سمر معتوق-بيروت
ثقتنا بنفسنا لم تولد معنا، هي تحتاج إلى تقدير الذات والخبرة الطويلة والتحلّي بالجرأة بهدف التوصّل إلى تحقيق الذات. سواء كانت ثقتك بنفسك قويّة، ضعيفة أم مفقودة، من الضروري أن تغذّيها لكي تتمكّني من مواجهة الظروف الصعبة بحزم. نقدّم لك بعض النصائح التي سوف تساعدك على مواجهة الآخرين والنّجاح في كل ما تبدئين العمل عليه!
الثقة بالنفس عبارة عن شعور ذاتي، وهذا الشعور هو أساسي في الحياة. إنّ الإفراط في الثقة بالنفس يخفي عادة نوعاً من الاضطراب قد يؤدّي إلى تجاوز الحدود، إلى جنون العظمة. في المقابل، من الممكن أن يؤدّي عدم الشعور بالثقة بالنفس إلى الإصابة بالاكتئاب. ولكي يصل الشخص إلى أن يتمتّع بالثقة بالنفس، يجب أن تجتمع عنده مجموعة معيّنة من العناصر. إنّ الرابط العاطفي المتين المبني على صورة العطف الذي يمثّله الأهل، أساسي في تكوين هذا الشعور القوي من الهويّة، من الوجود. فحين يشعر الطفل بأنّ هناك من يدعمه، يشجّعه، يراقبه بحبّ، يصبح تلقائياً شخصاً اجتماعياً وودوداً، وبالتالي يمكنه أن يحبّ نفسه. وهذا الشعور يتجدّد وينمو على مدى مرحلة الطفولة والحياة. أبرز مثال على ذلك هو المراهق: فهو يشعر بأنّه بحالة جيدة عندما يقع في الحب، يفترق عن الحبيب، يشعر بالحزن ثمّ يقع في الحب من جديد. في هذه الحالة هو يكتسب القدرة على تخطّي الفشل ويقوّيها.
كيف تجدّدين شعورك بالأمان الداخلي؟ يجب عليك التقدّم تدريجياً بدءاً من الأسهل إلى الأكثر تعقيداً. فلا توعدي نفسك بأهداف طموحة أكثر من اللازم ولكن قومي بما قد لا يجرّك إلى الفشل. استعملي الطرق الجانبيّة: نشاطات تسلية، رياضة، طبخ… لا يهمّ ما تقومين به، المهمّ أن تجدي لنفسك صورة ودودة، ومع الوقت تستعيدين نظرتك المتعاطفة مع نفسك. هذا هو نوع من علم النفس اليومي. لكن تذكّري، إذا انحرفت هذه الثقة عن مسارها بشكل قوي إلى حدّ يغرقك في حالات اكتئاب حادّة، ففي هذه الحالة، أنت بحاجة إلى تدخّل علاجي ومن الأفضل استشارة طبيب النفس الذي وحده يمكنه مساعدتك.
أمّا عدم الثقة بالنفس، فتظهر عادة في:
– الشعور بالدونيّة: تقارنين نفسك على الدوام بالآخرين وتبالغين في تقديرهم، بينما لا تجدين في نفسك إلا العيوب.
– الشعور باليأس: فإلى جانب هذا الشعور بالدونيّة، تصبح كلّ مهمّة بنظرك محكومة بالفشل.
– الشعور بالخجل: تشعرين دائماً بأنّك في نظر الجميع إنسانة «فاشلة».
انظري جيداً إلى الوضع
النظر إلى الوضع لا يهدف إلى التقليل من أهميّته أو وضعه في المستوى نفسه مع غيره، إنّما اعتباره كما هو وبما هو عليه من أجل التوصّل إلى واقع المقارنة. هذه الخطوة من التنظيم تبدو أساسيّة عندما يسيطر علينا الخوف. فإذا نظرت جيداً إلى ما يخيفك، يمكنك أن تسيطري عليه من خلال السيطرة على كلّ الوضع الذي يقلقك بدلاً من أن تعيشي هذا الوضع كاضطراب عاطفي. اسألي نفسك: إلى أي حدّ يمكن أن يكون خوفي مبرّراً؟ كيف يمكنني أن أهدّئ من هذا الخوف؟ وهذا كلّه سوف يجعلك تفكّرين بحكمة.
تعرّفي على الحالات المزعجة
أوّل ما يمكنك القيام به هو التعرّف على نقاط ضعفك في الحياة اليوميّة من خلال التعرّف على كيفيّة ترجمة عدم الثقة بالنفس يومياً: تواجهين صعوبة في طلب بعض الأشياء، في تحقيق بعض الأعمال، التكلّم أمام الجموع… في الواقع، لا يمكن العمل على مفهوم كليّ ومن الضروري تفصيل وحتّى وضع لائحة محدّدة بالنقاط والحالات المزعجة. يجب عليك إذاً أن تواجهي الحالات الصعبة شيئاً فشيئاً، لأنّ قلّة الثقة في النفس تتغذّى من عدم مواجهة ظروف معيّنة.
أقيمي علاقة صداقة مع نفسك
إنّ معظم الناس الذين يعانون من مشكلة الثقة بالنفس هم عادة يتوقّعون من أنفسهم الكثير. فعندما يفشلون، يقومون بمناجاة أنفسهم ومعاتبتها بأسلوب قاس، فيخفّضون من قيمة أنفسهم، يقولون إنّهم فاشلون، غير قادرين على القيام بأي شيء… وعلاقة تسمّم الذات هذه تكون متواصلة ومعقّدة. تعلّمي أن تتكلّمي مع ذاتك وكأنّك تكلّمين صديقة لك. فعندما تفشل صديقتك أو تواجه المشاكل، أنت لا تقولين لها إنّها فاشلة وغير قادرة على تخطّي ذلك. على العكس، تقومين بمساندتها وتظهرين نقاط القوّة عندها وتبرهنين لها أنّ ما حصل هو حافز للتغيير وليس دليلاً قاطعاً على العجز.
أعيدي التركيز
من أجل أن تستعيدي ثقتك بنفسك، من الضروري أن تبدئي بإعادة تركيز نفسك. وهذا عكس ما نعيشه عادة ويومياً: قلق شديد تجاه الواجبات اليوميّة، عدم القدرة على التركيز، إحساس بالتشتّت. كيف يمكنك أن تعيدي التركيز، أن تهدئي وتجدي نفسك، من جديد،
بهدف استعادة ثقتك بنفسك؟
كلّ ما في حياتنا يدعونا إلى التشتّت. فبينما نتصارع مع الأعمال والواجبات العديدة، يجب علينا أيضاً أن نستجيب لعروض أداء متعدّدة ومختلفة: أن نكون فعّالين في عملنا، على المستوى المطلوب في حياتنا الزوجيّة والعائليّة، أن نحافظ على جاذبيّتنا… وبهذا، نحن مجبرون على أن نفصل بين القوّة العقليّة والأحاسيس والجسد، وكأنّه من السهل العيش مع إحداها دون الأخرى.
ولكي تتمكّني من التركيز وتتخلّصي كليّاً من كلّ ما يقف في طريقك، يجب عليك أولاً أن تتصالحي مع نفسك وتتّحدي بها. وهذا ما تقدّمه إليك مثلاً ممارسة التأمّل أو اليوغا. فهي تقودك إلى أن تعي أفكارك التي تحرّكك وأن توجّهيها بطريقة أفضل. من الضروري أن تكوني مرتاحة جسدياً لأنّ الجسم يعكس علامات قلّة الثقة بالنفس (توتّر، احمرار، تلعثم…) والقيام بتمارين الاسترخاء تساعدك على تخفيف الضغط والسيطرة أكثر على مشاعرك. بالإضافة إلى أنّه من خلال العمل على ربط الروح بالجسد، سوف تتوصلّين إلى أن تشعري بانفتاح أكبر وأن تتعاملي مع الآخرين برويّة أكثر وهدوء.
تحرّكي وابذلي جهداً
لا يمكنك معالجة مشكلة الثقة بالنفس من خلال التفكير فقط ولكن من خلال التحرّك. فعندما تنتهين من وضع لائحة بالحالات الصغيرة التي اعتدت تجنّبها (طلب معلومة من أحد في الشارع، رفض أمر ما…)، يجب عليك البدء بالتخطيط لبرامج التدريب. وكلّما زادت برامج التدريب، كلّما تقدّمت. لكن يجب ألا تبدئي بحالات صعبة، فمثلاً إذا كنت تواجهين صعوبة في الكلام ضمن اجتماع عمل بحضور العديد من الزّملاء، فيمكنك التدرّب أولاً في حضور أشخاص تعرفينهم مثلاً خلال غداء مع الأصدقاء: تدرّبي على الكلام، اسألي المزيد من الأسئلة، ابدئي بالحديث، أخبري القصص…
هل تحتاجين إلى المساعدة؟
يمكنك مساعدة نفسك إذا كانت ثقتك بنفسك ضعيفة وليست معدومة. بداية، يجب عليك تحديد بوضوح الصعوبات والتحلّي حقاً برغبة وإرادة التغيير. وهذا التغيير يجب أن يتمّ بطريقة تدريجيّة. ابدئي بالعمل على الحالات المزعجة والمقلقة وابقي واقعيّة بصورة خاصّة. فإذا كانت أهدافك طموحة جداً، لن تتمكّني من تحقيقها وقد تشعرين بإحساس الفشل، ما قد يعيدك إلى نقطة البداية. كما أنّ قراءة بعض المراجع المتخصّصة حول تطوير الذات مثلاً يمكن أن تكون دعماً أساسياً في مساعدتك. من جهة أخرى، إذا لم تتمكّني من مساعدة نفسك وكانت مشكلتك كبيرة، فمن الضروري أن تلجئي إلى مساعدة الاختصاصيين حيث يهدف العلاج إلى التقدّم على مراحل من أجل التوصّل إلى تغيير السلوك وإثبات الذات.