غادة شيري: أطمح أن أكون صوت الفن السعودي الجديد

الصوت الجميل موهبة يكتشفها الإنسان وينمّيها، والفنانة الشابة غادة شيري تملكها بجدارة، ولكنّها لم تكتفي بهذه الميزة بل قررت التعمّق في مجال التأليف والتلحين والإنتاج، لتختار الطريق الأصعب بالنسبة لكثيرين، ولكنّها بهذه الطريقة توصل ما في داخلها للآخر، محاولةً عكس مشاعر إنسانية جميلة وعميقة بصوت حسّاس ورائع ونمط موسيقي يجمع الروح الشرقية بالأنماط الغربية. التقينا غادة التي كشفت لنا المزيد عن نفسها وعن مسيرتها الفنية وطموحاتها وأعمالها للفترة المقبلة.

امتلكتِ مفاتيح النجاح في مجال الغناء بسبب موهبة صوتية قوية ومميزة، فلماذا اخترتِ أن تكوني فنانة شاملة ولم تتركي باقي عناصر العمل الفني لمواهب أخرى حولكِ؟

الموهبة التي لديّ بدأت بالنمو بشكل تدريجي، ولكن عوامل الحياة التي كنت أعيشها وتجاربي، فرضت عليّ أن أوسّعها في مختلف الاتجاهات لكي أكون فنانة شاملة. فأنا حين بدأت، كنت صغيرة جداً وكنت أردد الأغاني التي أسمعها حولي، ثم صرت أؤلف الكلمات، وتالياً بت مهتمة بالألحان، ومع مرور الوقت أحسست أنني أحتاج للمزيد كي أعبر من خلاله. وأثناء نشأتي ومراهقتي، قررت أن لا أظهر وجهي، لذا كان صعب عليّ التعامل مع ملحنين ومؤلفين وموسيقيين ومنتجين وعاملين في المجال الفني، بالتالي فأنا لو سرت في طريق مختلفة ربما كان بإمكاني التركيز فقط على الغناء، ولكنني أعتبر أنّ مجريات الأمور بهذه الطريقة صبّت في صالحي، إذ دفعتني للبحث والاكتشاف والتعلّم الذاتي وتطوير مواهبي. وفي عمر الـ17 سنة، تعملّت أن أكتب الكلمات وأؤلف لأقوم بعدها بالتسجيل في منزلي وتنفيذ عملية الإنتاج بطريقة مبتدئة، لحين وصلت إلى إصدار أغنية متكاملة، والسبب الأول برأيي هو أنني أملك شغفاً كبيراً، هو الذي جعلني لا أعترف بأي صعوبات أو معوقات.

كيف أتقنتِ نواحي الإنتاج والتأليف والتسجيل وهي أمور تقنية معقدة، فيما كنتِ شابة صغيرة ليس لديها أي خبرة سابقة في الأعمال الفنية؟

بالفعل لم أتسجل في أي دورة تعليم موسيقى أو إنتاج، ولكنني استفدت من أذن موسيقية امتلكتها منذ الطفولة، فكنت أسمع الأغنية وأعجب بها فأتعلمها وأجيد تقديمها، وبعدها صرت أبحث على يوتيوب وأقوم بأبحاث حول الإنتاج والتوزيع الموسيقي والتلحين وعزف البيانو. اعتمدت على نفسي واتّبعت فطرتي، ففي بدايتي عام 2013 لم يكن هناك هذا الانفتاح بالشكل الذي نراه اليوم، لذا عرفت أنّ الفرص للظهور ستكون صعبة، ولكنني اخترت أن أستمر حتى مع علمي أنّ طريقي مجهول، وما زلت أسعى للتطور والوصول إلى الآخر من خلال موهبتي.

تكتبين كلمات قوية وتحمّلينها مشاعر جميلة وعميقة، ألم تترددي في الكشف عن مكامن روحكِ أمام العلن، ولا سيما أنّكِ شابة سعودية محافظة على أصولها وعاداتها الاجتماعية؟

أنا شخص كتوم ويستحيل أن أعبّر عن مشاعري علانية، لذا وجدت في التعبير الفني وسيلتي أو مهربي، فأنا أتحدّث عما يخالجني بطريقة غير مباشرة، كما أنّ المتلقّي يدرك جيداً أنّه أمام عمل فنّي، وبالتالي فإنّه لن يعرف بطريقة جازمة هل هذه مشاعري الحقيقية أو أنني أجسّد حالة معينة لم أعشها شخصياً من خلال كلماتي وصوتي، وهذا برأيي جمال الفن والتعبير. وما زال لديّ تخوّف لأنني لا أحب كشف ذاتي بشكل كبير أمام الناس، ولكنني أوقن أيضاً أنّ هذه الموهبة التي أعطاني إياها الله سبحانه وتعالى، يجب أن تصل، علّني أساعد الآخر في التعبير عن مشاعره حين ينغمس في الأغنية. وهذا الوصول بصوتي وإحساسي للجمهور هو ببساطة ما يخفّف عنّي الخوف من مشاركة مشاعري.

كيف ترين تفاعل الجمهور مع أغنياتكِ التي تمزج بين الأسلوب الغربي والإحساس الشرقي؟

في الحقيقة، إنّ الأصداء الإيجابية التي أتلقاها من الجمهور هي ما دفعتني للاتجاه أكثر نحو الغناء باللغة العربية، فأنا فضّلت للسنوات أن أعبّر عن نفسي باللغة الإنكليزية، ولكن وجد الناس روحاً مختلفة في فنّي فتفاعلت معها، وهنا أذكر أنني نشأت على الأغاني العربية القديمة، وأحب النمط الشرقي وتاريخ الفن لدينا، لذا أحطت نفسي بالأفكار والانماط العربية، ولجأت إلى المقامات العربية ومزجتها مع الألحان الأجنبية، وأسعى مستقبلاً إلى تطوير هذا الأسلوب، فأقدّم محتوى عربي مع ألحان ذات طابع غربي.

أين تضعين الشهرة في سلم أولوياتكِ، هل هي مهمّة وما الذي تعنيه لكِ؟

بالتأكيد فكّرت في الشهرة قبل أن أقرّر الكشف عن هويتي الحقيقية، فأنا عملت لفترة طويلة من دون إظهار اسمي أو وجهي، لأنني كما قلت، أنا إنسانة تحب الخصوصية ولا ترغب بأن يشاركها الجمهور حياتها الشخصية، لذا كنت أرى الشهرة بمثابة العائق، لأنني لم أرغب بها، بل أردت أن أصل بإحساسي وموهبتي للناس، وأن أنجح بفني وأقدّم محتوى أرضى عنه، لذا أعتبر الشهرة بمثابة التحدي، وبحكم شخصيتي فأنا لن أكون «مشهورة» بالشكل المعتاد، فلن تريني في كل مكان تحت الأضواء، ولكن سأسعى دائماً نحو الرضا عن الذات وعن التواجد على خشبة المسرح ورصد ردود فعل الناس وتفاعلهم، وأعتبر أنني حققت حلمي حين جرّبت هذا الإحساس لأول مرة، وباقي الأشياء في الحياة أراها أهدافاً أسعى بالتأكيد لتحقيقها في المراحل المقبلة.

ما رأيكِ بالساحة الفنية الحالية وبالأغاني الريتمية القصيرة التي تتحول إلى تراندات عبر وسائل التواصل؟

الجمهور بالتأكيد متعطّش للفن الحقيقي، وللأسف نحن نعيش حالياً في عصر السرعة والأغاني التجارية سهلة الوصول وسريعة الانتشار، وهي نوع فني يعتبر ترفيهي مختلف يناسب بعض الاذواق، ولكن هناك فئة كبيرة من الجمهور ذوي ذوق رفيع.

كيف تحافظين على عفويتكِ وحقيقتكِ ومظهركِ الطبيعي في وقت نرى أغلب الشابات متأثّرات بشكل كبير بالصور النمطية التي تكرّسها وسائل التواصل؟

أنا متصالحة مع نفسي بشكل كبير، وأعرف أنّ أولويتي في الحياة هي إيصال فنّي، وهذا لا يعني أنني لا أهتم بمظهري أو أتابع الموضة، بل على العكس، أرغب دائماً بالتجديد والظهور بصورة جميلة واختيار ملابسي وإطلالاتي بعناية لأنّه في النهاية صورتي هي جزء من الفن الذي أقدّمه. ولكن بكل الأحوال، مظهري لا يحدّد هويتي كفنانة، وهذه القناعة توصّلت لها مؤخراً، فقبل ذلك كنت أخاف أن يكون شكلي غير جميل حين أندمج في كلمات الأغنية وتتغير تعابير وجهي وأصرخ على النوتات العالية، لذا كنت مرتاحة أكثر حين كان وجهي مخفياً، ولكن بعدها تصالحت مع ذاتي ومع فكرة أنّ صوتي حقيقي وقوي ويحتاج أن يصل بشكل حقيقي للآخر، فهذا الاندماج هو ما يوصل موهبتي بشكلها الأجمل للآخر.

حدّثينا عن كيفية إنشاء عمل جديد، وعن الأجواء التي تحتاجين إليها للعمل على مشروع فني؟

إنشاء عمل جديد أمر ممتع جداً بالنسبة لي، فأنا أبدأ بكتابة الكلمات ولا أركّز على موضوع محدّد بل عن شعور أو قصة أرغب بعكسها أو التعبير عنها، ثم أبحث عن الرسائل منها لأتخيل تنفيذها على أرض الواقع وهويتها الخاصة، وقد أنهيت قبل فترة أغنية بعنوان «تشرب من روحي». أثق بنفسي 100% من حيث المحتوى، ولكنني لا أتردد بسؤال من حولي في حال كان لديّ شكوك أو تردّد.

كيف ترين التغييرات الحاصلة على الساحة الفنية في المملكة، وهل استفدتِ منها لإظهار موهبتكِ بشكل أكبر؟

التغييرات كبيرة جداً وهي تحدث في وقت قصير بحيث أننا لم نعد نستوعب سرعتها. وهي بالتأكيد أتاحت لي فرصاً كثيرة وبت مرتاحة أكثر في العمل، وواثقة بأنني سأجد قنوات أوسع للوصول، ولكن بالنسبة لنوع عملي ولأنني فنانة مستقلّة لا أتبع أي شركة إنتاج، أجد بعض المعوقات أو فلنقل تحدّيات، إلّا أنّه في النهاية خياري، فأنا أردت أن أقدّم موسيقاي بأسلوبي مع فريق عملي، وبالتالي لن أتلقّى الدعم من الشركات الكبرى، وسأتحمّل كل المسؤوليات، لذا أحتاج بعض الوقت حتى أرسي هويتي الفنية وأنطلق بشكل أوسع وأكبر.

ما هي المواضيع التي ترغبين بطرحها من خلال أغانيكِ مستقبلاً؟

أحب أن أخوض أكثر بالتجارب الإنسانية ولكنني حالياً بعيدة عن هذا الاتجاه، إنّما مع الأعمال القادمة سيختلف أسلوبي في الكتابة والغناء لأصل إلى أبعاد لم أتطرّق إليها من قبل وفئات جمهور أوسع.

كيف تسعين لتعزيز تواجدكِ الفني عربياً وهل من حفلات أو مهجرنات قريبة سنراكِ فيها؟

أطمح بالتأكيد بالتوسّع عربياً لأمثّل صوت الفن السعودي الجديد وأقدّم صورة حقيقية عن نفسي وأعكس مشاعر الناس، لذا أنتظر الفرص الكبيرة التي ستقدّمني بالشكل الذي يرضيني، وسأطرح ألبومي الأول باللغة العربية بعنوان «أنا موجود» في خلال فترة نهاية العام الحالي، وأنا متحمسة كثيراً لرصد ردود أفعال الجمهور. 

 
شارك