألوانًا دقيقة وملمسًا وعيوبًا تحمل لغتها الخاصة. عندما أبدع بيديّ، أشعر وكأنني في حوار مع الأرض. هذه العملية البطيئة والمتعمدة تمنح كل قطعة سكونًا داخليًا وحضورًا روحيًا. غالبًا ما يأتي الابتكار من العودة إلى ما هو أساسي: اللمسة الإنسانية وحكمة الطبيعة وقوتها.

هل ترين أنه على النساء تحمّل مسؤولية تعليم الجيل الجديد كيفية الاهتمام بهذه الأرض؟ لماذا المرأة بالتحديد برأيك؟ وبأي سياق، هل التربية الأم لأولادها، أم عبر النظم التعليمية، أو الناشطات البيئيات؟

أعتقد أن للمرأة صلة طبيعية بالحياة، فنحن النساء نرعاها ونستمع إليها ونشعر بها بعمق. لا أرى هذا مسؤولية مفروضة، بل شيئًا ينبع من الوعي والحب. كفنانة، أكشف عن الجمال في المواد المهملة التي غالبًا ما تصبح رموزًا للمرونة والتجدد. إذا دعى عملي شخصًا ما إلى النظر إلى الطبيعة بمزيد من الحساسية والعناية، فأنا أشعر أنني أحقق هدفي.

ما هي الوسائط التي تلجئين إليها لتعبري عن أفكارك الفنية؟

أعمل مع مواد طبيعية ومُعاد تدويرها مثل الرمل والأوراق والنباتات والأقمشة المُعاد تدويرها والأصداف والبذور والأشياء المهملة. أنجذب إلى العناصر البسيطة والعضوية، وأدمجها مع تقنيات أكثر تعقيدًا عند الحاجة. تحمل كل مادة قصتها الخاصة، ومن خلالها أستكشف موضوعات الطبيعة والتحوّل والقيمة الخفية فيما غالبًا يمر دون أن يُلاحظ.

حدثينا عن مشروعك وهو Chaka Dubai، وما هو الهدف منه؟

Chaka هو مشروع شخصي أنشأته مع زوجي، المهندس المعماري باولو غالدوس. هدفنا هو جلب منظور أمريكي لاتيني جديد إلى المشهد الفني في الإمارات العربية المتحدة، منظور مرتبط ارتباطًا وثيقًا بالطبيعة والاستدامة والحوار الإنساني الهادف. جذورنا تؤثر على فهمنا للمواد والجمال، لكن رؤيتنا عالمية. من خلال عملية تنظيمية دقيقة، نختار فنانين تستحق أصواتهم الظهور، وأعمالهم تحمل العمق والأصالة. Chaka تعني جسرًا بلغة الكيتشوا، وهذا هو هدفنا: خلق مساحة تلتقي فيها الثقافات ووجهات النظر والعوالم الداخلية المتنوعة من خلال الفن.

هل تجدين دائماً المواد المستدامة التي تناسب رؤيتك الفنية؟

ليس دائمًا، وهذا جزء من جمال عملي الفني. العمل المستدام يعني الإنصات والتكيّف. أحيانًا تُوجّه المادة مسار العمل، وأنا أتركها كذلك. لا أُجبر الطبيعة على أن تُناسب رؤيتي؛ بل أسمح لرؤيتي أن تنمو من خلال الطبيعة.. هذه المرونة تجعل كل قطعة أكثر معنى وقيمة.

إلى أي مدى كانت الأرض أساسا في أفكارك الفنية وكيف عبرت عنها من خلال أعمالك؟

يكمن التحدي في العمل بمكونات من الأرض في عدم القدرة على التنبؤ: فالألوان والملمس والمتانة قابلة للتغيير. لكن عدم القدرة على التنبؤ هو أيضًا هبة. يدعوني هذا إلى التمهل والتأمل، وترك الأرض تُحدد إيقاعها. الإبداع المستدام ليس تقنيةً مُجرّدة، بل علاقة. عملي حوارٌ مع الطبيعة، مُوجّهٌ بالمادية والحركة. أستخدم عناصر بسيطة: الرمل، الأوراق، البذور، لأنها تحمل صدقًا نابعًا من الأرض مباشرةً.

ما هي رسالتك للفنانين والمصممين لحثهم على اعتماد مواد صديقة للبيئة؟

يتطلب الإبداع المستدام الصبر، والعزيمة، والحضور. إنه يُعيد ربطنا بأسباب إبداعنا. الأرض تُقدّم كل شيء، علينا فقط أن ننتبه لخطابها معنا. اختيار المواد الصديقة للبيئة يُضفي مزيدًا من الصدق، والعمق، والهدف على العمل. إنه ليس أفضل للكوكب فحسب، بل يُثري الرحلة الفنية لكلّ فنان. لا أرى الاستدامة واجبًا أخلاقيًا، بل خيارًا واعيًا. كلّ فنان يتبع مساره الخاص، والإبداع يحتاج إلى الحرية، لا إلى الضغط. خياري الشخصي ينبع من حب الأرض واحترامها. عندما تُلهم الاستدامة العمل بدلًا من أن تُلزمه، فإنها تفتح آفاقًا جديدة وتواصلًا أكثر أصالة مع العالم.

كيف يؤثر الفن على البيئة وعلى نمط الحياة والتفكير بشكل أعمق؟

يُغيّر الفن طريقة عيشنا في العالم. يُذكّرنا بأننا لسنا منفصلين عن الخلق، بل ننتمي إليه. يُبطئ الفن حركتنا، ويُصقل إدراكنا، ويكشف لنا معنىً لم يكن في السابق سوى ضجيج. يُوقظ الفن وعيًا أعمق، ويُعيد ربطنا بالذكاء المقدس الكامن في الطبيعة.

اقرئي المزيد: رانيا ملّي: الاستدامة ليست توجهًا سائدًا بل مسؤولية العاملين في المجال الإبداعي

المجلات الرقمية

قد يهمك أيضاً

اشترك في صحيفتنا الإخبارية