دينا زين الدين-بيروت
«ما الذي يزعجني في شخصيّتي وأريد تغييره»؟ سؤال يتبادر إلى ذهن الواحدة منا من حين إلى آخر فتتنوّع الإجابات بين العصبيّة أو التشاؤم أو الخجل الزائد وغيرها من الصفات. بعد الإجابة، نبدأ في مسعى التغيير، فنراقب تصرّفاتنا لفترة قصيرة ونظن أنّنا تمكّنا من التخلّص من الطبع السيّئ أو العادة المحرجة، لكن بعد مدة نكتشف أنّنا عدنا إلى ممارسة عاداتنا القديمة وإلى التفاعل مع ما يعترضنا من مواقف بالأسلوب الخاطئ نفسه. فكيف السبيل لمعالجة نقاط الضعف في شخصيّتنا والسيطرة على طباعنا السيّئة وتغييرها للأحسن؟
توتّر على مدار الساعة
يعدّ التوتّر آفة العصر الحالي والسبب ازدياد المسؤوليات والأعباء اليوميّة، لكنّ هناك حداً فاصلاً بين التوتّر الموقّت الناتج عن المرور بأزمة عابرة وبين التوتّر طوال الوقت، وهذا ما تعاني منه سارة (31 عاماً) وهي ربّة منزل: «أشعر بأنّني قنبلة موقوتة على وشك الانفجار في أيّ لحظة، وما يزعجني أنّني غير قادرة على التحكّم بأعصابي، فأثور في وجه أولادي أو زوجي لأبسط الأسباب». تضيف السيدة الثلاثينيّة: «بدأت مؤخراً بممارسة اليوغا لأنّني لم أرغب في اللجوء إلى الأدوية المهدّئة وأشعر بتحسّن طفيف، وكلّي أمل أن تمكّنني هذه الرياضة الذهنيّة والجسديّة من السيطرة على أعصابي».
الصوت المرتفع
يتجلّى التوتّر في أشكال متعدّدة ومنها الصوت المرتفع. وعلى قدر ما تبدو هذه المشكلة بسيطة، إلا أنّ إيناس (24 عاماً) تعتبرها نقطة ضعف في شخصيّتها وتحاول بشتى الطرق التخلّص منها. تقول: «طبقة صوتي عالية جداً، وحين أتحدّث إلى أحدهم يبدو كأنّني أصرخ أو كأنّني منزعجة وغاضبة. تمرّنت كثيراً أمام المرآة على طريقة هادئة في الكلام، لكن عبثاً حاولت، فحين أنسجم بالحديث يرتفع صوتي وأفقد الكثير من نعومتي وأنوثتي».
بعيداً عن الصفات المزعجة التي تفرضها ضغوط الحياة، هناك عادات حديثة طرقت أبوابنا مؤخّراً، ومن أهمّها الإدمان على الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعيّة، لا سيما Facebook وTwitter، وتحوّلت إلى طباع تضايقنا ومَن حولنا.
إدمان Facebook
سمر (24 عاماً) تعترف بأنّها مدمنة على Facebook ولا تجد في الأمر عيباً لأنّها ترى في هذا الموقع وسيلة للتسلية والتثقيف في آن، لكنّ مَن حولها ينزعج من تسمّرها الدائم أمام شاشة Laptop أو الهاتف المحمول. تقول: «أول أمر أقوم به حين أستيقظ صباحاً هو متابعة آخر الأخبار عن طريق حسابي على Facebook ولا يمرّ يوم من دون أن أتفقّده». تكمل: «سافرت العام الماضي في إجازة وقرّرت أن أنسى كل ما له علاقة بالإنترنت، لكنّ قراري لم يدم سوى يوم واحد، وبحثت في كلّ مكان عن مقهى إنترنت حتى وجدت واحداً».
تشبّث بالرأي
العناد ليس صفة سيّئة طوال الوقت، فأحياناً من المفيد أن تدافعي عن مبادئك وقناعاتك، لكن حذار من أن يتحوّل الأمر إلى محاولة لمصادرة آراء الآخرين، وهذا ما تواجهه علياء (23 عاماً) وهي طالبة جامعيّة، فتقول: «أدرك جيداً أنّ شخصيّتي قياديّة إلى درجة لا تحتمل ولكنّني لا أعرف ما العمل، فأنا مقتنعة بأنّني دائماً على صواب وبأنّ الآخرين مخطئون، وقد خسرت صداقات حقيقيّة بسبب هذا الطبع».
الإفراط في التسوّق
أما فدوى (35 عاماً)، فتواجه مشكلة من نوع آخر، إذ تعاني من الاندفاع باتجاه التسوّق حينما تعترضها مشكلة عائليّة أو مهنيّة، ولعلّ هذه المشكلة تواجه عدداً كبيراً من النساء، فالمرأة تجد في شراء الحاجيات الجديدة متعة كبيرة لأنّها بذلك تشغل نفسها عن التفكير بما يزعجها حقاً، لكنّ هذا الحل يبقى موقّتاً.
حول هذا الأمر تقول فدوى: «لا أستطيع منع نفسي من التوجّه إلى أحد مراكز التسوّق حين أكون منزعجة أو متضايقة من أمر ما، وهذا الأمر يكلّفني مبالغ باهظة، فأنا لا أكون بحاجة إلى ما أشتريه ولكنّني أقوم به للترويح عن نفسي». تكمل «أخاف أن يتحوّل الأمر إلى إدمان، لكنّني أواسي نفسي بالقول إنّ أكثر من نصف نساء العالم يواجهن مشكلتي وإن بدرجات متفاوتة».
الطعام في أوقات الغضب
تلجأ بعض النساء إلى الطعام حين تتكاثر عليهنّ المشاكل، فيجدن فيه ملاذاً آمناً يخولهنّ نسيان ما يواجهنه، فترتفع معنوياتهن، لكنّ الرضى الذي يحصلن عليه يكون موقّتاً كحال النساء اللواتي يلجأن إلى التسوّق. سلام (41 عاماً) من هذه الفئة، وقد زاد وزنها أكثر من 7 كيلوغرامات بسبب قلقها الدائم وتوتّرها الناتج عن تأخّر ابنها في دراسته. تقول: «أعرف أنّ ما أقوم به خاطئ ويؤذي صحّتي، لكنّني لا أستطيع منع نفسي من تناول الحلويات حين أكون متوتّرة، وأحاول جاهدة أن أقوّي إرادتي ولكنّ كل محاولاتي تبوء بالفشل».
صراحة زائدة عن الحد
يجد البعض أنّ الغموض من أسوأ الصفات في الآخرين، لكنّ الصراحة الزائدة عن حدّها ليست مستساغة تماماً كالغموض. تقول فاديا (27 عاماً)، موظّفة في شركة محاسبة: «من الصعب أن أتعرّف إلى أصدقاء جدد، والسبب أنّ كثيرين يبتعدون عني بسبب صراحتي الزائدة. أشكر الله أنّ رفاقي القدامى معتادون على صراحتي ويعرفون أنّني لا أضمر من ورائها أيّ شر».
الخجل أمام الآخرين
من جهتها، تعاني هبة (25 عاماً) منذ أيام الدراسة الثانويّة من مشكلة التحدّث والتعبير عن آرائها وأفكارها أمام الآخرين، فهي ترتبك وتتلعثم حين تواجه مجموعة من الناس ولا سيما إذا كانوا في مركز أعلى من مركزها. تتحدّث الشابة عن مشكلتها: «كان طموحي أن أدرس المحاماة، لكنّني تخلّيت عنه حين علمت أنّ الدراسة تتطلّب امتحاناً شفهياً أمام لجنة من الأساتذة، وما زلت حتى اليوم أخاف وأرتبك حين ألتقي بأناس غرباء».
تضيف هبة: «لعلّ مشكلتي تعود إلى طبيعتي الخجولة، فمنذ طفولتي أكره كثرة الاختلاط ولذلك أبقي دائرة معارفي صغيرة، لكنّ الأمر يزعجني كثيراً وأفكر باستشارة طبيب نفسي لكي أتخلّص من هذه المشكلة وأمارس حياتي بشكل طبيعي».
القرار الصعب
تقول الاختصاصيّة في علم الاجتماع نهاد شعبان: «التغيير هو الشيء الوحيد الثابت في الحياة، هذا المبدأ الفلسفي هو الرد الطبيعي والمنطقي على كل مَن يجد صعوبة في تغيير طباعه السيّئة، فلا شيء مستحيلاً أمام الإرادة. المطلوب إذاً في حال أردتِ أن تغيّري طبعاً معيّناً أو عادة تزعجك، أن تأخذي قراراً وتقومي بكل ما يلزم لتنفيذه».
التغيير ممكن دائماً
تعتبر الاختصاصيّة أنّ غالبيّة الصفات والطباع لا تولد مع المرء، بل هي مكتسبة وتختلف بالتالي باختلاف ظروف نشأته وتربيته وبيئته الاجتماعيّة: «هذا يعني أنّ إجراء تعديلات بسيطة على نمط الحياة كفيل مع الوقت بجعلك تتخطّين ما يزعجك فتتمكّنين من لمس التغيير نحو الأفضل».
يبدأ الطريق نحو الحل بأن تحدّدي سبب المشكلة، فبحسب شعبان يتوجّب عليك أن تسألي نفسك مثلاً: ما الذي يدفعني إلى المبالغة في التشاؤم أو إلى هذه الدرجة من العصبيّة؟ كما ينبغي أن تضعي نفسك مكان أولئك الذين تنفسين عن غضبك فيهم، حينها ستعرفين أنّك كنت مخطئة بحقّهم، وسيزيد إصرارك على تغيير طبعك المزعج».
معادلة صعبة إنما ضروريّة
من جهة ثانية، تتطرّق الاختصاصيّة إلى الطباع التي تؤذي صاحبتها وتنعكس سلباً على حياتها ومستقبلها أكثر من انعكاسها على حياة الآخرين. تقول: «تنهمك بعض السيدات بالتحصيل العلمي، فينسين من دون قصد الاهتمام بمظهرهنّ الخارجي أو بالشريك، ويحصل العكس أيضاً كأن تركّز المرأة على نفسها فتنسى مسؤولياتها الأخرى، وهنا على النساء تحديد أولوياتهنّ وتخصيص الوقت الكافي لأنفسهنّ بالدرجة الأولى، للزوج والأولاد بالدرجة الثانية وبعد ذلك للدراسة أو الوظيفة».
نصيحة المقرّبين لا تثمّن
تنصح الاختصاصيّة النساء باللجوء إلى الأشخاص المقرّبين منهنّ لمساعدتهنّ في التغلّب على الطبع السيّئ. تقول: «كثيرات منّا لا يعرفن ما هي الأمور التي تزعج الآخرين في طباعهن، فلا ضير من السؤال، الجئي إلى زوجك أو أختك أو صديقتك الحميمة، وحين يجمعون على طبع مزعج فيك، تقبّلي رأيهم من دون اعتراض فهم يريدون مصلحتك».
تضيف شعبان: «خذي بنصيحة مَن حولك، فالآخرون قادرون على إعطائك رأياً موضوعياً وعلى تقديم مشورة حسنة ومفيدة، بينما سيكون من الصعب عليك رؤية مكامن ضعفك، لأنّنا في العادة لا نرى أخطاءنا ونجد صعوبة في الاعتراف بعيوبنا».
تجربة ليوم واحد
تطلب الاختصاصيّة من الراغبات في تغيير طباعهنّ محاولة التصرّف ولو ليوم واحد بعكس طريقتهنّ المعتادة. تشرح فكرتها بالقول: «أنتِ عنيدة؟ جرّبي أن توافقي الآخرين على اقتراحاتهم من دون نقاش، أنتِ خجولة؟ قولي كل ما يخطر على بالك من دون خوف… في حال جرّبت هذه الطريقة، ستشعرين بسعادة لا توصف وستكسرين حاجزاً كبيراً يكبّل تصرّفاتك ويمنعك من أن تتغيّري».