نهى زايد: صوري رقصة جميلة بين معايير المجتمع واحتضان الحرية

تشارك المصورة المصرية الشابة نهى زايد طريقتها في رؤية ما حولها من خلال الكاميرا، تعشق الأمور على حقيقتها، خام في الحياة أو الطبيعة، صريحة ومباشرة برسائلها ومعانيها وتأثيرها، هي التي أبهرها الخط العربي وجماليته فأصدرت كتاباً قيماً حمل عنوان Khatt: Egypt’s Calligraphic Landscape، وتشارك محبي التصوير أعمالها المتقنة عبر حسابتها على إنستغرام nohazayed@، فماذا تقول عن أسلوبها وكيف تصف نظرتها الخاصة لأهمية الصور في وقتنا الحالي.

متى عرفتِ أنّ التصوير الفوتوغرافي هو المجال الذي يثير اهتمامكِ؟ وأنّكِ تريدين التواصل مع الآخرين من خلال الصور التي تلتقطينها؟

جاء إلهامي الأول من والدي الراحل، الذي كان مصوراً فوتوغرافياً ورحالاً مكتشفاً للعالم والحياة، وكان يستضيف الحفلات لمشاركة قصصه وصوره من خلال جهاز عرض الشرائح التقليدي الخاص به، فيجلب لأعماله الإعجاب والتصفيق لساعات. هكذا نشأت مع التصوير الفوتوغرافي، واعتبرته وسيلتي لاستكشاف العالم والتعرّف عليه ومشاركة القصص وإلهام من حولي معاني التعاطف والتشارك مع الغير.

وفي عام 2011، عندما بدأت بالسفر على نطاق واسع عبر مصر، اتخذ افتتاني بالكلمة المكتوبة منعطفاً جديداً. لقد انجذبت بشكل خاص إلى الحضور الغزير للخط العربي والطباعة، ما دفعني للبدء في التقاط وأرشفة صور الخط المرسوم باليد في جميع أنحاء البلاد. وقد تُوج هذا المشروع في نهاية المطاف بنشر كتاب الصور الفوتوغرافية الخاص بي: " Khatt: Egypt’s Calligraphic Landscape ".

وجدت دائماً صعوبة في التعبير عن مشاعري وأفكاري من خلال اللغة المنطوقة أو المكتوبة، لذا منحني التصوير الفوتوغرافي، في صَمته البليغ، طريقة مدروسة للتواصل والتقاط المشاعر والقصص واللحظات في إطار صورة. بالنسبة لي، إنه شكل من أشكال التعبير الذي يبدو شخصياً للغاية ولكنه مثل لغة مفهومة عالمياً.

إلى أي مدى تؤثّر تفاصيل أي صورة في لفت انتباه المشاهد إليها وجعله يتأملها بشكل أعمق ويفهم معانيها؟

تُعد التفاصيل الموجودة في الصورة أمراً بالغ الأهمية لجذب انتباه المشاهد ودعوته إلى تأملها بشكل أعمق. كل صورة نراها غنية وغزيرة بالمعلومات والمعاني، لكن علينا بدايةً أن نكون على استعداد للنظر عن كثب، مع الاهتمام الحقيقي والتركيز الدقيق، فإنّ التفاصيل المعقدة ستكشف لكِ طبقات من المعاني المستترة.

كيف ترين تأثير الصورة في وقتنا الحالي، حيث يبحث جمهور مواقع التواصل الاجتماعي عن كل ما هو سريع ولا يريد الكثير من القراءة والتحليل؟

أعتقد أنّ وجود كم هائل من الصور حولنا أدّى إلى التشبّع الزائد من المتلقّي، ما جعل من الصعب على أي صورة مميزة فعلاً أن تترك تأثيراً قوياً. وصحيحٌ أنّه من المذهل أن نتمكّن من الوصول إلى كل هذا الكم من المعلومات والقيم عن طريق الصور، إلّا أنّ لذلك ثمن أيضاً، فهو يوجّه نحو الإشباع السطحي والفوري، حيث غالباً ما يتم التغاضي عن عمق الصورة ومعناها لصالح الاستهلاك السريع والآني، فتتضاءل قيمة التأمّل والاتصال بما نراه. أنا لست مينيماليّة ولكنني أعتقد بهذا الموضوع تحديداً أنّ الأقل هو الأكثر جودة وأهمية وتأثير.

ما هو برأيكِ الفرق بين المصور المحترف والهاوي؟

إنّ التعريف المباشر بالأبيض والأسود هو أنّ المصور المحترف يفعل ذلك من أجل لقمة العيش، لكنني أرى أن الاحتراف في التصوير الفوتوغرافي هو منطقة الرمادي. أود أن أقول إنّ المهارة والنية والاتساق ومعرفة الشكل الفني هي عوامل رئيسية يجب أخذها في الاعتبار لنكون محترفين، ولكنّ العديد من الهواة يتمتعون بنفس ما يتمتع به المصورين المحترفين، ولكنهم اختاروا مساراً يعنيهم ويعبّر عنهم كما يرغبون.

هل تحبّين أن يطلق عليك لقب مصورة محترفة، أم تفضّلين أن يبقى التصوير الفوتوغرافي هواية تسعدكِ وتحرركِ مما يزعجك؟

أتعامل مع التصوير الفوتوغرافي على محمل الجد، من خلال العمل في مشاريع طويلة المدى، فأقوم بعرض وبيع أعمالي ونشر كتب مصورة، ولكنني في الوقت نفسه أحب التصوير من دون ضغط بهدف تقديم محتوى قابل للبيع أو التسويق أو يلبّي توقعات محددة. أفضّل أن أسمح لحدسي أن يقود الطريق فأعمل بالسرعة التي تناسبني، ولا أفكر كثيراً خلال عملي بمدى احترافيتي.

كيف تصفين أسلوبكِ في التصوير؟ ما الذي يجذب عين المشاهد في صورك؟

صوري ترتكز على أسلوب واقعي وخام، حيث أسعى إلى الكشف عن التوازن الدقيق بين المقدّس والمدنّس في نسيج الحياة اليومية. من خلال التقاط المشاهد في جميع أنحاء مصر، أسعى جاهدة لاستكشاف وإظهار العناصر المقدسة الموجودة دائماً وسط الحياة الطبيعية. وعلى الرغم من أنّ عملي يعتمد في المقام الأول على الألوان، إلا أنني أقوم بتجربة الصور بالأبيض والأسود وأدمج أبعاداً ضوئية متعددة في عملي لإضافة المزيد من الطبقات والأعماق إلى التركيبات.

لماذا تفضلين الصور في الطبيعة وفي الشوارع وبين الناس وليس في الاستوديو؟

أرى أن هذه البيئات نابضة بالحياة وغير مبرمجة أو فلأقل مخطط لتواجدها بهذا الشكل المتكامل، فبهذه الطريقة تتناغم المناظر معي وتوفر نسيجًا غنيًا للاستكشاف والتأمل. من خلال ما أراه في الطبيعة وبين الناس في الشوارع والطرقات، أجد حريتي في الاستكشاف والاتصال.

هل يزعجكِ غياب القيمة الحقيقية للصورة من خلال عدم إبقائها مطبوعة وملموسة؟ أي هل تشعرين أنّ ذلك لا يحافظ على الذكريات واللحظات الجميلة التي تجمع الناس؟

أنا أميل نحو مادية الصور المطبوعة. هناك شيء مميز يتعلق بحمل الصورة والشعور بملمسها ووزنها وتأملها لاكتشاف نفاصيلها ومعانيها، فالأشياء المادية لها وجود بالنسبة لي: إنّها تجسّد الذكريات بطريقة ملموسة لا يمكن للصور الرقمية مطابقتها تماماً. ومع ذلك، فأنا أدرك مزايا الصور الرقمية وملاءمتها لمتطلبات عصرنا الحالي، وسهولة مشاركتها، وكيف أنّها أحدثت ثورة في قدرتنا على الاتصال. ولكن بالنسبة لي، أفضّل طبعاً تجربة اللمس للصور المطبوعة وأدعو الناس إلى عدم التفريط بها.

هل يوجد صعوبات لوجستية للتصوير الفوتوغرافي في الطبيعة وبعيداً عن الاستديو؟

هناك العديد من العوامل التي تؤثر على الصورة منها الوقت والضوء المتاح، الطقس، المعدات، وما إلى ذلك. أنا شخصياً أجد أنّ العمل صعب جداً في بلد مثل مصر، حيث الأذونات هي التحدي الأكبر، والحصول على التصاريح أمر صعب لأنّ السلطات تشكّ بشدة في أي شخص لديه كاميرا.

هل تؤيدين أن يراعي المصور معايير مجتمعه؟ أو هل ترين أنّه يجب أن يكون حراً تماماً في إيصال أي رسائل يريد مشاركتها؟

كمصورة، أنا متأثرة بشدة بالمفهوم الصوفي للأدب، أي الآداب والأخلاق والسلوك الأخلاقي الذي يجب الالتزام به في المسار الروحي، مع التركيز على أهمية الاحترام والتواضع والمجاملة والوعي بأفعال الفرد والنوايا دائماً.

لذا أحاول أن أتعامل مع عملي باحترام واهتمام تجاه كل شيء وكل شخص أقابله. هذا النهج لا يحبس الإبداع؛ بدلاً من ذلك، أشعر أنّه يثريه من خلال ضمان أن تكون المعايير المعتمدة مرضية لكل الأطراف. من خلال الحفاظ على القيم في التصوير الفوتوغرافي، يمكن للمصور إنشاء صور لا يتردد صداها على المستوى البصري فحسب، بل تحترم أيضًا وتكرم القصص والمساحات التي تمثلها. إنّها رقصة جميلة بين مراعاة معايير المجتمع واحتضان الحرية الفنية.

ما الذي تطمحين لتحقيقه في مجال التصوير الفوتوغرافي؟

أستمر بتصوير ما يلفتني ويشدّني للقيام بعمل هادف يحتفل بكل نواحي حياة الإنسان ويشعره بالتواصل مع من وما حوله.

اقرئي المزيد: أمينة زاهر: صُوري في الموضة تعكس الروح والحركة والحياة

 
شارك