كريستيل زيادة-بيروت
لا يخفى على أحد أنّ محبّة الأم لأطفالها لا تعرف حدوداً، غير أنّها قد تتعدّى الخطّ الأحمر في بعض الأوقات حين تتحوّل الوالدة إلى طيف يلاحق الأطفال أينما تواجدوا.
قد تجهل الأم التي تفرط في الاهتمام بطفلها أنّها تسبّب له الأذى بدلاً من أن تحميه، وقد لا تدرك أنّ طفلها يرتكب الأخطاء أيضاً، لذا فهي تفشل في تنمية شخصيّته ووضعه بالتالي على الطريق الصحيح.
يتمتّع معظم الأطفال الذين حصلوا على حماية مفرطة في حياتهم بشخصيّة هشّة وبعدم الثقة في النفس. لا شكّ أنّ الاهتمام الذي يتعدّى حدود العقل والقلب لا يصبّ أبداً في مصلحة الطفل ولا يكفّ عن زيادة مخاوف الأهل. لهذه الأسباب، يتعيّن عليك أن تتيحي لطفلك الذي سيصبح قريباً في سنّ المراهقة الفرصة كي يتمكّن من مواجهة التحدّيات الصعبة ويتغلّب عليها.
تعرّفي في ما يلي على المؤشّرات التي تسمح لك باكتشاف ما إذا كنت تبالغين في حماية طفلك، فضلاً عن المخاطر التي قد تنجم عنها، واطّلعي على أهمّ النصائح الواجب اتّباعها كي تساعديه على الاتّكال على نفسه.
عواقب ونتائج
ينتقل الطفل من مرحلة الاتّكال التام على أهله إلى الاستقلاليّة مع اقترابه من سنّ المراهقة. لكن حين يحاول بعض الأهل، لا سيّما الأمهات، الحدّ ومن دون قصد من تلك الاستقلاليّة، سيؤدي الأمر إلى تحلّي الطفل بصفات غير مستحبّة وبشخصيّة ضعيفة تؤثّر سلباً عليه وعلى المحيطين به، تعرّفي إلى أهمّها في ما يلي:
– افتقاد الطفل لطيبة القلب والتعاطف مع الآخرين لأنّه لم يتعلّم يوماً سوى الاهتمام بنفسه ولم يعرف أصول العطاء في المقابل.
– عدم تحمّله أبسط المسؤوليات لأنّه اعتاد الاتّكال على والدته منذ صغره ولم يكن يوماً مسؤولاً عن أفعاله.
– عدم تقبّله أيّ انتقادات سلبيّة وبنّاءة.
– فشله في إقامة علاقات صداقة، لأنّه اعتاد التدليل والعناية به طوال فترة نموّه.
– عدم تقديره لقيمة الأغراض الثمينة والباهظة وتبذير الأموال بشكل يفوق الطبيعة، لأنّه اعتاد الحصول على مبتغاه مهما كان ثمنه.
– فقدان الثقة بالنفس، لأنّ الطفل لم يعتد اتّخاذ القرارات أو مواجهة أيّ تحدّ من دون تدخّل الأهل والأخذ برأيهم.
هل تبالغين في حمايته؟
هل تتساءلين ما إذا كنت تنتمين إلى شريحة الأمهات اللواتي يفرطن في حماية أطفالهن؟ إليك في ما يلي بعض التصرّفات التي تدّل على تخطيك هذه الحدود: ينتابك إحساس بالأرق الدائم وتبقين مستيقظة لساعات متأخّرة من الليل للاهتمام بحاجاته وللتأكّد من خلوده للنوم وعدم شعوره بأي انزعاج، تشعرين بأنّك مرغمة دائماً على حلّ مشاكله، تفكّرين باستمرار بصحّته، تواظبين على القيام بالأمور التي يتعيّن عليه القيام بها بنفسه… إذاً، فأنت تفرطين في الاهتمام به ويجب عليك الانتباه لتصرّفاتك.
دعيه يتكل على نفسه
لا يحبّ الأهل الذين يبالغون في حماية أطفالهم أن يرونهم حزينين، فيحرصون على حمايتهم من أي أذى أو فشل أو ضغوط ويؤمّنون لهم كلّ وسائل الراحة. قد تكون تلك التصرّفات صائبة، إنما هل فكّرتِ يوماً أنّ طفلك لن يتمكّن من مواجهة الأحداث اليوميّة بمفرده وإقامة توازن بين الأمور الجيّدة وتلك السيّئة التي تفرضها الحياة عليه؟
إليك في ما يلي بعض الخطوات التي يجب أن تتّبعيها كي تعوّديه الاتّكال على نفسه:
– افسحي له المجال كي يتّخذ القرارات الشخصيّة بنفسه وكي يشعر بأنّه مستقل.
– دعيه يكتشف أخطاءه بنفسه ويتحمّل العواقب التي تسبّبت بها تلك الأخطاء، وليتحمّل بمفرده مسؤوليّة حلّها.
– بدّلي طريقة حديثك مع طفلك ولا تملي عليه الأوامر.
– لا تلبّي له كل طلباته، لأنّه من غير المنطقي أن يكون سعيداً في الأوقات كافة. ولا تنسي أنّه إن اعتاد الحصول على مبتغاه بسرعة وسهولة، سوف يتحوّل إلى شخص مدلّل، ما ينعكس سلباً على تصرّفاته.
– استمعي إلى الأفكار التي يطرحها ولا تنتقدي طموحاته، فمن خلال إصغائك له ستظهرين مدى اهتمامك بحديثه المشوّق.
– علّمي ابنك المراهق الدفاع عن نفسه، فقد حان الوقت لأن يصبح مسؤولاً عن تصرّفاته.
– أبعديه عن المسائل المنزليّة والشخصيّة التي لا تناسب سنّه، شأن المشاكل الماديّة والمدفوعات المتوجّبة على الأسرة، ودعيه يركّز على الأمور التي تهمّه.
– ادعمي القرارات التي يتّخذها وقدّمي له النصائح من صديق إلى صديق.
– شجّعيه على الخروج بمفرده مع أصدقائه إلى الأماكن العامة.
– اسمحي له بدعوة أصدقائه إلى المنزل وأفسحي لهم المجال ببعض الخصوصيّة.
– أخيراً، لا تنسي أنّ طفلك مهما كبر واستقلّ عنك، فهو بحاجة أحياناً إلى نصائحك، لكن لا تبالغي في دعمك له.
لا تفرضا عليه مستقبله
في غالبيّة الأحيان، يواجه المراهق الذي تجاوز الـ17 عاماً صعوبة في اختيار الاختصاص الذي يستهويه في الجامعة. وقد يأتي سبب حيرته نتيجة لتأثّره بخيار والديه اللذين كانا ولا يزالان يتّخذان كل القرارات في حياته. لهذا السبب، يجب أن تتركا لابنكما حريّة اختيار الاختصاص الذي يحبّه، بإمكانكما أن ترشداه وتسديا إليه النصائح لكن من دون أن تفرضا آراءكما.