غادة الربيع: الاستدامة خيارنا الوحيد للمراحل المقبلة

بدل أن تتخلص من أغلفة الشوكولا والحلوى وترميها في المهملات، اختارت الفنانة السعودية الشابة غادة الربيع أن تحوّلها إلى قطع فنية مبهرة للعين والعقل، تحمل أفكاراً عميقة مختلفة وتعكس الكثير من آراء صاحبتها وتراث وتاريخ بلدها وغيرها من المواضيع الحياتية. تمارس غادة الاستدامة بكل اقتناع بأهميتها للجيل الحالي والمستقبلي، وتحث الجمهور على انتهاجها، وهي تتعاون في هذا العدد مع مجلتنا في عمل فني مبهر لتكون رسالتها من خلاله: الاستدامة أساسية لخدمة الحياة على هذه الأرض بكل أشكالها.

 

حدّثينا عن التعاون الذي يجمعكِ مع مجلة هَيا لعدد شهر ديسمبر الذي يتمحور حول الاستدامة؟

عندما تلقّيت رسالة مجلة هَيا شعرت بالسعادة الكبيرة. كانت لحظة مميزة لأنّ مجلة هَيا من المجلات التي أحب قراءتها كلّما سنحت لي الفرصة، وقد وجدت أنّ اهتمام مجلة عريقة بالاستدامة يعني النهوض بكوكب الأرض بشكل ما، عن طريق لفت نظر القرّاء إلى جمال عالمنا بأساليب غير تقليدية مبتكرة، وأراه شرفاً كبيراً لي سأفخر به دوماً، وهو أن أكون جزءاً من المشروع الذي تقدّمونه خدمةً للحياة على هذه الأرض بكل أشكالها.

كيف اخترتِ فكرة العمل الفنّي، وكيف عكستِ مفهوم الاستدامة من خلالها؟

عملي الفني يحكي حكاية سرمدية اسمها الجمال. وعند سماعنا كلمة الجمال يتبادر إلى ذهننا المرأة، فهي من توصَف بالجمال، وبأسلوبي في استعمال أغلفة الحلوى أردت أن أظهر جمال هذه الأغلفة عن طريق ابتكار لوحة فنية تمتزج فيها الألوان البراقة مع الخامات المختلفة: من أغلفة لشركات حلوى معروفة إلى أغلفة شوكولا لا تحمل أي رمز عليها. عملت على دمج هذه الخامات معاً لإخراج عمل فني هو متعة شخصية لي.

ولقد أطلقت على أسلوبي باستعمال أغلفة الحلوى اسم «كوغا» أو CWGA، وهو اختصار لـ «فن غادة بأغلفة الحلوى» أو Candy Wrappers Ghadah's Art.

ما هي الأفكار التي أردتِ التعبير عنها من خلال هذه القطعة الفنية؟

أردت أن أوصل رسالتي التي طالما تحدّثت عنها وهي: يجب علينا إعادة تدوير الأشياء من حولنا، والتي نعتقد بأنّها مهملات، فكل شيء ننتهي من استعماله يصبح مهملات، ولكننا نحتاج فعلاً أن نعيد النظر بكل ما نتخلص منه، إمّا بإعادة تدويره أو التبرع به لمن يعيد تدويره.

كيف اخترتِ الألوان والخامات ومزجتها بطريقة تخدم الفكرة وتوصلها للجمهور؟

الصعوبة في استعمال أغلفة الحلوى تكمن في ألوانها البراقة الملفتة، لذا أحتاج إلى وقت طويل لأُخرج القطعة بصورة ترضيني وتمتّع عيني. فالموضوع ليس سهلاً، لأنّ غلافين مختلفين من أغلفة الحلوى يمكن أن يظهرا متناسقين في لوحة معينة، ولكن مزعجين ومتنافرين في لوحة أخرى، لأنّ كل لوحة لها سماتها الخاصة التي يجب أن أفهمها جيداً لأعرف كيف أنتقي موضوعها وخاماتها.

كيف تقومين بتذليل الصعوبات لتحويل المادة التي تعملين عليها من أغلفة حلوى إلى مزيج متناسق يعكس فكرة فنية عميقة وذات معاني؟

بالتجريب كثيراً ودراسة التغييرات التي تحدث لكل غلاف حلوى على حدى. فأغلفة الحلوى حساسة جداً للحرارة ولبعض المواد الكيميائية وقد اكتشفت ذلك من خلال التجارب التي تعلّمت منها ما يصلح وما لا يصلح عند تنفيذ العمل الفني. أصعب مرحلة لإنتاج عمل فني هي إيجاد فلسفة العمل والرسالة التي أرغب في إيصالها، ففي إتقان هذه الخطوة فرصتي لمخاطبة قاعدة جماهيرية واسعة، بحيث أسلّط فيها الضوء على مواضيع اجتماعية أثارت اهتمامي بطريقة أو بأخرى، لذا أجد في التعاون مع مجلة هيا فرصة ثمينة لتحقيق المزيد من التقارب مع الجمهور العريض.

هل تلهمكِ الطبيعة، وكيف ترين تعامل الإنسان معها ومع خيراتها؟

شخصياً أعشق كل ما هو طبيعي أو مصنوع من خامات طبيعية، فولائي دائماً للأرض، وأحب الخشب والورق وكل ما تخرجه الأرض وما هو قابل للعودة إليها. واستخدامي لأغلفة الحلوى ليس إلا وسيلة لإنقاذ الأرض من خامات يصعب تحللها، فأُعيد تدويرها بطريقة جذابة، وهكذا أوصل رسالتي أنّه علينا إعادة النظر في كل شيء من حولنا حتى نصل إلى فكرة ما تخولنا الاستفادة منه من جديد.

اللامبالاة التي يحيط الإنسان بها نفسه واستهلاك موارد الطبيعة من دون تفكير مسبق، هو أسرع وسيلة لتدمير حق الجيل القادم في العيش على كوكب جميل ككوكبنا. وأجد هذا للأسف بكثرة من حولنا، فحتى أغلفة الحلوى التي كانت تصنع من القصدير والورق وهما خامتان من الأرض تغيرت، وأصبحت الكثير من الأصناف تغلّف بغلافات بلاستيكية لا يمكن تحللها وإن تحللت ففيها خطورة على صحتنا. إنها وسيلة الشركات لتخفيض تكلفة الإنتاج وزيادة الأرباح باستخدام خامات رخيصة القيمة، فتكون نتيجة ذلك كارثية للأسف. يجب أن نستوعب خطورة السير في هذا الاتجاه ونتجه معاً في محاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه بتغيير العقول وأساليب الحياة.

ما الذي تعنيه الاستدامة في عملكِ، وهل بدأتِ باعتمادها في حياتكِ؟ وكيف تشجّعين جمهوركِ على اعتمادها كنهج حياة؟

الاستدامة هي أساس عملي الذي هو نوع من إعادة تدوير الخامات المستهلكة ولكن بطريقة جذابة للمشاهد، وعندما يشاهد الجمهور ما يمكن عمله بإعادة التدوير ستتاح له فرصة إعادة النظر بكل شيء يعتقد أنّه مهملات، وحينها سنرى إبداعات بخامات أخرى، فالجمهور يحفزه الجمال ويلفت نظره البريق، وهاتان الصفتان تظهران بوضوح في لوحاتي.

شخصياً أحاول جمع كل ما يمكن جمعه في مرسمي، حتى أنني في بعض الأحيان أجد صعوبة في العمل داخل الاستوديو الخاص بي بسبب ازدحامه بالخامات التي أرفض التخلص منها على أمل ايجاد وسيلة لإعادة تدويرها والاستفادة منها.

هل ترين ازدياد الاتجاه نحو استخدام المواد المستدامة والصديقة للبيئة في المجالات الفنية؟

أجد ذلك بوضوح في الفترة الأخيرة ويعجبني ذلك كثيراً، والموضوع يحتاج إلى المزيد من الدعم لدراسة الأساليب المبتكرة لإعادة الاستفادة من كل ما لا يمكن استخدامه أو تحلله. فإن وجد له سوق مناسبة لبيعه، ستكون نواة لثورة جديدة ننقذ بها أرضنا، ولتحقيق ذلك نحتاج إلى طرق جديدة لإنارة العقول ومخاطبتها بطريقة عملية لتقتنع بأنّ الاستدامة هي خيارنا الوحيد للمراحل المقبلة.

هل بات هناك وعياً كاملاً لأهمية الاستدامة لدى الفنانين والعاملين في المجالات الإبداعية؟

بالتأكيد، فأنا أشاهد دائماً أعمالاً مذهلة لعدة فنانين جدد ومخضرمين، وأعتبر الأمر مثل سباق جميل لمن ينتج ما هو غريب ومستدام بشكل غير مألوف، وهذا يدفعني دوماً لأنتج أعمالاً أكثر جمالاً وجاذبية، وتحمل رسائل مؤثرة وذات أبعاد وأهداف.

ما هي مشاريعكِ للفترة المقبلة؟

أنا أسعى لأن تكون أعمالي أكثر استدامة لذا أحاول وأجرّب العمل بعدة خامات لأتأكد من أنّها مناسبة للقطعة الفنية. حالياً أخطط لمعرض شخصي يحمل هذا الطابع ويشجّع على الاستدامة، كما أنني في طور تأليف كتاب يحتوي صور أعمالي الفنية، أتمنى أن يكون إضافة مثرية للمكتبة الفنية العربية والإنكليزية. 

اقرئي المزيد: هيا ياسمين: السفر المستدام يوجّهنا نحو تجنّب المدن الكبرى وبناء عادات سفر أكثر صداقة للبيئة

 
شارك