جيلالي فرحاتي وفيّ للسينما المغربيّة؟

نيكولا عازار-دبي
سجّلت السينما المغربيّة تقدّماً ملحوظاً في السنوات الأخيرة، إن كان على صعيد الإنتاج أو عدد الأفلام، كما نجحت في كسر جدار الصمت عن الكثير من التابوهات في مجال حقوق الإنسان عموماً وحقوق المرأة خصوصاً. هو واحد ممّن أسّسوا للسينما المغربيّة المعاصرة، إذ تعتبر أفلامه بمثابة محطات في تاريخ السينما المغربيّة، وكل واحد منها يشكّل علامة فارقة في تاريخ الفن السابع ويؤسّس لمرحلة لاحقة من الإبداع.

سحر قائم بحدّ ذاته
من أعماله «عرائس من قصب»، «شاطئ الأطفال الضائعين» وغيرهما. جديده «سرير الأسرار» الذي شارك أخيراً في مهرجان دبي السينمائي الدولي الأخير، ولاقى استحساناً كبيراً من قبل النقّاد والجمهور على السواء. يعتبر الكاتب والمخرج المغربي جيلالي فرحاتي في لقاء خاص مع «هيا»، أنّ السينما المغربيّة، هي سحر قائم بحد ذاته، لا سيما أنّها قائمة على مصداقيّة وواقع ملموس. ورغم أنّ فيلمه تنافس ضمن عروض مسابقة المهر العربي للأفلام الروائيّة الطويلة، إلا أنّه لم يفز بأي جائزة، بل اكتفى المخرج بتشجيع زملائه المشاركين في المهرجان معتبراً أنّ هذا الأخير رمز للاحتفال بالأعمال السينمائيّة، وهذا ما يميّز دولة عن أخرى، إذ إنّ الفن الجميل يساهم في تطوير ثقافة الشعوب، ما يجعلها أكثر انفتاحاً وتقبّلاً للآخر، لافتاً إلى أنّ الإبداع السينمائي ينبع من رؤية ما، فهو أشبه بإحساس مرهف، يتطوّر مع صاحبه ليتفاعل مع محيطه، ومن هنا تنشأ علاقة وطيدة بين العمل والمتلقّي، قائمة على ثقة متبادلة.
بدأ فرحاتي مسيرته الفنيّة بفيلم «جرح في الحائط» في العام 1978، وعما إذا كان لا يزال وفياً للمنهج السينمائي الذي رسمه منذ انطلاقته، يقول المخرج إنّه يتمنّى أن يعرض عمله المقبل من دون وضع اسمه، ليذهب الناس إلى صالة العرض ويكتشفوا أنّ هذا العمل من توقيعه. لا شك أنّ هذا الأمر هو رهان كبير بالنسبة إليه، إلا أنّه يؤمن بإبداعه الذي يجمع ما بين الفوضى والجرأة والبساطة، لا سيّما أنّه يرفض الخدع السينمائيّة والمؤثّرات البصريّة، فكلما كان الأسلوب بسيطاً، كلما وصلت الرسالة بطريقة أسهل وأسرع.

خطوط حمراء
وعن اختياره لـ«سرير الأسرار» عنواناً لفيلمه، علماً أنّه يدور في منزل مشبوه، يرى صاحب «ذاكرة معتقلة» الذي أخرجه في العام 2000 وهو يعالج فيه ملف الاعتقال السياسي أثناء ما كان يعرف في المغرب بسنوات الرصاص، أنّ هذا العنوان يعبّر عن رسالة واضحة. ورغم أنّه يدور في مكان مشبوه، إلا أنّه لم يتخطّ الخطوط الحمراء ولا القيم الأخلاقيّة، لأنّه يحترم المشاهد مثلما يحترم نفسه، ويضيف أنّ تابوهات عدّة فرضت قيودها على كثير من الحريات الشخصيّة، ما دفع العرب لأن يتصارعوا في ما بينهم، وما أوصلنا اليوم إلى حالة الربيع العربي.

متصالح مع نفسه والمشاهد
غالباً ما يقال إنّ أفلام المهرجانات هي للنخبة، وبالتالي فهي لا تحقّق مردوداً مالياً مرتفعاً، إلا أنّ جيلالي من المخرجين القلائل الذين كسروا هذا الحاجز، واستطاعوا أن يعيدوا للسينما المغربيّة رونقها، من خلال فيلمه «شاطئ الأطفال الضائعين» الذي حقّق نجاحاً ساحقاً في دور العرض. هذا النجاح، وبحسب قوله، يعود إلى عوامل كثيرة، أهمّها تصالحه مع نفسه الذي أدّى إلى نشوء علاقة وطيدة مع الناس، ما حجز له مكانة خاصة في قلوبهم وأذهانهم، كما أنّه يعتمد أولاً وآخراً على ذكاء المشاهد، فإذا فهم الأخير فيلمه، جعل من جيلالي ذكياً، والعكس صحيح، فهو لا يسعى إلى التعالي على المشاهد، لأنّه حين يكتب السيناريو، يضع نفسه مكان المشاهد، لأنّ العمل السينمائي ليس ملكاً محتكراً على المخرج بل هو ملك الجميع.

يغوص في عمق ممثليه
أبدع الممثلون المشاركون في «سرير الأسرار»، فقدّم كل واحد منهم أداء متميّزاً، وهذا ما يؤكد أنّ جيلالي ممثّل مبدع قبل كونه مخرجاً قديراً. يغوص جيلالي في عمق ممثليه، إذ يسعى إلى خلق علاقة خاصة مبنيّة على الثقة التامة وعلى الصراحة، لأنّه إن لم يكن هناك تبادل للأفكار ولم ينشأ بينهم تواطؤ إيجابي، لا يمكن للعمل أن ينجح أو تنتج عنه أي قيمة تذكر، بل ستغلب عليه تساؤلات كثيرة، ما سيؤثّر سلباً على كل المشاركين فيه.
يناقش جيلالي العمل مع الممثل بكل نواحيه، فيذهب معه إلى أعماق الشخصيّة، مروراً بالصورة التي سيظهر عليها، وصولاً إلى الحالة التي سترافقه... ودائما ما يستمع إلى اقتراحات الممثل قبل أن يوجّهه، إلا أنّه يطلق سراحه في مكان التصوير، فيشعر الممثل بأنّه طائر حرّ، لا بدّ له أن يعبّر عن فرحته، لذا غالباً ما يأتي دوره استثنائياً، واللافت أنّ ابن طنجة، لديه قناعة خاصة به وهي أنّ الممثل الذي لا يستطيع أن يديره لن يستطيع بدوره أن يديره.

 
شارك