الإعلامية فاديا الطويل واجهت مرض السرطان وانتصرت عليه ٤ مرات

في صوتها الثابت قوة ونبرة ثقة تجعلك تقفين مباشرةً للاستماع إلى كلماتها، وفي حديثها عمق ووعي وفهم جميل للحياة، هي الإعلامية الأردنية التي تعيش في دبي فاديا الطويل والتي واجهت مرض السرطان في الثلاثين من عمرها وانتصرت عليه ٤ مرات لتتحول إلى رمز للصمود والإرادة وتسعى إلى خدمة الشابات غيرها ممن لا يتسنّى لهنّ الوصول إلى أفضل طرق العناية الصحية. التقيناها لتحدّثنا عن انتصارها على المرض الخبيث والدروس التي تعلّمتها من التجربة.

هل كنت تحبين مجال الإعلام منذ أن كنت طفلة وكيف توجّهت إلى هذا المجال؟

حين كنت في الصف الثالث الابتدائي أي بعمر التسع سنوات كنت أشاهد برنامجاً تلفزيونياً على القناة السعودية الأولى، وكنت أقول لوالدتي: سأكون يوم ما مذيعة وسأجلس مكان هذه السيدة. وقد تحقّق الحلم أو الرؤية أثناء إصابتي بالسرطان فقد قدّمت برنامجاً اسمه «مكسرات» على القناة نفسها، وأخذت مكان المذيعة سلوى شاكر... من هنا أعتقد أني لطالما آمنت بأنني سأكون إعلامية فقد كان لديّ الطموح ولكنني لم أظن أني سأصل إليه بسهولة. وفي الحقيقة لم تكن الرحلة سهلة لكنها جعلت مني المرأة التي أنا عليها اليوم.

هل تؤمنين بالقدر أو بأن الإنسان يكتب بنفسه مصيره ويصنع مستقبله؟

أؤمن أن الإنسان إذا وضع قبالة عينيه أهدافاً معينة ولم ينظر إلى الوراء أو يتلهى بمن حوله فسيصل إلى كل ما يرغب فيه. فأنا حتى اليوم وعمري 50 سنة أضع أمامي أهدافاً لعمر الستّين والسبعين وكلّي ثقة بأنني سأصل كما وصلت حين كنت طفلة وصرت شابّة. وبالتالي أؤمن أن الإنسان قادر على أن يتحكّم بظروفه، وصحيح أن هناك حظ لكني أراه كعابر سبيل يدق الباب ففي حال لم يجد الجواب سيذهب ولن يعود مجدداً. لذلك علينا أن ننتظر الفرص ونُحسن الاستفادة منها لتكون طريقنا نحو الوصول إلى ما نرغب فيه.

في سنّ صغيرة خضت تجربة سرطان الثدي. هل تعتبرين نفسك محظوظة وهل استفدت مما حصل معك لفهم الحياة بشكل أوضح؟

صحيح أني علمت بإصابتي بمرض السرطان في سنّ الثلاثين، وكانت صدمة قاسية لكنها لم تكن أصعب مما حصل معي في حياتي، فقد عشت ظروفاً اجتماعية وأسرية أقٌسى وأصعب. لقد سمحت إصابتي بالسرطان لكل مشاعري ورغباتي بالتفجّر، واستطعت أن أقول له لا بالفم الملآن، فقد تمسّكت بحياتي وتمتّعت بإرادة صلبة كي أتغلّب عليه، وأسرق المزيد من الوقت مع من أحب. وبعد 17 سنة وبعد أن انتصرت وعشت متحدّية ما قاله لي الطبيب لدى إصابتي للمرّة الأولى بأن أمامي 6 أشهر فقط... وبعد كل ما مررت به وبالرغم من تكرّر إصابتي أكثر من مرّة، أرفض أن أظلّ أسيرة لهذا الداء. فلا أذكره إلا في مقابلاتي وإطلالاتي الإعلامية، لأني لا أسمح له بأن يغلبني ولا أريده أن يكون محور حياتي. وما بتّ متأكّدة منه بعد هذه التجربة هو أن التعامل مع بعض الأشخاص المؤذيين أصعب بكثير من التعامل مع السرطان والانتصار عليه. فبعض الأشخاص يجعلوننا نختبر مشاعر أقسى وأكثر حدّة وألماً من المرض.

ما الذي أعطاك القوة للمواجهة؟ وكيف تعامل من حولك مع الأمر؟

إيماني الكبير برب العالمين وبفكرة أنه يكتب لنا ما هو الأفضل ويرعانا وكأننا أطفال يصونهم بعيونه التي لا تنام. ببساطة إيماني به هو مصدر قوتي، بالإضافة إلى حب أهلي الذين يخافون عليّ ويرغبون في رؤيتي بعافية على الدوام. وهنا أقول إن عائلتي كانت نقطة ضعفي خلال فترة إصابتي ومراحل علاجي، فقد كانوا يتألمون ويحزنون بشكل كبير لأجلي ولذلك ازدادت قوتي لكي أنتصر على المرض وأظل معهم... وهم مع الوقت وبعد أن شاهدوا عن كثب مدى قوتي وقدرتي على الشفاء منه لأربع مرّات متتالية: الأولى سنة 2003 والثانية سنة 2007 وسنة 2009 وسنة 2011، أدركوا أني أقاوم بشراسة لكي أظل معهم. وأحمد الله أنني اليوم بخير لكن حين أذهب لإجراء الفحوصات الدورية، لا يتوتّرون أو يخافون بل يسألونني بكل هدوء عن النتيجة، لثقتهم أني سأكون بخير ولن أسمح لهذا الداء الخبيث أن ينتصر عليّ.

هل تخافين اليوم أن يعود السرطان؟

لم أخف من المرض في الماضي ولن أخاف اليوم ولكني أتخذ كل التدابير وأتابع مع الأطباء وألتزم بكل الفحوصات. وأعيش في المقابل حياتي بشكل طبيعي، حتى أني أنسى أحياناً إصابتي به وما مررت به خلال السنوات الفائتة.

ما هي الدروس الحياتية التي تعلّمتها؟

تعلّمت الكثير من تجربة السرطان فهي تغيّر الحياة بشكل جذري. ولا أتمنّاها لأحد ولكنني أقول لكل شابة تعاني منه اليوم أو شفيت وترغب في بدء حياة جديدة: اجعلي هذه التجربة فرصة لكي تغيّري في شخصيّتك للأفضل. فقد استغلّيت المرض لكي أحسّن تعاملي مع الناس ومع أولادي وأسرتي، ولكي أحسّ بقيمة الوقت ونعمة الصحة وقيمة كل دقيقة نقضيها مع من نحب.

في صورك وكلماتك عبر وسائل التواصل الكثير من القوة والحكم الحياتية الرائعة، فإلى أي مدى مررت بتجارب صعبة كي تصلي إلى هذه العبر؟

إن كل ما أكتبه وأشاركه نابع من قلبي، فأنا أكتب عما حصل معي لكي أعلّم غيري من خلال تجاربي. فبعض الناس لا يملكون الصبر أو الحكمة للتصرّف بالشكل الأنسب، لذلك أحب أن أساعد وأوجّه من يواجه مشكلة مررت بواحدة تشبهها، حول الطريقة الأمثل للتعامل معها. ولا أتحدّث فقط عن مرضي بل عن مشاكل اجتماعية ونفسية ومعيشية يومية و يصبّ جلّ اهتمامي على تقديم المساعدة.

صرت رمزاً للقوة والصمود فهل كنت تتوقّعين أن تملكي كل هذه الشجاعة؟

كنت أشعر في صغري أن لديّ طاقة كبيرة ولكني لم أتمكّن من اكتشافها. وحين أصبت بالمرض تفجّرت قواي وطاقاتي لذلك أعتبره نعمة في حياتي.

هل خدمك العمل الإعلامي والتواجد تحت الأضواء لكي تساعدي نساءً مررن بتجارب مشابهة؟

ساعدتني وسائل التواصل كثيراً في الوصول إلى أكبر عدد من النساء. فهي مهمة جداً لأن المواضيع التي لا نعالجها في التلفزيون أو الإذاعة يمكننا طرحها وقتما نشاء عبر منصة من هذه المنصات المتاحة للجميع وفي كل الأوقات. وأنا كتاب مفتوح أمام جميع المحبّين والمحبّات فليس لديّ أسرار في ما يتعلق بعلاقتي مع أولادي وبيتي وأسرتي وصداقاتي وعملي وشركتي.وبالتالي أشارك الحلو والمرّ وأحاول التركيز على الإيجابية ونشر الرسائل المبهجة.

ألا تشعرين بالضغط من هذه الوسائل كونها تسلب الخصوصية بعض الشيء؟

بالتأكيد أشعر بهذه الضغوط فهذا الأمر يُعدّ من سيّئات وسائل التواصل، لأني أكون في بعض الأحيان منزعجة أو حزينة أو غير مرتاحة سواء نفسياً أم مادياً... ولكن عليّ ألّا أظهر حقيقة مشاعري حتى لا أحبط المتابعين أو أؤثّر سلباً عليهم... أحياناً أستمرّ بالإيجابية وأمثّل السعادة حتى أصل في الحقيقة إليها. وهنا سأقول شيئاً قد يجده البعض غريباً وهو أنه حين نستمرّ في الابتسام ستعتاد عضلات وجهنا على هذه التعابير وستنطبع الضحكة على وجوهنا. بالتالي اقتنعت أنه علينا أن نستمرّ بالضحك: فلنحارب مشاكلنا في الحياة ونحن مبتسمين أفضل من أن نحارب ونحن حزينين ومهمومين. حينها ستنجلي الهموم ولكنّها لن تأخذ منّا طاقتنا المرحة وحسّنا المقبل على الحياة.

أنت سفيرة نوايا حسنة للمرأة والطفل مع هيئة المرأة العربية. حدثينا عن دورك فيها؟

أعمل مع الهيئة على تأسيس مراكز مختصّة بالفحص المبكر لسرطان الثدي وبالصحة العامة للمرأة بسبب وجود سيّدات غير قادرات على الاهتمام بصحتهنّ بشكل كافٍ، وذلك في البلاد العاجزة عن تقديم الرعاية الصحيّة الكاملة للمرأة.

بين دبي مكان عملك والأردن موطنك، أين تجدين نفسك اليوم؟

في الحقيقة أحبّ السعودية كثيراً فهي احتضنتي من عمر الـ18 سنة وقد عشت فيها حوالى 25 سنة وأجد نفسي في ربوعها. لكنّي أيضاً أعشق الأردن التي ولدت فيها وأجد فيها أهلي وناسي. وأتنفّس هواء دبي التي تضمّ أهمّ صداقاتي وعلاقاتي وعملي الذي أحبّ.

لا يقتصر عملك على المجال الإعلامي والإنساني، هلّا أخبرتنا عن أجدد مشاريعك؟

أملك شركة تنظيم فعاليات وعلاقات عامة وسوشال ميديا في دبي، ولديّ شركة عقارات في نشنتاشي في إسطنبول، كما أتابع أعمال مركز التجميل الذي أملكه في السعودية، بالإضافة إلى تواجدي في الكثير من الأحيان في الأردن لكي أكون بالقرب من والدتي. وأحبّ حياتي بكلّ تشعّباتها وأتابع كل مسؤولياتي لأنّي أؤمن بأهمّية التقسيم الصحيح للوقت والاستفادة منه إلى أقصى حد. وأستيقظ في وقت مبكر لكي أبدأ يومي بنشاط ولا أسهر كثيراً، وأشعر في الأيام التي أضّطر فيها للسهر بأنّي أضعت وقتاً ثميناً في اليوم التالي.

حب الناس نعمة حصلت عليها، فما هو السبب برأيك؟

كلمة واحدة هي الصدق، فأنا كما أنا، متصالحة مع نفسي ومع محيطي وصادقة مع من حولي، وعفويّة وبسيطة. ويمكن أن أتصوّر صباحاً بجانب الديوك في منزل والدتي، وتجدينني مساءً في أهمّ القصور أجري لقاءً صحفياً. ويمكن أن ترينني في سوق شعبي وبعدها في إيطاليا للتسوّق. عشت كل شيء: الفقر والغنى، الصحة والمرض، القبول والرفض. والتقيت بأشخاص من مختلف الفئات وفهمت اختلاف الشخصيات وتنوّعها، لأصل إلى قناعة ذهبية وهي أن السعادة بسيطة جداً ولا تحتاج إلى تعب ومجهود ولا لكنوز وأموال. ولنكون سعداء نحن بحاجة للرضا بما كتبه ربّ العالمين ولراحة البال والهدوء والسكينة.

وأرى السعادة أيضاً في العطاء وتقديم المساعدة وهذا لا يعني فقد العون المادي، بل أسعد كثيراً بقضاء وقت مع أشخاص تائهين أو لديهم مشاكل، ويحتاجون إلى مساعدتي وتوجيهاتي. كما أحبّ قضاء الوقت مع الأطفال لأني أجدهم الأكثر جمالاً وبراءة وقدرة
على إدهاشنا.

ما هي رسالتك لكل امرأة تعيش معركتها مع السرطان بصمت؟

أقول لها لا تخافي ولا تيأسي من رحمة الله وقدرته، وأحيطي نفسك بالمحبّين الذين يتمنّون لك الخير والصحة. وآمني أنّك ستعيشين وامتلكي الرغبة في ذلك. وضعي خططاً لسنواتك المقبلة، وعيشي اليوم بأمل وقناعة بأنّ الغد سيكون أجمل.


 

 
شارك