سمر معتوق-بيروت
لم تكن سيطرة المظهر الخارجي بهذه القوّة كما هي اليوم. تريدين أن تثبتي نفسك اجتماعياً؟ ترغبين في أن تنجحي مهنياً؟ تبحثين عن شريك حياتك؟ كوني جميلة! أمام كل تلك الضغوط، كيف تخلّصين نفسك من حملة الجمال هذه؟ لأنّه لا يكفي أن تكوني جميلة، بل أيضاً يجب عليك أن تتصالحي مع صورة الجمال تلك. تجرّئي على تغيير نظرتك إلى نفسك، أثبتي اختلافك وتميّزك واعتني بنفسك، تصلين إلى طريق الجمال الحقيقي.
«هل أنا اليوم جميلة؟» قد تكون هذه الجملة أوّل ما تفكّرين به في كلّ صباح أمام المرآة. وكأنّ المرأة، إذا افتقدت للجمال، افتقدت لجزء من كيانها. من هنا، تولد محاولة تحقيق المزيد والأفضل. ولكن، لمن؟ لماذا؟ يرى بعض اختصاصيي علم النفس أنّ فكرة أن يكون الشخص جميلاً تستلزم وجود شخص آخر ليشاهد هذا الجمال. فعندما نقف أمام المرآة، غالباً ما نفكّر برأي الآخرين وبنظرتهم ومدى إعجابهم بنا أو مدى رفضهم لنا.
اليوم، نعيش تحت ضغط تحقيق الجمال المثالي الذي يتمثّل على الدّوام بخسارة خمسة أو عشرة كيلوغرامات من الوزن وبزيادة عشرة إلى خمسة عشر سنتمتراً من الطول. قد نتظاهر بأنّنا نؤمن بأنّ دور الجمال ليس هاماً بقدر ما هي الميزات الإنسانيّة الداخليّة، لكن جاءت العديد من الدراسات لتثبت عكس ذلك. فالمرأة التي تهتمّ بنفسها يُنظر إليها على أنّها مندمجة اجتماعياً أكثر وجذابة أكثر، وأكثر أنوثة! وفي مواجهة كلّ هذا السعي إلى الجمال المصوّب علينا، كيف لا يمكننا أن نكون في صراع مستمرّ مع أنفسنا ويكف لا يمكن أن يحطّمنا كلّ ما نفتقد إليه أو نؤمن بأنّنا نفتقد إليه: رشاقة، جسم مشدود، عضلات، بشرة من دون تجاعيد، شعر أكثر لماعيّة؟
مفهوم الجمال قديم
في العقدين الأوّلين من القرن العشرين، كانت لا تزال مسيطرة الكثير من النظرات المتعلّقة بالجمال والمرتبطة بالقرن التاسع عشر. ففي عهد الملكة فيكتوريا، كان يعتبر أنّه من واجب المرأة أن تكون جميلة. وفي بداية القرن العشرين، أضيف إلى هذا الواجب فكرة أن تعمل المرأة على أن تكون ممتعة وخلّاقة وأن تتمتّع بأسلوب خاص وجميل. وأحد أهمّ عناصر مفهوم الجمال لهذا القرن والذي يميّزه عن القرن التاسع عشر هو النظرة إلى مستحضرات التجميل، بحيث إنّ هذه الأخيرة كانت مرفوضة من المجتمع في الماضي، بينما صناعة مستحضرات التجميل اليوم تطوّرت من صناعة للماكياج المسرحي فقط (Helena Rubenstein وMax Factor) إلى منتجات تتوجّه للاستخدام اليومي.
الجمال… عبء علينا
الجمال هو قبل كلّ شيء نظرة شخصيّة، كما أنّ مفاهيم الجمال تختلف بحسب التقاليد والحضارات. وعندما يسأل عن مفهوم الجمال، يأتي دائماً الجواب: هو ذروة الأنوثة، هو الجمال الطبيعي والثقة بالنفس. كما أنّ كثيرين يقولون إنّ المرأة الجميلة هي المرأة المبتسمة والمتصالحة مع نفسها. لكن الحقيقة هي عكس ذلك: فالجواب يأتي نسبة للمجتمع الذي نحلم به وليس نسبة للواقع الذي نعيشه.
اليوم يعتبر الجمال حجر أساس في حياة الشخص، حتّى أنّ الاهتمام بالمظهر الخارجي بات ميزة من ميزات الصحّة العقليّة. لكن يمكن لمتطلّبات الجمال أن تكون عبئاً علينا. ففي الماضي، كانت العناية بالمظهر الخارجي مرتبطة بجمال الوجه ومستحضرات التجميل وتصفيف الشعر والموضة. أمّا اليوم، فأضيفت إليها ضرورة الاهتمام بالجسم ككلّ للمحافظة على شباب دائم ورشاقة مستمرّة، وهو عبء إضافي من الصعب مواجهته. منذ حوالى عشر سنوات، كانت 30% من النساء بين الثامنة عشرة والسبعين من العمر غير راضيات عن أجسامهنّ. اليوم، أصبحت هذه النسبة 48% وهذا الرقم يدلّ على الهوّة بين الحملات الإعلانيّة التي تقول إنّ الجمال في متناول الجميع وبيّن الواقع المختلف الذي تعيشه كلّ امرأة.
نظرة المجتمع إلى الجمال
ترتبط الأنوثة ارتباطاً وثيقاً بالجمال. فهي تقيّم بحسب معايير الجمال حيث تنتشر في مجتماعتنا صوراً لنساء «كاملات» بعيدة كلّ البعد عنّا ولا تشبهنا أبداً، كما تنقل وسائل الإعلام صورة للجمال يريد الكلّ التشبّه بها. بهذا، يكون جسد المرأة هو الورقة الرّابحة في المجتمع وتبرز التقنيات الأحدث من أجل نحت هذا الجسم أيضاً وأيضاً ليكون رمزاً أبدياً للجاذبيّة.
لا يمكن أن ننكر كم أنّ الصورة الجماليّة التي ينقلها المجتمع تؤثّر في سلوكنا وتصرّفاتنا. وهذا ما يدلّ عليه النجاح الضخم لمستحضرات التنحيف والجراحات التجميليّة. لكن، تكمن المشكلة الكبرى في أنّ بعض مراحل الحياة تكون أكثر حساسة من غيرها: فمثلاً، خلال المراهقة، تبحث الفتيات الشابّات عن هويتهنّ وعن مثال يقتدين به. وهنا تأتي صورة الجمال والرشاقة التي ينقلها المجتمع لتولّد العديد من المشاكل مثل اضطرابات السلوك الغذائي كالأنوركسيا وغيرها.
أصبح الجمال اليوم واجباً على المرأة في المجتمع، لكن ولسوء الحظ، هذا الواجب هو في الواقع فرض اجتماعي.
من هم أعداء نظرتك إلى نفسك؟
الإعلان: يعمل هذا المصنع الضخم على بيع الأحلام والجمال المزيّف وصعب المنال والوهم. يقدّم إليك صوراً ساحرة و«كاملة» تعتقدين أنّه يمكنك التشبّه بها، شرط شراء هذا أو ذاك المنتج بالطبع. بصورة عامّة، إذا لم تصبحي مثل أجمل العارضات في العالم، فالغلطة غلطتك! أنت لا تقومين بأيّ مجهود مع أنّ كلّ الوسائل بين يديك.
الإعلام: وسائل الإعلام التي تتوجّه للمرأة هي الأولى ربّما في نشر جمال يرتكز أساساً على الرشاقة والشباب. في الواقع، تنتشر صور معدّلة لفتيات لا يتعدين الثانية والعشرين من العمر، حتّى لو كان الموضوع محاربة التجاعيد. كما أنّ التلفزيون هو من مسوّقي الجمال والرشاقة والشباب حيث كلّ امرأة هي ««كاملة»، بعيدة كلّ البعد عن الواقع.
المشاهير: يظهرون على غلاف المجلات أو على شاشات التلفزيون ويصرّحون بأنّ الأساس هو «الجمال الداخلي» أو بأنّهم يتناولون الشوكولا والهمبرغر طوال النهار من دون كسب غرام واحد والفضل يعود «لعمليّة الأيض» التي يتمتّعن بها. وأنت أيضاً، لو كان لديك في المنزل طبّاخ خاصّ ومصفّف شعر ومدرّب خاصّ، لكنت ساحرة في كلّ لحظة! لكن، بالنسبة إليهم، الجمال والمظهر الخارجي هما مصدر قلق أكثر ممّا هما بالنسبة إليك لأنّ مستقبلهم كلّه يعتمد على ذلك.
غيّري نظرتك إلى شكلك!
هناك، كما ألوان قوس القزح، جمال متعدّد بأشكال وجوانب جسديّة مختلفة. كلّ واحدة فينا مدعوّة لأن تنظر إلى سحرها الخاصّ، بكلّ حريّة، في علاقة مع ذاتها من دون الالتفات إلى ذاك الجمال البعيد عن الواقع والممجّد في كل مكان. هو اكتشاف خاصّ وشخصي وحميم، فعندما تستيقظين صباحاً، قولي لنفسك: «اليوم بشرتي جميلة ومشرقة، أشعر بخفّة وبأنّني جميلة ولكن يجب أن أغيّر لون شعري هذا» عوضاً من القول: «أشعر بأنّني منتفخة وبدينة ويجب عليّ أن أتسوّق لأبدو أصغر سنّاً». هي مسألة تقبّل الذات عوضاً عن الحرب عليها، الاعتراف بالميزات عوضاً عن محاولة كبتها ومحوها. وهذه العمليّة في قبول الجمال الجسدي والجمال الباطني يعترف بفعاليّتها عدد كبير من اختصاصيي النفس والمعالجين، وهي طريق طويلة تتخلّلها مراحل عدّة مختلفة كلّ الاختلاف عن السرعة في التغيير التي تعدنا بها وسائل الإعلام والإعلان. أوّلاً، يجب عليك أن تعي نظرتك إلى ذاتك من خلال البحث عن نقاط القوّة في جسمك وجاذبيّتك والتركيز عليها، ثمّ حاولي أن تؤكّدي على جمالك الخاصّ من خلال التصالح مع قيمك ومبادئك وتاريخك وحياتك. أمّا في حال الحاجة إلى مساعدة وعلاج للتخلّص من هذه المشكلة، فإنّ طريق العلاج تكون طويلة حيث يأتي أولاً الرفض ثمّ الإنكار ثمّ الغضب والاكتئاب وأخيراً تقبّل الذات. وعندما نصل إلى مرحلة أخيرة نتوصّل فيها لأن نحبّ ما يميّزنا ونتجرّأ على الكشف عنه، عندها نحرّر جمالاً رقيقاً وفريداً. وهذا السكون والإشراق الداخلي الذي ينعكس على الخارج هو أوّل ما يلاحظه الآخرون.
تذكّري، إنّ الجمال الإنساني عموماً، والأنثوي خصوصاً، هو خليط ناعم تمتزج فيه الحركة والشخصيّة والصوت بأسلوب متناسق ومنسجم. فالشكل الجسدي فقط غير كاف: إنّ الأجسام تصبح أجمل عندما تسكنها نظرات العيون وتعابير الوجه والحركة وحتّى طريقة الكلام.