قواعد أساسيّة لعلاقة متينة

فرح قمر-بيروت
هي برودة قد تتسلّل ذات يوم إلى حياة الزوجين وكلّ تفصيل في يومياتهما. برودة لا تقتصر على العلاقة الحميمة فحسب، بل قد تتّسع رقعتها لتهدّد المؤسسة الزوجيّة وترسم الطريق إلى الانفصال تحت عنوان: ملل العيش تحت
سقف واحد.
يُقال إن الحبّ أعمى. هذه المقولة تنطبق خصوصاً على حالة الشغف التي يعيشها شخصان. لذا، فإنّ الاختصاصيين في علم النفس لا يرون دائماً هذا الشغف بنظرة إيجابيّة، ويفرّقون بينه وبين الحب المستقر. في بعض الأحيان، قد يتّجهون إلى اعتباره إدماناً ومرضاً خطراً. لكن هل يختفي شعور الشغف حقاً بعد ثلاث سنوات من الزواج؟
توصّل العلماء إلى إعطاء هذا الشعور عمراً معيّناً يلامس الثلاث سنوات حيث تبرد المشاعر، فيختفي الشغف ليترك مجالاً للحبّ الهادئ أو الفتور، بحسب نوعيّة العلاقة بين الزوجين. لا شكّ أنّ برودة المشاعر بين الزوجين قد توصل إلى طريق مسدود، فتؤدي إلى تفكيك الأسرة أحياناً كثيرة، بعدما يخيّم الملل وتصبح الحياة عبارة عن دوّامة من الهموم والمتاعب.

مطبّات كثيرة
بات معلوماً أنّ الحياة الزوجيّة تمرّ بمطبات كثيرة، فبداياتها تكون مفعمة بالرومانسيّة واللهفة، ثم سرعان ما تذوب تلك المشاعر مع امتداد السنوات، فتخفت نبضات القلب السريعة وتبدأ تراكمات الحياة لتلقي بثقلها على كاهل الثنائي، فيسود الفتور وتتفاقم المشاكل.
من جهة أخرى، يكمن خطر الحبّ الشغوف في مدّته القصيرة، فيتوقّف الدماغ في مرحلة ما عن إفراز الهورمون الذي كان يفرزه بداية العلاقة، وتخفّ قوّة التعلّق، لتترك مجالاً لمشاعر هادئة، يمكنها أن تتطوّر في الكثير من الأحيان إلى حبّ دائم. لكنّ عدداً من الأشخاص لا يحبّون أن يزول بركان العواطف هذا، ولا يريدون تخطّي المرحلة الأولى من الحبّ. لذا من المهم جداً أن يدرك المرء أنّ الشغف، مهما كان جميلاً وقوياً، فهو شعور عابر، يستيقظ منه بألم إن لم يكن مستعداً لفكرة زواله.
في المقلب الآخر، بقدر ما يضفي مجيء الطفل إشراقة على حياة الثنائي، فولادته تعني أيضاً ليالي طويلة يخيّم عليها التوتّر والاضطرابات على الأصعدة كافة. ولن يمرّ ذلك من دون أيّ أثر سلبي على علاقة الزوجين وعلى حياتهما الحميمة، خصوصاً في الأسابيع الأولى.

ولادة الأطفال
يلفت الاختصاصيون في علم النفس إلى أنّ ولادة الطفل بدأت تطرح صعوبات في حياة الثنائي في السنوات الأخيرة، إذ لم يكن الحديث عن ذلك رائجاً من قبل. وانقسام الثنائي إلى ثلاثي يعني بالنسبة إلى البعض نقطة سلبيّة في صلابة العلاقة. إلا أنّ إحدى الاختصاصيات تؤكد أنّه في حال كان الطفل ثمرة حبّ ورغبة من الشريكين، فلا حاجة إلى ظهور المشاكل، لأنّ هذا المخلوق الجديد عليه أن يكون رابطاً يقوّي العلاقة. كما تضيف أنّه ليس من سبب يدعو إلى التفكير في أنّ الرغبة أو عمق العلاقات ستختفي بعد الإنجاب، لكن كل شيء بحاجة إلى الوقت لكي تعود المياه إلى مجاريها، كما أنّ لكل امرأة نمطها الخاص.
إذاً، الحبّ ينمو من كلمة، ويتغذّى من ممارسة، وانطلاقاً من هذا المفهوم وبهدف تلافي الوقوع في فخّ البرودة العاطفيّة، عليك أن تصارحي زوجك في كل ما تشعرين به حيال علاقتكما وأن يصارحك هو أيضاً. من حقّه أن يعرف ما يدور في رأسك وجسمك أيضاً، ليتعلّم كيف يتعاطى معك جسداً وروحاً وأن يحترمهما. وعندما تشعرين أنت بالراحة والاطمئنان، ستزول غالبيّة الحواجز التي تعيق ثقتك بذاتك وبه، كما ستزول القيود التي تبعدك عنه جسدياً.

نماذج من الواقع
لكن كيف تخطّت بعض العلاقات حالة الفتور، وكيف وقع بعضها الآخر ضحيّة تلك المشاعر؟
رانيا التي كانت تسعى دائماً إلى محاكاة أحدث صيحات الموضة، فتترك علامات انجذاب من قبل خطيبها، وزوجها لاحقاً، لم يعد يتّسع لها الوقت لترتيب نفسها بعدما أنجبت مولودتها الأولى، فصبّت كلّ اهتماماتها في سبيل تربية الرضيعة. وبعد فترة ليست ببعيدة، اكتشفت أنّها اكتسبت وزناً زائداً وأنّ لامبالاتها بشكلها الخارجي وعدم إيجاد الوقت الكافي للجلسات النقاشيّة مع زوجها، خلقت بينهما نوعاً من الفتور، راح يتفاقم مع الوقت. تقول: «لو لم أستدرك المشكلة فوراً، لكانت علاقتنا انتهت، إذ بدأت الشجارات تزداد، ما دفع زوجي إلى تمضية غالبيّة أوقاته بعيداً عن المنزل». وتوافقها بالرأي نادية التي تعتبر أنّ الحوار هو الحلّ الأساسيّ لتلافي المشاكل الوخيمة. وتقول: «بعدما تزوّجت من سمير لمدة خمس سنوات ولم نرزق بالأولاد، رغم خضوعنا لكل العلاجات الطبيّة وصولاً إلى التلقيح ولم تأتِ بنتائج فعّالة، كادت علاقتنا تصل إلى المحكمة. ولأنّ حبّنا هو أقوى من تلك المصاعب، ارتأينا حلاً يعود ليجمعنا تحت سقف واحد من خلال الاهتمام بطفلين في أحد دور الرعاية الاجتماعيّة».
أمّا محمد، فيرى أنّه لا بدّ من وجود حالات الفتور من فترة إلى أخرى بين كلّ العلاقات، إنما يجب تخطيها من خلال القيام بنشاطات فعالة تكسر حاجز الروتين. وهذا ما يفعله عندما يشعر بأنّ الملل يقتحم جدران منزله، فيأخذ زوجته في رحلة سفر للاستجمام، أو يمضيان نهاية الأسبوع في منطقة سياحيّة مميّزة حيث يمارسان رياضات مختلفة ونشاطات ترفيهيّة تعيد تجديد رونق علاقتهما.
تكثر الأمثلة التي تشير إلى سبل التخلّص من حالة الفتور التي تستوطن كلّ منزل زوجي، إنما الأكثر نجاحاً يتركز على أساس الحوار الذي يدعو إلى الفضفضة عمّا يخالج هذا الثنائي من مشاعر، لحلحلتها بأفضل السبل.
صحيح أنّه يصعب على الثنائي أن يتخلّص من الفتور الذي يضرب المشاعر بين ليلة وضحاها، إنما بإمكانه الحدّ من تفاقمها وغلغلتها في العلاقة الزوجيّة من خلال ممارسة الحوار بشكل مستمر وتقبّل الاختلاف في الآراء والتصرّفات، ناهيك عن ضرورة معالجة الأسباب التي أدت إلى طغيان حالة الفتور على العلاقة. وإذا عجز الشريكان عن لملمة شظايا تلك المشاعر التي قد تهدّد كيان الأسرة فقد يساعد الخضوع لجلسات مع معالج نفسي في التغلب على المشكلة كي لا تؤدي إلى الانفصال.

 
شارك