حكاية النساء في كلّ العصور

تنظرين وأنت في الثلاثين من عمرك إلى صورة التقطت لك فيما كنتِ عبرتِ للتوّ حافة مراهقتك، تبتسمين أو ربّما تسخرين من مظهرك. ثم لا تلبثي أن تقولي:«لمَ تقول أمي إنّني كنت آنذاك بالغة الجمال؟! لا أرى ذلك بل أشعر بأنّني أبدو اليوم أكثر جمالاً». هي ملامحك نفسها، لكن، في زمن آخر. هل كانت Marilyn Monroe لتكون جميلة في العصور الأولى؟ ومن من نساء الأرض عبر التاريخ هي الأكثر جمالاً، أهي نفرتيتي أم Brigitte Bardot أم مَن؟ لا يسعك التحديد؟ نعم، الأمر ليس سهلاً لأنّ لكلّ زمان خطوط حسنه وملامح أنوثته.

جمال العصور الأولى

يبدو من خلال التماثيل التي وجدت لنساء من تلك العصور أنّ الجمال الأنثوي كان يرتبط بالخصوبة. لذا، فقد كانت تلك التماثيل وجوهاً بلا ملامح. لكنّ أبرز ما يظهر من المعالم الجماليّة لتلك الفترة هو أنّ النساء خلال حقبة ما قبل التاريخ كنّ يعتمدن الشعر المجعّد. وربّما يعود ذلك إلى أنّ تلك
التسريحة تدوم لوقت طويل.

مصر... أرض الجميلات

إنّها نفرتيتي، زوجة أخناتون، أحد فراعنة مصر. لا نعرف ما إذا كانت تتمتّع بالجمال، لكنّ المنحوتات العائدة إليها تظهر بأنّها كانت امرأة ذات بشرة مائلة إلى الصفرة، لأنّها لم تكن تتعرّض لأشعة الشمس. كما تميّزت بعينين واسعتين متّشحتين بكحل أسود لافت يبرز نظرات تجمع، إلى جانب القوّة والثقة، جاذبيّة لافتة وأنوثة مميّزة. في الواقع، امرأة مصر القديمة الجميلة كانت تلك التي تتمتّع بالشباب الدائم. أمّا إذا كنت تريدين أن تتعرّفي على سرّ من أسرار الجمال في عهد مصر القديمة، فلتعلمي بأنّ نساء تلك البلاد كنّ يستخدمن زيت اللّوز المر والخس والكمّون والزنبق، وذلك من أجل ترطيب بشرتهنّ. فهل
ستجرّبين هذه الوصفة؟

أسطورة يونانيّة

جمال القوام هو المثال الذي كانت نساء اليونان يسعين إلى بلوغه ليكنّ جميلات. لذا، فقد كنّ يمارسن ألعاب القوى. هل تعلمين ذلك؟ هذا على الأقلّ ما ظهر من خلال التماثيل العائدة إلى أزمنة اليونان الغابرة. ربّما تكون تلك التماثيل مجرّد تخيّل للجمال المثالي من قبل الفنّانين في تلك الحقبة. كان لا بدّ من انتظار القرن الخامس، حيث باتت الأعمال الفنيّة أكثر واقعيّة. لقد أصبحت المرأة اليونانيّة تتمتّع بحسن طبيعي. إلّا أنّ هذا الأمر لم يمنعها من أن تزيّن شفتيها بلون الطين الأحمر وأن تضع لون الزعفران على جفنيها واللّون الأسود الدخاني على رموشها وحاجبيها.

القرون الوسطى: ممنوع الماكياج!

هو يسيء إلى الجمال الفطري. وحده اللّون الأحمر النقي كان السائد آنذاك. أمّا البشرة فكان عليها أن تحافظ على بياضها، لترمز، ليس إلى النقاء فحسب، بل أيضاً إلى الغنى والرفاهيّة. والشباب كان أيضاً أحد معايير الجمال الضروريّة إلى جانب قوام يشبه شكل النحلة ومنكبين عريضين وشعر أشقر. وإليك هذا السر: كانت نساء تلك الحقبة يضعن مزيجاً يتكوّن من الجير ومن كبريتيد الزرنيخ على جباههنّ كوسيلة لمنع نمو الشعر والحصول على إطلالة ناعمة.

النهضة... غاية في الأنوثة

في ذلك الوقت، عرف أحمر الخدود، في الشرق أوّلاً ثمّ في الغرب. من الآن فصاعداً، ستشاهدين صوراً لنساء من تلك الحقبة يستخدمن ماكياج العيون والرموش والحاجبين، إنّه عنصر الأنتيمون الكيماوي الأسود، والذي كان يعتبر بمثابة كحل في تلك الحقبة! أمّا بالنسبة لأحمر الشّفاه وحمرة الخدود وطلاء الأظافر، فالمستحضر واحد: مسحوق الزّنجُفر باللّون الأحمر النقي المائل إلى الأصفر. لقد أحبّت نساء تلك الحقبة أيضاً لون الشعر الفاتح. وللحصول عليه استخدم البعض منهنّ مزيج الزعفران واللّيمون. كنّ يضعنه على شعرهنّ، ثمّ يعرّضنه لأشعّة الشمس لبعض الوقت. إلا أنّهن كنّ يحرصن على عدم اكتساب السمرة! نعم، كنّ يغطين رؤوسهنّ بقبّعات بلا غطاء للرأس.

القرن 17... الكلاسيكيّة

قد يثير استغرابك ما سنحدّثك عنه في ما يلي. نعم المرأة الممتلئة كانت جميلة الجميلات في العصر الكلاسيكي. قد تقولين: «هنيئاً لنساء تلك الحقبة، لم يكنّ عليهنّ اتّباع الحميات القاسية»، أو رّبما لن يحظى الأمر بإعجابك. لكنّ حياتهنّ لم تكن سهلة إلى هذا الحدّ، فقد تحكّمت بالجمال آنذاك «قوانين صارمة»، تمثّلت في عناصر عدّة، لعلّ أبرزها أن تمتلك المرأة بشرة بيضاء ناصعة، ذراعين ممتلئين، قدمين مكتنزتين، بشرة شاحبة، وجنتين حمراوين، شفتين بلون الكرز، بل أكثر من ذلك، كانت نساء ذلك الزمن يعمدن إلى تحديد خطوط شرايينهنّ، وذلك من أجل الدلالة على نعومتهنّ وانتمائهنّ إلى طبقة راقية! وأيضاً لم يكن الكثير منهنّ يتردّد في وضع أقنعة على الوجوه، وذلك من أجل حمايتها من تأثير أشعة الشّمس أو في إخفاء الشعر تحت شعر مستعار كثيف.

القرن الـ18... عودة إلى الإطلالة الطبيعيّة

إنّه عصر الأنوار، عصر التغيير في كلّ اتّجاه. أمّا في عالم الجمال، فقد كان من الضروري التخلّي عن مبالغات القرن السابق والعودة إلى الطبيعة: القليل من الماكياج، بشرة بلون أقرب إلى ذلك الطبيعي، شفتان ناعمتان وشعر غير مصفّف. بل ذهبت النساء إلى ما هو أبعد من ذلك، إذ تأثّرن بما دعا إليه مثقّفو العصر من ضرورة العودة إلى المظهر الريفي البسيط والعفوي. والمستغرب في الأمر أنّ الملكة ماري أنطوانيت تأثّرت هي أيضاً بتلك الدعوات، فتخلّت عن طريقة تصفيف الشعر المصطنعة. أمّا أحد أبرز أسرار الجمال في تلك الحقبة فهي أنّ النساء كنّ يزيّن بشرتهنّ ببقع صغيرة جدّاً من المخمل باعتبارها شامات صناعية.

 جميلة القرن الـ19 مريضة!

صدّقي أو لا تصدّقي، البقع السوداء المحيطة بالعينين والتي تحرصين على إخفائها اليوم كانت إحدى علامات الجمال في القرن التاسع عشر. صاحبة الوجنتين الغائرتين كانت أيضاً من جميلات ذلك العصر. ولاعتماد إطلالة جميلة، كانت المرأة تتجرّع الخلّ واللّيمون، وذلك من أجل الحصول على لون «جميل». وتنام لمدّة قصيرة كي تتكوّن البقع السوداء تحت عينيها. في ذلك الوقت، لم تعد مستحضرات الماكياج تجذب النساء اللّاتي اكتشفن أهميّة الماء في تنظيف البشرة.

العشرينات...سنوات الجنون

الشعر القصير على طريقة الـGarçonne والنحافة أصبحا في تلك السنوات غريبة الأطوار موضة جماليّة لم يسع النساء إلاّ اتّباعها. كان ذلك في النصف الأول من القرن العشرين. لكن في نصفه الثاني بدأ عصر جديد في عالم الجمال. وداعاً للنحافة وأهلاً بالحلم الهوليوودي! كلّ النساء أردن الحصول على إطلالة Marilyn Monroe: شعر أشقر فاتح ومظهر أنثوي لافت وطفولي في آن معاً. وتابعت الشاشة الكبيرة صنع رموز جماليّة ما تزال حيّة في ذاكرة معظم النساء. تتذكّرين Liz Taylor وSophia Loren وطبعاً جورجينا رزق أليس كذلك؟ ولّى عهد البشرة الشاحبة وحلّ فصل الوجوه التي ترتسم عليها ملامح أشعّة الشمس. هي المرأة الرياضيّة ذات الحيويّة البالغة، تلك التي عرفتها مرايا ذلك العصر. شيئاً فشيئاً خرج الجمال من قفص البورجوازيّة، وكامرأته المتحرّرة آنذاك، رفض القيود وعقد العزم على التحليق في فضاء لا يعرف الحدود.

وماذا بعد؟

أيّ نساء الأرض هي الأكثر جمالاً في عصرنا الراهن؟ لا يسعك الإجابة، فثمّة صرعات تحكم عالم الجمال اليوم بدءاً من الشعر، مروراً بالحاجبين والوجنتين والشفتين والأظافر، وصولاً إلى طرق الماكياج وألوانه وأدواته المختلفة. لكنّها ليست موضة مستبدّة. تتمتّع نساء اليوم بحريّة اختيار ما يليق بهنّ من تلك الصيحات. لكنّ المرأة محكومة الآن بالعلامات التجاريّة. فلم يعد في استطاعتها التمرّد عليها، فهي ترسم ملامحها وتعالج مشكلاتها الجماليّة، من ترطيب بشرتها وتنظيفها وتصغير مسامها وصقلها إلى لون شعرها وصحّته وعدم جفافه وتقصّفه إلى نعومة يديها وأناقة أظافرها وتألّق حاجبيها وسحر رائحتها ... والأمر يتخطّى ذلك، فقد بات بالإمكان صنع الجمال الرائج من خلال عمليّات التجميل للأنف والوجنتين والشفتين والجبهة... فهل من علامات تحدّد معالم الجمال اليوم؟ وهل جميلات اليوم، هيفاء وهبي، سلافة معمار، حليمة بولند، Nicole Kidman Julia Roberts Angelina Jolie... جميلات؟ هل سيبقين جميلات بنظر الأجيال المقبلة؟

 
شارك